انعقاد مؤتمر إطلاق الاستراتيجية المحلية للنساء بمأرب. بإسم الرسول الأعظم الحوثيون يغتصبون منزلا بالقوة ويضعون عليه اسم النبي تركيا ترسل فريق بحث إلى سجن صيدنايا سيء السمعة تتبع سلالة كوليرا شديدة المقاومة للأدوية ظهرت أولاً في اليمن ثم انتشرت في عدة دول ثروة ''آل الأسد'' كيف حصلوا عليها ومن يديرها؟ ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية
جاء الإسلام لإرساء دعائم العدل والمحبة والإخاء وإقامة المجتمع الإسلامي المتكافل والمتعاون والمتراحم وإزالة كل أشكال الظلم والاستغلال والأنانية، والقضاء على كل أمراض الجاهلية، ومنها مرض الربا، الذي كان شائعا دون حدود أو قيود، وكان مصدر من مصادر الثراء للمجتمع المكي، في حين كان مصدر تعاسة وشقاء للكثير من الناس.
وكان موقف الإسلام من الربا موقفاً حازماً وجازماً، فقد حرمه تحريماً مطلقاً ، وندد به أشنع تنديد، وتوعد المتعاملين به بأشد ضروب التهديد والزجر والوعيد وقد ورد ذلك في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية صريحة وواضحة وقطعية الدلالة والثبوت، ولا لبس فيها ولا غموض.
أولا: ضروب التهديد والزجر والوعيد التي توعد الله بها المتعاملين بالربا
وفيما يلي سوف نتناول موقف كلٍ من القرآن والسنة من الربا وما ورد في كل منهما من تهديد وزجر ووعيد لأكلة الربا المصرين على التعامل به بعد أن بلغهم الوحي الإلهي
أ- مظاهر التهديد والزجر والوعيد في القرآن الكريم:
نص القرآن الكريم على التحريم المطلق والقاطع للربا، وتمثل ذلك في قوله تعالى:
"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ، أن الذين أمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين، فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا يظلمون ولا تظلمون".(1)
فهذه الآيات الواضحات البينات لم تقتصر على التحريم القاطع والمطلق للربا وإنما قرنت ذلك التحريم بأشد أنواع التهديد والزجر والوعيد، ومن مظاهر ذلك ما يلي:
-1التنفير من الحالة الشنيعة التي يبعث عليها أكلة الربا:
حيث يقومون من قبورهم يوم القيامة عند البعث للآخرة صرعى يتخبطون كالمجنون ( الذي يتخبطه الشيطان من المس" وذلك أنهم كانوا في الدنيا مجانين بالكسب المادي فلا يشبعهم شي وقد ورد أن المرء يبعث على ما مات عليه .فإذا كان هذا حال آكل الربا عند البعث وقبل الحساب فكيف يكون حاله بعد ذلك في النار".(2)
-2إعلام أكلة الربا بالخلود في جهنم:
فالقرآن الكريم يفتح الباب على مصراعيه لمن يريد أن يتوب بعد أن جاء البلاغ من الله وإلا فالخلود في النار جزاءه وبئس المصير ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.(3)
-3الوعيد الإلهي بمحق الربا في مقابلة الوعد الإلهي بارباء الصدقات (4)
فهو جل شأنه "يمحق الربا" أي يذهبه من يد صاحبه ويحرمه من بركته فلا ينتفع به بل يعدمه ويكون شؤما عليه في الدنيا و الآخرة. وهو سبحانه وتعالى "يربي الصدقات" أي ينميها ويباركها ويزيد في قدرها وقيمتها ويضاعف ثوابها وجعلها ذخراً لصاحبها في الدنيا والآخرة فالصدقة وأن كانت نقص من المال فهي في حقيقتها بركة ونماء لهذا المال ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول (ما نقص مال من صدقة ). أما الربا وأن كان زيادة من حيث الظاهر إلا أنه قي الواقع محق لهذه الزيادة بل ولأصل المال ذاته بما يسلطه الله عليه من الآفات التي تأكل المال ) (5) يمحق الله الربا ويربي الصدقات .
