إيران تعلن متى ستعيد فتح سفارتها في سوريا برشلونة يعلن طبيعة اصابة اللاعب لامين جمال ومدته غيابه اعلان غير سار من اليونيسيف للأسر اليمنية التي كانت تحصل على مساعدات نقدية شمال غزة يباد.. والصحة العالمية تكشف عن وضع مروع في مستشفى كمال عدوان انفجار يقتل أرفع مسؤول نووي في الجيش الروسي تحرك تركي عسكري سريع ومكثف في الساحل يباغت الدول المجاورة شاهد ما يشبه انفجار قنبلة ذرية في جزيرة بمساحة قطاع غزة مقتل قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيمياوي بالجيش الروسي ومساعده بانفجار في موسكو ضربة جوية أميركية تستهدف منشأة قيادة وسيطرة للحوثيين في صنعاء الكشف عن مقبرة جماعية جديدة في سوريا تحوي 100 ألف جثة على الأقل
يتطلب الالمام بحقيقة مايواجهه العالم اليوم من اضطراب شديد للغاية ان نوسع من مجال رؤيتنا بحيث تشمل الأزمات الرئيسية التي تعصف به على أكثر من صعيد ، فالعالم ينخرط في الوقت الراهن في التصدي لأزمات كورونا والركود الاقتصادي وقبلهما أزمة تغير المناخ ، وهي ثلاث أزمات عويصة متزامنة ومتداخلة الى أبعد الحدود وذات طبيعة عابرة للأمم ترتدي صبغة دولية شاملة ، جميعها من النوع الحساس لعامل الزمن مايعني تفاقم أثارها تصاعديا مع أي ابطاء في التعامل معها ومواجهتها بغرض كبح وتعطيل مفاعيلها المدمرة الراهنة وصولا الى ايجاد حلول مستدامة للتغلب عليها وتجاوزها في المستقبل.
أولا : أزمة جائحة (كوفيد-19)
لايزال هناك من يسمي فيروس كورونا المستجد بالفيروس الصيني ، وكان قد أطلق عليه أكثر من مسمى منذ ظهوره في مقاطعة ووهان الصينية في ديسمبر من العام المنصرم ، كسلالة جديدة من الفيروسات التاجية حيوانية المنشاء لديها خاصية العدوى بين البشر بحسب منظمة الصحة العالمية ، حمل بعض هذه المسميات دلالات جغرافية أو عرقية أو حتى ثقافية محددة ، مثل اقتران التسمية بمدينة ووهان الصينية أو ببعض الحيوانات المرتبطة بثقافة الطعام التقليدية في الصين والبلدان الأسيوية المجاورة.
وبغرض تطويق الأثار الجانبية السلبية بصورة عامة التي قد يتسبب بها تعدد المسميات ، قامت منظمة الصحة العالمية في شهر فبراير من العام الحالي باطلاق أسم (كوفيد-19) على فيروس كورونا المستجد ، تطبيقا للمبادئ التوجيهية التي أقرتها المنظمة في عام 2015 المتعلقة بتحديد أسماء الفيروسات والأمراض التي تتسبب بها.
هل يغير (كوفيد-19) العالم ؟
أدى ظهور وتفشي (كوفيد-19) الى تغيير سريع في المعايير المتعلقة بترتيب الأولويات وتقدير الأهمية النسبية للمفاهيم والتطبيقات والنماذج السائدة في معظم جوانب النشاط والعلاقات الانسانية بما في ذلك اعادة تقييم مدى ملائمة وفاعلية أنوع التكنولوجيا المستخدمة من منظور المعايير الجديدة.
استراتيجية المواجهة العالمية مع (كوفيد-19)
في سياق التغيير المشار اليه ، دفعت جائحة كورونا بمفهوم "التباعد الاجتماعي" الى صدارة المشهد محليا وعالميا ، وأعادة موضعته في بؤرة دائرة الضؤ ، فقد فرضت تبنيه كمدخل استراتيجي شامل أكان في المواجهة اليومية مع الوباء المتفشي ، أو من خلال اللجؤ اليه للحفاظ على استمرار الانشطة والعلاقات الانسانية المتنوعة عند المستوى الضروري ، وبالتبعية جرى أطلاق العنان لاوسع استخدام ممكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وما يعرف "بانترنت الأشياء" وبالتالي قفزت الأهمية النسبية لتكنولوجيا (فايف جي) كالبنية الأساسية لهذه التطبيقات والاستخدامات الى موقع الأولوية الأولى ، وهو مايؤذن باشتداد صراع الاستحواذ على مفاتيح تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات كأحد أهم الوسائل المتقدمة لبناء قدرات الدول في اطار صراع الهيمنة والنفوذ المستقبلي اقليميا وعالميا.
