حُلم آسيا وحُلم أمريكا و...
بقلم/ اسكندر شاهر
نشر منذ: 16 سنة و أسبوع و يوم واحد
السبت 13 ديسمبر-كانون الأول 2008 07:02 ص
فجّرت الكاتبة المبدعة والأنيقة آسيا ناصر في حُلمها الذي تموضع بمقال عنوانه "أحلام على قارعة العام" لغماً غير موقوت وغير فارغ من علامات الاستفهام عن قصة الأحلام وأضغاث الأحلام لديّ حين خصّتني بالذكر مع مجموعة ممن نعتز بهم مختزلةً حُلمي بأنه "اسكندر شاهر يحلم أن يكتب عن سوريا .. من اليمن" .. وبصرف النظر عن جرأتها الحميدة في اختزال حلمي الخاص أو العام .. لستُ أدري !!..  إلا أن جمال العبارة بما تحمله من دلالات إنسانية عميقة كان له بالغ الوقع والأثر في نفسي ، وفي الوقت ذاته أثارت سؤالاً مهماً يربط دوماً مابين الحُلم والتغيير حدّ التوأمة وحدّ الاقتران الموضوعي والشرطي ، فلا تغيير دون حلم سابق ..إذ الحلم أحد شروط التغيير إن لم يكن شرطه الأساس ، وبعبارة "منطقية وفلسفية" الحلم يمثل حالة القوة فيما يمثل التغيير طور الفعل . وفي هذا السياق نستطيع أن نستوعب أهمية الخطاب الذي أطلقه داعية الحقوق المدنية والسياسية مارتن لوثر كينغ الذي اغتيل في 1968م في سبيل تحرير السود في أمريكا من ظلم العبودية والذي ألهم خطابه بلازمته الشهيرة (لـديّ حلم): I have a dream حركة الحقوق المدنية الأمريكية لأجيال متعاقبة .
وقد لاحظتُ أن الأستاذة آسيا ناصر تُركز في كتاباتها الشاعرية غالباً على الأحلام وأحسبها تعني ماتقول وتدرك أهمية الحلم في عملية التغيير وهو أمر يغفل عنه كثيرون ويحطون من قدره وأهميته وفقاً لثقافة ضحلة لا ترقى إلى قراءة التاريخ والجغرافيا بما يحملان من متغيرات وعبر ودلالات .
وأحسب أننا ولشدة تعلّقنا بـ"التغيير" كحُلم مشترك بتنا مضطرين لتغيير أحلامنا كل يوم خاصةً أن الأحلام هي الوحيدة التي لم تُصادر حتى الآن (بصورة جزئية طبعاً) فالكوابيس هي نوع مصادرة ناتجة عن ضغط السلطة والمعارضة معاً على تفكيرنا ماظهر منه ومابطن.. كما أن الأحلام التي تنتهي بأصحابها في مذبح "اللجنة العامة" أو "اللجنة الدائمة" هي كذلك أحلام وقعت في خط المصادرة بنحو وآخر . ولا أدل على ذلك من قصة "القيرعي" زعيم منظمة "الأحرار السود" . وأتذكر أنني في أول تسعينات القرن الماضي كنت أدير تحرير نشرة شبابية متواضعة جداً كانت تصدر في مدينة التربة عاصمة "الحجرية" ، وكان القيرعي أحد كتابها المتميزين قبل أن يتحرر من التربة إلى تعز فصنعاء ليؤسس "الأحرار السود" ويصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ولينتهي به المطاف بعد ماراثون مع الحزبية والمنظمات المحلية والدولية عضواً في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام "الحاكم" . وهنا يكمن السر فيما تطرقتُ إليه عن مصادرة أحلامنا فمارتن لوثر قال: "عندي حلم" I have a dream وحقق جزءاً منه ودفع حياته ثمناً لذلك ليكتمل الحلم أو ليصل حد  الذروة على يد بارك حسين أوباما بشعار التغيير change ، والقيرعي ربما حلم ذات يوم أن يصبح للمهمشين السود في اليمن "الأخدام" الحق في مواطنة فوق خط الصفر ولكنه وأد الحلم في مقتبل عمره واشترك مع الحاكم في مصادرته ليصبح وصمة عار ليس أكثر .. وبعبارة أفضل محاولة فاشلة وبائسة . وربما لو كان القيرعي قد اختار اسم "العبيد السود" بدل "الأحرار السود" ومضى في طريق "عالم الاخدام" المتمرد والمنكر للهوية والوطن والانتماء والدين والحزبية لكان قد حقق شيئاً تذكره له الأجيال القادمة . ويمكن لمن يلج عالم المهمشين السود في اليمن "الأخدام" سواءً بصورة واقعية أو عن طريق رواية (طعم أسود .. رائحة سوداء) للشاعر والروائي الأديب علي المقري التي تُعد فتحاً أدبياً في هذا المضمار أن يكتشف جوهر حلم الاخدام الذي ضلّ القيرعي سبيله .
وقبل أيام قليلة كنت بصحبة الصديق علي المقري في دمشق وتحدثنا عن عالم الاخدام وعن روايته التي رُشحت لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" للعام 2009م ضمن قائمة قصيرة اختيرت من بين 121 رواية من 15 بلد عربي ، وأستطيع القول بعد حواري مع المقري وقراءتي لروايته بجلسة واحدة ونفَس واحد أني توصلت إلى جزء من سرّ مقولة نستخدمها أحياناً "الأسود سيّد الألوان" . من هنا يمكن أن يكون لدينا "حُلم أسود" ليس بالضرورة على طريقة مارتن لوثر كينغ في بلاد الهنود الحمر ، ولكن بطريقة نتخلص بواسطتها من هيمنة اللون "الأحمر" ، و همجية "حُمران العيون" على حياتنا منذ أكثر من ثلاثة عقود والذين يعتبرون من سواهم جميعاً "أخداماً" و"عبيداً" على مراتب ، ولا تحررهم لجنة عامة أو دائمة أو مركزية فالحرية لا توهب وهباً بل تُنتزع انتزاعاً أو تُنهب نهباً وحرباًً إذا عجز السلم عن تحقيقها ولنا في الحوثي سيّد صعدة عبرة لأولي الألباب.
eskandarsh@yahoo.com