السلطة وهي تستعيد تاريخها الأسود في التصفيات السياسية
بقلم/ عادل عبد المغني
نشر منذ: 14 سنة و يومين
الثلاثاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:18 م

يبدو أن هدم المعبد على رؤؤس الجميع بات احد خيارات السلطة فيما لو فشلت في إسكات الأصوات الوطنية الشريفة التي تفضح سياساتها الرعناء وجرائمها بحق الشعب.

ويبدو أيضاً أن من بين أولئك القابعين على سدة الحكم من وصلت قناعاته ومقامراته حد تدمير البلد وإدخاله في أتون حرب طاحنة لا تبقي ولا تذر نكاية بدعاة الإصلاح والتغيير .

ذلك ما تكشفه تداعيات الأحداث المتسارعة في المشهد السياسي اليمني الذي انتهى بانقلاب السلطة على التعددية السياسية والتوافق الوطني وارتدادها عن نهج الحوار وإعلاء بديلاً عنه لغة العنف والترهيب، كما حصل الأربعاء الماضي مع الأمين العام للتنظيم الناصري المناضل سلطان العتواني أحد الأصوات الوطنية المرتفعة في وجه السلطة والناقدة لسياساتها التدميرية سواء كان تحت قبة البرلمان أو مع زملائه من قيادة أحزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وما تعرض له بلا شك رسالة موجهة للجميع.

والمؤكد أن سياسة السلطة في التعامل مع الخصوم السياسيين لم تتغير منذ عقود عدة خلت، كما هو الحال ياسلحتها التقليدية التي تنحصر بين الترغيب و الوعيد. وفي الأولى تستخدم السلطة مقدرات الدولة المادية والإدارية بتوزيع الأموال والمناصب على من يمكنها شراء ولاءاتهم، والدليل على ذلك دخول محافظات يمنية موسوعة غينيس في عدد وكلاءها الذين يصلون إلى 14 وكيل محافظة، والحال نفسه فيما يتعلق بوكلاء الوزراء.

غير أن هذا السلاح لم يعد يجد نفعاً مع أحزاب اللقاء المشترك التي أثبتت بشكل قاطع انحيازها للوطن وقضاياه والمواطنين وهمومهم ورفضت بصوت عالي كل إغراءات السلطة سواء تلك التي كانت تعرضها بشكل أحادي مع الأحزاب كلاً على حدة أو معها مجتمعة بما في ذلك المقاعد الوزارية التي عرضت على طبق تشكيل حكومة وحدة وطنية مقابل تخلي المعارضة عن مطالبها في الإصلاح والتغيير.

ومؤكد أن السلطة شعرت بان كراسيها تهتز على وقع الأصوات الوطنية التي ارتفعت يوماً بعد آخر في اصطفاف وطني وتلاحم شعبي لم تشهد له قوى المعارضة مثيلاً في تاريخ اليمن الحديث بعد أن استطاعت تشخيص الداء واقتراح الدواء الأمر الذي اكسبها احترام جميع أطراف الأزمة السياسة سواء في الجنوب أو صعدة أو حتى الشخصيات السياسية المتواجدة خارج الوطن.

وفوق هذا تمكنت أحزاب اللقاء المشترك وشركاءها في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني من توضيح حقيقة الأزمة اليمنية للأشقاء والأصدقاء حول العالم، ما جعلها محل احترام وتقدير من قبل المهتمين الدوليين بأزمة البلد والذين توصلوا إلى قناعة بان استمرارهم في بحث أزمة اليمن مع السلطة فقط دون المعارضة نوع من العبث وإضاعة الوقت. أكثر من ذلك أعلن عدد من الدبلوماسيين تأييدهم لمطالب المشترك وتحضيرية الحوار في أن معالجة الأزمات في اليمن لن تتم إلا على طاولة حوار وطني شامل لا يستثني احد.

وأمام كل ذلك شعرت السلطة بضيق شديد من قبل المعارضة الوطنية، وشعرت أيضاً كما لو أنها هذه المرة عديمة الحيلة إزاء تحركات المعارضة لإنقاذ اليمن والتي تسير بخطى واثقة ومؤسسية مسنودة بدعم شعبي وجماهيري وتأييد عربي ودولي، فما كان من السلطة إلا الدخول مع المعارضة في اتفاقات خادعة ظاهرها الإعداد والتحضير للحوار الوطني، وباطنها استهلاك مزيداً من الوقت والتفكير بطريقة تخلصها من التزاماتها التي وقعتها مع المعارضة، فجاءت الانتخابات التشريعية المصرية بتلك الطريقة كما لو أنها خارطة طريق لانتخابات البرلمان اليمني.

وكما هي عادة النظام الحاكم السيئة في الاقتداء بالأساليب القمعية لدول المنطقة وتطبيقها في اليمن، استنسخت السلطة طريقة النظام المصري في تعامله مع المعارضة وأعلنت التحضير بشكل انفرادي للانتخابات بالتصويت على قانون الانتخابات وتشكيل لجنة لإدارتها، بل واعتماد السجل المزور الذي مر عليه قرابة ثمان سنوات ليكون هو سجل الناخبين خلال الفترة المقبلة.

العادة السيئة ذاتها للنظام الحاكم في اليمن عكست نفسها على الأحداث التي جرت مؤخرا في الكويت واعتداء رجال الشرطة على أعضاء مجلس الأمة الكويتي فوجدتها السلطات اليمنية فرصة سانحة لتوجيه رسالة ترهيب لقوى المعارضة فعمدت إلى ارتكاب جريمتها الإرهابية بحق رئيس الكتلة البرلمانية للتنظيم الناصري الأستاذ سلطان العتواني.

ما يعلمه الجميع أن السلطة تستعين بجماعات إرهابية أو تصنعها لابتزاز المجتمع الدولي، لكن أن يصل الأمر حد توظيف الإرهاب ضد الشخصيات الوطنية فتلك بكل تأكيد ممارسة خطيرة قد تجر البلد إلى أتون حرب أهلية إن بدأت فلن تنتهي أو تتوقف.

السلطة تخطئ إن فكرت أن ما قد يحدث في مصر يمكن تطبيقه في اليمن، وهي تخطئ أيضا، أن حاولت استحضار تاريخها الأسود في تصفية الخصماء السياسيين عبر عمليات اغتيال مختلفة. فالجرائم البشعة التي ارتكبتها نهاية عقد سبعينات القرن الماضي أو تلك التي وقعت خلال النصف الأول من عقد التسعينات،وما تلاها خلال مراحل متقطعة، لم تغب بعد عن ذاكرة اليمنيين حتى وان سجلت رسمياً ضد مجهول. وما لم تتوقف السلطة عن نزوحها الإرهابي فان كل ملفاتها السوداء ستفتح مرة واحدة في محاكمة شعبية لن ينجو منها احد من القتلة أو من ساندهم ووقف ورائهم، بمن فيهم اولئلك الذين يضنون اعتباطاً أن أموالهم المودعة في سويسرا وبنوك العالم ستنجيهم من غضب شعبي بات قريباً.