4- وصف آكل الربا بأنه كفارٌ أثيم:
وهذا يعني أن أكل الربا جريمة من اكبر الجرائم فهي جريمة مركبة من جريمتين عظيمتين هما الكفر و الإثم، بل تجاوزت ذلك إلى المبالغة فيهما معا وهذا ما يفيده الوصف "كفار أثيم" فالكفار هو المبالغ في الكفر، والأثيم هو المبالغ في الإثم، فآكل الربا قد بالغ في الكفر بقسوته على العاجز عن القضاء واستغلاله لحاجة المحتاج بدلاً من أنظاره وتأخير دينه إلى البسرة أو إسعافه بالصدقة, وهو في نفس الوقت أي أكل الربا قد بالغ في الإثم لأنه استخدم نعمة الله في الإضرار بالناس ونشر الفساد في المجتمع، ولذلك فأن الله لا يحبه وحرمانه من محبة الله يستلزم بغضه ومقته غز وجل (6) ( والله لا يحب كل كفار أثيم).
-5 إنذار أكلة الربا بحرب من الله ورسوله:
فالقرآن الكريم لم يقتصر على الأمر بترك ما بقي من الربا أياً كان حجمه أو قدره ( وذروا ما بقي من الربا ) ونفي الإيمان عمن اعرض عن هذا الأمر الإلهي ( إن كنتم مؤمنين ) وإنما أعلم المعرضين عن هذا الأمر الإلهي بحربه وحرب رسوله (7) ولم يبلغ الإسلام في تفضيع أمر أراد إبطاله ما بلغ في جريمة الربا، التي لم يتوعد الله أحدا بحرب إلا مرتكبها فقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أتقو الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ).
ب: مظاهر التهديد والزجر والوعيد في الحديث الشريف:
لقد جاء موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من الربا مؤكداً على موقف القرآن الكريم من حيث التحريم القاطع للربا والتنديد به والتنفير منه بل أن هناك أحاديث نبوية شريفة أشد تنفيراً، وأكثر صرامة من التنفير والزجر الوارد في القرآن الكريم. ومن مظاهر التهديد والزجر والوعيد الوارد في السنة المطهرة بشأن الربا ما يلي:
-1إن الرسول الكريم عدّ الربا من السبع الموبقات:
فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:) اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا يا رسول الله ما هي؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).(8)
والموبقات معناها المهلكات والتي يؤدي اقتراف واحدة منها إلى الهلاك. وهذا يصدق على الفرد كما يصدق على الأمة وينطبق على هلاك الدنيا وعلى هلاك الآخرة.(9)
-2 تجريم ولعن كل من اشترك في عقد الربا وهم في ذلك سواء:
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم فيه سواء. (10)
فآكل الربا: هو صاحب المال الذي يقرض بفائدة، وموكله هو المدين الذي يستدين بفائدة يعطيها لصاحب رأس المال، والكاتب والشاهد، لأنهما أعانا على ما نهى الله عنه (11)
-3أشار الرسول الكريم إلى أن عقوبة الربا تفوق عقوبة الزنا بأضعاف مضاعفة
فعن عبد الله بن حنظلة، قال رسول الله عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدّ عند الله من ستٍ وثلاثين زنية" (12)
وربما كان سبب ذلك- أي مضاعفة عقوبة الربا على عقوبة الزنا على ذلك النحو ـ كما يقول الشيخ يوسف القرضاوي ـ هو أن الزنا ربما تدفع إليه شهوة عارضة أو غريزة عارمة قد يضعف الإنسان أمامها أما الربا فهو معصية تقع بتخطيط وتبين وإصرار ومن هنا كان الفرق بين الاثنين من حيث النكير الشديد.(13)
-4أشار الرسول إلى كثرة أبواب الربا وأن أدنى هذه الأبواب غاية في القبح والشناعة:
فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه وأن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ) رواه الطبراني في الأوسط من طريق عمرو بن راشد ـ قال الشيخ محمد رشيد رضا ـ وقد وثقه ابن حبَان على نكارة حديثه هذا .( 14)
ثانيا:الرسول ومنهج التعامل المالي السليم:
أن الإسلام الحنيف دين شامل ونظام متكامل للدين والدنيا والعبادات والمعاملات، وهو صالح لكل زمان ومكان، وهو عندما حرم الربا وشدد عليه لم يتركنا دون أن يقدم لنا البديل، فموقف الرسول الكريم لم يتوقف عند تحريم الربا والتنديد به تأكيداً لما جاء في القرآن الكريم، وإنما أضاف إلى ذلك معلومات كثيرة وتفاصيل دقيقة حول الربا لسد كل الذرائع والطرق المؤدية للربا ورسم لنا صلى الله عليه وسلم سبيل التعامل المالي السليم والآمن الذي يقينا من مغبة وعاقبة الوقوع في كبيرة الربا، ويضمن استقرار أمورنا وحياتنا،
فعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال": الذهب بالذهب، والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء. (15)"
وفي رواية أخرى: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد" (16) بدلا من: فمن زاد.....الخ
ومعنى " مثلا بمثل " أي المساواة في الوزن أو الكيل، " ويد بيد " أن التبادل يتم فورا في نفس المجلس، " واستزاد " أي طلب الزيادة.(17)
وعن أبى سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض – اي لا تفضلوا – ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غابئا بناجز". (18)
ومن هذه الأحاديث يتضح أن منهج التبادل السليم الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بتقسيم عمليات التبادل إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تبادل الأصناف المتحدة نوعا:
كالذهب بالذهب والفضة بالفضة ففي هذه الحالة لابد من توافر شرطين هما: التساوي في الكمية والفورية في التبادل أي التقابض في المجلس وعدم تأخير شيء من البدلين.
القسم الثاني: تبادل الأصناف المختلفة نوعا والمتحدة جنسا
كتبادل الذهب بالفضة،ففي هذه الحالة لابد من توافر شرط واحد فقط هو: الفورية أي التقابض في المجلس بغض النظر عن اختلاف الكم.
القسم الثالث:تبادل الأصناف المختلفة نوعا وجنسا
أي تبادل الأثمان بالمطعومات كتبادل الذهب بالبر أو الشعير ففي هذه الحالة لا يلزم أي شرط اللهم إلا المبدأ العام في المعاملة وهو تحري الصدق والأمانة. (19)
ثالثا: تعــريف الربـا وأقسامه في الفقه الإسلامي
لا يوجد تعريف محدد للربا متفق عليه بين الفقهاء والباحثين وإنما هناك مجموعة من التعاريف، وقد خرجنا منها بالتعريف المبسط التالي:
"الربا هو الزيادة على قيمة الدين، سواء كانت هذه الزيادة، لأجل الدين ذاته، أم لزيادة مدته، وسواء قلت أم كثرت"
من التعريف السابق يتضح أن الزيادة تكون زيادة ربوية سواء كانت مشروطة في بداية المدة عند الاتفاق على الدين في مقابل منح الدين ذاته، أو كانت مشروطة في نهاية المدة في مقابل الـتمديد لفتر تالية، وفي الحالتين تكون الزيادة مقابل الأجل وليس مقابل أي عوض آخر ، بغض النظر عن الوقت الذي اشترطت فيه الزيادة.
كما يتضح أن الزيادة المشروطة على قيمة الدين تعتبر زيادة ربوية بغض النظر عن قدرها أو حجمها، أي سواء كانت هذه الزيادة واقعة في نطاق الربا البسيط، أم كانت واقعة في نطاق الربا المركب الفاحش المعروف بربا الأضعاف المضاعفة. وسواء كان الدين لأغراض استثمارية أم استهلاكية.
