اليمن..انتهاء الجولة الخامسة من حرب صعده
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 23 يوليو-تموز 2008 10:30 م

يتعين الآن على الجميع مواطنين وأحزاباً سياسية أن يكونوا ممتنين وشاكرين لقيادتهم السياسية لإعلانها قرار إنهاء الحرب في صعده، ولدواع وطنية بحتة لاتجيد سوى السلطة تفصيلها والتجلل بها، يتعين على الجميع أن ينسوا أنهم ظلوا طيلة الفترة الماضية ومنذ اليوم الأول لنشوب الحرب يطالبون السلطة ويترجونها أن تجنح للسلم والى الحوار كي لا تغرق البلاد في نزيف الدم وتزيد جراحاتها. والمؤكد أن أحد من العقلاء في هذا البلد لم يكن ليرى أدنى ضرورة في أن تحل السلطة خلافاتها مع منْ تسميهم بالمتمردين عبر السلاح والقوة، عدا بعض من آثروا الانسياق وراء رغبات السلطة دون إدراك وتمعن للعواقب، بما فيها تلك المأساة الإنسانية المخزية التي عاش فصولها- وما يزال - عشرات الآلاف من النازحين من قراهم وبيوتهم إلى العراء جراء حرب لم يفهموا حتى الآن ما الطائل من ورائها. فيما ظلت السلطة مصرة على الحسم، واصفة موقف المشترك الداعي إلى الحوار بالمتخاذل والمريب بل والمتواطئ، معتبرة أن خيار الحل السلمي هو بمثابة خيانة وطنية وتآمر على الوطن. وكانت متفائلة إلى الحد الذي ظلت تؤكد فيه بأن الحسم بات وشيكاً، بل هو قاب قوسين أو أدنى، وأن انتظارنا لن يطول. وزيادة في ثقتها بنفسها طالبت عناصر التمرد عبر وزارة دفاعها تسليم أنفسهم على وجه السرعة إلى أقرب قسم شرطة قبل فوات الأوان!.

وفجأة وتزامناً مع حديث السلطة عن حسم وشيك وعن جيش شعبي قوامه سبعة وعشرين ألفاً سيخوض المعارك إلى جانب الجيش تتوقف الحرب ويحل السلام، ويصير الحوار هو الوسيلة الحضارية للحل وأفضل من إراقة الدماء! هذا ما توصلت إليه القيادة السياسية مؤخراً، وهو الشيء ذاته الذي طالبت به أحزاب المشترك منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات. لكن عندما كان هذا الخيار مطروحاً من قبلها فقد كان بمثابة خيانة وطنية، واصطفاف إلى جانب التمرد، وتأييد سياسي له، وتشجيع له على العنف والقتل والتخريب، إلى الحد الذي ذهبت فيه السلطة اعتبار المشترك بأنه بات يمثل الجناح السياسي للتمرد!.

حرب بلا مشروعية

أذكر أنني كتبت في صحيفة العاصمة تحليلاً مطولاً بعنوان "صعده بين الحوار والحسم" (كان هذا قبل أسبوعين)، ومما قلت فيه "إن الوضع الداخلي والموقف الخارجي لا يشجعان على الاستمرار في الحرب، حتى أولئك المشايخ (من رجال القبائل) الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة في تشكيل جيش شعبي قوامة تسعة آلاف مقاتل فإنهم ينطلقون في الأساس من مصالحهم الخاصة، وحافزهم الأول- للحرب - لا يمت للوطنية بصلة بقدر ما يرتبط بغنائم الحرب"، وقلت أيضاً، "إن النظام يمضي وحيداً إلى ساحة معركة هي خاسرة بكل المقاييس، حيث يعوزها الإجماع الوطني، وتفتقر للتأييد الشعبي والحزبي، ويرفضها المجتمع الدولي، وفي حالة كهذه فإن النظام مضطر لإعادة حساباته ودراسة خياراته، فإما الاستمرار في حرب خاسرة ومكلفة لن تكون استثناءً عن سابقاتها، وإما اللجوء إلى خيار السلام والحوار وهذا هو الخيار الأقرب. لكن هل بمقدور النظام محاورة الحوثيين بشكل مباشر؟"، وأجبتُ "والمؤكد أن السلطة لا تستطيع إجراء حوار مباشر مع قادة الحوثيين السياسيين والعسكريين لأنها ستظهر أمام الجيش والمواطن اليمني كما لو أنها تخادعهم وتستغفلهم، لذا فإنها ستذهب للحوار مع قادة الحوثيين عبر وسيط ثالث من المرجح أن يكون خارجياً وليس محلياً، والسبب أنها بحاجة أولاً لمن يدفع تكاليف الحوار ونفقات الإعماروتعويضات الحوثيين، وهذا ما لا يقدر عليه أي طرف داخلي، بالإضافة إلى أنها ستحرص على عدم تسرب البنود السرية من الاتفاق وهذا ما لا تضمنه مع أي طرف في الداخل".

