سفراء اليمن
بقلم/ اسكندر شاهر
نشر منذ: 17 سنة و 7 أشهر و 20 يوماً
الخميس 03 مايو 2007 10:19 م

مأرب برس ـ دمشق ـ خاص

قرأت للعزيز الكاتب والطبيب د. محمد المنصوب ..مقاله عن "السفراء الصعاليك" .. وأحسبه قد لامس وجعاً صمزمناً ووضع يده الطبيبة على جراح الكثير والكثير من أبناء اليمن الذين شردتهم المسافات وطاردتهم المعاناة واستخفت بهم السفارات التي تحولت إلى أوكار بوليسية استخباراتية بامتياز ، وقبل كل ذلك ضيعتهم (أم أبناء الضياع وجنة اللص الأمين ) .. صنعاء كما وصفها أحد أصدقائي الأعزاء الشاعر "محمد الحاضري " "السنحاني" الذي كان حاضراً علماً وشعراً وإبداعاً في دمشق فعاد إلى الوطن بعد اغتراب استمر لأكثر من عقد من الزمن ولم أسمع عنه شيء بعد هذه العودة وهذا ما يجعلني أربط غيابه أو ضياعه وضياع غيره بقصيدة كتبها قبل أن يعود بسنوات إلى أم أبناء الضياع كتبها إلى مدينته صنعاء، وربما ترشحه وغيرها من القصائد لأن يعد من الشعراء الصعاليك في العصر الحديث ..

يقول في مطلعها :

صنعاء عُمرك أم سنيني بدد بلا وطن وديني 

ويقين نصرك وهم ويلات المـعارك أم يقيني

وعلاك من داسته أقدام العمالة أم جـبيني

وفي خواتمها:

 صنعاء ياحُرق الغريب وجمرة الحزن الدفين

 يابسمة الميت المعوذ بالخـناجر والقيون

 وحقيقة الزيف المنمق  روعـة الذل الثمين

 وحبيبة الوغد الشـقي عشيقة الورع اللعين

 يا أم أبناء الضـياع وجنة اللص الأمين

وعوداً إلى "السفراء الصعاليك" الذين لم يتأبطوا حقائب دبلوماسية -كما هو المفترض- وإنما تأبط الكثير منهم حقداً وخرجوا من الوطن ليمارسوا هواياتهم الجنرالية ، وليعبروا عن هواجسهم الأمنية وأمراضهم المزمنة بشتى الطرق ومختلف الأشكال .. ولا عجب ، فقد غلب على منصب السفير لبلادنا طابع "التزفير" أو "الإبعاد" لمسؤولين سابقين كبار من مختلف المؤسسات وحتى التي لاعلاقة لها بالدبلوماسية والسياسة بالمطلق ، وفي أحسن الأحوال باتباع منطق فاسد يقول: "خليه يسترزق ويدبر حاله" ، وتعقيباً على كلام صديقنا الدكتور محمد المنصوب الذي أشار إلى رغبة بعض صعاليك السفراء إلى الاسترخاء والتنعم برفاهية المنصب والعملة الصعبة فإنني أقول بأن بعضهم نتمنى أن يسترخي ولا يدوخ هو ويدوخ معه أبناء الجالية في البلد الذي تعين فيه من حركة ودوران وزيارات رسمية وغير رسمية غير مجدية ولا طائل يُرتجى منها ، أو باللهجة الشامية "بلا طعمة " ..

وتبقى الدبلوماسية اليمنية محكومة بهواجس أمنية يؤدلجها جنرالات وإن حمل بعضهم شهادة دكتوراه في اختصاصات مختلفة ولاريب فإذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت كلهم الرقص –كما في المثل- وقد سمعنا قبل أيام تصريحات الدكتور برتبة جنرال علي مجور رئيس الوزراء الجديد يؤكد للوكالة الفرنسية والتي يتحدث لغتها ولا يجيد لغة بلده الأم بأن الحل العسكري هو الحل الوحيد والحاسم في حرب صعدة ، وهو بهذا التصريح الناري الإرهابي قد تأبط "جوراً" وخرج ، مع بون شاسع وشاسع جداً ، وقياس مع فارق بحجم أبو الهول وأكثر بينه وبين أحد أشهر الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي والذي عُرف عبر التاريخ بـ "تأبط شراً" وخرج.

