الجنوب الخفي الذي صار ظاهرا!
بقلم/ دكتور/عبد الله الفقيه
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 31 يوليو-تموز 2007 06:33 م

لقي مقال للكاتب كان قد نشر في الوسط في أواخر مايو الماضي تحت عنوان "المسكوت عنه في الوحدة اليمنية" الاهتمام من قبل الكثير من متابعي صحيفة الوسط. ولعل ابرز المقالات التي تناولت الموضوع هي تلك التي نشرها كل من القانوني المعروف الدكتور أبو بكر السقاف في صحيفة الأيام على حلقتين، والمقال المطول للأستاذ احمد عمر بن فريد في صحيفة "الأيام" أيضا والمقال الذي نشره السفير السابق للجمهورية اليمنية في سوريا والمعارض الحالي في الخارج الأستاذ احمد الحسني. وهناك عشرات المقالات الأخرى التي لا يتسع الحيز للإشارة إليها والتي تناولت بشكل مباشر أو غير مباشر بعض الأفكار التي تناولها المقال المشار إليه.

ولأن الكاتب يعتقد مخلصا أن النقاش حول ما اسماه الأستاذ بن فريد ب" القضية الجنوبية" يعتبر ظاهرة صحية ويخدم من وجهة نظره مصالح الشعب اليمني فانه يعود للموضوع من جديد. وسيتم التركيز هنا على النقاط التي شكلت القاسم المشترك بين المداخلات وهي على الترتيب التوصيف الذي استخدمه الكاتب لوضع الجنوبيين في دولة الوحدة والسياسات التي اقترحها للدمج الاجتماعي في جوانبه المختلفة.

ويود الكاتب وقبل مناقشة تلك النقاط تنبيه القارئ إلى ان ما طرحه في مقاله السابق وما سيطرحه في هذا المقال لا ينبغي ان يؤخذ الا على انه مجموعة من الأفكار التي تعبر عن وجهة نظر الكاتب التي قد تصيب أو تخطأ. والهدف من هذا المقال ليس الدفاع عن أفكار الكاتب السابقة في مواجهة الأفكار التي قدمها الأساتذة الأجلاء ولا محاولة لإقناع القارئ بصوابية أفكاره وخطأ أفكار الآخرين. ولكن الهدف هو شرح تلك الأفكار بشكل أوضح وعلى ضوء التعقيبات المختلفة. ولن يلتفت الكاتب في سياق مناقشته للردود التي تناولت شخص الكاتب سواء بالمدح أو القدح. كما سيتم إهمال التحريف الذي قام به البعض لأفكار الكاتب بحسن أو سوء نية وكذلك محاولات قراءة ذهن الكاتب على طريقة المنجمين. فمن وجهة نظر الكاتب فان الجوانب الشخصية لا أهمية لها مقارنة بالموضوع الذي يتم مناقشته.

الجنوبيون كأقلية

اتفقت الردود وبشكل عام مع مقال الكاتب حول وجود "مشكلة" أو "قضية جنوبية"، وحول وجود مشاعر متنامية مضادة للوحدة بين الجنوبيين. وفي الوقت الذي ذهب فيه الكاتب إلى ان أسباب المشكلة الجنوبية تكمن في التهميش السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي للجنوبيين، في إطار دولة الوحدة فان البعض قد حاول إرجاع المشكلة إلى التباينات الثقافية المتصلة بالهوية. 

كان الكاتب في مقاله قد ذكر بان النظام السياسي القائم قد خذل اليمنيين في الشمال والجنوب وانه في الوقت الذي يحمل فيه الناس في الشمال النظام القائم مسئولية ما حدث فان الاتجاه العام بين الجنوبيين هو تحميل الوحدة ذاتها مسئولية ما يعانون منه. وفي محاولة منه لتفسير ما يحدث ذكر الكاتب بان ذلك ربما يعود من جهة أولى إلى كون الجنوبيين يمثلون "أقلية" في دولة الوحدة ومن جهة ثانية إلى السياسات التي تم أو لم يتم تبنيها بعد حرب عام 1994.