والحقيقة أنني عندما قلت بأن السلطة لا تستطيع فتح حوار مباشر مع الحوثي وجماعته بسبب أنها ستظهر ساعتها أمام الجيش وبقية المواطنين كما لو أنها تخادعهم وتستغفلهم، كنت أنطلق حينها من اعتقاد لازمني بوجود بقية من حياء، أو بقية من احترام لعقول الناس، أو بقية من اعتبار لهذا الشعب لدى سلطة أصمت آذاننا ليل نهار ببطولاتها العسكرية على جبال صعده وضواحي العاصمة، وبالحسم الذي بات وشيكاً، وبوطنيتها التي لا تقبل المساومة والمهادنة مع أعداء الثورة والجمهورية ودعاة الإمامة والرجعية المتآمرين مع طهران منذ مطلع الثمانينات، ومع ليبيا ، بل ومع السفارة الأميركية والقوى السياسية في البلد، المتحالفين حتى مع تنظيم القاعدة لإسقاط النظام، هؤلاء الذين يهدفون إلى الانقلاب على النظام الجمهوري والعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء. كنت أعتقد حينها – واعترف بخطأي – أن السلطة لن تتنازل عن كبريائها لحفنة من الإرهابيين- كما تسميهم - مهما كانت الأسباب والدوافع لتقبل بفتح قناة حوار مباشر لحل أزمتها معهم دون وسيط أو طرف ثالث! على الأقل لتحفظ ماء وجهها ولتبدوا القضية وكأن الحوثي هو من يلهث وراء الوساطة!! لكن يبدوا أن نتائج الحرب المخيبة للآمال لم تترك لها خياراً آخر، لدرجة أنها لم تترك لها حتى فرصة تجريب خيار الجيش الشعبي الذي كان من المفترض أن يقوده الشيخ حسين الأحمر، والذي أعتبر من جهته أن مسألة إيقاف الحرب في مثل هذه الظروف هو خيانة وطنية، وهو الذي كان يتوسط قبل فترة وجيزة بين طرفي الصراع لحل الأزمة سلمياً!

رسالة إلى السادة العلماء

كان العلماء الأجلاء يصوتون في قاعة أبوللو لصالح الحسم العسكري في صعده، فيما كانت السلطة قد رتبت أوضاعها مع المتمردين وتوصلت معهم إلى صلح واتفاق على وقف الحرب تم الإعلان عنه من قبل الرئيس بعد يومين فقط من تصويتهم! لا ندري لماذا حرضتهم على التصويت للحسم فيما كانت الحرب قد انتهت منذ ثلاثة أيام بحسب تصريحات الرئيس؟.

ومهما يكن الأمر فقد أراد الرئيس الظهور من خلال إعلانه وقف الحرب وكأنه حمامة سلام، وداعية وفاق، في حين ظهرت قاعة أبوللو (حيث يجتمع العلماء) وكأنها تموج بالصقور التي استثارها حسين الأحمر فذهبت تحلق بعيداً تأهباً للانقضاض.

لم تتأخر السلطة كثيراً في رد جميلها لأولئك المحتشدين في أبوللو الذين فضلوا الانحياز إلى موقفها المعروف والمتمثل بالحسم وضرورة وأد الفتنة ودرء خطر التمرد، فسارعت للرد على ذلك من خلال إعلانها أن الحوار هو الوسيلة الحضارية للحل وأفضل من إراقة الدماء، مؤكدة في الوقت ذاته على أن هذه الحرب لن تعود أبداً، وأن بعض القوى السياسية هي من تجرجر وتسيس القضايا بشكل أو بآخر مذهبياً وعنصرياً، وبهذا الشكل تحاول السلطة التنصل من مسئوليتها في إشعال الحرب وتحريض المجتمع على الانخراط فيها، وتحميل غيرها (من علماء وأحزاب) مسئولية ذلك.

