هل أوشكت الحركة التخريبية الأسدية على الانتهاء؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: أسبوع و 21 ساعة
السبت 07 ديسمبر-كانون الأول 2024 06:04 م
  

في عام ألف وتسعمائة وسبعين أطلق حافظ الأسد ما يسمى بـ«الحركة التصحيحية» لكن منذ ذلك الحين لم ير منها السوريون سوى الخراب والدمار والفقر والقهر والظلم والطغيان. لم يكن الهدف من تلك الحركة المشؤومة مطلقاً تصحيح مسار سوريا كما زعم حافظ وعصابته البعثية الطائفية الفاشية، بل كان هدفه منع أي تصحيح أو أية نهضة في سوريا، لأن أهم الشروط التي فرضها عليه مشغلوه الإسرائيليون والغربيون وقتها أن يمنع السوريين من تحقيق أي تقدم على كل الأصعدة، كي تبقى سوريا والسوريون متخلفة ومنهارة، ولو شاهدت مشاهد فيلم «خياط للسيدات» بطولة زياد مولوي الذي تدور أحداثه في دمشق عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين، وقارنت مشاهده بمشاهد اليوم لوجدت أن دمشق لم تتغير قيد أنملة، فكل شيء على حاله، لأن النظام جاء خصيصاً لتجميد سوريا ومنعها من نهضة حقيقية، لهذا مثلاً سلّط على السوريين عشرات الأجهزة الأمنية التي كانت تتدخل حتى في حفلات الأعراس ومراسم الدفن، وكان التجمع ممنوعاً لأكثر من شخصين في سوريا، وكان هناك رقابة على تبادل الزيارات والسهرات بين الأقارب وأهل القرية الواحدة، ومن خالف كان يتعرض للاعتقال والاختفاء في أقبية الجزار.

ولا يمكن لأي معاملة أو مشروع تجاري واقتصادي وتنموي أن يمر دون الحصول على ألف تصريح وإذن من الأجهزة الأمنية، فحتى لو أردت مثلاً أن تفتح مصنعاً صغيراً لصناعة أحذية الأطفال كان لا بد من الحصول على موافقة من المخابرات الجوية والعسكرية. بربكم ما علاقة المخابرات الجوية بأحذية الأطفال؟

هل شاهدتم يوماً حذاء طفل يطير في الجو ولا بد من المخابرات الجوية أن تضبط حركته جواً؟

والله لا أمزح، لقد كانوا ومازالوا يتدخلون في كل شاردة وواردة، وحتى لو أردت أن تقيم حفلة عرس أو سرداب عزاء، فلا بد من موافقات من الأمن السياسي. والهدف طبعاً أن تبقى سوريا تحت التحت تنفيذاً لشروط الذين سلّطوا حافظ الأسد ونظامه على سوريا والسوريين.

وفي عام ألفين وأحد عشر، عندما ضاق السوريون ذرعاً بهذا النظام الفاشي الذي لا مثيل له في تاريخ الشرق الأوسط، تعلمون ما حصل، فقد تداعى القاصي والداني لتدمير سوريا وتشريد نصف الشعب السوري وقتل واعتقال الملايين نظراً لأهمية النظام بالنسبة لمشغليه، وبدل أن يخرج السوريون من تحت ربقة القبضة الأمنية فقدوا بلدهم الذي باعه النظام بالجملة والمفرق للغزاة والمحتلين كي يبقى على عرشه الذليل.

 

لكن العصابة الحاكمة وداعميها لم يستطيعوا منذ سنوات أن يؤمنوا للسوريين أبسط مستلزمات العيش كالخبز والماء والكهرباء، فتحولت سوريا إلى جحيم لا يطاق على كل الأصعدة، وبدل أن يبادر النظام إلى تخفيف وطأة الأزمة الطاحنة على الشعب السوري، راح يتفنن في التنكيل بالسوريين، ففرض الأتاوات والضرائب ولم يترك مصنعاً أو تاجراً إلا ونهب أمواله لتمويل عصاباته وإرضاء حلفائه من جيوب الشعب السوري المنتوف والمسحوق.

وظنت العصابة الحاكمة أنها تستطيع أن تسحق السوريين لصالح مشغليها إلى ما لا نهاية، لكن فجأة وقبل أيام وبسرعة البرق بدأت علائم الانهيار بالظهور بعد أن تمكنت فصائل المعارضة السورية من تحرير حلب ثاني أكبر محافظة في سوريا، ثم حررت ريف إدلب، ثم حررت محافظة حماة مدينة أبي الفداء التي ذبح حافظ الأسد وأخوه رفعت عشرات الألوف من أهلها ودمرها في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وتتوجه الأنظار الآن إلى حمص وما بعد حمص. ولا ندري كيف سيكون الوضع الميداني بعد كتابة هذا المقال، لأن الأوضاع تتقدم بسرعة قياسية.

إلى أين تسير سوريا يا ترى بعد عودة الحراك بعنفوان لا مثيل له؟ لا شك أن غالبية السوريين يتمنون لو أن قوى المعارضة تكمل تقدمها حتى تسقط وكر الاحتلال والإجرام في قلب دمشق، وإذا تُركت الفصائل دون ضغط خارجي لوصلت إلى الشام بسرعة قياسية.

والسؤال اليوم، هل انتهت مهمة هذا النظام في التخريب والتفكيك والتهجير والتغيير الديمغرافي في سوريا كما هو مطلوب منه من مشغليه وداعميه؟ من الواضح أن بشار لم يعد ذا فائدة كبرى لداعمي نظام أبيه ومن الواضح الآن أنهم باعوه، فقد فعل بسوريا والسوريين أكثر مما طلبه الإسرائيلي منه بكثير، بحيث بات يستحق تماثيل من ذهب في قلب تل أبيب، لأن إسرائيل نفسها لا تستطيع أن تخرب وتدمر في سوريا عشرة بالمائة مما دمره وخربه هو وعصابته.

لا عجب أن أطلقت عليه الصحف الإسرائيلية ذات يوم لقب «ملك ملوك إسرائيل» نظراً لحجم الخدمات الكبرى التي قدمها لإسرائيل.

لا شك أن السوريين يأملون اليوم أن تكون الحركة التخريبية التي بدأها حافظ الأسد عام ألف وتسعمائة وسبعين، ثم أكملها بشار بحرق سوريا وتدميرها وتهجير نصف شعبها وبيعها بالجملة والمفرق لمشغليه وداعميه، أن تكون قد أوشكت على نهايتها، لعلهم يعيدون بناء ما تبقى من بلدهم، فهل فعلاً انتهى دور هذا النظام في التخريب والتدمير والتفكيك في سوريا؟ المؤشرات حتى الآن تبشر بالخير، فعلى ما يبدو أن مهمة ذلك النظام قد شارفت على الانتهاء، وكما حكم سوريا ودمرها لأكثر من نصف قرن برعاية خارجية، فهو الآن يتساقط تدريجياً أيضاً بمباركة خارجية، وهو يعلم أنه أصبح عارياً بعد أن بدأ ينفض من حوله داعموه ويكنسوه كما كنسوا من قبله كل عملائهم وأدواتهم الوسخة بعد أن أكملت وظائفها القذرة؟

هل بدأت سوريا تعود فعلاً إلى الحياة؟ هل يمكن أن تستعيد وحدتها الترابية والوطنية والشعبية؟ هل سيسمحون لها بأن تنهض من تحت الرماد كطائر العنقاء؟