فوضى الزيجات بين السعوديين
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
السبت 07 إبريل-نيسان 2007 08:18 ص

مأرب برس ـ الوطن

حديث عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله المطلق أمام المبتعثين السعوديين للصين والهند وجنوب آسيا حول الزواج بنية الطلاق, وإجازته لهذا النوع من الزواج، بالرغم من أنه كلام قال به بعض الأقدمين والعلماء، وقال به الشيخ عبدالعزيز بن باز، إلاّ أنه أثار ضجة قوية، بين المؤيدين لهذا النوع من الزواج، والمعارضين بشدة له بعد أن ثبت أن هناك من استغله استغلالاً سيئاً، حتى إن بعض كبار العلماء الذين يفتون بجوازه سحبوا فتواهم وصاروا يحذرون منه.

ومن قبل أثيرت ضجة حول زواج المسيار الذي حلله البعض ورفضه البعض الآخر، سه انطبق عولم يقتصر الأمر على الفتاوى الخاصة بالأفراد، بل دخلت في عملية التحريم والتحليل هيئات علمية وفقهية، فمنهم من أجاز المسيار ومنهم من حرمه وهناك من توقف عنده، والأمر نفلى "زواج فرند" الذي طالب به الشيخ عبدالمجيد الزنداني (الداعية اليمني ورئيس جامعة الإيمان في صنعاء)، لحل مشكلة الشباب المسلم في أوروبا، وكذلك الزواج العرفي و"زواج الاصطياف" و"الزواج النهاري"، والقائمة طويلة من الأسماء والمسميات التي باتت في حاجة إلى قاموس لحصرها وتعريفها والفتاوى التي تجيز كل نوع، والأخرى التي تحرمه وأسماء العلماء الذين أحلوا أو حرموا أو توقفوا عند كل نوع من أنواع الزيجات المستحدثة أو القديمة وتم استحداثها بأسماء جديدة.

وهنا نتساءل: هل تحول "الميثاق الغليظ" أو "الزواج" إلى "موضة" أو "هوجة" أو "موديل" مثل موديلات الأزياء والموبايلات والسيارات أو غيرها؟، وهل تحول الزواج السكن الآمن والمستقر والنواة الأساسية لبناء المجتمع إلى نزوة ذكورية أو أنثوية كل يريد إشباعها بأي طريقة تحت "ستار شرعي" أو في "مظلة" فتوى عالم أو شيخ؟، وهل انحصرت العلاقة العاطفية في الرغبة الجنسية التي تمارس عن طريق "المسيار" أو "العرفي" أو "الفرند" أو "بنية الطلاق"؟، أم هو العبث الاجتماعي وتحكم الشهوة الذي يجعل كل شخص يبتغي مأربه الجنسي في "فتوى" لتحل له ما يريد؟. وفي المقابل: لماذا هذا التضارب في الفتاوى تجاه أنواع الزيجات المستحدثة؟، وهل هي فتاوى خاصة بكل حالة فقط ولا يجوز تعميمها؟، أم مطلوب رؤية شرعية وفقهية لكل نوع؟.

"الوطن" طرحت هذه القضية على مجموعة من المتخصصين في قضايا الأسرة والمرأة.

حاجة ملحة

في البداية طرحنا القضية على المحامي والمتخصص بالقضايا الأسرية والاجتماعية الدكتور محمد المشوح وسألناه:

* هل الطرح المتكرر لقضايا الزواج بنية الطلاق والمسيار والعرفي و"فرند" وغيرها يعبر عن حاجة ملحة في المجتمع وعن وجود مشكلات اجتماعية حقيقية لا تحلها إلاّ هذه الأنواع من الزيجات، أم إنه عبث ذكوري؟.

ـ لا أعتقد أن الطرح المتكرر لقضايا الزواج ووجود أنواع من الزيجات المختلفة مثل "الزواج بنية الطلاق" أو "المسيار" أو "العرفي" وغيرها يرتكز على عبث ذكوري، بل يعبر عن وجود حاجة ملحة في المجتمع يشترك فيها الذكر والأنثى ولا تقتصر على طرف دون آخر، وهي قضايا اجتماعية حقيقية تحتاج فعلاً إلى المزيد من النظر والدراسات الشرعية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية، إلاّ أن هناك تهويلاً إعلامياً قد يصاحب هذا الطرح، وهذا ما يفقد الأمر التعمق والبحث والدراسة للوصول إلى آراء ثاقبة لقضايا مجتمعية ملحة.

الصراع والتدخلات

* كثير ممن ينتقدون هذه الزيجات لحل قضايا اجتماعية يفتقدون إلى العلم الشرعي وهو ما يؤهل عادة في فهم قضايا معقدة في الأحوال الشخصية الإسلامية المرتكزة إلى الشريعة من خلال قواعد فقهية، في رأيكم أهو نزاع على النفوذ الاجتماعي بين النخب؟.

