الدكتوراة للباحث إبراهيم اليمني من كلية الحقوق جامعة بني سويف مع مرتبة الشرف على غرار اقتحامات واتهامات نظام الأسد.. مليشيات الحوثيين تقتحم عمارة سكنية بمحافظة إب بقوة الحديد والنار وتروع سكانها اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا
مأرب برس – خاص
أتذكر أنني تلقيت اتصالا في منتصف شهر آب/أغسطس 2007 من أحد الأخوة هنا في الولايات المتحدة، في وقت بدأ فيه الحراك في المحافظات الجنوبية في التبلور. كان محور المحادثة هو دعوة للانضمام إلى قائمة الموقعين من أبناء الجالية في الولايات المتحدة على بيان لدعم وتأييد الحراك في المحافظات الجنوبية ومطالبه الحقوقية، على أن يصدر ذلك البيان متزامنا مع مؤتمر سيعقده الحراك بعدها بشهر (أيلول/سبتمبر 2007).
أتذكر جيدا أنني تحدثت مع المتصل بشفافية مطلقة وكاشفته من أنه على الرغم من تأييد جميع اليمنيين في الخارج وفي الداخل للمطالبات الحقوقية لأي من أبناء اليمن، إلا أنني لم أكن أثق فيما أراه أمامي من بوادر الحراك. فما أدركته مبكرا في ذلك الوقت هو أننا أمام حركة سياسية متصاعدة سقف مطالبها يعلو أكثر بكثير من الوظائف وإعادة الإدماج. وأكدت له يومها من أنني سأنتظر ما سيسفر عنه ذلك المؤتمر الجماهيري للحراك حتى أستطيع أن أحدد موقفي منه.
بعدها بشهر واحد، تحقق ما كنت أخشاه، فقد عقد المؤتمر وكان أن تبلورت بالفعل الأبعاد السياسية للحراك بأجندة سياسية لا يمكن أن يقبلها شخص محب لليمن.
الآن بعد ما يقارب العامين، أين نقف تحديدا من كل هذا؟
أخشى أن أقول أننا لسنا وقوف على الإطلاق، فنحن جميعا جثونا تحت ثقل مسخ الأخطاء والخطايا الذي تضخم في ثلاثين عاما ملتهما كل شيء في اليمن أرضا وإنسانا.
واليوم، تبدو جردة الحساب طويلة ومقيتة وثقيلة كذلك. فثلاثون عاما من المناطقية والآسرية وعصبيات الجاهلية والاحتماء بشريعة الغاب والظلم والتظالم والانضواء تحت ثقافة القبيلة - التي أكلت كل معنى للنهضة والقانون والعدالة والمساواة والتحضر والنمو والمدنية والدولة – بالتأكيد ليست فترة قصيرة.
ما تبقي إذا هي فرصة أخيرة - ووحيدة ربما – لمراجعة الحساب والنفس، وتسديد الفاتورة وثم البدء من جديد في طريق آخر ومختلف.
فرصة واحدة أخيرة، إذا لم يحسن استخدامها، فباطن الأرض سيكون لليمنيين خير من ظاهرها، وسيغدو اليمن أثرا بعد عين.
فهذا بلد يقترب منه طوفان هادر – من مشاعر الغضب والقهر والظلم والتهميش والعدمية - إذا طغى عليه، لا قدر الله، فلن يبقي له وفيه أخضرا ولا يابس. والذين اعتادوا على مواجهة الأعاصير بسد الثقوب بمحارم الورق، قد أسقط فعلا في أيديهم بعد أن تجلى لهم أن لا عاصم اليوم من أمر الله.
* * *
أقول هذا، وأنا أرى هذا التداعي، المتأخر نوعا ما، من قبل من يسمون أنفسهم وجهاء اليمن وعلمائه إلى مؤتمر وطني جامع من أجل الخروج باليمن من هذه الأزمة الطاحنة. ومبدئيا، أقول لا بأس..فالتداعي إلى الخير وللخير أمر مطلوب. لكن المشكل أنه بهذه الصورة يعد قفز عالية على مرحلة ينبغي المرور بها أولا.
فحتى يؤتي هذا التداعي أكله – إذا فعلا صدقت النوايا – لا بد من المكاشفة ونقد الذات قبل أي شيء آخر. لا بد أن يقف هؤلاء الرجال وقفة حقيقية لمراجعة أنفسهم، ليعترفوا أولا أنهم – ولمصالح شخصية جدا وضيقة جدا – ساهموا في قيام هذا الواقع المخزي.
فالشيوخ القبليون الذين استمرؤوا تلقي المرتبات من أطراف داخلية وخارجية في مقابل أن يكونوا عصى موسى على أبناء بلدهم، وكانوا هم أنفسهم أسبابا في مظالم اجتماعية ووطنية ودعاة عصبيات جاهلية، لا يمكن لهم أن يطالبوا الآخرين بالاعتراف بالأخطاء وتصحيحها في حين يصبغون القداسة على أفعالهم. عليهم أولا مكاشفة أنفسهم، والاعتراف بأنهم جزء من هيكل هذا الجدار الخرب. وأنه آن لهم التنحي جانبا من أجل أن يكون لأبنائهم ولبلدهم فرصة حقيقية في بناء مستقبل خالي من الظلم والدم.
والشيوخ الدينيون الذي ركنوا في صمت إلى زوايا المساجد وارتضوا المداهنة والاستقطاب السياسي التافه، وانشغلوا بأركان التيمم وقضايا فقهية خارج الزمان والمكان عن القضايا المصيرية للأمة، نافضين بذلك أيديهم عن أجل رسالة: تعليم الإنسان أن يكون إنسانا – ومن إنسانية الإنسان رفض الظلم والصدوح بالحق ومقاهرة الباغي حتى يرتد عن بغيه. هؤلاء أيضا خانوا الأمة اليمنية في تلك الرسالة.