بالنسبة لما قصده الكاتب من الإشارة إلى الجنوبيين على أنهم أقلية والذي اعتقد الكاتب انه واضح من خلال السياق فهو "الأقلية العددية" وليست "الأقلية الدينية" أو "العرقية" أو غيرها من الأقليات التي تحدث عنها المحامي الدكتور السقاف في تعقيبه. ومن المعروف للجميع ان سكان الجنوب لم يمثلوا عند قيام الوحدة وبحسب التقديرات سوى 20-25% من سكان الدولة الجديدة أو نحو ذلك. كما انه من المعروف أيضا ان شكل الدولة التي تم تأسيسها هي دولة موحدة بسيطة لها حكومة واحدة مقرها العاصمة صنعاء. ولا يود الكاتب هنا ان يبالغ في التأكيد على مسألة "الهوية" الواحدة للشعب اليمني والتي كانت القوة الجارفة التي دفعت باليمنيين في الشمال الجنوب إلى الخروج إلى الشوارع لمناصرة الوحدة الطوعية ودفعت بالقادة إلى الاتفاق على تحقيق الوحدة وبطريقة ربما كانت من وجهة نظر البعض متسرعة وغير عقلانية وعاطفية.

ورغم كل ما يمكن ان يقال عن الطريقة التي توحدت بها البلاد الإ ان الواضح ان تلك الطريقة ذاتها قد عبرت اصدق تعبير عن "الهوية" الواحدة وعن سعي تلك الهوية المجزأة في دولتين إلى الاندماج في دولة واحدة. وحتى لو افترض الإنسان جدلا صحة ما كتبه احد الأساتذة الأجلاء ذات مرة من ان الوحدة اليمنية تحققت بإرادة فردين هما علي عبد الله صالح وعلى سالم البيض، فان ذلك لا يلغي وجود الهوية المشتركة بقدر ما يؤكدها. كما يؤكد تلك الهوية المشتركة كتابات الشعراء والروائيين والقصاصيين وخطابات المناضلين وهذا الكم الهائل من المدونات التي تم إفرازها خلال القرن الماضي.       

ولا يود الكاتب، في المقابل، أن يقلل من مسألة التباينات بين المكونات المختلفة للمجتمع اليمني والتي كانت ومازالت قائمة أو تلك التي تم استحداثها ووظفها السياسيون في مختلف مراحل التاريخ اليمني في سعيهم لإقامة كيانات سياسية مستقلة. والكاتب يدرك تماما ان هناك تباينات بين سكان الشمال والجنوب يتصل بعضها بالهوية لكن تلك التباينات محدودة بطبيعتها ولا تشكل سببا للأخطار القائمة وللتحديات المستقبلية المتوقعة. وتكمن الإشكالية الحقيقية من وجهة نظر الكاتب، ليس في تباين الهوية كما يعتقد البعض، ولكن في ثلاثة عجوزات أفرزتها السنوات اللاحقة لحرب عام 1994 وأثرت على الجنوبيين والشماليين على السواء وهي عجز الحرية، عجز المشاركة السياسية، وعجز المشاركة الاقتصادية. 

ومن حق الجنوبيين دون شك ان يناضلوا، وبإتباع كل الطرق السلمية والمشروعة، لتصحيح وضعهم داخل دولة الوحدة ومن منطلق ان أعباء الوحدة اليمنية ينبغي ان يتحملها جميع اليمنيين بالتساوي ولنيل حقوقهم المشروعة. ومن حق الجنوبيين على إخوانهم في الشمال ان يدعموا مطالبهم الحقوقية المشروعة وعلى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وبطريقة لا تخل بمبدأ "المواطنة المتساوية" والفرص المتكافئة.