ـ هذا صحيح، هناك صراع وتدخلات بين النخب الثقافية وإقحام الاجتماعي بالديني بلا مسوغ شرعي. وهو ما يحتج عليه الشرعي الذي يرى الأحقية له في إبداء الرأي الديني بلا منافسة من نخب تزاحم على الفتوى بلا مستند شرعي.

النزاع في الفتوى

* يدعو كثير من المهتمين بشأن الفتوى إلى احترام التنوع في هذه الفتاوى بينما يرفضون هذا التنوع في الزواج؟.

- ليس هذا في الزواج فحسب، بل في قضايا كثيرة أيضاً، فالمنادون بأمر غالباً يقعون فيه، ويفرون منه ويحذرون منه أيضاً، وهذا تناقض غريب.

المشكلة أن الذاتية في الفتوى والرغبة في الانفراد بالحقيقة المطلقة هي التي أدت إلى هذا النزاع في الفتوى، وإلاّ فليس الخلاف في مسائل الزواج هو الخلاف الوحيد في دائرة الخلاف الفقهية الواسعة التي استوعبت أكبر من هذه المسألة الفقهية.

محاكم متخصصة

* هل نحن بحاجة إلى محاكم متخصصة في شؤون الأسرة، لا سيما بعد نجاحها في بعض الدول؟.

ـ لا شك أن الحاجة ملحة لقيام محاكم متخصصة في قضايا الأسرة، وهو ما وافق عليه التنظيم القضائي مؤخراً بإيجاد محاكم الأحوال الشخصية لتتولى كافة قضايا الأسرة والزواج والطلاق ونحو ذلك بعيداً عن التشتت القائم حالياً في عدد من المحاكم. وهي حاجة تنظيمية وقضائية في آن واحد يقتضيها الحال والظروف القائمة في ذلك من كثرة القضايا وحاجتها إلى مزيد من التخصص والمعرفة والدراسة من قبل القضاة.

مبررات وحاجات

ويرى عضو مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، رئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية الدكتور محمد بن يحيى النجيمي أن بعض هذه الأنواع من الزيجات لها ما يبررها، بل لكل نوع ظروفه، ولذلك لا يجب التعميم أو التهويل، وعلينا أن ننظر لكل نوع نظرة متعمقة شرعية واجتماعية، أما خلط الأمور فهذا هو العبث بعينه، فمثلا زواج المسيار هو زواج إذا انطبقت عليه الشروط المطلوبة في الزواج، وله ما يبرره، فهو خاص بحالات محدودة وظروف إنسانية محددة جداً، فكثرة المطلقات والعوانس والأرامل، واللاتي يرغبن في الزواج مع الاحتفاظ بالأولاد والبقاء في المنزل، والقدرة على أن تصرف لنفسها، ولكن تريد أن تعف نفسها، ولا تريد أن تترك المنزل والأولاد، فهؤلاء يلائمهن زواج المسيار، وكما قال مجمع الفقه الإسلامي في إجازة هذا النوع من الزواج أنه (خلاف الأولى) ولكنه حل مشكلات اجتماعية كثيرة، وله حالات خاصة جداً، أما تعميمه أو الفوضى الحاصلة في فهمه، فإن هذا نبرأ منه إلى الله تعالى، فقد أصبح البعض يتزوج بدون موافقة ولي الزوجة، أو حتى بدون شهود، ومن يتزوجون زواج متعة مؤقتاً، ويطلقون عليه (مسيار) فهذا من الباطل ومن الظلم، بل أقول إنه العبث الكبير!.

كذلك الحال في الزواج العرفي ـ والكلام للدكتور محمد النجيمي ـ فقد لجأ إلى هذا النوع من الزواج بعض المسلمين في بعض البلدان العربية. نتيجة لقوانين وأنظمة تمنع التعدد، فلجأ بعض المسلمين في هذه البلدان إلى الزواج العرفي بسبب الأنظمة التي تمنعهم من الزواج بثانية، ولكن هناك من أساء الفهم ووقع في الخطأ فأصبح من يريد أن يتزوج يتزوج دون النظر إلى الضوابط الشرعية المطلوبة، فيتزوج بدون ولي وبدون شهود ويسمى هذا زواجاً عرفياً، وهؤلاء مثل الذين يطلقون على الخمر مشروبات روحية لأنهم يعرفون أن الخمر محرمة. وهذه الأسماء والمسميات لا تغير الحرمة الشرعية, ونحن ندعو الجميع أن يتقوا الله عز وجل فيما يقومون به وكفى عبثاً بالشرع وبحقوق المجتمع.

وقال الدكتور النجيمي: إننا لا يمكن أن نطلق على هذا العبث في الزواج والانحراف بالروابط المقدسة بأنه "عبث ذكوري" فقط، بل هو عبث ذكوري وأنثوي معاً، فالرجل إذا أقدم على انحراف وارتكب خطأ...، أين المرأة؟، والإسلام بريء من هذا العبث سواء كان من الرجل أو من المرأة، وعلماء المسلمين برآء من هذه التصرفات الخاطئة والنزوات.