وينقسم الربا إلى قسمين أساسيين هما: ربا النسيئة وربا الفضل. وهذا التقسيم هو الذي سار عليه كثير من علماء وفقهاء السلف واستقر عليه العلماء والباحثون في العصر الحاضر.
وموضوعنا في هذه الدراسة هو ربا النسيئة فهذا القسم من الربا: هو المعروف في الأمم القديمة ولا يزال سائدا إلى اليوم، وهو دعامة النظام الاستعماري الغربي. (20)
وسمي ربا النسيئة بهذا الاسم لأن الزيادة تشترط فيه مقابل أنساء الدفع أي تأخير الدفع وفي القرآن الكريم ( أنما النسيء زيادة في الكفر ) (21) إشارة إلى ما كان يفعله العرب من تأخير بعض الأشهر الحرم إلى غيرها من الشهور. (22)
هذا هو الاسم الشائع الذي اشتهر به كل قسم من هذين القسمين في كتب السلف ولا تزال هذه التسمية قائمة إلى اليوم وهناك تسميات أخرى كثيرة تطلق عليهما لإبراز حقيقتهما وتقريب مفهوم كل منهما إلى العامة والخاصة.
فربا النسيئة يطلق عليه أيضا ربا الجاهلية، وربا القرآن، وربا الديون، وربا الأجل، والربا الجلي، والربا الأصلي ( أو الحقيقي ) وربا التجارة ( أو ربا الاستثمار، أو ربا الإنتاج ).
وربا الفضل يطلق عليه أيضا ربا السنة ( أو ربا الحديث )، وربا البيوع، والربا الخفي، والربا المجازي.
ولكل من هذه التسميات تعريف محدد ذو دلالة، ولكن ليس هنا مكانه.
رابعا: حكم الفائدة المصرفية
الفائدة – بمعناها النقدي أو الاقتصادي - مصطلح رأسمالي غربي حديث، لم يكن معروفا من قبل في العالم الإسلامي، وإنما وفد على المجتمعات الإسلامية مع الاستعمار الامبريالي الغربي في العصر الحديث الذي فرض نظمه وقوانينه الوضعية على كافة البلدان التي سيطر عليها.
وفي أوائل القرن الماضي ثار جدل كبير في مصر حول الفائدة المصرفية وموقف الإسلام منها، وظل الجدل محتدما حتى منتصف الستينيات عندما أنعقد مؤتمر علماء المسلمين الثاني في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف وذلك في مايو 1965م ، وفصل القول في هذه المسألة فقد اجمع الحاضرون في هذا المؤتمر والذين كانوا ينتمون إلى مختلف المذاهب الفقهية في العالم الإسلامي، على تحريم الفائدة المصرفية وعدوها من الربا المنصوص على تحريمه في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم تلا ذلك العديد من المؤتمرات الإسلامية في السبعينيات والثمانينيات التي أكدت قرارات مجمع البحوث الإسلامية وصدرت عنها العديد من التوصيات ومنها قرارات رابطة الفقه الإسلامي في مكة المكرمة والتابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وهذا يدل على أن الربا والفائدة، وجهان لعلمة واحدة.
وهناك كتاب مشهور للدكتور يوسف القرضاي يحمل عنوان: " فوائد البنوك هي الربا الحرام " وهو مبني على تلك القرارات وعلى غيرها.
ويؤكد الخبير الاقتصادي العالمي، الدكتور محمد عمر شابرا – الحائز على جائزة مؤسسة الملك فيصل - أن ربا النسيئة - وهو الربا الذي كان معروفا في الجاهلية – ينطبق على فائدة القرض: فلفظ النسيئة مشتق من نسأ بمعنى ( اجًل، أخًر ، أنظر) وذلك إلى الوقت الذي يسمح فيه المقترض برد القرض مقابل " الإضافة "أو " "العلاوة" المتفق عليها، وبهذا ينطبق ربا النسيئة على فائدة القرض، وهو المعنى الوارد في قوله تعالى ( واحل الله البيع وحرم الربا) [الآية 275- سورة البقرة](23)
ولكن وبالرغم من ذلك ومن الإجماع على تحريم الفائدة المصرفية والمتمثل في قرارات المجامع الفقهية المعتمدة، في العالم الإسلامي، فقد ظلت تلك القرارات حبرا على ورق حيث لم تلتزم بها أي حكومة من حكومات العالم الإسلامي، ولكن هذا لا يلغي ذلك الاجماع ولا يبيح الفائدة المصرفية، فمن المعروف أن اقتصاد الدول الإسلامية يدور في فلك الاقتصاد الرأسمالي الربوي بطبيعته.
