الحديدة .. بساطة الأولياء وصبر الأنبياء .
بقلم/ محمد راوح الشيباني
نشر منذ: 14 سنة و أسبوع و يوم واحد
الأربعاء 15 ديسمبر-كانون الأول 2010 08:58 م

إنها الحديدة.. وحدها دون سائر محافظات الجمهورية من تستطع القول صادقة - دون منّ أو أذى - أنها وحدت الوطن اليمني قبل الوحدة ذاتها ، حين استوعبت كل الرأسمال الوطني بشطريه على أرضها ، لكنها دفعت الثمن غاليا جراء موقفها ذلك في عهد ( الوحدة ) المباركة هجرانا ونكرانا من الجميع .. كانت عروس البحر الأحمر هي الأم الرءوم والحضن الدافئ لكل الرساميل الوطنية التي نـكـّـل بها ( الرفاق ) في عدن .. فنشطت الحركة في الميناء وانتعشت الحركة التجارية في المدينة وتحركت عجلة الحياة بالعمران والتنمية بشكل غير مسبوق في تاريخها ، معززة بطفرة التحويلات النقدية المهولة من مغـتربينا في السعودية.. وليس خافيا على كل من عاش تلك الفترة الذهبية أن ملوك التجارة وأساطينها كانوا إخواننا الكرام أبناء ( حضرموت) الذين نزحوا إلى شمال الوطن بعد خراب ( بندر عدن ) فاستأنفوا نشاطهم التجاري في ( الحديدة ) إلى جانب كبار التجار في المحافظات الشمالية وفي مقدمتهم مجموعة المرحوم/ هائل سعيد انعم طيب الله ثراه.. فاستوعبت الحديدة يومها أهلنا القادمين من جنوبنا الحبيب سواء تجار أو موظفين إداريين في شؤون الملاحة والتأمينات والبنوك والمراسلات الخارجية وبقية الأعمال الإدارية النوعية التي اكـتسبوها من الاحتلال البريطاني .. فـفـتحت لهم ( الحديدة ) ذراعيها وتاجروا وكسبوا وعُمرّت المدينة وعاش الناس رخاء ليس له مثيل حتى مطلع الثمانينات قبل أن تتخذ الحكومة قرارها سيئ السمعة ترشيد أو تدمير الاستيراد عندما منعت التجارة الشرعية عبر البحر والطرق الشرعية وفتحت باب التهريب لبعض المشايخ ومراكز النفوذ باسم ( التجارة البرية ).. فـتراجعت حركة الميناء إلى درجة الشلل وحرمت الخزينة العامة مليارات الريالات من عائدات الجمارك .. ودمرت الدولة اقتصادها الحقيقي بنفسها لصالح التهريب والمهربين عندما كانت تشتري السيارات والأثاث المكتبي والكهربائيات وحتى بعض المواد الغذائية من المهربين أنفسهم !! فدعمت تجارة التـهـريب على حساب الاقتصاد والرأسمال الوطني .. وأنـكشف الهدف الحقيقي البعيد والمستـتر بعد ذلك من تلك ( الفعلة ) غير الوطنية وحتى غير الأخلاقية ؟؟ اللهم إلاّ إذا استثنينا الحسنة الوحيدة في منع استيراد الفواكه الذي أرغم المزارع اليمني بالاتجاه نحو زراعتها بدلا من استيرادها كنوع من ذر الرماد على العيون لتمرير ( الفعلة ) ضد الاقتصاد الوطني الحقيقي .. وبعد قيام الوحدة المباركة تحول كل النشاط التجاري إلى ميناء ( عدن ) تحت تأثير نشوة الفرح الوحدوي العظيم ، ولم يدرك أحد آثار وانعكاسات هذا التحول التجاري وعواقبه الكارثية على مدينة بحجم الحديدة وأهلها.. فـقضينا على ما تبقى من فرص عمل ضئيلة ومتقطعة كانت تأتي بين الفينة والأخرى على ميناء الحديدة ..

