تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم قرار مفاجئ يفتح أبواب التحدي في كأس الخليج تقارير حقوقية تكشف عن انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية الكشف عن ودائع الأسد في البنوك البريطانية..و مطالبات بإعادتها للشعب السوري ماهر ومملوك والنمر وجزار داريا.. أين هرب أبرز و كبار قيادات نظام الأسد الجيش السوداني يُعلن مقتل قائد لقوات الدعم السريع في الفاشر إيران تطالب الحكومة السورية الجديدة بتسديد 30 مليار دولار ديون لإيران قدمتها لبشار مؤسسة وطن توزع الملابس الشتوية لمرابطي الجيش والأمن في مأرب هكذا تغلغلت إيران في سوريا ثقافيا واجتماعيا.. تركة تنتظر التصفية إيران تترنح بعد خسارة سوريا ... قراءة نيويورك تايمز للمشهد السياسي والعسكري لطهران
لا
يستطيع المرء أن يخفي شعوره بالقلق العميق على اليمن، خصوصا بعد التصريحات التي نشرت على لسان رئيس وزرائه هذا الأسبوع، وتعلقت بالتمرد في صعدة، إذ جاء خطابه في هذه التصريحات حادا للغاية، وداعيا بقوة إلى الاعتماد على الحسم العسكري وحده، بما يغلق الباب أمام أي حل سياسي.
تصريحات السيد علي مجور
جاءت في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الفرنسية، وبثته يوم الجمعة الماضي (28/4). ولست في موقف يسمح لي بأن أتأكد من مدى صحة أو دقة الكلام المنشور على لسان الرجل، لكن الذي أفهمه أن كلاما بهذه الخطورة والأهمية حين يصدر على لسان رئيس الوزراء في أي بلد، إذا لم يتم نفيه أو تصويبه بعد إذاعته، فإن ذلك يعد سببا كافيا للاقتناع بصحته، ولأن ذلك حدث ولم يتم النفي أو التصويب، حتى كتابة هذه السطور على الأقل (الاثنين 30/4) فإنه يسوغ لنا أن نرجح احتمال الصحة. بما يجعلنا نتعامل مع الكلام على أنه صدر حقا على لسان السيد مجور، يؤيد هذا الترجيح أن رئيس الوزراء اليمني الجديد حين قدم برنامج حكومته الى البرلمان في 17/4، تجاهل الوضع في صعدة، ولم يأت له على ذكر، الأمر الذي أثار دهشة النواب والمراقبين، الذين وجدوا أن عدم الإشارة في برنامج الحكومة الى الصراع الدامي والمتفجر المستمر في شمال البلاد منذ ثلاث سنوات، وخلّف مئات الضحايا وروّع العباد وخرب الديار، هذا السكوت بدا مؤشرا سلبيا لا يبشر بخير. ويبدو أن ذلك الظن كان في محله، لأن تصريحات رئيس الوزراء أعطت انطباعا بأن الملف انتقل من يد الحكومة الى يد الجيش والأمن، وإذ تزامن هذا الكلام مع عملية التعتيم الإعلامي الرسمي على ما يجري في صعدة، من خلال منع الزوار والصحفيين من زيارة المحافظة ومتابعة الحدث على الطبيعة، فإن ذلك رفع من وتيرة القلق والتوجس.
ـ ما الذي قاله السيد علي مجور في تصريحاته الأخيرة؟
الوكالة الفرنسية نقلت عنه العبارات التالية: ليس هناك أي حل سوى الحل العسكري. السلطة حاولت التفاهم مع بدر الدين الحوثي ولكنه لا يفهم إلا اللغة العسكرية ـ باب المفاوضات أغلق ـ السلطة قررت تشجيع المتطوعين على الذهاب الى القتال في الشمال (الوكالة نسبت الى دبلوماسيين في صنعاء قولهم إنه يجري تعبئة الآلآف من عناصر العشائر في مختلف المحافظات لهذا الغرض) الحوثيون إرهابيون والحرب ضدهم جزء من الحرب على الإرهاب ـ المتمردون حصلوا على مساعدات من الخارج، خصوصا من ليبيا، وربما أيضا من إيران ـ الفقر والبطالة أحد أسباب الحرب في صعدة، وعلى الدولة أن تفعل الكثير من أجل أهالي المحافظة، في التعليم والصحة وتوفير فرص العمل. (التفاصيل نشرتها صحيفة «الحياة» في 28/4).
قارئ هذا الكلام يلاحظ فيه أمرين، أولهما اللهجة التصعيدية التي سبقت الإشارة إليها، والتي تغلق الباب أمام الحل السلمي للصراع. وتعول على حسمه بالسلاح وحده. الأمر الثاني أن الإشارة فيه واضحة الى المشكلة الاجتماعية الخالدة، المتمثلة في نقص الخدمات والفقر والبطالة، الأمر الذي يطرح إطارا آخر للأزمة، يتجاوز الصراع المذهبي والسياسي.