وكذلك الأمر بالنسبة للآراء المطروحة في الساحة الإسلامية، والتي تبرر الفائدة المصرفية جزئيا أو كليا ومن زوايا مختلفة، فهذه التبريرات، تعتبر آراء شخصية، وهي إنما تعبر عن وجهة نظر أصحابها. وهي لا تلغي إجماع المسلمين المتمثل في قرارات المجامع الفقهية المعتمدة في العالم الإسلام، التي قضت بتحريم الفائدة المصرفية.
خامسا: الآثار الضارة للربا بالنسبة للفرد والمجتمع
تترتب على الربا آثار ضارة ونتائج خطيرة مادية ومعنوية وفي مختلف المجالات الأخلاقية والروحية والاجتماعية والمدنية والاقتصادية والسياسية والبيئية.
وسوف يقتصر حديثنا هاهنا على الآثار الأخلاقية والروحية والاجتماعية والمدنية فقط:
أ: الآثار الأخلاقية والروحية
من أضرار الربا في المجال الأخلاقي والروحي التي رصدناها ما يلي:
1- اخذ مال الغير بدون مقابل:
لمال الإنسان حرمة عظيمة- كحرمة دمه وعرضه- وبالتالي لا يجوز المساس بهذا المال إلا بطيب نفس من صاحبه. ولهذا يعتبر الربا انتهاك لحرمة مال الغير وأخذه منهم بدون مقابل. وذلك أن الزيادة أو الفائدة التي يأخذها المقرض من المقترض أنما تكون بسبب تأخير سداد قيمة القرض وليس مقابل أي عوض آخر فهي بالتالي غنم من دون غرم وكسب من دون جهد. وهذه الزيادة أو الفائدة يدفعها المقترض مرغما تحت إلحاح الحاجة إلى المال دون أن يكون له خيار في ذلك أي يدفعها من غير طيب نفس منه بدفعها إذ كيف تطيب نفسه بدفع هذا المقدار الإضافي من المال وهو ينتزع منه انتزاعا على حساب جهده وعرقه ويستولي عليه المقرض لمجرد كونه رب المال وقد تكون الحاجة التي دفعت هذا المقترض للقرض هي: حاجة الطعام للحياة وحاجة الدواء للعلاج وحاجة النفقة للعلم ولغير العلم فإما أن يتعطل هذا كله وإما أن يتحكم صاحب المال في المحتاج إلى المال فيمنحه القليل ويسترد منه الكثير ويظلمه بذلك جهده فيكد ويعمل ليؤدي للمرابي رباه أو يتضاعف الدين عاما بعد عام.(24)
ومن هنا فقد حرم الإسلام الربا للتأكيد والتشديد على حرمة مال الغير والحفاظ عليه وصيانته من أي أنتهاك أو عدوان أو اخذ بالباطل وبهذا يأمن كل إنسان على ماله ويقنع بما عنده فيعيش الناس آمنين مطمئنين ويحصل التكافل المطلوب بينهم.