من القضايا البارزة التي جلبتها الجائحة الى مركز الاهتمام العالمي مايتعلق بأنظمة الصحة في دول العالم ، حيث فرضت تفاصيل المواجهة مع الجائحة اجراء التقييمات والمقارنات بين الدول المختلفة ، من ناحية سرعة وكفاءة تعاملها مع الأزمة جنبا الى جنب مع درجة تعاونها وتشاركها مع باقي العالم في المواجهة الأممية مع الوباء.
ومع التسليم بان الوقت لايزال مبكرا لمعرفة نتيجة هذه المقارنات التي ينبغي ان تستند الى تقييم دقيق لانظمة الصحة الوطنية وبالتالي تحديد مزاياها وعيوبها على حد سواء ، فان الاستنتاج الرئيس المؤكد منذ الأن يتمثل في فشل تعميم مقاربة السوق وقوانينه فيما يتعلق بقطاع الخدمات الصحية في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل على وجه التحديد ، فالنتيجة المؤكدة لهذا النموذج تتمثل في ترك عشرات ان لم يكن مئات الملايين من الفقراء والمعوزين فريسة سهلة لتفتك بهم الأوبئة والأمراض لعدم قدرتهم للوصول الى (سوق) الخدمات الطبية والحصول على خدمات الرعاية الصحية وبالتالي تعريض جهود هذه البلدان والعالم بأسره في مكافحة الأمراض والأوبئة للانتكاس والتبديد والعودة في كل مرة الى المربع الأول.
وبصورة عامه فان موجة التغيير التي أطلقتها جائحة (كوفيد-19) لن تتوقف وتنتهي بمجرد السيطرة على الوباء ودحره حتى في حال توطنه كوباء دائم ، بل ستستمر وخصوصا مظاهر التغيير التي نضجت شروطها من قبل قدوم (كوفيد-19) وكانت تنتظر فقط من يطلقها من مكمنها.
ثانيا : أزمة ركود الاقتصاد العالمي
يجد المتابع لمجريات الاقتصاد العالمي ان الاعلان عن دخوله في الركود في يوم 27 من شهر مارس المنصرم أي بعد الاعلان عن فيروس كورونا كجائحة عالمية بحوالي أسبوعين ، جاء متأخرا ببضعة أشهرعلى أقل تقدير ، فالاقتصاد العالمي كان قد بدء في التباطؤ تدريجيا منذ النصف الثاني من العام 2018، وأصبح تراجعه صفة عامة مميزة للعام 2019 ، وقد شهد الطلب النهائي العالمي خلاله انهيارات متتالية زادت حدتها على خلفية وقائع الحرب التجارية بين عملاقي الاقتصاد العالمي الولايات المتحدة والصين ، ولم تكن أكثر التوقعات تحفظا حول الاعلان عن دخول الاقتصاد العالمي في الركود تذهب الى أبعد من بداية الربع الأخير من العام 2019 ، عندما كان فيروس كورونا المستجد لايزال في رحم الغيب.
تعويم مفهوم الركود الاقتصادي
لدوافع مختلفة قليلا أو كثيرا ، التقت رغبة الدول الصناعية المتقدمة والصاعدة على تعويم مؤشرات ومظاهر الركود الاقتصادي الذي كان قد أصبح أمرا واقعا من قبل ظهور وتفشي فيروس كورونا المستجد في ديسمبر من العام الماضي ، فلولا تظافر السياسات النقدية المفرطة في التوسع التي اتبعتها بشكل )منسق( الحكومات والبنوك المركزية لدول مجموعة العشرين وبالأخص مجموعة السبع منها ، من تخفيضات متتالية لاسعار الفائدة وأصدار حزم متتالية من القروض والانخراط المتزايد في شراء الاصول المترنحة و (المسمومة) وغير ذلك من سبل التحفيز النقدي والمالي وصور التدخل الأخرى للتأثير (التحكمي) في عمل الأسواق ، مع بعض الاستثناءات هنا وهناك ، لكان الركود - بما في ذلك وفق تعريفه الضيق كانكماش لربعين متتاليين من السنة - قد حدث واستكمل دورته على هذا النحو قبل أو ربما مع حلول أواخر الربع الأول من العام الحالي ومن دون جائحة كورونا ، اما وقد دخلت أزمة تفشي وباء (كوفيد-19) الى المشهد العالمي ، فان الوضع قد اختلف.
