بكاء العاقل الحكيم
بقلم/ الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 3 أيام
الأحد 22 يناير-كانون الثاني 2012 05:58 م

قبل ثلاث سنوات تقريباً وتحديداً في 21 نوفمبر من العام 2008م أثناء حضوره فعالية للجنة التحضيرية للحوار الوطني أجهش الأستاذ محمد سالم باسندوة بالبكاء .

لم تتلقف السلطة يومها بكاءه بجدية الناظر اللبيب ولم تستوعب أن الوقت قد حان لعمل شيء ما , قبل تلك الفترة كان الرئيس بعد مقتل الرئيس العراقي صدام حسين قد قال : يجب أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلقوا لنا .

كان الرئيس يومها حصيفاً يقول ما يجب أن يقوله المعتبر اللبيب , لكنه سرعان ما انخدع بتزيين الحاشية : الوضع تحت السيطرة , وكل شيء تمام , ولا تُصَدِّق أقوال المرجفين .

ربما كان في معزل عن شعبه وقد هُيِّأ له أن الوضع على ما يرام , فتناسى مقولته التي تغنَّت بها الشفاه أملاً في بزوغ فجر يمن جديد يُفيق فيه الرئيس من غفوته ليصلح ما أفسدته سنوات حكمه .

لقد استوعب الرئيس الدرس يومها فقط , وربما عَلِمَ عِلْمَ اليقين ألا شيء ينفع سوى ثقة الشعب وحبه وهو يومها كان لا يزال يتمتع بالكثير من حب شعب بسيط فقير مطحون منحوس , وكان عليه يومها تصحيح المسار وإعادة الثقة ليكون حراً لا يأبه بمؤامرات الداخل ولا تخلي الخارج .

أجهش باسندوة بالبكاء خوفاً على حاضر اليمن المنحوس ومستقبلها المظلم المجهول , فتهكَّمت به وسائل الإعلام الرسمية ونهشت لحمه وعظمه وتناولته ألسنة السَّاسة السليطة بالسباب والسخرية .

كانت دموعه يومها نابعة من قلب المحب الواله العاشق لوطنه الحريص عليه من الفجيعة , تلقفت دموعه المعارضة وسوَّقتها تسويقاً رائعاً نجحت من خلاله في استقطاب الكثير وتأليب الرأي العام على فساد السلطة .

وجاء اليوم الذي يتولى فيه باسندوة رئاسة الحكومة التوافقية مكرهاً بعد أزمة خانقة كتتويج للمبادرة الخليجية وآليتها المزمَّنة ومن خطواتها الحصانة التي يحظى بها الرئيس ومن عمل معه طوال سنوات حكمه .

لم يجرؤ أحد على قراءة القانون الذي توافقت عليه الحكومة وأرسلته لمجلس النواب للمصادقة عليه وبقي الشد والجذب حتى عاد باسندوة من رحلته الخليجية ليقف في مجلس النواب موقفاً لا يُحسد عليه .

لقد كان يُدرك خطورة ما جاء من أجله , وكان على علم بحجم ما ستتعرض له سمعته وما سيلقاه من القريب والبعيد " أنا أعرف أن هذا القانون سيعرضني للشتم، لكني مستعد كل الاستعداد أن أقتل من أجل هذا الوطن " .

عزم على الأمر وترك أمره لله وحضر , وقف ليقرأ المذكرة الحكومية ونص القانون بتعديلاته الجديدة , وقف وقفة الرجل الشجاع مخاطباً النواب : " علينا جميعاً أن نتعاون في تسيير الأمور وتذليل العقبات والصعوبات والعراقيل والإسراع في تنفيذ كل الخطوات التي تخرج اليمن إلى المسار الصحيح " .

وأضاف بحرقة : " رجائي إليكم كرجل عاش مراحل عدة , حيث عانينا من أزمات ومشاكل كما عانى الكثير من الأخوة " .

"وخاطب الجميع : " يجب أن نصفي أنفسنا وأرواحنا من أجل هذا الوطن " .

أجهش باسندوة بالبكاء وهو يتلو كلماته , بكاءٌ لم يأت من فراغ فالرجل العاقل الحكيم يدرك خطورة التهور دون حساب فالثمن غالٍ إن لم يدرك الجميع خطورة المرحلة .

يظل باسندوة في نظري عاقلاً حصيفاً مهما تندر الصغار من بكائه فما أسهل الحرب على المتفرجين .