2- التجرد من المروءة والإنسانية:
إن الربا يؤدي إلى استغلال حاجة الفقير والمحتاج بفرض الزيادة عليه وهذا ضد المروءة والإنسانية لأن الأولى والأحرى بصاحب المال في مثل هذه الحالة مساعدة هذا المحتاج وإسعافه بالصدقة أو مد يد العون له من خلال القرض الحسن للتنفيس عن كربته وسد حاجته التي دفعته لطلب المال من دون اشتراط أي زيادة عليه حيث أن اشتراط أي زيادة في هذه الحالة يعتبر قسوة شديدة على هذا المحتاج وظلم كبير له وهذا بعيد كل البعد عن المروءة والإنسانية وحسن الجوار وآداب الاجتماع. وذلك أن كل واحد منا يستنكف من أن يطالب بتعويض مالي عن ماعون يعيره لمن يحتاج إليه أو مساعدة أدبية- كائنة ما كانت- يقدمها لغيره عملا بقواعد حسن الجوار وأدب الاجتماع ولا يختلف النظر في الأمر حينما تكون المعاونة على وجه القرض للأشياء التي يمكن أن ترد أمثالها لأن المقصود في القرض كما في الإعارة هو استرداد المال نفسه أما بعينه أو بمال مماثل له تماما من جنسه وبالتالي ليس من المروءة والإنسانية أن يطالب المقرض بزيادة على مقدار ما أقرضه من مال.(24) ولأن القرض أساسا عقد إرفاق وقربه فالهدف منه هو إعانة الفقير والمحتاج والتنفيس عن المكروب وهذه الزيادة تخرجه عن موضوعه ولهذا لم تجز الزيادة فيه بمقاييس المروءة والإنسانية فضلا عن الشرع والدين.
3_تنمية الشح والأنانية والجشع المالي في شخصية الإنسان:
إن التعامل بالربا يجعل الإنسان يتخذ من المال هدفا في حد ذاته بحيث يصير عبدا لهذا المال يصبح ويمسي وهو يفكر فيه وفي كيفية الاستزادة منه وتكثيره بأي وسيلة من الوسائل ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالناس وابتزازهم وامتصاص عرقهم ودمائهم وأكل أموالهم بالباطل دون وجه حق ، ولهذا يكون آكل الربا منبوذا ومحتقرا عند الناس لما للربا من دور في إبراز عيوبه النفسية والخلقية وإظهارها لدى كل الناس ولهذا فقد حرمه الإسلام ونفر منه لتطهير نفس الإنسان من الشح والأنانية والجشع وغير ذلك من الصفات الأخلاقية الممقوتة وهو في نفس الوقت قد شرع القرض والصدقة ورغب فيهما لمالهما من اثر في نشر الرحمة والمحبة بين الناس وتنمية الجود والسخاء والإيثار في شخصية الإنسان وستر وتغطية ما به من عيوب بحيث يرتفع قدره ويزيد قربا من الله ومن الناس.
4- القلق والاضطراب النفسي والروحي:
أن الزيادة أو الفائدة إنما يدفعها المدين تحت إلحاح حاجته للمال بغير طيب من نفسه- كما سبق ذكر ذلك- والشيء الذي يدفع بغير طيب نفس من صاحبه تزول منه البركة وتنعدم منه الجدوى ولن يستفيد آخذه منه شيئا ولن يهنأ بأكله لأن نفس صاحبه تظل معلقة به ومشدودة أليه وبالتالي قد يكون نذير شؤم لمن أخذه ومصدر بلاء وقلق وإزعاج له وقد تصيبه الأمراض والعاهات بسببه. وكذلك فإن: الحرام في داخل النفس يرهقها ويؤرقها ولو لم يبد ذلك على السطح أنه إحساس عميق بالذنب يهزها بعنف مهما حاولت أن تبدو سعيدة أما الحلال فأنه يجعل النفس مستريحة تعيش آمنة مطمئنة مهما كانت مواردها.. يكفي أنها تحس أنها لم تفعل حراما.(25)
