بدائية الصراع السياسي في اليمن
بقلم/ عبدالناصر سلام
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و 18 يوماً
الجمعة 09 يناير-كانون الثاني 2015 10:01 ص

ان كان هناك من عائق يبقينا غير قابلين للتطور كمجتمع يمني فهو انما يتمثل بعدم مقدرتنا على خلق وتطوير انماطاً جديدة لمفهوم الصراع , تمكننا من الانتقال الى مستويات اخرى سواء من الناحية الفكرية , او من الناحية العملية المتمثلة في الصراع العصبوي الموظف للدين والمذهب والسلالة في اطار الصراع على السلطة .

في العام 2011 م في مقابلة مع الصحفي المخضرم محمد حسنين هيكل ذهب الرجل في توصيفه وتحليله للأحداث في اليمن على انها \\\" ثورة قبيلة تريد ان تهيمن على /وابتلاع الدولة\\\" , في تحليل هيكل شيء من الصحة ان لم يكن كله , غير ان الحماس والعاطفة الثورية اعمت عقولنا لنستنكر كلامه في حينه .

سيفرض تساؤلٌ ما نفسه علينا يأتي في صيغة هل يعني هذا اننا يجب ان نستمر حالة الرضوخ لحكم علي صالح الذي كان سائداً خوفا على الدولة من الانهيار ؟ قبل ان نجيب عن التساؤل علينا ان ندرك ان ما مضى قد مضى او ما قد فات مات , غير ان مسألة التراكم التاريخي تفرض نفسها وبشدة علينا لنقول ان عهد صالح لم يكن يعني وجود دولة بقدر ما كان حكم عصبي مبني على صلة الدم والعصبية القبلية المتمثلة بحاشد في ذلك الوقت , الامر الذي اوجد نوعا من الاستقرار في بنية النظام غير ان مسألة التوريث ومحاول صالح قصقصة القوى القبلية لصالح الابناء , وهذا ما دفع بالمراكز القبلية ذات الثقل والتأثير القبلي للاتجاه نحو مساندة ثورة فبراير 2011 م وتحويلها فيما بعد لمصلحتها .

كنا في سنة ثالثة وصديقي في سنة ثالثة في قسم العلوم السياسية جامعة صنعاء مكلفين ببحث في مادة النظرية السياسية للدكتور محمد الظاهري بعنوان الظاهرة الحوثية اسبابها ومآلاتها , قد توصلنا الى نتائج بالاستناد الى مقدمة ابن خلدون وايضا وبنية النظام السياسي المبني على ما ذكرناه سابقا , الى ان الحركة الحوثية ستصل للسلطة كون النظام السياسي مبني على العصبية القبلية وروابط الدم متجاهلين الكيفية التي ستصل بها او تحت اي ظروف , وقد حصل ذلك للأسف .

الحركة الحوثية تحث الخطى للسيطرة على ما تبقى من مؤسسات الدولة يأتي في مقدمتها الجيش والامن غير أبهة بمظاهر الرفض والاستنكار ذلك ان وعيها السياسي لمفهوم الدولة لا يخرج من دائرة اعتبار السلطة هي الدولة غير مفرقة بين هذين المفهومين واهميتهما للنظام السياسي والبلد بأكمله , فنظرتها للدولة تنطلق من منطلق عصبوي سلالي بحت , مستندة في ذلك على تراثها الديني الذي يحصر السلطة في سلالة البطنين .

القوى السياسية ومراكز النفوذ بعد توقيع المبادرة الخليجية لم تفقه او تدرك ان المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تفرض عليها في ظل معطيات تلك اللحظة الى يومنا هذا ان تطور من مفهومها للصراع السياسي ونظرتها للدولة , العكس من ذلك هو ما حدث للأسف , جميع القوى تصرفت وانطلقت من ميكانيزمات ضيقة مصلحية مقدمة في ذلك مصلحتها الذاتية على المصلحة الوطنية بعد تقاسمها لتركة نظام صالح المدنية والعسكرية والامنية فكان ان طغى الاقوى وكان الحوثي .

كان في قرارة نفسه \\\"هيكل\\\" يدرك ان المجتمع اليمني لم يتحول بعد من حالة الشعب القبلي الى حالة المجتمع المدني المُمأسس الذي يمكن ان يشكل جبهة مضادة للنظام السياسي المتمثل بالقوى السياسية ومراكز القوى بل ان الحامل السياسي لقوى الثورة الممثل بالمشترك حارب اي تمأسس لشباب الثورة خوفا من اي تكتل شبابي معارض يقف بوجهها لتظل محتكرة للثورة لما يوافق مصالحها , وبالفعل استطاعت تلك القوى ابتلاع الدولة او شبهة الدولة التي تركها صالح والتي كنا نأمل ان نبني عليها , لصالح القوى القبلية والتي كان الحوثي اقواها جميعا من تلك الناحية \\\"اي العصبية\\\" .

لم يعد الوضع يحتمل بل ومهدد بالانهيار بعد سطوع نجم القاعدة كوكيل حصري للدفاع عن المناطق ذات الغالبية السنية في مواجهة الحوثي وهو ما يمثل مصدر قلق لنا كيمنيين لما له من تداعيات يمكن ان تجرنا الى مستنقع الحروب الطائفية التي لا ينتصر فيها احد بقدر ما يخسر الجميع , وعليه يجب على القوى السياسية ان تتمسك بالممكن المتاح لتبدأ في عملية تكوين حركة وطنية حقيقية في مجابهة المشاريع التقسيمية والضغط نحو بناء مؤسسة عسكرية بعيدة عن الولاءات القبلية والسياسية , خاصة في ظل فرص قليلة متاحة قبل ان تنزلق الامور لتخرج عن سيطرة جميع القوى الفاعلة .