ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا
معلوم أن مفهوم الدولة يدخل ضمن الحقول الدلالية للسياسة لا الدين، وأن القائمين على الدولة رجال سياسة لا رجال دين، ولكن فكرة الدولة لا يمكن تسويقها دون رافعة دينية، وهذه الرافعة الدينية ـ فيما يخص إسرائيل ـ يجب أن تتركز حول مفهوم «الدولة اليهودية» بالاتكاء على نصوص قديمة في الموروث اليهودي.
وعليه، فإن فكرة وجود دولة إسرائيل هي فكرة سياسية بامتياز، لا علاقة لها ـ في الواقع ـ بالدين، وهي فكرة غربية خالصة، لا علاقة لها بالشرق، ولكن، ولأجل تسويقها وحشد الدعم لها كان لا بد من الترويج لها دينياً، ولأجل إخفاء الأهداف الغربية من ورائها كان لا بد من زراعتها في الشرق. الفكرة غاية في البراعة، فهي من ناحية تغسل دم اليهود عن أيدي النازية الغربية، كما أنها ـ وهذا هو المهم – تضمن للغرب موطئ قدم متقدم في الشرق، يحمي مصالحه الاستعمارية، ولذا طرحت الفكرة مرتبطة بمرحلة الاستعمار الأوروبي الغربي، لتقوم الدولة الوليدة بمهامها المرسومة، بعد تلك المرحلة.
وقد أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن مرة إلى الضرورة الحتمية التي يمثلها وجود دولة إسرائيل في المنطقة بقوله: «لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا اختراعها، لحماية مصالحها في الشرق الأوسط» وهي إشارة واضحة إلى ضرورة وجود «دولة إسرائيل» من منطلق المصالح الاستراتيجية الأمريكية والغربية بشكل عام، بعيداً عن أية اعتبارات أو سرديات دينية أو تاريخية.
بعد اختمار الفكرة، جاء دور اختيار طابعها الديني، والواقع أن الطابع المسيحي لم يعد صالحاً لأي كيان استعماري جديد، بحكم استنفاد هذا الطابع خلال قرون من الاستثمار الغربي في المسيحية، من خلال «الإمارات الدينية الصليبية» القروسطية على الشواطئ العربية للأبيض المتوسط، وكذا «الاستعمار الأوروبي الحديث» الذي تم التمهيد له بـ«الإرساليات التبشيرية» ومن هنا كان لا بد من التفكير في طابع ديني مختلف، لا يكرر التجارب «المسيحية» السابقة التي لبست «مسوح الرهبان».
الغلالة المسيحية ـ إذن ـ ليست صالحة لتغطية جسد الكيان السياسي الجديد الذي تم التخطيط له، ومن ثم بناؤه ودعم استمراريته بطريقه وأدوات غربية خالصة، ومن هنا تم استدعاء «الكوفية اليهودية» لوضعها على رأس الدولة الجديدة، حيث يمكن تحقيق عدة أهداف:
غسل الدم اليهودي عن الأيد الأوروبية الغربية، وضمان بقاء مصالح الاستعمار بعد مغادرته، وهدف آخر مهم، وهو جعل دماء الفلسطينيين والعرب التي ستسفكها هذه الدولة الوليدة، جعل هذه الدماء على يد اليهود، بعيداً عن أيدي المسيحية الغربية «النظيفة» من تلك الدماء.
هذا مجمل الأمر مع بعض التبسيط الذي قد لا يروق للبعض، وهنا دعونا نتجه بعيداً عبر التاريخ إلى ما قبل المسيح وموسى عليهما السلام، دعونا نوغل في الأعماق، لنصل إلى حكاية «وعد الرب لإبراهيم» الذي تذكر التوراة أن الله
خاطبه، بقوله: «وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً» وكان لا بد من اختصار نسل إبراهيم في نسل إسرائيل «اليهود» لحرمان نسل إسماعيل «العرب» من هذا الميراث، على اعتبار أن الإسرائيليين هم «شعب الله المختار» وفقاً للسردية اليهودية، في التوراة والتلمود، وبغض النظر عن كون هذه الأرض هي في الأصل «أرض كنعان» التي لا يحق لأحد أخذها، دون وجه حق، ناهيك عن أن يتم النظر لله كـ»تاجر عقار» يعطي أراضي شعب لشعب آخر، تعالى الله عن ذلك.
وقد وُجد أن هذه الفكرة مناسبة جداً كمشروعية دينية، لإقامة الدولة الاستعمارية الجديدة، التي تزعّم فكرتها عدد من الملحدين «اليهود الإشكناز/الغربيين» في مفارقة عجيبة، تظهر فيها «السياسة الملحدة» بـ«قبعة دينية» لتوظيف الدين لصالحها، فتعيد إنتاج الملحد تيودور هرتزل معتمراً «الكيباه اليهودية» بما أن الأمر لا يتعلق بتنفيذ «الوصايا العشر» التي تحرم السرقة بشكل عام، قدر ما يتعلق بسرقة الأراضي بشكل خاص.