ظهور وتفشي وباء كورونا
فمع تفشي الوباء وتحوله الى جائحة عالمية بات الاقتصاد العالمي يرزح تحت وطأة أزمة مركبة شاملة ، هذا النوع من الأزمة لايشكل فيها تراجع الطلب النهائي السبب الحاسم في حدوث الانكماش كما هو الحال في مايعرف بدورات الاعمال الاعتيادية ، اي التقلب مابين الانتعاش والركود المرتبط بطبيعة اقتصاد السوق الراسمالية ، فهذا الوضع لم يعد واردا بعد دخول أزمة كورونا الى المشهد ، واتخاذ مدخل "التباعد الاجتماعي" كاستراتيجية عالمية شاملة في مواجهتها ، في ظل افتقار كبير جدا للقدرات التي لاغنى عنها لاستمرار عمل سلاسل التوريد والانتاج والتوزيع المحلية والعالمية عند نفس المستوى السابق أو قريبا منه في الأوضاع المستجدة .
فالأزمة الأقتصادية العالمية الحالية محصلة لانكماش متزامن لكل من العرض (مع استثناء بارز للنفط) والطلب العالمي على حدا سواء اضافة الى متطلبات ومقتضيات المواجهة الاستثنائية المباشرة مع تفشي وباء (كوفيد-19) ، وقد اكتسبت في هذا الوقت كل مظاهر ومؤشرات الكساد الشامل ، وبالتالي فان الحديث بعد الأن عن ركود سينتهي في المدى القصير أو حتى بمجرد النجاح في السيطرة وايقاف تفشي فيروس كورونا ليس له بتاتا مايدعمه من علامات ومؤشرات عند أي مستوى ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمراهنة على ان حزم الانقاذ المالي التي سارعت حكومات الكثير من الدول الى حقنها في الأسواق ، على أهميتها ، يمكنها ان تحقق التعافي الاقتصادي خلال الأشهر القليلة القادمة.
ثالثا : أزمة تغير المناخ والاحتباس الحراري العالمي
في الواقع تأتي أزمة تغير المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري على رأس التحديات طويلة المدى التي يواجهها العالم فهي أزمة قديمة ومستمرة في الحاضر والمستقبل كما انها جسيمة ومتطاولة بكل مايحمله هذا التعبير من معنى لأسباب تتعلق بالطيف الواسع لأثارها على مجمل النظام البيئي العالمي وبالتالي على كافة صور وأشكال الحياة على كوكب الأرض ، بما في ذلك الانتشار الملفت خلال العقود الأخيرة لامراض وأوبئة جديدة لم تكن معروفة وعودة ظهور أمراض كان يعتقد انها قد اصبحت جزء من التاريخ ، وفق ماتتضمنه تقارير المراجع العلمية والمنظمات الدولية المتخصصة وفي الصدارة منها تقارير اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي (IPCC).
بدأت الجهود الدولية فيما يتعلق بمواجهة أزمة تغير المناخ العالمي منذ عقود مضت ، ومن بين أبرز المحطات في هذه المسيرة التوصل الى الاتفاقية الاطارية للامم المتحدة حول المناخ العام 1992 ، فقد شكلت الأساس لتنظيم وتنسيق الجهود الدولية اللاحقة في سياق المواجهة مع مشكلة التغير المناخي وتداعياته على العالم.
ثم كانت المحطة التالية الخاصة بالمصادقة على برتكول كيوتو في عام 1995 الذي الزم الأطراف من الدول الصناعية المتقدمة بتنفيذ تخفيضات معلومة في انبعاثات الكربون ، جاءت على مرحلتين انتهت بحلول العام 2020 ، الذي كان من المقرر له ان يشهد البدء في تنفيذ اتفاق باريس للمناخ ، التي جرت المصادقة عليه العام 2015 من قبل جميع الدول المئة والخمسة والتسعين الاعضاء في الجمعية العامة للامم المتحدة ، قبل ان تتراجع الولايات المتحدة لاحقا باعلان انسحابها من الاتفاق.
