الضحايا باليمن والصراخ في فرنسا!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و 18 يوماً
الجمعة 09 يناير-كانون الثاني 2015 09:56 ص

استيقظ اليمنيون صباح أمس الأول على فاجعة جديدة، وكارثة إنسانية أخرى، من الكوارث التي لا يبدوا بأن فصول حلقاتها شارفت على الانتهاء، فالقاتل لم يشبع بعد والسفاح لم يرتوِ، رغم كل تلك الأشلاء والدماء، فقد كان الحدث مروعاً لا يستطيع إنسان سويٌ وصفه، وجريمة نكراء تتبرأ منها حتى أعتى الحيوانات شراسة ،ناهيك عن الأديان السماوية والقيم الإنسانية، ولا يمكن أن يقوم بها إنسان ينتمي إلى هذه البشرية مطلقاً.

وعلى استحياء كان هذا الحدث قد تصدر عناوين نشرات الأخبار في عديد من القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية، ونال حظه من التغطية بشكل مقبول نسبياً في بداية الأمر، ولكن لم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى جاء خبر الهجوم على الصحيفة الفرنسية "شارلي إيبدو" لينهي الخبر الأول في غمضة عين، وليتصدر المشهد ليس في عناوين نشرات الأخبار العربية والعالمية وحسب، ولكن في أرجاء المعمورة برمتها، ولتتوالى ردود الأفعال بشأنه تنديداً واستنكاراً من العالم بأسره وبالمقدمة منه قادة وحكومات الدول العربية، فيما توارى الخبر الآخر يتيماً دون أي أهمية تذكر.

لستُ هنا بصدد إعطاء مبرر للقتل أياً كان مصدره أو المستهدف منه، ولكني أستغرب ازدواجية المعايير في سلوك وتصرفات هذا العالم المتناقض، الذي يكيل بمكيالين، فهو يتشدق بقيم الحرية والعدالة الإنسانية، ثم يمارس نقيضها على أرض الواقع، فدماء"12" فرداً من الفرنسيين في نظره ثمينة وتستحق أن يتحرك لها العالم بأسره، بل وتعقد لها الاجتماعات الطارئة على أعلى المستويات، بينما دماء "40" ضحية من الطلبة اليمنيين الذين لقو حتفهم "بذات اليوم" داخل كلية الشرطة، لا يستحقون حتى كلمة عزاء لذويهم ولو من باب النفاق السياسي عل الأقل، أضف لذلك دماء السوريين والفلسطينيين والعراقيين ... الخ، والتي تنزف كل يوم.

بأي حال ربما لا يحق لنا أن نتمادى في الاستغراب من سلوك العالم الخارجي تجاهنا، إذا كان رب البيت لدينا، والذي يُفترض أنه المسئول الأول عن دمائنا، لم يفعل شيئاً سوى أنه استبدل السيء بالأسوء، فأقال مدير كلية الشرطة السابق، ليعين خلفاً له العميد/ عبد الله قيران، الذي كان مديراً للأمن بمحافظة تعز إبان ثورة الشباب السلمية، والمتهم بجرائم قتل داخل ساحة الحرية وخارجها في مدينة تعز آنذاك، كما وجه بمنح الضحايا رتباً عسكرية واعتبارهم ضباط، وهي خطوات من شأنها أن تضاف إلى رصيده من النكات والنوادر التي يتداولها اليمنيون على صفحات التواصل الاجتماعي ورسائل الواتس أب.

إن ازدواجية المعايير التي يمارسها الغرب وبمقدمته أمريكا وفرنسا وبريطانيا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي، هي التي قتلت الصحفيين الفرنسيين، والصحيفة ذاتها التي نشرت غير مرة رسوماً كاريكاتورية تسيء للإسلام ولنبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام تحت مبرر حرية التعبير، وجرحت مشاعر أكثر من مليار ونصف من المسلمين ولم يحاسبها أحد، لم تنشر يوماً ما مثل تلك الإساءات عن مقدسات وأديان وملل وأعراق أخرى، وإنما كانت تمارس العنصرية بأبشع صورها تجاه دين محدد ورمز من الرموز الدينية بعينه تحت مبرر حرية التعبير.

ازدواجية المعايير في التعاطي الغربي مع قضايا العالم العربي والإسلامي هي التي جلبت -وستظل تجلب- الخراب للغرب وللعالم أجمع، فهي التي انتجت في الماضي ما يسمى بـ "تنظييم القاعدة"، وبحجة محاربته استباحت بلداننا وسيطرت على منابع نفطنا وثرواتنا في العراق والخليج، ومنذ ما يقارب العام تقريباً بدأت تسوِّق لنا مفردة جديدة اسمتها "تنظيم الدولة الإسلامية" أو "داعش" وهي صناعة مخابراتها بامتياز، ثم جيشت العالم وراءها بحجة محاربته، وستظل طيلة العشر سنوات القادمة على أقل تقدير تسيطر على المنطقة وتعيق أي محاولة لتوجه ديمقراطي حقيقي فيها بحجة محاربة "داعش".

ازدواجية المعايير تلك هي التي جلبت السيسي لمصر والسبسي لتونس وحفتر لليبيا والحوثي لليمن، وهي التي جعلتنا لا نفهم أي إسلام ذاك الذي يريده لنا الغرب وحلفاؤه من المتصهينين العرب، فهم يحاربون القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة بحجة أنها إرهابية، وبذات الوقت يحاربون الإخوان وغيرهم من التيارات السياسية الموصوفة بالاعتدال ويصنفونها كمنظمات إرهابية.

لكن يبقى في نهاية المطاف.. أياً يكن التعاطي الغربي مع قضايانا، فإن المتضرر الوحيد جراء هذه الأعمال البربرية الخرقاء هي نحنُ العرب والمسلمون، فاليمن واليمنيون هم المتضرر الوحيد من الحادث الإجرامي الأخير وغيره من الحوادث الإرهابية المتكررة، والمسلمون في فرنسا خصوصاً وفي الغرب عموماً هم من سيدفع ثمن هذه الحماقات، أما ديننا الإسلامي السمح الذي يزعم هؤلاء القتلة بأنهم ينتمون إليه فقد علمنا قاعدة ذهبية هامة وهي أن" جلب المصلحة مقدم على درء المفسدة"، وليس هناك مفسدة أعظم من قتل النفس التي حرم الله.