وضاقت سبل العيش أمام سائقي النقل الثقيل المتمركزين في الحديدة بأكثر من عشرين ألف شاحنة مختلفة الأحجام وتقطعت أرزاق أكثر من خمسين ألف من عمال الشحن والتفريغ سواء الذين كانوا على رصيف الميناء أو داخل المدينة .. وتضورت أسرهم جوعا وتشرد أطفالهم حرمانا وانتشرت سلوكيات اجتماعية ضارة في مجتمع موغل في البساطة حتى تحولت إلى ظاهرة وفي مقدمتها التسول والتفكك الأسري وتسجيل أعلى معدلات الانتحار على مستوى الجمهورية.. وضربت الحركة التجارية داخل المدينة بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين فأغـلـقت الكثير من المحلات التجارية الكبيرة التي كانت عامرة ذات يوم .. بينما كان بالإمكان تجنب حدوث كل هذا الضرر وهذه المأساة الإنسانية المؤلمة في حق مدينة من أجمل وأهم المدن في الوطن وأناس ( الين أفئدة وأرق قلوبا ) .. أما وقد تم ( تأجير) ميناء عدن ولمدة 30 سنة عجاف شداد فان الفرصة مواتية الآن لتخفيف بعض أضرار الكارثة على أهلنا في الحديدة وذلك بجعل ميناء عدن للحاويات ( الترانزيت ) فقط بسبب موقع الميناء الاستراتيجي على خط الملاحة الدولي بين الشرق والغرب وبقية البضائع للحديدة وخصوصاً تلك التي تحتاج إلى عمالة للشحن والتفريغ .. ويتم توجيه الرأسمال الوطني بإنزال بضائعهم في الحديدة ومن ثم نقلها إلى بقية المدن اليمنية كما كان عليه الحال سابقا ولدينا الآن الخط الساحلي الجديد بين الحديدة وعدن بالنسبة للمحافظات الجنوبية (عدن أبين لحج ) باستثناء ( حضرموت ) لبعد المسافة .. لأن ( عدن ) مدينة سياحية ومتعددة النشاط التجاري المدور، وفيها الكثير من مقومات الجذب السياحي والخدمات الأخرى غير الميناء كما أن عمال الشحن والتفريغ فيها موظفون بمرتبات ثابتة سواء في عمل أم لا وليس بالأجر اليومي أو بالقطعة.. بينما الحال في الحديدة مختلف وعكسه تماما .. فـبسبب انعدام فرص العمل وشحـّة مصادر الدخل أمام بسطاء الناس خرج من كان يعيش على الكفاف إلى التسول ومع ذلك لم يجدوا أحدا يتسولون منه سوى الوافدين من بعض المحافظات الأخرى في الأعياد الدينية أو أولئك الباحثين عن ( المتعة ) في الصيف من دول الجوار باسم السياحة !! لأن تجار الاستيراد والتصدير والنشا ط التجاري اليومي قد تحولوا إلى عدن .. والغريب انه أعطيت تسهيلات واسعة وتبسيط إجراءات المعاملة في تخليص البضائع في عدن وتعقيدها في الحديدة .. ولم تـنـتـبه الدولة انه لا توجد عمالة تذكر للشحن والتفريغ في عدن مقارنة بحجم العمالة الموجودة في الحديدة التي تعيش على الميناء كمورد وحيد لمعيشتهم وما نتج عن ذلك اجتماعيا .. حتى زراعة القطن التي كانت قائمة ومنتشرة في السبعينات تم ضربها بقرار غير معلن وكانت تستوعب الآلاف من البسطاء في زراعة وجني محصول القطن وحلجه وتصديره داخليا وخارجيا ..

