آخر الاخبار
جنوبي وافتخر 2
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 11 يوماً
الإثنين 11 أكتوبر-تشرين الأول 2010 06:25 م

قال : حدثتني فيما مضى عن مدى معاناتنا في جنوب اليمن من عدم توفر الكماليات والمتطلبات من ملابس وفواكه وغيرها فأقول لم يمت سابقا احد من جوع ولم يمرض احد من قلة تناول التفاح والبرتقال .. واليوم يموتون من أكل القاذورات في القمامات ويسيرون في الشوارع كالمجانين من كثرة الطلبات .. وحدثتني عن عدم تطور العمران وتوسع الطرقات ولم ينم احد في العراء أو كان بلا مأوى واليوم يفترشون الشوارع وينامون في الخرابات .. ونسيت أن هذه النهضة لا تدل على رفاهية ورقي أو تطور ونعيم مادامت قد امتهنت كرامة الإنسان , فالجنوبي فقد إنسانيته في دولة الطبقات ووجد نفسه أسيرا لمافيا الوطن وماسونية رجال السلطة والأمن ـ الجنوبي كان يعيش على الأرض مثبتا قدميه فيها واليوم يشعر أنه يعيش على كوكب أخر لا يعرف عنه شيئا يحس بالغربة في وطن أحبه ويشعر انه ريشة في الهواء تتقاذفه المصالح والأهواء ! أبعد كل هذا لا تريدني أن أتحسر ؟ فقلت هذا كلام عام هلا فصلت لنا ؟!

قال : ـ على مستوى المساواة .. أخبرك يقينا إننا كنا في مستوى واحد .. لبسا ومركوبا ودراسة وتعليما وطبا وصحة .. لا يتعالى احد على احد .. عشنا معا في كريتر التي تقول أن إحيائها كانت خرابا .. صحيح .. ولكنها كانت عامرة بمفاهيم وقيم فُقدت اليوم برغم ازدهارها العمراني .. هذه القيم هي قوة الترابط و الحب الأخوي , وكان يسكن قريبا منا وزير المالية في بيت عادي بلا حراسة .. وكنت كل صباح وأنا متوجه إلى مدرستي الثانوية التقية وهو يسير على قدميه يحمل حقيبته منفردا متجها إلى مقر عمله فيلقي علينا تحية الصباح وربما سألنا عن أحوال دراستنا , وكان رئيس مجلس الشعب حينها يسكن كذلك قريبا منا ونلتقيه عصر الخميس أو الجمعة عند باب ملعب الحبيشي يريد مشاهدة مباراة كرة القدم بدون حراسات ولا هم يحزنون .. لماذا هذا كله ؟! لأنهم عاشوا في الأمان وفي دولة النظام فأصبحوا يسيرون على أقدامهم مثل بقية الأنام .

ـ وعلى مستوى الأمن .. ما كنا نعرف الأطقم العسكرية إلا فقط لمرافقة الأمين العام للحزب إذا نزل من سكنه بالمعاشيق في ( حقات ) , ما كنا نرى عسكريا يجوب الشوارع بسلاحه ولا أطقم الأمن تقف عند الجولات .. كان يكفينا كممثل للنظام جندي واحد يحمل عصاه المطاطية السوداء لتستقيم له كافة قلوبنا البيضاء .. لم نكن في حاجة للأمن العام ولا المركزي ولا القومي ولا السياسي ولا الحرس الجمهوري .. وما كنا نعرف هذا الكم الكبير من نقاط التفتيش كانت لنا ست نقاط تفتيشية ( دار سعد والعلم وشقرة والنقبة ومدخل حضرموت والمهرة ) ألا ترى مدى الفرق بين المفقود والموجود .. ثم تقول على ماذا تتحسرون ؟! اليوم ابسط المسئولين والمشايخ يدخل الجامع لصلاة الجمعة ووراءه ثكنة عسكرية ومرافقون مدججون بالسلاح .. لماذا ؟! لا أدري اليوم تعددت النقاط بعدة مسميات أمنية وربما تخاصموا بينهم على الإتاوات والتحصيلات .. واستُحدِثت نقاط قبلية وكل من أراد طلبا وضع له على الطريق مطبا .. فاستحال أماننا رعبا .. وعدلنا جورا .. وحلالنا حراما .. وحاميها حراميها .. أبعد هذا لا تريد أن تتحول وحدتنا انفصالا؟ وكنا نسافر امنين في ليل أو نهار .. وأينما أردت أن تنام نم بلا قلق ولا خوف لا نحمل بندقية ولا سكينا ..سلاحنا كان الثقة أننا في دولة تحملت مسئوليتها وقامت على امن رعيتها فأصبح الشقي يخافها فلا يجسر على العدوان على نفس أو مال لأنه يعلم أن مصيره السجن أو القتل وكم من جرائم تم القبض على الجاني كائنا من كان فسجن أو قتل وانتهى الأمر وليس لأحد من أهله أي جريرة وكان أولياء دم المقتول يعرفون ذلك جيدا ولا يتجرأ احدهم بقتل غيره .. واليوم أنت لا تسير في معظم محافظات الجنوب إلا وسلاحك على كتفك وترى كيف تؤخذ القبيلة كلها بأفعال غيرها والطارف غريم ..وكيف تقف الدولة سلبية لا تؤدي دورها وتحكم زمام أمرها .. وقد رأيت أحدهم قتل غريمه قريبا من نقطة عسكرية و طقما محملا بالجنود الأبية وما حركوا ساكنا بل وقفوا يتفرجون ويحنون رؤوسهم من زخات الرصاص المتناثر فوقهم !! حتى أن مواطنا تندر بهم قائلا : هيا احرسوا الجثة حتى لا تهرب أما القاتل فقد خرج أمامكم !!