الحرب والسلام بيد السلطة

أشار يحيى الحوثي (في مقابلة مع الجزيرة) إلى تفاهم شفهي بين الرئيس صالح وأخيه عبدالملك لوقف الحرب ورفع الحملات العسكرية على المناطق التي يسيطر عليه الحوثيون، مشيراً إلى أن التفاهم جاء بعد حصار ضربته قوات أخيه على كل مواقع الجيش في صعده وبخاصة القوات التي يقودها اللواء عبدالعزيز الشهاري. بينما لم يصحب خطاب الرئيس بوقف الحرب أية تأكيدات بانجازات عسكرية على الأرض، كما لم يصحب خطابه هذه المرة أية إشارات إلى العفو العام عن جماعة الحوثي كما في الحرب الرابعة، ولم يتطرق الرئيس إلى وجود أية وساطة داخلية أو خارجية ساهمت في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، وهو ما يعني أن الرئيس تمكن هذه المرة بنفسه وعبر اتصالاته الخاصة من حل الأزمة، وهذا أحد المؤشرات على أن قرار الحرب والسلام في صعده كان وما يزال بيد السلطة نفسها.

مراقبون سياسيون ربطوا بين الإعلان عن وقف الحرب في صعده وما تشهده الساحة الدولية من خطوات متسارعة في عملية تقارب مفاجأة بين واشنطن وطهران، وكذا إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بدعوى ارتكابه جرائم حرب في دار فور، وهو ما جعل قيادة صنعاء – بحسب المراقبين- تسارع لإنهاء مشكلتها في صعده حتى لاتُستغل خارجياً من قبل بعض المعارضين وبخاصة الحوثيين لتحريض المحكمة ذاتها على فتح ملف صعده وإدانة النظام.

ومع عدم استبعاد أي من تلك الأسباب في التعجيل بإنهاء حرب صعده، إلاّ أن أحد أهم الأسباب في نظري تعود إلى ما قامت به أحزاب المشترك من الدعوة إلى لقاء تشاوري وطني للنظر في كل القضايا الوطنية التي ما زالت تسبب احتقاناً وانسداداً في طريق الحياة السياسية في اليمن وتزيد أوضاعها تأزماً، بما في ذلك قضيتي صعده والجنوب. وقد كان متوقعاً منذ إعلان المشترك عن خطوته تلك ودعوته الموجهة لكل القوى الوطنية والاجتماعية المؤمنة بالنضال السلمي لعقد لقاء تشاوري أن تعمل تلك الدعوة على التعجيل بإنهاء أزمة صعده لجهة دفع السلطة للمسارعة باتجاه البحث عن حلول توافقية مع متمرديها لقطع الطريق على المشترك من لعب دور سياسي- قد لا يرضيها - في حل المشكلة.

وسبب آخر مهم دفع الحكومة إلى التعجيل بحسم قضية صعده صوب خيار الحل السلمي وهو الموقفين الأمريكي والأوروبي غير المؤيدين لخيار الحسم العسكري، الرافض لطلب السلطة إدراج جماعة الحوثي ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، هذا الموقف الغربي الداعي للحوار كان واضحاً وصريحاً بأن على السلطة أن تحل مشكلتها وفقاً له، لكن السلطة أرادات أن تمنح نفسها فرصة ترتيب وضعها الداخلي كي لا يبدوا الأمر وكأنها استجابت للضغوط الخارجية.

بيد أن إعلان وقف الحرب واللجوء إلى الحوار كان غامضاً مثلما كانت الحرب ذاتها غامضة، فلا ندري على أي أساس اتفق الطرفان لوقف قتالهما؟ وماهي التنازلات التي قدمتها السلطة ؟ وماذا سيقدم الحوثيون بالمقابل؟ وما هي ضمانات عدم العودة مجدداً إلى القتال؟ وهل سيعود الحوثيون إلى بيوتهم أم سيظلون قابعون في الجبال ومسيطرون على مناطق بذاتها؟ على الأرجح أن الانتخابات المقبلة في 2009 كان لها كذلك دوراً في التسريع بالحل السلمي حتى يتفرغ الحزب الحاكم لمقارعة أحزاب المشترك ويوفر المبالغ الباهظة التي ينفقها على الحرب لينفقها في شراء الأصوات كما هي عادته.

ـــ

مدير تحرير صحيفة العاصمة