أتت الرياح بما لم تشتهي السفن ، فاتفاق باريس للمناخ لم يدخل حيز التنفيذ مع بداية هذا العام 2020 ، والسبب في ذلك يعود الى فشل مؤتمر الأطراف السنوي الخامس والعشرين للامم المتحدة للمناخ المعروف بمسمى (كوب25) المنعقد خلال الفترة (2-14 ديسمبر 2019) في العاصمة الاسبانية مدريد في استكمال انجاز الاتفاق حول القواعد الاجرائية التفصيلية الملزمة للدول الأطراف المتعلقة بتطبيقه وتحقيق أهدافه التي من أبرزها الوصول الى توازن انبعاثات الكربون أو مايعرف بحياد الكربون (صفر كربون) في الغلاف الجوي للأرض مع حلول العام 2050.
التحدي الرئيسي أمام العالم
يتشكل التحدي الرئيسي الذي يواجهه العالم اليوم فيما يتعلق بأثار تغير المناخ العالمي وظاهرة الاحتباس الحراري من طبيعة وجوهر المشكلة الحالية المتمثلة في ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض الى حوالي درجة ونصف درجة مئوية مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه قبل الثورة الصناعية ، وبالتالي فان جهود العالم أجمع في الوقت الراهن ، كما ترى ذلك المراجع العلمية المتخصصة في مناخ الأرض ، ينبغي ان تتجه الى وتتمحور في تفكيك وابطال مفعول العوامل التي تسببت في نشؤ ظاهرة الاحتباس الحراري التي أدت بدورها الى الارتفاع المشار اليه في متوسط درجة حرارة العالم ، من خلال تحييد انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي المحيط بالأرض وأهمها الكربون ، بهدف السيطرة على متوسط درجة حرارة سطح الأرض ولجمها عند المستوى الحالي جنبا الى جنب مع بناء القدرات عالميا ووطنيا للتخفيف والتكيف مع الأثار والتداعيات الناجمة عن تغير المناخ في الحاضر، وتجنيب العالم تفاقم أثارها المدمرة في المستقبل.
رابعا : النظام العالمي
لعل من أبرز تداعيات ظهور وتفشي فيروس كورونا المستجد تسليط ضؤ كاشف على الواقع المهترئ للنظام الدولي (القائم) تماما كما أبانت هذا الواقع من سابق مجريات المواجهة العالمية مع أزمة تغير المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري ، ومن قبل هذا وبعده هامشية دور النظام الدولي في التصدي للازمات المالية والاقتصادية العالمية المتلاحقة ، والتلكؤ لعقود خلت في تبني توجه حاسم لاصلاح مضامين وآليات ومؤسسات النظام الراهن للعلاقات الاقتصادية الدولية بركائزه التجارية والنقدية والمالية بما يفضي الى نزع فتيل العوامل المؤدية الى تكرار هذه الازمات وماتتسبب به من أضرار وخسائر فادحة لاقتصادات البلدان الفقيرة والصغيرة والأقل نموا والاقتصاد العالمي في المجمل.
لقد كانت جائحة (كوفيد-19) بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس حيث أظهرت بوضوح مدى الهشاشة التي تعاني منها أواصر ومؤسسات وقنوات وآليات النظام الدولي ، وكنتيجة لهذا التردي ، الانحدار الحاد في مستويات التعاون الدولي ، ما أعاد العالم الى أجواء شبيهة بتلك السائدة ابان سنوات الحرب الباردة.
تبدى هذا بجلاء في الدور المرتبك والمتواضع للمؤسسات والمنظمات الدولية الممثلة للتعاون الدولي متعدد الأطراف ، كما اتضحت ايضا هشاشة وضعف التعاون الأقليمي اذا ماسلطنا الضؤ على اداء الاتحاد الأوروبي كنموذج لهذا التعاون.
فمثلما هو حال النظام الدولي التعددي ، ومع الأخذ بعين الاعتبار تداعيات البريكست عليه ، أظهر الاتحاد الأوروبي انقساما وخلاف لايزال محتدما فيما يتصل بسبل المواجهة مع أثار التغير المناخي ، ثم أستشرى الخلاف وتعمق في ثنايا وتفاصيل المواجهة مع أزمة كورونا والتصدي لأثارها الاقتصادية-الاجتماعية ، ففي الوقت الذي يستمر فيه الوباء في حصد أرواح الألاف من سكان القارة يوميا يتفاقم الخلاف بين الدول الأعضاء في الاتحاد حول تفاصيل التعاون المشترك بينها للتصدي للجائحة ليبلغ حد الانقسام الثنائي بين بلدان (شمال) و (جنوب) القارة ، ما أعاد الى الحضور واقع التقسيم التقليدي الرمزي للعالم بين بلدان (الشمال) الغني و(الجنوب) الفقير ، بعد ان ساد الاعتقاد منذ زمن بان الواقع الذي يعكسه هذا التعبير (العاري) للغاية قد جرى تجاوزه وان العالم اصبح أكثر (عدلا) و(توازنا) عن ذي قبل.