وكان للنظام هيبة ولرجل الأمن قيمة ومكانة .. يؤدي واجبه ويخدم شعبه منضبطا للقانون ومواده .. إذا أتاك استدعاء بحضورك صباحا إلى مقر الشرطة كنت متواجدا قبل الموعد احتراما وهيبة للنظام القوي ! اليوم فقد كل رجل أمن هيبته واحترامه لأنه في نقطته العسكرية وجولته المرورية وإدارته الأمنية أصبح معروفا للقاصي والداني قيمته المادية .. خمسين ..مائتين .. ألفا .. وكلما ارتفعت المنزلة والرتبة زادت قيمة العطية والرشوة هذا هو الواقع الأليم فهل تريدني أن أزيدك يا وحدوي ؟ قلت : نعم لا بأس يا تلالي ..فأطلق تنهيدة وقال :

ـ من الناحية الاقتصادية منذ الاستقلال كانت الأسعار موحدة وثابتة .. هل تعلم لماذا لأن الدولة التي كنتم تسمونها الشيوعية كانت ترعى شعبها فتقوم بعمل موازنة للأسعار لتكون السلعة متوفرة للشعب بأسعار اقل من تكلفتها وتقوم بتغطية العجز من خزينتها أو من بند أخر أي أن سعر علبة الحليب يكلف مثلا 80 شلنا ولكن المواطن لا يستطيع أن يشتريها بهذا السعر فتقوم بعمل الموازنة وبيعها له ب 20 شلنا وقس ذلك على بقية المستلزمات .. لا مكان للاحتكار ولا للتلاعب بالأسعار ولا لمافيا التجار .. وكانت لدينا خطط واضحة على حسب الحاجة والمقدرة ـ وعلى مستوى الصحة والتعليم كانت لدينا مستشفيات ومدارس حكومية وكلها مجانية يتم الكشف على المريض وصرف الدواء أو الترقيد ولا يدفع شيئا .. واليوم انظر لمستشفى الجمهورية الذي كان يكفي البلاد الجنوبية ماذا ترى ؟ مأساة .. وذلك بموجب سياسة حكومية لتحطيم كل منشأة جنوبية ناجحة كمطار عدن وميناءه البحري .. وإلا فأين ( اليمدا ) وشركات التجارة الوطنية وأين مصنع الغزل والثورة وأين طماطم الفيوش وتونة الغويزي ..

ـ وعلى مستوى الإدارة والعمل أتحداك أن تجد سابقا موظفين وهميين أو باستمرار غير مداومين .. وكانت هناك عملية ضبط إدارية ومالية لكل المشتريات والمصروفات وتقف وراء ذلك الخزانة العامة تحاسب الموظف المسئول على الفلسات .. واليوم انظر لكل مسئول كم معه من أبناءه وأقاربه في الدرجة الوظيفية يتبع كل واحد منهم حاشية ملكية .. هناك من يستلم أكثر من عشرين راتبا بأسماء سرابية أو ألقاب ضبابية .. اليوم سرقت الملايين بلا حساب ولا عقاب !

ـ باختصار الجنوبي يتحسر على دولة كان أهم أولوياتها الإنسان لا الشوارع الإسفلتية والعمران بالله عليك ما فائدة القصور الجميلة وحياتي غير مستقرة .. أريد كوخا حقيرا أنام فيه قرير العين مطمئنا .. ما فائدة الطرقات والشوارع الفسيحة وأنا حينما أتنقل فيها لا أجد أمنا .. أريد حارات ضيقة أسير فيها بدون بندقية ولا ذخيرة ..ما فائدة التجارة الكبيرة والملابس الفاخرة بدون عدل ومساواة ودولة حكيمة .. لا تملأ بطني خبزا وفواكه اجعلني جائعا وأشبعني أمنا وعدلا .. لا تلبسني ثيابا فاخرة أجعلني عاريا واكسني مساواة وصدقا أريد بدلا من المنجزات العظيمة محاكمات لشرذمة الفساد والجريمة .. وبدلا من إكرامية رمضان أمنحني كرامة لي كانسان .. ألست أنت القائل في إحدى مقالاتك : لا حاجة لنا بمسئول كل انجازاته طين وأحجار !!

قلت : بلى وكل ما قلته صحيح فالفساد منتشر والأمن منقعر والنظام متدهور ولكن نقطة الخلاف هي الحل والوسيلة .. أنت تراها الانفصال وأنا أقول التغيير والنضال أنت تراها العودة إلى ما قبل عام 90 وأنا أراها في الوحدة مع إحداث تغيير مبين .. لأنني أخشى الفرار من الحية إلى فم التمساح .. علما أن قيادات الحراك متعددة وغير متوحدة .. فلا ادري إلى اليوم من رأسها وأطرافها .. علي ناصر أم البيض أم العطاس أم رجال في الداخل لا نعرفهم .. هل هم على رأي وبرنامج واحد أم ستعود حليمة لعادتها القديمة من التصفيات الدموية الأليمة نقطة الخلاف انك ترى الشعب الشمالي مشتركا مع الحاكم في ظلمه .. وهذا خطاء لأنه مثلي ومثلك ومطالبه كمطالبك ووقع به ظلم ابدي ولكنه تعايش معه فلماذا أشركته في الظلم والردية .. فراجع خطابك وقيم وسائلك وبرامجك ونحن معك في نيل الحقوق وفي إقامة دولة النظام والقانون يخضع لها كل كبير وصغير وكل تاجر وفقير وكل شيخ ومسئول .. الكل سواسية كأسنان المشط .. دولة عدل ومساواة .. دولة حق وإيمان .. دولة امن وأمان .. دولة رخاء وسلام .. يدا بيد نشعل شمعة خيرا من أن نلعن الظلام.