وما هي الحال إذا كان السفير المعين والمنتقى خلفاً لسلف نوعي واستثنائي كاللواء احمد الحسني الذي انشق على نظام صالح وأعلن اللجوء في بريطانيا في حادثة شهيرة .

فسفيرنا المعين خلفاً للحسني ، يبدو أنه لا يزال مسكونا بهواجس غير واقعية ، وأعتقد أنه إلى الآن لايريد أن ينسى أنه خير خلف " لأسوأ سلف " حسب تقديرات الحكومة اليمنية ورئيس الجمهورية شخصياً ، فقد كان السفير السابق "الحسني" حالة خاصة خلال عمله كسفير و كان هذا أمراً ملحوظاً والجميع هنا يعرفه وحتى المسئولين يقرون به ، وهذا الرجل ، وفي حادثة مفاجئة وغير مفاجئة ختم مسؤوليته الدبلوماسية وقبلها العسكرية كقائد للبحرية بحدث كبير ، لفت أنظار الداخل والخارج إليها وذلك بإعلانه الرسمي السياسي والإعلامي للملأ انشقاقه على نظام (صالح) والمشاركة في تبني "قضية الجنوب" من العاصمة البريطانية لندن التي لجأ إليها في سابقة قلما حدثت في الدبلوماسية العربية .

ومنذ أن تأبط سفيرنا الجديد في دمشق حقيبته التي لا يُعلم تماماً مافيها من تقارير أمنية ، وأبناء الجالية اليمنية في سوريا يلاحظون أن الرجل يتحرك بكثرة وبسرعة وربما بشكل غير مدروس هنا وهناك ، وقت ينبغي ووقت لا ينبغي ، والجميع ينتظر أن ينتج عن هذا الدوران شيئاً نوعياً ومجدياً وله أثر يذكر ، ولم نسمع عن شيء من ذلك حتى الآن ، ولا نزال ننتظر مع خشيتنا أن ينطبق المثل "وكأنك يا بو زيد ما غزيت" !! .

ولكننا سنبقى متفائلين.. وننتظر إنجازاً نوعياً وبحجم هذه الحركة الدؤوبة وإلا سنكون مدعويين لمطالبته بالهدوء والسكينة خاصة إن سوريا الأسد تعيش ظرفاً سياسياً ودولياً حساساً تثبت كل يوم بأن قيادتها الحكيمة والشجاعة جديرة بمواجهته على -خطورته وشدة وطأته – .

ولذلك فإن هذا البلد بقيادته التي نعتز بأننا نشعر بأفضل حال ونحن في كنفها أحوج ما تكون لسفراء عرب واعين لحجم الخطر الذي يحدق بالأمة ، وناشطين بشكل هادف في هذا الاتجاه ، وإلا فليلتزموا الصمت والهدوء وسنكون لهم من الشاكرين ، خاصة أننا قرأنا وفي صحف متداولة في سوريا عن أدوار سيئة الذكر كان يقوم بها دبلوماسيون عرب أقل ما يمكن وصفها بأنها عمالة وقحة وجرأة خطيرة على الأمة وقضاياها المصيرية ، واستهتار أخرق بـمكانة "دمشق" ودورها وموقعها بوصفها معقل القومية الأخير الصامد ، وبالمناسبة هنا فقد أوردت أمس صحيفة الـ"واشنطن تايمز" الأمريكية اعترافات بقدرة سوريا على كسر الحصار والعزلة وتجاوز رغبات البيت الأبيض من خلال التعليق على زيارة السيدة نانسي بيلوسي لسوريا والتي ضربت كلام الرئيس الأمريكي جورج بوش حول زيارتها عرض الحائط ، ومن المضحك واللافت أن الصحيفة الأمريكية اعتبرت أن بيلوسي بطلة في سوريا وأنها قد تكون ثاني أكثر السياسيين شعبية في سوريا هذه الأيام بعد الرئيس الأسد . وهو من قبيل تناول النجاح السوري بأكثر من وجه والذي تثبته كرة الثلج الأمريكية المتدحرجة باتجاه الإذعان إلى حقيقة واحدة ووحيدة هي أن سوريا التي تتماهى في مواقفها مع حقائق التاريخ والجغرافيا لاعب أساسي وفاعل في المنطقة ورقم لا يمكن تجاوزه على الإطلاق .