يؤشر الفشل الذي يظلل معظم مساحة المواجهة مع هذه الازمات الثلاث الى ان النظام العالمي الحالي ، الذي يتكئ كليا على المقاربة النيوليبرالية في نظرته الى ذاته والى العالم قد وصل الى مداه ، وان حالة العجز اصبحت متأصلة فيه ، لكن هذا الوضع لايعبر سوى عن جانب واحد من المشهد ، بينما الجانب الأخر الذي لايكتمل المشهد بدونه يتعلق بماهية البديل للنظام الراهن وبصورة أدق بالكيفية التي سيتأسس ويولد بها النظام الدولي القادم ، برغم المؤشرات الكثيرة على أن اللحظة التي سيتعذر فيها استمرار النظام في الامساك بخيوط اللعبة الدولية قد دنت الى أقرب ما يمكن تصوره ، مايعني ان المبادرة لاقامة نظام عالمي جديد باتت ضرورة ومسألة وقت لا أكثر.
وفي محاولة لاستشراف خط السير المحتمل للتطورات في هذه المسألة ، يمكن القول انه في حال استمر صعود الميول الشعبوية المحافظة وتمدد هيمنتها على حكومات الدول المعروفة تقليديا (بالغربية) بذات الوتيرة التي خبرها العالم خلال العشرية الأخيرة وأكثر قليلا ، وفي الوقت نفسه استمر صعود النزعة (القومية) الطاغية وتجذرها في عدد لافت من الدول الكبيرة والمؤثرة في كل من أسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية ، فان احتمالات ولادة النظام العالمي القادم من طريق بناء توافق دولي بالوسائل السلمية ستتضاءل، وفي المقابل ستقوى كثيرا احتمالات ولادة النظام الجديد عبر عملية (قيصرية) مؤلمة وأيضا غير مأمونة العواقب فالأرجح في هذه الحالة ان يكون المولود مشوها بدرجة أو بأخرى.
غير ان هذا ليس أسواء مايمكن توقعه في حال غياب الشروط والمقدمات الضرورية لبناء توافق دولي يتصف بالشمول وعدم الاقصاء لتأسيس نظام عالمي جديد ، فالأسواء منه بصورة مضاعفة ان يتمخض عن هذه الولادة نظام عالمي ثنائي القطب ، لأن هذا في حال حدوثه سيعني ان العالم أختار ان يسير الى الخلف، فاعادة انتاج النظام العالمي ثنائي القطب سيعني دحرجة العالم الى الوراء واعادته الى التمرغ في وحل مظاهر الاستقطاب الثنائي التي عاشها في الخمسينات والستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي والى أجواء الحرب (الباردة) التي مزقت أوصاله وأذاقت شعوبه الويلات مع ماتوفره التكنولوجيا المتقدمة اليوم من وسائل وتطبيقات (سحرية) لفرض السيطرة على الشعوب واحكام قبضة أنظمة الاستبداد والقمع والقهر الشمولية عليها ، فليس هناك من تربة أخصب لتفشي وباء هذه الانظمة من حالة الاستقطاب والمواجهة الثنائية عالميا.
يختبر العالم في الوقت الراهن مفترق طرق حاسم ، فاما ان يذهب الى ضبط بوصلته باتجاه استخدام منجزات العلم والتكنولوجيا والتراكم الحضاري الانساني لصالح رفاه وأمن واستقرار شعوبه من خلال التوافق على اقامة نظام عالمي جديد يقوم على التنوع والتعدد ، يتأسس على حق الشعوب في الاختيار الحر لطريقة عيشها دون اكراه من أي نوع ، ونبذ كافة صور الاقصاء واستخدام القوة في العلاقات الدولية بما في ذلك فرض أي شكل من أشكال التبعية والالحاق الثقافي والسياسي والاقتصادي ، واما ان يكون البديل تحول العالم الى ساحة مفتوحة للصراع بكل الوسائل غير المشروعة لاعادة اقتسام النفوذ والهيمنة أقليميا ودوليا في ضؤ التطورات والتبدلات الحاسمة التي لحقت بخارطة موازين القوة العلمية-التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية خلال السبعة العقود الأخيرة ، ما يجعل من استمرار النظام العالمي القائم ، في كلا الحالين ، ليس فقط مستحيلا بل وكارثيا ايضا.