مفكر تونسي حاول إصلاح أوضاع اليمن
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
الجمعة 04 فبراير-شباط 2011 07:03 م
  ظلت تونس هذا البلد العربي الشقيق في شبه عزلة ليس لا نعرف عنها إلا معلومات قليلة _ رغم أننا في عصر تكنولوجيا المعلومات والتطور المذهل في مجال الاتصالات حتى تصدرت أخبارها نشرات الأخبار منذ رحل بن علي مؤخرا وقد وجدت أن لتونس دين على أبناء اليمن لا خير فينا إذا لم نذكره بالإشادة والتقدير وهو الدور الذي قام به العلامة والمفكر التونسي الكبير الأستاذ عبد العزيز الثعالبي الذي زار اليمن في عام 1924م ومكث فيها فترة التقى فيها بالإمام وتنقل بين مدن اليمن والتقى بأعيانها ووجهائها وحين زار عدن التقى بالنخبة اليمنية حينها مثل الأستاذ محمد على إبراهيم لقمان مدير نادي الأدب العربي حينها كذلك وسالم باسودان وقد أقام نادي الإصلاح العربي والإسلامي بعدن برئاسة الأستاذ أحمد محمد سعيد الأصنج رحمه الله حفل تكريم له وقد ألف العلامة الثعالبي كتابا هاماً عن رحلته في أرجاء اليمن سماه "الرحلة اليمنية" وقد جاء الثعالبي يحمل هم النهوض باليمن وقدم للإمام برنامج مفصل لإصلاح نظام الحكم باليمن حتى أنه ضمن برنامجه تشكيل مجلس للأمة وعدة وزارت وحدد مهامها ووافق الإمام على برنامجه وعدل فيه بعض التعديلات وقد دعا لعقد مؤتمر عام لأبناء اليمن ووافق عليه الإمام وحاول أن يقيم صلح ووحدة بين اليمن الشمالي وسلطنة لحج وحمل إلى سلطانها رسائل عديدة من الإمام يحي رحمه الله وحمل كذلك ردود من سلطان لحج السلطان فضل بن عبد الكريم وقد قبل سلطان لحج ببعض أفكاره وعقد مؤتمرا عاما للإصلاح في لحج وقام كذلك بجهود كبيرة للإصلاح بين الإمام والملك عبد العزيز بن سعود ملك السعودية حينها وجرت بينهما مرسلات عديدة في هذا الصدد يقول الثعالبي عن اليمن: كنت أعتقد بناء على ما وصفه الرومان واليونان عن اليمن أنني سأجدها في المدنية والحضارة قطعة من أوربا فوجدت أنه لا شيء في اليمن يسر غير الإمام والجيش وبقاء كل واحد منهما مرهون ببقاء الآخر وإذا فقد أحدهما فقد الآخر وحين إذاً لن يبقى بالبلاد غير الفوضى والتلاشي.

شهادة المقالح عن الثعالبي

يقول عنه الدكتور عبد العزيز المقالح في فعالية ثقافية أقيمت في صنعاء قبل شهور لتكريمه: لقد كان إعادة تحقيق وحدة اليمن هدفاً كبيراً من أهداف هذا المفكر العربي الجليل الذي حمل على عاتقه تجميع شتات الأمة المبعثرة وإزالة الخلافات بين قادتها وأمرائها في خطوات مدروسة وعميقة لإقامة الدولة العربية الواحدة”.

يجب علينا نحن أبنا اليمن أن نحني رؤوسنا إجلالاً وتقديراً للشيخ الثعالبي وللرعيل الرائع من أعلام العروبة والإسلام الذين كانوا ينظرون إلى الأرض العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج باعتبارها وطنا واحد لأمة واحدة صهرها التاريخ المشترك واللغة العربية الواحدة والثقافة الواحدة.

الأسس الأولى لإعادة الوحدة

وتابع الدكتور المقالح قائلا: لقد تمكن الشيخ عبد العزيز الثعالبي في ظروف بالغة الصعوبة وفي فترة شبه مظلمة من أن يطوف باليمن شمالاً وجنوباً وان يضع الأسس الأولى لإعادة الوحدة اليمنية ومقاومة الاحتلال الأجنبي وقد شمل برنامجه المهم والمثبت في كتابه المسمى بالرحلة اليمانية رؤى وحدوية متقدمة لم تقف عند التنظير الفكري وإنما حددت المواقف العملية.

وتجلى خلال ذلك العمل الوحدوي الجليل ما كان يمتاز به هذا المفكر من صبر وقدرة فائقة على الاحتمال والتوفيق بين وجهات النظر واللافت أن تلك المحادثات وذلك الماراثون الوحدوي لم يتم بين شطرين ودولتين وإنما بين الإمام يحيى حميد الدين في صنعاء وعدد من الأمراء والسلاطين الذين كانوا يحكمون الجنوب المبعثر تحت الاحتلال البريطاني”.

رحلة مضنية:

كان على الشيخ الجليل أن يقطع الجبال والوديان مشياً على الأقدام أو على ظهور الجمال والبغال والحمير إذ لم تظهر أول سيارة في شمال الوطن إلا في منتصف الثلاثينات وكانت مهداة للإمام من شركة فورد ولم يبدأ في استخدامها إلا في بداية الأربعينيات فقد اعتبر بعض المتشددين ركوبها حراماً يخالف ما نزل به القرآن الكريم وما سار عليه حال الأئمة عبر القرون.

انطباعات الثعالبي عن الإمام

يصف الثعالبي الإمام يحي حميد الدين بقوله: هو رجل وافر الذكاء غزير العلم حاضر الذهن لا عيب فيه سوى كرهه للمدنية العصرية وتجافيه عن نشر التعليم ومن أعجب العجب أنني أحببته من أول لقاء حب إخلاص وقد أحبني هو أيضاً.

كان المرحوم الثعالبي يريد أن يحول الإمامة إلى مؤسسة لأنه يخشى على اليمن بعد رحيل الإمام وكان يريد تشكيل حكومة ومجلس للأمة وقد ذكر أن الإمام استجاب لمطالبه وبرنامجه ولم يفصل في ثمار ونتائج برنامجه ومشروعه وقد كان يتوقع موت الإمام وحدوث الفوضى بعد ذلك وقد سارت الأمور على غير ما توقع فقد قتل الإمام وقامت الثورة وجاء الأئمة الجدد إمام تلو إمام بأشكال عصرية وبقوالب جديدة وخطت البلاد خطوات للأمام وخطوات للخلف ولكن العقلية اليمنية على وجه العموم لم تتغير كثيراً.

رحلة الثعالبي في اليمن رحلة شيقة ورائعة وفيها من التوثيق التاريخي ومن القصص والمواقف ما يستحق القراءة والإطلاع وإني لأتساءل في الختام: ترى هل نحن بحاجة لثعالبي أو ورتلاني (1) جديد يقنع الحاكم بالإصلاح أم إن أبناء اليمن سيستمعون لبعضهم ويغلبون منطق الحكمة والعقل ومصلحة البلاد والعباد على الأجندة الخاصة ؟!! 

 الهوامش:

1- الورتلاني رحمه الله هو مفكر جزائري جاء لليمن بصفة تجارية بناء على توجيه من الإمام حسن البناء مؤسس الإخوان بمصر وكان له جهود في محاولة إقناع الإمام على الإصلاح ويصفه البعض بمهندس ثورة 1948م ولعلنا نكتب عنه في مقالات قادمة.