التعليم العالي وضرورة البحث عن مسارٍ آخر
بقلم/ عبدالملك طاهر المخلافي
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
الأحد 15 يونيو-حزيران 2008 09:28 ص
  مأرب برس - خاص هناك قاعدة لا يختلف حولها الأكاديميون ويرون ضرورة العمل بها, وهي السعي نحو تنويع المدارس والمشارب الأكاديمية في التأهيل, مما يمكن الدارسين من اكتساب خبرات وممارسات وأساليب وطرائق مختلفة، ونقل المعارف والعلوم من عدة دول مشهود لها بالتميز والريادة العلمية.  ومن ثم يمكن القول أن تأهيل الموارد البشرية اليمنية وفق الآليات التقليدية المتاحة أضحت عملية عقيمة ومكلفة وعديمة الجدوى, ولن تفضي بمواردنا البشرية إلى مستوىً متميزٍ من الكفاءة والجدارة التي تمنحها ميزة تنافسية في أسواق العمل على المستوى الإقليمي ولا أقول المستوى العالمي, خصوصاً ونحن نزعم أننا العمق أو المستودع أو الكنز البشري الذي لا ينضب, والذي لن تستغني عنه بأي حال دول الجزيرة والخليج العربي. لذا إذا أردنا بناء موارد بشرية مقتدرة ومنافسة, يتعين علينا البحث عن أفق آخر لتأهيلها وتدريبها بما في ذلك طرق أبواب الجامعات الغربية وتحديداً الجامعات الأمريكية والبريطانية والكندية, فهي بلا شك الموطن الحقيقي لإنتاج العلوم والتكنولوجيا, أما الإمعان في استمرار الإيفاد لنخبة التدريس اليمنية إلى بعض الجامعات في المنطقة العربية وبعض دول جنوب شرق أسيا فأن ذلك قد أوصلها إلى حالة من التشبع والتناسخ أللامرغوب, وما استرخاص المقاعد الدراسية في بعض الجامعات العربية والأسيوية والتقشف المزعوم من قبل إدارة جامعاتنا على حساب عملية الإيفاد وبناء الرأسمال البشري إلا ضرب من التجهيل المبرمج واستنزاف وقت وجهد الدارسين في معامع علمية طويلة ومجهدة لا طائل منها. ولعل هذا تقريباً ما كان يرمي إليه نائب وزير التعليم العالي في إحدى لقاءاته بالطلاب الدارسين في السعودية حين قال أن الجامعات اليمنية الجديد ما لم تؤهل هيئاتها التدريسية في محاضن الجامعات الغربية فإنها ستغدو جامعاتٍ كسيحة, مؤكداً أنه لامناص من إحياء العلاقات التعليمية اليمنية الأمريكية التي كانت سائدة خلال فترة الثمانينيات, والتي استفادت منها جامعة صنعاء في تأهيل هيئتها التدريسية, مما أضفى على العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بعداً نوعياً مهماً, أنعكس أثره على الادارة العامة والعملية التنموية للبلد بشكل عام. فعلاً لقد وضع الرجل إصبعه على مكمن الداء, ولقد بدأنا كأساتذة جامعات نشعر بأعراض الكساح والأمية وبالذات الأمية اللغوية وبخاصة أمية اللغة الانجليزية بحسبانها وبلا مكابرة لغة القرية الكونية والزمن المعولم ولغة العلم والانترنت. إن من المواقف المخجلة بالنسبة لي وربما لكثيرين من زملاء المهنة أن قادتني خطايا ذات صباح إلى ندوة للتصنيف والاعتماد الأكاديمي بالرياض, وهناك كان جميع الحاضرين والمحاضرين من الجنسين, وهم بالطبع أساتذة من جامعات عربية ودولية, يعرضون أوراقهم باللغة الانجليزية, وكانت الأوراق والعروض العلمية مفهومة لهم تماماً, بل وكانت تتخلل العروض بعض النكت بالانجليزية فإذا بهم يضحكون بملء أفواههم وأنا بينهم مثل الأطرش في الزفة لا أدري ما (السالفة), ولم يكن بمقدوري سوى التظاهر بالفهم وهز الرأس. لذلك يجب أن نعترف أننا أنصاف أساتذة جامعيين لأننا لا نمتلك لغة العصر ألا وهي الانجليزية. ربما أن وزارة التعليم العالي اليمنية قد أدركت مؤخراً خطورة المشكلة, فأخذت تبلور سياسة أو توجه جديد للابتعاث الخارجي جاء محمولأ على تصريح لأحد وكلائها وهو ما نصه: أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قررت رفع الرسوم الممنوحة للموفدين في الخارج من (7) آلاف دولار إلى (14) ألف دولار ليتسنى لهم الدراسة في جامعات راقية في أمريكا والمملكة المتحدة، وكندا وغيرها, وأن الوزارة ستركز مستقبلا على الكيف وليس الكم، لذلك ستقوم بتخفيض أعداد الطلاب الموفدين، واعتماد الإيفاد للتخصصات العلمية النادرة التي تحتاج لها مؤسسات البلد من أجل الحصول على مخرجات نوعية. كما أن من الصدف الجميلة أننا بدأنا نفكر بالبحث عن طريق ما إلى الجامعات الغربية, في حين أن إخواننا في الخليج قد قرروا الانسحاب النسبي منها والبحث عن طريق إلى سواها رغبة في التنويع والتجديد والاستفادة من تجارب وخبرات أخرى. فهذه مثلا وزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية الشقيقة قررت مؤخراً إيقاف الابتعاث إلى جامعات كل من بريطانيا وأستراليا ونيوزلندا فضلاً عن ماليزيا معزيةً ذلك القرار إلى ارتفاع نسبة الطلاب السعوديين المبتعثين إلى تلك الدول وخاصة بريطانيا التي تحتضن نحو(6) آلاف طالب وطالبة, وتوجيه الطلاب نحو مدارس ومؤسسات وجامعات أخرى في سنغافورة والصين واليابان بحثاً عن التنويع ومنح الطلاب فرصة لإتقان اللغات الأخرى مثل اليابانية والصينية .. التي ربما يكون لها من منظور إستراتيجي شأوٌ في المستقبل, ومع ذلك فإنه لا يوجد ما يمنع أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون وأن نستفيد من الجوانب الايجابية في تجارهم وخبراتهم. لذلك أعتقد ليس أمام وزارة التعليم العالي والجامعات اليمنية سوى سرعة تنفيذ التوجه الجديد الذي أفصحت عنه الوزارة أملا ً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه, كما نرى أهمية تصميم برنامج لتطوير القدرات اللغوية لمن فاتهم القطار وذلك من خلال منحهم دورة خارجية طويلة (سنة مثلاً) في مجال اللغة مما يعطيهم على الأقل مفاتيح التواصل والاتصال بجامعات العالم ومتابعة جديدها والإفادة منه. أما إذا ظلت الحالة على ما هي عليه فان الأستاذ الجامعي ومن خلفه الطالب اليمني أشبه ما يكون بأعمى يقود أعمى الى نهاية غير معروفة. 

·  همسة في أذن الوزير باصرة: أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل بالمرة.