ويبقى القول أن البعض من هؤلاء وأولئك قد بدأ بالفعل الحديث – وإن بخفوت وعلى استحياء - عن أخطاء هنا.. وأخطاء هناك. هذا جيد.. لكنه لا يكفي. فالمطلوب هو المصارحة الكاملة..والاعتراف للذات وللأمة بأخطاء الماضي كلها.
فهناك اليوم حاجة ملحة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تجاوز البروتوكول الاجتماعي والرسميات الجوفاء، والعمل بجد على نقد الذات وتلمس مواقع الخطأ واتخاذ مواقف ترقى إلى خطورة المرحلة. هذا إذا أردنا فعلا أن نستخرج من هذا الواقع الأليم سلاحا حضاريا نستطيع به إخراج هذا الوطن من أزمة تقوده إلى كارثة محققة.
* * *
يبقى أن نسأل عن دور السلطة، وما يتوجب على الرئيس صالح القيام به.
ببساطة ووضوح: التنحي والدعوة إلى انتخابات رئاسية ونيابية نزيهة ومبكرة، ومن ثم تشكيل حكومة إنقاذ وطنية لتسيير الأعمال.
فالحالة الراهنة للبلد وطبيعة المرحلة لا تحتملان انتقاء الألفاظ وتنميقها أو استخدام لغة دبلوماسية حمّالة أوجه. كما أن هذا الوقت ليس بالتأكيد وقت المزايدات ورفع العقيرة بما لم يعد يجد شيئا. فالجميع على سفينة تغرق والحلول لا بد أن تكون جذرية بكل ما في الكلمة من معنى.
أقول أن على الرئيس صالح التنحي لأجل اليمن، لأن الوضع يتطلب ذلك. وإذا كان الرئيس قد اعتاد دوما تذكير أبناء اليمن بضرورة التضحية من أجل اليمن ووحدته، فهو اليوم معني أكثر من غيره، ومدعو أكثر من أي وقت مضى، إلى تمثل دعوته تلك وأن يكون سباقا لتقديم التضحية السياسية التي تتطلبها المرحلة.
وعلى الرئيس أن يدرك بعد ذلك أن تنحيه سيمثل الخطوة الأولى لنزع فتيل ‘‘الصوملة’’ و‘‘العرقنة’’ اللتان يحذر منهما دوما، وتكادا بالفعل أن تطبقا على أنفاس هذا الوطن. فالرئيس، وفي جملة أسباب أخرى:
أولا: لم ينجح – عن حسن نية أو لسوء تقدير ربما – في تقديم وتنفيذ مشروع نهضوي حقيقي لبناء اليمن الحضاري، وبالتالي الخروج به من واقعه المتهرئ وأزماته المتوالية منذ نصف قرن. واليمن اليوم – على عكس كل دول الجوار الإقليمي - دولة فاشلة على كل الأصعدة ، ومتهالكة على كل المستويات وبشهادة الجميع ولا حاجة إلى برهان وأمامنا هذا الواقع.
وثانيا: لأن الرئيس صالح بات – للأسف - يمثل عنوانا عاما لمرحلة غير مرضية من تاريخ اليمن، كما أنه غدا يمثل – للأخوة في الجنوب خاصة – عنوانا لشرعية القسرية العسكرية واجترارا مكرورا وأليما لذكرى حرب 1994 وما ساقته إليهم من ظلم الفاسدين وجهالة المتنفذين.
وثالثا: لآن خروج الرئيس صالح من الحكم – وتفرغه بالتالي لأمور وأنشطة تماثل أنشطة الرؤساء السابقين - وابتعاد المحيطين به عن دائرة الحكم، سيعمل على حلحلة عقد الوضع القائم، وتشجيع أبناء اليمن في الداخل والخارج على استعادة الإحساس بالشراكة في هذا الوطن وتعزيز شعور الانتماء لديهم. الأمر الذي سيمثل خروج حقيقي لليمن من مرحلة عنق الزجاجة، وبالتالي تكوين صمام أمان أمام مرحلة جديدة من البناء المؤسسي والتعمير المدني لدولة اليمن.
أقول هذا الكلام، والقلوب منقبضة من أيام مقبلة تبدو حبلى بما لا يسر. وكفي بالتاريخ واعظا ومعلما.
فلازلت أتذكر أنني قابلت في إحدى مدارس نيويورك مدرسا لمادة اللغة الانكليزية من أبناء يافع. وكان أن سعدت به وسعد بي، وجلسنا على طرفي طاولة نحتسي الشاي ونتحدث حتى ساقنا الحديث إلى حرب 1994. قال لي وقد بدا غضبا: ‘‘أنتم الشماليون لا تدركون أننا خسرنا دولة نظام وقانون حقيقية، ولن نرضى أن نعيش تحت إبط دولة قبائل وعسكر، ولا بد من الانفصال’’. تفاجأت من حدته وما أبداه من ألم. استجمعت مداركي وقلت له: ‘‘يا أخي ألا تحمد الله أنه وحد بلدنا بعد شقاق؟ وإذا حدثت أخطاء فستصحح، ثم أنه من المستحيل أن يحصل انفصال بعد كل تلك الدماء في 1994’’. نظر إلي بعينين متوقدتين، وابتسم ابتسامة صغيرة باهتة وهو يقول: ‘‘لن يصحح شيء، وسيأتي الانفصال ولو بعد عشرين عاما’’..
لم تمض عشرون عاما بعد..وها هو الانفصال يطل برأسه!
كم أتمنى أن يكون مخطئا.
* مدير مركز الراصد الإعلامي - نيويورك