وأضاف الدكتور النجيمي: إن البعض قد يفتقد للعلم الشرعي فيقع في الأخطاء، ونقول لهؤلاء إن أهل العلم موجودون وفي كل مكان وأبوابهم مفتوحة والمراجع الشرعية موجودة وعلى المسلم أن يسأل ويكون صادقاً ويتحرى الصدق ولا يضع نفسه موضع الشبهات. وهناك أيضاً من يلعبون باسم الإسلام كما هو الحال في الزواج بنية الطلاق، فعلى الرغم من أن هذا النوع من الزواج أجازه عدد كبير من العلماء المتقدمين إلاّ أن الوضع تغير، ونجد الآن بعض من يسافرون كل من يريد أن يرتكب مخالفات شرعية وهو يعلم ذلك يتزوج بنية الطلاق، وهو يعلم أنه سيطلق في زمان محدد ومكان محدد ولهذا قال العلماء إن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.

أما عن الفتاوى الخاصة فيقول الدكتور محمد النجيمي: أرى أنه يجب التفريق بين الفتاوى الخاصة التي تخص الفرد نفسه وحسب ظروفه وبيئته وحالته، وبين الفتاوى العامة، فهناك حالات للأفراد خاصة جداً وشاذة ويقدّر ظروفها الشخص نفسه والمفتي الذي يكون في البلد الذي يعيش فيه هذا الشخص صاحب الحالة، ومن ثم تنطبق الفتوى هنا على صاحب الحالة ولا تعمم على غيره، أما من يفعلون الأفاعيل وهم يتناقضون مع أنفسهم فهؤلاء يتحملون أوزار أعمالهم.

ويضيف الدكتور النجيمي: أن هناك تنوعاً في الفتوى، وهذا من سماحة الدين، والتنوع لا يعني التضارب أو التناقض، بل تنوع من بلد لآخر، ومن مذهب لآخر. وهذا التنوع لا بد أن يكون منضبطاً بضوابط الشرع، ولكن للأسف هناك من يبحثون عن الإثارة والتهييج، فهم يطالبون بالتنوع في الفتوى في قضايا معينة، ويرفضون هذا التنوع في قضايا الزواج مثلاً من باب الإثارة وكسب مواقع اجتماعية، أو يغازلون جمعيات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن المرأة، فهم يطالبون بالتنوع السياسي والمذهبي والثقافي ولكن عند الزواج يرفضون فهم ظروف كل حالة، وأيضاً عند الفتاوى في المصرفية الإسلامية وتنوعها يرفضون ويطالبون بالربا فقط.

وأكد الدكتور النجيمي أن التنظيم الجديد في محاكم الأحوال الشخصية اعتمد المحاكم الخاصة وقال: أنا أعتقد أن تخصيص قضاة للنظر في قضايا الأحوال الشخصية سوف يحل الكثير من الأمور، ويجعل القضاة المتخصصين على خبرة ودراية بهذه القضايا ويسهل البت فيها وحلها.

لا توجد دراسات علمية

وترى الكاتبة الصحفية المتخصصة في القضايا الأسرية وعضو هيئة الصحفيين السعوديين ناهد سعيد باشطح أن الطرح المتكرر لقضايا الزواج بنية الطلاق والمسيار والعرفي وغيرها لا ندري هل هي مرتكزة على حاجة ملحة أم هي عبث ذكوري، إننا لا يمكننا الجزم بأي من السببين جزماً قاطعاً، فلا توجد دراسات علمية تؤكد أن احتياج المرأة في مجتمعنا للزواج وصل إلى حد التنازل عن حقوقها في زواج أعتبره مشوهاً - على حد قولها -.

أما عن رأيها فيمن ينتقدون هذه الأنواع من الزواج، ومن ينتقدون العلم الشرعي فتقول: أنا لا أفهم كيف لا يحق لأحد ما أن ينتقد هذه الحلول وكأنك تلمح إلى أن هذه الأنواع من الزواج مباحة شرعاً، ونحن هنا لا نحاكم الشريعة، نحن نحاكم تطبيق البشر الذي به الخلل.

وعن التنوع في الفتوى في القضايا الأخرى ورفضها في قضايا الزواج تقول باشطح: أليست قضايا كهذه تدخل في قضايا العين التي ينبغي أن يفتي بها كل واحد على حدة بعيداً على الفتوى الجماعية حتى لا يصاب المجتمع بالعبث الجنسي؟. وعموماً لست مختصة بالعلوم الشرعية لكني أؤمن بالتخصص، وهذا ليس معناه أن يتوقف عقلي عن التفكير وإبداء الرأي مع كل الاحترام لفتاوى العلماء التي وجدت رحمة للناس وليس العكس.

وتؤكد باشطح أن المجتمع السعودي بحاجة ماسة أولاً إلى قانون للأحوال الشخصية يلتزم به الناس وإلى محاكم متخصصة في شؤون الأسرة لإنصاف المرأة التي غالباً ما يضيع حقها في أروقة بعض المحاكم الذكورية.