تأملات في إسلام القيم ..!!
بقلم/ فهد سلطان
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الإثنين 06 سبتمبر-أيلول 2010 11:39 م

كم هي المعاني التي تتجسد مع تأدية المسلمين لفريضة الصيام ويكون هذا الشهر الفضيل بمعانية السامية نقطة تحول في حياة المسلم .. فكما أن الصلاة تحقق معاني عظيمة لها الأثر الكبير في حياة الفرد والجماعة فإن رمضان يكمل تلك المعاني وينميها ويأخذ بالإنسان إلى عالم الإنسانية الراقية فتحقيق الرحمة والألفة والشعور بما يعيش فيه كثير من الذين تنكرت لهم الحياة فكان الفقر رفيقهم وقسوة العيش حظهم .!! جاء هذا الشهر ليفتح لهؤلاء ليس جيوب الأغنياء بل قبل ذلك قلوبهم وأفئدتهم فيكون الصيام امتثال لأمر الله أولاً ورحمة لخلقه ثانياً، ولقد اقتضت الحكمة الإلهية كذلك أن يكون الناس مختلفين في الدرجات والألوان والأذواق ومتفاوتين في الغنى والفقر، بحيث يكون الناس سخرياً لبعض بمعنى أن يعيش بعضهم تحت ظل بعض ويستمد كل شخص رزقه من رزق الأخر \" نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا\"(1) وقال سبحانه\" ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا\" 32 سورة الزخرف، وهذا هو التكامل في الحياة لأنها محل اختبار.. فكما أن الغني ممتحن بماله فكذلك الفقير ممتحن بفقرة..! وعلى هذا لم يترك الإسلام الناس بلا صلات ولا روابط كما هي حال كثير من المجتمعات التي سادت فيها الأنانية وطغى فيها حب الذات، فغابت الإنسانية وحلت مكانها المادية البحتة، وهذا الغياب للإنسانية والحضور للمادية وطغيان الأنانية لا يختص بأمة معينة أو فئة من الناس بل هو مرض يصيب النفس البشرية أينما حلت أو كانت فنجد اليوم هذه الأمراض حاضرة حتى في بلاد المسلمين والتي تتنافى مع قيم الإسلام الأساسية..

ولا يعني أن الإسلام دعا لها أو لم يحذر منها بل الذي يُرى في ديار المسلمين هو أن الاهتمام أنصب بالدين كعبادات وغاب الإسلام كمعاملات..!! وهذا هو الفاصل الكبير .. وبعبارة أخرى عن الصلة التي وضعها الإسلام لتنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء، بحيث أنها يتوقف عليها نهضة الأمة وتقدمها، ومن هنا يتوجب علينا أن نبرهن ونؤكد على أن الإسلام ليس ديناً روحياً فردياً تنحصر مهمته في صرف الفرد عن ديناه إلى أخراه، وليس هو دين انقطاع إلى الحياة بكل ما فيها دون أن يكون هناك حبل يصل الروح بالسماء !! إنه يعني التوسط بين الحياة والآخرة، وبكلمة مختصرة دين اجتماعي كما يقول سيد قطب رحمه الله إنه دين مهمته أن يأخذ بالإنسان إلى السعادة في الدارين بحيث يتوجه إلى العمل في الدنيا فيعيش حراً سعيداً كريماً ويتوجه إلى عمل الآخرة عابداً وزاهداً كأنه يموت غدا\" من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة \"(2) وعلى هذا النظام الاجتماعي كما يقول العالم الجليل محمود شلتوت قامت الأعمال ودارت الحركات واشتدت المنافسات حول الحصول على العيش والارتقاء .

لكن الشح الذي طبع عليه الناس جعل من اختلافهم في المواهب التي في أيديهم وتفاوتهم بالغنى والفقر سبباً لظهور مرض اجتماعي خطير أشغل الأغنياء بأموالهم حتى ألهاهم عن حق الفقير والمسكين والعامل الضعيف(3) \"ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونه عين القين * ثم لتسألن يومئذِ عن النعيم \"(4) إن المال عندما لا يتعامل معه صاحب بالطريقة الصحيحة تنموا فكرة الأثرة والاستغلال وعندها يحس الفقير بضيق في صدره فيتولد عنده حقد على الأغنياء ولهذا هل سيجد الفقير راحة وطمأنينة وهو يبحث من الصباح حتى المساء عن ما يسد الرمق لديه ولدى أولاده بينما يرى أن هناك من يعبث بالأموال في شراء ملذات ومتع في الحياة بسرف مبالغ فيه؟؟ وهل سيجد الفقير وذو الحاجة نفسه عنصراً صالحاً في وضع هذا حاله؟ ..