من جانبي، استوقفني حديث رئيس الوزراء اليمني عن المشكلة الاجتماعية، وقلت: إذا كان الأمر كذلك، أو بدا كذلك على الأقل، فلماذا يحتكم الى السلاح وحده في التعامل مع الموقف في صعدة إذن؟ إنني أفهم أن يتحدث وزير الداخلية أو رئيس الأركان بهذه اللهجة القتالية، لكني لم أجد مبررا لصدورها عن رئيس للوزراء منصبه سياسي بالدرجة الأولى، حتى خامرني شك في أن يكون ذلك هو موقف رئيس الحكومة وحده، وليس الحكومة كلها.
أدري أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة بذلت السلطة محاولات عدة لتسوية المشكلة سياسيا، عن طريق التهدئة والعفو عن المتمردين، لكن من الواضح أن هذه الجهود لم تؤت ثمارها، وهو الأمر الذي يحتاج الى دراسة وتحقيق يشخص الأسباب التي أفشلت تلك المحاولات بما يحدد دور العوامل الداخلية وتلك الخارجية التي أشار إليها السيد علي مجور.
ما أعلمه أن القضية اجتماعية في الأساس، كما قال السيد مجور بحق، وأن الحوثيين كانوا يحتفظون بعلاقات جيدة مع النظام، الذي شجعهم في تحركهم للحفاظ على بعض التوازنات والحسابات الداخلية، خصوصا في تعامله مع حزب الإصلاح المعارض. ما أعلمه أيضا أن اليمن لم يعرف الصراع المذهبي الذي يحاول البعض إذكاءه في الوقت الراهن. فالنخب اليمنية لم تتحرك يوما ما انتصارا لهذا المذهب أو ذاك، ولكنها تحركت كقوى وطنية اجتمع في إطارها الشوافع والزيود لمواجهة استبداد الإمامة وطغيانها.
ما أعلمه كذلك أن تحرك الحوثيين في الآونة الأخيرة، اختار التوقيت الخطأ، من حيث أن ذلك التحرك تزامن مع انعقاد مؤتمر المانحين في لندن، ومع الاتصالات الجارية لضم اليمن الى مجلس التعاون الخليجي، وهو التزامن الذي أضر بسمعة اليمن وشوه صورته.
ما أعلمه أيضا أن ثمة حرصا على التسوية السلمية من الجانبين، وهو ما تأكدتُ منه من خلال الاتصالات التي قمت بها لهذا الغرض. فرئيس الدولة اليمنية يهمه طي هذا الملف واستعادة الهدوء والاستقرار في البلاد. وعناصر الحوثيين مدركة جيدا لحجم الثمن الباهظ الذي دفع من جراء تجدد القتال في صعدة، لذلك فإنها ستتطلع إلى تحقيق التسوية السلمية بأسرع ما يمكن.
إذا صح ذلك التقدير فإنه يثير السؤال التالي: إذا كان ذلك الاستعداد قائما على الجانبين، فما الذي يمنع ممثليهما من التفاهم حول المشكلة ووقف نزيف الدم الذي أرهق الجميع؟ ليست لدي إجابة عن السؤال، وإنما أنقل ما سمعته من بعض الأصدقاء اليمنيين من أن هناك أطرافا داخل أجهزة السلطة مستفيدة من تعليق الأزمة وتصعيدها، وأن هذه الأطراف كان لها دورها في عدم الوفاء بالوعود التي تمت من قبل، خاصة ما تعلق منها بإطلاق سراح الحوثيين المعتقلين في صنعاء، حيث أفرج عن البعض فقط في حين تم احتجاز الأغلبية، الأمر الذي كان له دوره في استمرار التوتر والغضب.
لا أستطيع أن اقطع بصحة هذه المعلومات لكي أشير إليها فقط باعتبارها نموذجا لما يتردد في الأوساط اليمنية من تأويلات واجتهادات في هذا الصدد، كما أنها تجسد اللغط المثار الذي يتطلب بذل جهد خاص لاستجلاء الحقيقة في الأزمة، الأمر الذي يدفعني الى تسجيل الملاحظات التالية:
1 ـ إن استمرار الوضع في اليمن أمر يهم كل عربي مخلص في انتمائه لأمته. وبالتالي فإن إنجاح جهود تسوية الأزمة التي طال أجلها، يظل مطلبا عربيا بقدر ما أنه مطلب وطني وقطري. بسبب من ذلك فإن وقوف العالم العربي متفرجا على ما يجري هناك ليس موقف صائبا. وإذ أفهم أن يحدث ذلك في بداية الأزمة، حيث يفترض أن تعالج في إطار الاتصالات الداخلية، ولكن استمرارها للعام الثالث، مع استمرار سقوط الضحايا من جانب الحوثيين وعناصر الجيش والشرطة، ثم الجهر في نهاية المطاف بالحديث عن التعبئة الشعبية لقمع التمرد، هذه الملابسات تمثل إشارات ينبغي ألا يخطئ العالم العربي في قراءتها. إذ أزعم أنها تستدعي الجهد العربي، لكي ينضم إلى جهود المخلصين في الداخل لتهدئة الخواطر وحل الإشكال. وأستحي أن أقول إن التدخل العربي في مثل هذه الملفات أصبح لاحقا للتدخل الدولي، كما حدث في دارفور على سبيل المثال، إذ المشكلة هناك داخلية بامتياز، ولكن جرى تدويلها بناء على حسابات أمريكية وإقليمية معقدة، وحين حدث ذلك أرسلت الجامعة العربية وفداً لتقصي الحقائق هناك. وأصبحت القضية محل اهتمام دولي وعربي واسع النطاق.