وفوق ذلك يكون المرابي مضطربا نفسيا وفي قلق مستمر لتفكيره الدائم في الربا ومشاكله الاقتصادية الكثيرة. ولهذا قرر بعض الأطباء أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب ولو استبدل بذلك النظام الاقتصادي- الذي يجعل المقرض آكلا غانما دائما والمقترض مأكولا غارما في أكثر الأحوال – نظام اقتصادي أساسه التعاون بين المقرض والمقترض في المغنم والمغرم معا لكان اجلب للاطمئنان واعدل أقوم أهدى سبيلا.(26) وقد اتفق الفقهاء على أن كل ربح أو فائدة يحصل بطريق الربا فهو مال حرام لا يبارك الله فيه لأن الإسلام أمر بالسعي والعمل وبارك في الربح الذي يحصل نتيجة لذلك لأنه ربح حلال اكتسبه صاحبه بجهده وتعبه.(27)
ب: الآثار الاجتماعية والمدنية
للربا آثاره الضارة بالغة الخطورة على صعيد العلاقات الاجتماعية والحياة المدنية، ومن تلك الآثار الضارة ما يلي:
1- انقطاع المودة والتعارف بين الجماعة:
يقيم الإسلام العلاقة بين الجماعة الإسلامية على أساس التعاون والتراحم والإخوة والإيثار والتسامح وغير ذلك من القيم التي تؤدي إلى استقرار حياة الجماعة وتقوية أواصر المحبة والمودة والتعارف بين أعضائها واجتثاث بذور الحقد والكراهية من قلوبهم وبذلك يحصل الرقي المطلوب والتقدم المنشود للجماعة.والربا ضد ذلك كله لأنه يقوم على استغلال حاجة المحتاجين واغتصاب عرقهم وجهدهم بدون مقابل وعلى ذلك: فأن الربا شح وأنانية وفردية ودنس وهدم لروابط المجتمع لذلك لم يبلغ السلام في تفضيع أمر أراد إبطاله ما بلغ في جريمة الربا التي لم يتوعد الله أحدا بحرب إلا مرتكبها حيث يقول تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين. فأن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وأن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظْلِمُون ولا تُظْلَمُون.)(28)
2- تضخيم الثروات وتفريق الطبقات:
ذلك أن الربا وسيلة لتضخيم الأموال تضخيما شديدا لا يقوم على الجهد ولا ينشأ من العمل مما يجعل طائفة من القاعدين يعتمدون على هذه الوسيلة وحدها في تنمية أمولهم وتضخيمها فيشيع بينهم الترهل والبطالة والترف على حساب الكادحين الذين يحتاجون للمال فيأخذونه بالربا في ساعة العسرة وينشأ عن ذلك مرضان اجتماعيان خطيران: تضخيم الثروات إلى غير حد وتفريق الطبقات علوا وسفلا بغير قيد ثم وجود طبقة متعطلة مترهلة مترفة لا تعمل شيئا وتحصل على كل شيء وكأنما المال الذي في يديها فخاخ لصيد المال دون أن تتكلف حتى الطعم لهذه الفخاخ إنما يقع فيها المحتاجون عفوا ويساقون أليها بإقدامهم تدفعهم الضرورات ذلك أن آكل الربا يخالف القاعدة الأساسية للتصور الإسلامي وهي أن المال لله جعل الناس فيه خلفاء وفق شرط المُستَخْلِف- وهو الله سبحانه –لاكما شاء الناس.(28)
3- فتح أبواب الرذيلة والشر:
من مظاهر ذلك أن الكثير من المرابين يذهبون إلى نوادي القمار ويجلسون بجانب المتقامرين ليمدوهم بما يلزمهم من المال للاستمرار في قمارهم فيكون المرابي قد اكتسب إثم الفائدة وإثم التشجيع على القمار وهو محرم لأن ما أتى من حرام ضاع أيضا في الحرام (29) بل إن الذين دخلوا عالم الربا دخلوا أيضا عالم الخمر ، وعالم الدعارة والميسر لأن أبواب الشر أوانٍ مستطرقةٍ وابسط مظاهر ذلك أنك تجد جميع أولئك الذين جمعوا الأموال من غير وجهها في أيامنا هذه ينشئون في بيوتهم البارات ويقيمون حفلات الرقص ويطلقون الحبل على الغارب لزوجاتهم وبناتهم والله سبحانه وتعالى عندما حرم الربا رسم للمسلمين شرعة تعامل مالي سليم من شأنه أن يبارك كل مالهم ويجعل مكاسبهم تطيب بإخراج الزكاة ولله جل جلاله يمحق الربا ويربي الصدقات.(30)