وعوداً مجدداً إلى "السفراء الصعاليك" فلا أنسى وحتى لا أوصف بـ"الحطيئة" أن أذكر بأن ثمة سفراء يمنيون ممتازون –كما أشار صديقنا د.المنصوب -، فلا يخلو الأمر ،ويستطيع سفيرنا بدمشق أن يكون واحداً منهم ، إن هو نسي أنه خلفاً لسفير سابق "مغضوب عليه"وإن هو انتبه بحق لحدود مسؤوليته ، وإن هو خطّ لنفسه ولعمله ولعلاقاته مع أبناء بلده بشكل خاص مساراً مدنياً خالصاً يتماشى مع شعارات الديمقراطية التي تكاد آذاننا تصم من كثرة ترديدها، وإن هو أعاد النظر فيمن انتقاهم لسبب وآخر مستشارين ومقربين وفيهم من يشكل عبئاً عليه لن يشعر بثقله إلا بعد حين ، وخاصة الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً ومعروفاً بحقبة زمنية يحلو لفخامة الأخ رئيس الجمهورية أن يصفها على الدوام بأنها "كهنوتية"، وأنا مندهش لجرأة سفيرنا بدمشق وتجاوزه هذا الخط الأحمر "الغامق" ، إلا إذا كان يجهل هوية بعض مستشاريه أو مقربيه .

كما لا ينبغي أن نتجاهل –بالمناسبة- إيجابية مشهودة لدبلوماسيين دون مرتبة السفير يمارسون عملهم بشكل جيد وفاعل ويتجاوزون قدر مستطاعهم الهاجس الأمني الذي أصبح مفروضاَ على مسئولينا عموماً في الداخل والخارج ، كما يحلو لي التنويه لما سبق أن حرص الدكتور المنصوب الإشارة إليه في مقاله ، فيما يتعلق بمصطلح الصعلكة والصعاليك ، والتي أشار إلى أنها لا تعد ذماً أو تجريحاً .. فالصعلكة تعني فيما تعنيه أيضاً ثورة على الكثير من القيم الجاهلية ، وثورة على الأغنياء والبخلاء ، وهي مضافاً إلى ذلك دعوة إلى الخصال الكريمة والسجايا الفطرية الحميدة ، عبر عنها الشعراء الصعاليك تمرداً اجتماعيا وشعراً خالداً

فطبعوا أسماءهم في ذاكرة التراث الإنساني بمداد لا يمحى أشهرهم "تأبط شراً" و"الشنفرى" و"عروة بن الورد" ، وأما "السفراء الصعاليك" فلا أعرف لهم أسماء حتى أعرف لهم مشهورين .. وأنا بذلك زعيم !!

يوم صاحبة الجلالة :

اليوم ..يوم صاحبة الجلالة .. اليوم العالمي للصحافة .. أتراهم توّجوها ؟! أم تراهم ربطوا على عينيها وقيدوا يديها ، وكسروا أقلامها وجففوا مدادها ، ومزقوا رداءها ... ثم قالوا : (ملكة) .. ؟!

* باحث وكاتب صحافي من اليمن

eskandarsh@yahoo.com