2 ـ إن حرص رئاسة الدولة في اليمن على التسوية السلمية للأزمة ينبغي أن يقدر، كما ينبغي أن يستثمر أيضا، بحيث يتواصل ذلك المسعى في ظل كل الظروف، الأمر الذي يعني أن الحل العسكري يجب ألا يصبح خيارا وحيدا، وإنما يفضل أن يتقدم عليه أو يتوازى معه الحل السياسي.
3 ـ إن تقصي حقائق المشهد يتطلب بذل جهد خاص، سواء في التعرف على أسباب الأزمة، ومدى إسهام الوضع الاجتماعي لمحافظة صعدة في تصعيدها، أو في ما يخص تعثر محاولات حلها سلميا. في الوقت ذاته فإن ما قيل عن دور لليبيا أو إيران في ما يجري هناك يحتاج الى تحقيق وإثبات، ليرتب بعد ذلك النتائج المفترضة في هذه الحالة.
إنني أكرر ما دعوت إليه من قبل حين اقترحت وساطة تقوم بها الجامعة العربية في الموضوع، بالتفاهم مع الحكومة اليمنية بطبيعة الحال، تبدأ بمبعوث يوفده الأمين العام الى صنعاء لإجراء اتصالات تمهيدية مع الأطراف المختلفة، ثم بزيارة للأمين العام تسعى لتحقيق الهدف من الوساطة. وليس هذا أمرا غريبا، كما أنه لا يعد تدخلا في الشؤون الداخلية لليمن، لأننا أمام عاملين مهمين، الأول أن الأزمة استمرت للعام الثالث على التوالي، من دون أن تحل على نحو يرضي الأطراف المعنية، والثاني أن ثمة اتهاما صريحا لدولة عضو في الجامعة العربية هى ليبيا وتلميحا الى دور لإيران، الأمر الذي يعني أن ثمة خيوطا للمشكلة تمتد الى خارج الحدود اليمنية. وهذان العاملان يعززان الدور المرجو للجامعة العربية، التي تدخل أمينها العام في الملف اللبناني، وسبق أن أوفدت مبعوثا لها الى السودان والصومال، وفي الأقطار الثلاثة صراعات ظاهرها داخلي على الأقل.
ولا ينسى هنا أن حضور الجامعة العربية في تفاعلات السياسة اليمنية له جذور تمتد الى عام 1948، حيث كان أحرار اليمن يستغيثون بالجامعة في معارضتهم للإمام يحيى، وحين استدعيت الجامعة لمفاوضة الثوار بعد محاولة الانقلاب التي وقعت آنذاك. كما أن الجامعة تدخلت في السبعينيات حين توترت العلاقة بين عدن وصنعاء، وأوفد الأمين العام محمود رياض مبعوثا الى هناك لتحري الموقف، ثم سافر بنفسه بعد ذلك ليستكمل المشاورات، ونجحت الجهود التي بذلت آنذاك لتهدئة الموقف بين الأشقاء اليمنيين.
في ذات الوقت فإن اتحاد علماء المسلمين يستطيع أن يبذل مسعاه لتحقيق الوفاق المنشود، خصوصا أن بين أعضاء مجلس أمنائه أحد علماء الزيديين وهو القاضي محمود الهيتار. وقد أجرى بعض اليمنيين اتصالات بهذا الخصوص خلال الأسبوع الماضي مع الأمانة العامة للاتحاد. إلا أن جهد الجامعة العربية يظل الخيار الأول والأفضل، وإن كان ذلك لا يمنع من أن يبذل اتحاد العلماء جهدا موازيا، إذا ما رحبت به حكومة صنعاء.
إن السؤال الأهم الآن ليس من يساعد على تهدئة الموقف في اليمن، ولكنه ينبغي أن يكون: متى يخرج العالم العربي عن صمته على ما يجري هناك؟ ومتى يتحرك لوأد الفتنة قبل أن يستفحل أمرها؟