وفوق ذلك فأن الربا: يعد الدافع الأول لتوجيه رأس المال إلى أحط وجوه الاستثمار كي يستطيع رأس المال المسَتدَان أن يربح ربحا مضمونا فيؤدي الفائدة الربوية ويفضل منه شيء للمستدين ومن ثم فهو الدافع المباشر لاستثمار المال في الأفلام الخليعة والصحافة القذرة والمراقص والملاهي والرقيق الأبيض وسائر الحرف والاتجاهات التي تحطم أخلاق البشرية والمال المسَتدَان بالربا ليس همه أن ينشئ أنفع المشروعات للبشرية بل همه أن ينشئ أكثرها ولو كان الربح أنما يجيء من استثماره أحط الغرائز وأقذر الميول وهو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض وسببه الأول هو التعامل الربوي.(31)
4- الارتفاع المستمر في الأسعار وتدهور القوة الشرائية للنقود:
فكما هو معروف أن الفوائد المصرفية على القروض الاستثمارية والإنتاجية لا يتحملها التجار وأصحاب الأموال أساسا وإنما يتحملها المستهلك بطرية غير مباشرة فهذه الفوائد أساسا قد تضاف على تكلفة المنتج أو المنتجات وبالتالي تظهر تكلفة هذه المنتجات متضخمة بقيمة تلك الفوائد وقد يتم اعتبار هذه الفوائد كمصروف تمويلي أو إداري غير مرتبط بالتكلفة المباشرة للمنتج ولكن في كل الأحوال فأن ذلك يؤثر على زيادة التكاليف العامة للشركة أو المؤسسة الأمر الذي ينعكس على السعر مما يجعل الجمهور الكادح هو الذي يتحمل عبء هذه الفوائد المصرفية الربوية، ويدفع ثمنها من جهده وعرقه.
ولا يخفى ما أصبحت تعاني منه المجتمعات الإنسانية من جور الغلاء الفاحش فقد أصبح كابوسا مرعبا وهما ثقيلا جاثما على صدور الفقراء والكادحين في معظم المجتمعات.
وكما هو معروف أيضا أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود وهذا مرض اجتماعي خطير في حد ذاته لأن تدهور القوة الشرائية للنقود يُفقِد النقود وظائفها الأساسية حيث يؤدي إلى انهيار دورها كمخزن للقيمة وأداة للادخار ووسيلة للتبادل وبالتالي تفقد هذه النقود ثقة الجمهور بها أي تفقد أهم الميزات التي تتمتع بها وهي ميزة القبول العام وهذا من جهة يؤدي إلى فساد أمر الناس وتعقيد عملية التبادل بينهم وهو من جهة أخرى قد يؤدي إلى فقدان الدولة لمظهر من مظاهر سيادتها الوطنية وهو استخدام عملتها المحلية في عملية التبادل في نطاق أراضيها حيث سيلجأ مواطنو هذه الدولة وبصفة خاصة التجار ورجال الأعمال إلى استخدام عملة أخرى غير عملتهم المحلية في مبادلتهم وتسوية معاملاتهم وديونهم- كما هو المشاهد في عالم اليوم فقد حل الدولار الأمريكي محل الكثير من العملات الوطنية في كثير من الدول النامية ومنها للأسف الشديد مجموعة الدول الإسلامية ويعزو بعض الاقتصاديين هذه الظاهرة إلى التضخم الذي تعاني منه اقتصاديات هذه الدول و الصحيح أن الربا هو السبب الرئيسي لهذه الظاهرة فليس التضخم سوى نتيجة من نتائج التعامل بالربا ومن ثم فأن تحريم الربا يعتبر وسيلة فعالة لمحاربة التضخم.