مهما يكن، فقد قامت دولة إسرائيل رسمياً، وتم الاعتراف بها أممياً في 14 مايو 1948، ومع الزمن كرست إسرائيل الرواية الدينية واعتمدت بشكل كبير عليها في إضفاء المشروعية، ليس على كيانها الجديد وحسب، ولكن على سلوكها المتمرد على قواعد القانون الدولي، على أساس أنها «دولة يهودية» تخضع لأحكام التوراة، لا للقانون الدولي في وجودها وسلوكها وعدوانها المستمر ـ بدعم غربي واسع ـ على العرب والفلسطينيين.
أما الغرب فساق دعمه لإسرائيل، تحت مبررات «عقدة الذنب» الأوروبية تجاه اليهود، وهي الفكرة التي استمرت إلى اليوم، غير أن الغرب لا يدعم إسرائيل – حقيقة – ليكفر عن أخطاء النازية، بل إن المبرر الأساس للدعم الغربي لإسرائيل يعود لكونه أنشأها، حماية لمصالحه الاستعمارية في المنطقة العربية، أما الحديث عن التعاطف فيدحضه عدم وجود أي تعاطف حقيقي تجاه اليهود في الوعي الجمعي الغربي ماضياً وحاضراً، بغض النظر عن الكثير من التصريحات المتعاطفة في ظاهرها. وبالعودة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، نورد تصريحه الذي قال فيه إن حماس تقتل الإسرائيليين، لأنهم يهود، وإن أمريكا تدافع عن إسرائيل، لأنها تحمي عن اليهود. والواقع أنها تصريحات فارغة، إذا يعلم الجميع أن الفلسطينيين، لا يقاومون إسرائيل، لأنها دولة يهودية، بل لأنها دولة احتلال، كما أن أمريكا لا تدعم إسرائيل، لأنها يهودية، بل لأنها شرطي المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.
ولو كان الأمر يتعلق باليهود واليهودية، فإن أكبر معارضي دولة إسرائيل هم من اليهود، وقد سجل اليهود خلال العدوان الأخير على غزة مواقف واضحة حول العالم لصالح فلسطين، وضد إسرائيل، كما أن اليهود الشرقيين عاشوا قروناً طويلة في فلسطين وبين العرب، دون أن يسجل التاريخ أي «هولوكوست» ضدهم في المشرق، كما حدث في أوروبا.
وفي ضوء كل تلك المعطيات الواضحة حول توظيف الغرب المسيحي لليهودية من أجل أهدافه الاستعمارية يمكن فهم استمرارية الدعاية الدينية لإسرائيل من أطراف متعددة، من مثل تصريح السناتور ليندسي غراهام على شاشة فوكس نيوز: «نحن في حرب دينية هنا، أنا مع إسرائيل، قوموا بكل ما يمكنكم القيام به، للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان بالأرض» متزامناً مع التصريح الشهير لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تل أبيب، يوم 12 أكتوبر المنصرم: «لم آت لإسرائيل كوني وزير خارجية، بل بصفتي يهودياً فرَّ جده من القتل».
وقد يقول قائل إن المسألة ليست مجرد تصريحات، ولكن المجتمع الإسرائيلي يتجه لموجة من «التطرف اليهودي» غير مسبوقة، وإن التوجهات العلمانية يخفت صوتها يوماً بعد آخر في إسرائيل، وهذا صحيح، لكن هذا التطرف هو نتيجة لعمليات مستمرة من تسييس اليهودية الشرقية المنشأ على يد الغرب الاستعماري الهدف، حيث إن «رجال السياسة الإسرائيلية» اليوم يقومون بدور «رجال الديانة اليهودية» وعندما يمسك رجل السياسة بزمام الخطاب الديني فإن النتيجة تكون تفشي الأيديولوجيا الدينية، لا القيم الروحية، لأن السياسي لا يرى في الدين إلا وسيلة لخدمته، في حين أن هدف الدين خدمة الإنسان.
وبفعل دعاية الأيديولوجيا الصهيونية، تتفشى موجات التطرف اليهودي بين الإسرائيليين، وتتعالى الدعوات لهدم المسجد الأقصى وبناء «الهيكل الثالث» رغم أن الفتاوى التقليدية اليهودية تحرم على اليهود دخول منطقة الحرم التي يسمونها «جبل الهيكل» والتي تتعرض خلال السنوات الأخيرة لانتهاكات مستمرة، من قبل مسؤولين ومتطرفين إسرائيليين، على حد سواء، وخاصة أثناء الاحتفالات بالأعياد اليهودية، مثل: «عيد الغفران وعيد العرش وعيد فرحة التوراة».
الخلاصة: إسرائيل في الوقاع دولة استعمارية غربية، لا علاقة لها باليهودية ولا بالتوراة، وقد أسبغ الغرب عليها الصبغة اليهودية، ليغطي على حقيقة كونها امتداداً للاستعمار الأوروبي الغربي، ولو لم تكن إسرائيل دولة صهيونية غربية، لا يهودية شرقية لما رأينا اليهود على رأس المحتجين ضدها، ولما رأينا «اليمين الغربي المتطرف» وهو العدو التقليدي لليهود، لما رأيناه يبالغ في تأييدها. «ولكن أكثر الناس لا يفقهون».
المصدر/ القدس العربي