واليوم لم يتبق للحديدة سوى أراضيها التي لم تسلم هي الأخرى من بطش وقهر بعض عصابات مراكز النفوذ والقوى الوافدة عليها.. وقد كان الأخ المحافظ / احمد عبد الله الحجري بدأ خطة رائعة بإنعاش الميناء والتنسيق مع كبار تجار الحديدة الرئيسيين وفعلا شهدت المدينة قدرا طيباً من الحركة والانتعاش في فترة ( الحجري ) لكن قرار ( انتخاب ) المحافظين أضاع كل تلك الجهود التي بذلها الرجل رغم قصر فترته في الحديدة .. بينما قيادة المحافظة الحالية ( المنتخبة ) لم نلمس لها أي نشاط أو حركة خلال أكثر من سنتين من عمرها حتى الآن إلى درجة تعجز معها عن عمل مجرد ( مطبات) اصطناعية في مداخل المدن الرئيسية الوقعة على الطريق بين الحديدة وصنعاء وبين الحديدة و (حرض ) والتي كثر دهس المواطنين فيها من قبل سيارات ( القات ) المستهترة بأرواح الآخرين دون رادع حيث أن المقاوتة يستـقوون بوظائفهم المستترة المعلومة للجميع فيدهسون الناس ثم يشهرون أسلحتهم في وجه كل من يحاول إيقافهم !! وبما أن ( الرياضة ) قد أصبحت لغة العصر كسياسة الهاء للشعوب عن حقيقية ما تعانيه وتحولت إلى هدف وطني وغاية قومية بذاتها ولم تعد مجرد وسيلة ترفيه وتحظى بالاهتمام الرئيسي الأول على حساب كل جوانب الحياة الأخرى.. وعلى خلفية نجاح اليمن في استضافة خليجي عشرين فان الأشقاء في دول الخليج وتحديداً في الكويت على استعداد لتقديم أكثر من ( ملعب دولي ) أو حتى قرية رياضية متكاملة لليمن ، فلماذا لا تكون ( الحديدة ) هي المرشح القادم لاستضافة بطولة الخليج الثامنة والعشرين في اليمن إذا لم تحدث أي مفاجآت غير سارة لا قدر الله ؟؟ بحيث يتكامل الجهد من الآن بالاهتمام بإعادة تنشيط الميناء أولا وتجهيز البنية التحتية ثانيا ، وهي مدينة مسالمة بطبيعتها وتحت السيطرة الأمنية الكاملة ولن نحتاج لثلاثين ألف جندي للحماية.. ويومها سيكون الطفلان الموهوبان ( مالك الشعيبي وصقر الدربي ) الذين ابهرانا بعرضهم الكروي وتحكمهم بالكورة في حفل افتتاح البطولة قد بلغا فوق العشرين عاما وفي أوج تلقهما الرياضي وربما نكسب البطولة في أرضنا إذا تم الاهتمام بمثل هذه المواهب الواعدة بدلاًُ من استقدام أفارقة يزبطوا كوره ،هذا تصرف مخجل ولا يستحق الاحترام أبدا ،فالذي سجل أهداف التلال في مرمى شعب إب في المبارأه التي حضرها الرئيس أجنبي والذي سجل هدف شعب إب في مرمى التلال أجنبي ، ناهيك أن هداف الدوري والوصيف لأكثر من أربعة مواسم متتالية هم أجانب فماذا بقي لرياضة ورياضيي اليمن ؟؟ ومن المستفيد من الرياضة في اليمن أبنائه أم الأجانب ؟؟ فـهل هذه هي الغاية من الرياضة ؟

آخر السطور :

كنت في طريقي إلى الحديدة عصرا مع أسرتي فتفاجئت بحفرة كبيرة جدا على الإسفلت في منطقة ( الهاملي ) أو منطقة الموت كما يسميها السائقون بسبب كثرة حوادثها نتيجة تشقق الإسفلت .. فلطف الله بي بعنايته وحفظه من الانقلاب وخفت أن يقع غيري فيها ليلا ، فاتصلت بالأخ مدير عام الإسكان والتخطيط الحضري في تعز المهندس/ فيصل مشعل الذي تفاعل مشكورا مع الموضوع واتصل بمدير أشغال الحديدة كون الصيانة تابعة لهم كما قال وشاهدت بعد عودتي من الحديدة وقد تم ردم الحفرة وإنقاذ أرواح المسافرين فشكرا لهم وكذلك الشكر موصول للأخ العميد الركن / جبران الحاشدي قائد اللواء 33 مدرع في معسكر/ خالد في مفرق المخاء الذي تقع منطقة الهاملي في نطاق مسئوليته عسكريا فتواصل هو الآخر مع وزير الأشغال العامة طالبا سرعة استكمال السفلتة المتبقية للطريق من الهاملي إلى مفرق المخاء.. فشكرا لكل من حركته مشاعر المسئولية تجاه وطنه وأرواح المسافرين الآمنين .. والشكوى لوزارة الداخلية برقم العمليات 199 الذي كان مشغولا طوال الوقت إلى ما بعد منتصف الليل يوم الأربعاء الموافق 1/ 12 / 2010 م إذا كان هناك من يحاسب وتهمه أرواح الناس فيها وهذا بلاغ مني وعلى مسئوليتي الشخصية ودون أدنى مسئولية على الصحيفة .