الإجابة بالطبع لا .! لأن المساواة والرحمة والتعاون في المجتمع الواحد مفقود وهذا هو الذي يهدد المجتمعات ويزيدها تفككاً وفرقه وهذا يجعلنا أن نعالج مرض يسمى الشح .. ولذلك تأمل في آيات القرآن التي تناولت هذا المرض الخطير والفتاك والذي يقضي على التراحم والبذل ومساعدة الضعيف \" ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون\"(5) وقال \" ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض \"(6).وتأمل هذا الحديث النبوي كيف يصور هذا المرض الخطير وقد تجسد في أمة أو مجتمع كيف يكون حالة \"إياكم والشح فإنما هلك به من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلو وأمرهم بالفجور ففجروا واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماء ويستحلوا محارمهم \" وقال سبحانه في سورة الحشر \" ومن يوق شح نفسه فأولئك هو المفلحون\"(7) فحال الصحابة الذين سمت نفوسهم من هذا المرض وقبلوا أن يعيش المهاجرين معهم ويشاطروهم الأموال والبيوت استحقوا أن يكونوا من المفلحين\" وهنا سؤال لك أيها المسلم ترى أين موقع الفقير والمسكين في سلم حياتك..؟؟ تأمل في آيات القرآن ستجد أن القرآن حرك العواطف ونبه الوجدان إلى العطف الإنساني وبشره بالثواب والحياة الطيبة وسوف تجد أنه لا تكاد تخلوا سورة أو جزء من القرآن لا يذكر في الحث على إطعام فقير أو مسكين بحيث جعل لهم حق في الصدقات المفروضة وحق في الغنيمة وكفارة اليمين وللمفطر في رمضان...

فكما أن الكفارات هي نوع من العقوبة وتطهير فإنها في نفس الوقت تساهم في التخفيف على الآخرين فهل من رحمة تفوق هذا المجتمع الذي يعاقب شخص ويستفيد في نفس الوقت شخص أخر من هذه العقوبة !! .. إنها موارد دائمة للفقراء في الإسلام والعطف على الفقراء من خصال البر الدالة على صدق الإيمان \" وأتى المال على حبه دوي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل والسائلين وفي الرقاب \"(8). ويمدح الله الصدقات أعُلنت أم أخُفيت بقوله تعالى \" إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم \"(9) وأوصى الله باليتامى والمساكين فقال \" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين\"(10). ثم إن القرآن يعتبر إطعام الفقير والمسكين هو العقبة الوحيدة التي إذا اقتحمها الإنسان وصل إلى السعادة الحقيقية\" فلا اقتحم العقبة . وما أدركم العقبة . فك رقبة . أو إطعام في يوم ذي مسغبة . يتيماً ذا مقربة . أو مسكيناً ذا متربة .

ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. أولئك أصحاب الميمنة\"(11) فهل يعني أغنياء وميسورين الحال من المسلمين هذه الآيات وهذه الغنائم ؟ إن ما نحتاجه اليوم وخاصة في مجتمعنا اليمني إن نعيد قراءة التدين الذي نمارسه وأن يكون الضابط ليست النصوصية المتناثرة هنا وهناك ، بل أن يكون هذا التدين منضبط بقيم الإسلام العليا بحيث يشعر المسلم الغني والميسور أن عبادة مرهون قبولها بأخلاقه وتعاملاته مع الناس وأن الدين كما هو صلاة وصيام فهو أيضاً صدقات وإحسان وبذل وإطعام وأن السعادة التي نجنيها من إسعاد جائع ومحتاج تفوق تلك السعادة التي نخرج بها من الصلاة بل إن الذي لم يتذوق حلاوة زرع الابتسامات على الفقراء والمساكين واليتامى لن يدركها في العبادات على الإطلاق لأن رقة القلوب ورهافة الإحساس وسلامة الصدر وعمق الشعور لن ينبت ويزدهر إلا من هذه الزوايا الخالية.! لله ما أعظم ذلك الحديث النبوي الذي يشعه منه نور النبوة وعظمة هذا الدين عندما قال صلى الله عليه وسلم \" لأن أقوم في حاجة أخي فأقضي له حاجته خيرٌ لي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا\" نعم صدقت لأنه سبحانه يحب العمل المتعدى إلى الآخرين أكثر من العبادة المتعلقة بالفرد وفي الأخير إن عدنا إلى دين القيم وقدمنا المعاملات على العبادات نكون قد حققنا قوله تعالى \" ذلك الدين القيم\" مشكلتنا أننا أمة كثيرة العبادة قليلة المعاملة اقتحمت الجنة من باب ضيق وتغافلت عن باب واسع ومفتوح إنه دين المعاملات دين\" القيم\".!!

هوامش ..

1- الآية 32سورة الزخرف.

2- 143سورة النساء .

3- من كتاب توجيهات الإسلام لمحمود شلتوت.

4- سورة الكوثر .

5- 9 سورة الحشر

6- 80 سورة آل عمران.

7- 9 سورة الحشر .

8- 177 سورة البقرة .

9- 271 البقرة

10- 36 النساء

11- 18 سورة البلد