لكن الملاحظ ان القوى الجنوبية ترتكب خطأ اكبر من ذلك الذي ارتكبه الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1994. فقد حاولت قيادات الاشتراكي البحث عن شرعية شطرية لمطالب كانت تبدو وطنية مما اضعف من شرعية تلك المطالب. ويكرر التاريخ نفسه اليوم وبشكل أكثر صلافة. ويبدو ان البعض يعتقد ان الحشد على خطوط شطرية والعمل على قولبة الأغلبية وحشرها في صندوق الآخر المختلف "الهمجي، القبلي، الرجعي، البدائي" يمكن ان يحسن من قدرتهم على بلوغ أهدافهم. لقد وصلت الأمور بأحد الأساتذة الكبار، والذي يكن له الكاتب كل التقدير، إلى مطالبة الشماليين في مقال نشره مؤخرا تأييد مطلب الجنوبيين بحق تقرير المصير. ورغم ان الكاتب يتفهم معاناة البعض الإ ان مثل هذه التوجهات لا يمكن ان تكون سوى الوجه الآخر لعقلية النظام الإقصائية والمنتقصة من حقوق الآخر ومواطنته. ولا يمكن للعقلية التي تستهدف بائع متجول بسبب انتمائه المناطقي الإ ان تعكس تلك العقلية التي تستهدف صحافي لأنه هاشمي.     

الحلول المقترحة

انطلق الكاتب في مقاله بالنسبة لتوصيف السياسات المطلوبة من عدة منطلقات. أولا، أدت حرب عام 1994 وما لحقها من سياسات الإقصاء للجنوبيين والتهميش لهم كقوة اجتماعية وسياسية واقتصادية وغير ذلك من السياسات غير المسئولة إلى ظهور مشاعر سلبية في أوساط الجنوبيين تجاه الوحدة الوطنية. ثانيا، برغم وجود بعض التباينات المحدودة المتصلة بالهوية بين سكان الشمال والجنوب الإ ان الصراع الذي يمكن ان ينشأ لا سمح الله ويهدد وحدة البلاد لا علاقة له بتلك التباينات وإنما يتغذى بشكل أساسي وجوهري من الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها الجنوبيون والشماليون على السواء ومن عمليات نهب الأراضي التي تعرض لها الجنوب ومن انتشار الفساد والفوضى ومن الإقصاء والاستبعاد. 

ثالثا، لا يشكل الاختلاف في الهوية بحد ذاته ومهما بلغت درجته سببا لرفض التعايش بين الفئات الاجتماعية المختلفة في أي دولة. ويعرف الجميع ان معظم المجتمعات في العالم تعاني من وجود تمايزات في الهوية. لكن تلك التمايزات لم تتحول إلى قوة رفض للتعايش ضمن حدود الدولة الواحدة الإ في حالات قليلة ولأسباب لا علاقة لها في الغالب باختلافات الهوية. وعلى العكس من ذلك فان تجانس الهوية لا يمثل بالضرورة ضمانة بعدم ظهور الحركات الرافضة للتعايش. ولعل تجربة الوحدة بين شمال الصومال وجنوبه بين 1960 و1991 والتي انتهت بانفصال شمال الصومال وإعلان دولة الأمر الواقع توضح بجلاء كيف ان التجانس المجتمعي التام للشعب الصومالي (وحدة الأصل، وحدة الدين، وحدة المذهب، ووحدة اللغة واللون) لم تمنع وفي ظل سياسات التمييز والإقصاء من قيام جزء من البلاد برفض التعايش.

رابعا، تقوم دولة المواطنة المتساوية في العصر الحديث وكما يقول الدكتور عادل الشرجبي على الدمج الاجتماعي للسكان. ولا يمكن ان يفهم الدمج الاجتماعي في القرن الواحد والعشرين الا على انه إيصال الفرد إلى الشعور، وبغض النظر عن هويته، بأنه جزء من المجتمع المكون للدولة التي يعيش على ترابها بشكل مستمر ومع غيره من الأفراد. ولا يتحقق ذلك الشعور الإ بتمتع الفرد بمختلف الحقوق وتحمله لمختلف الواجبات وعلى قاعدة المساواة مع الأفراد الآخرين.       

وبناء على المرتكزات السابقة فقد طالب الكاتب بتبني سياسات الدمج الاجتماعي للجنوبيين في دولة الوحدة بما يعنيه ذلك من تحقيق المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكاملة. وكانت السياسات التي اقترحها الكاتب تؤكد ما ذهب إليه بهذا الخصوص. فعلى صعيد المشاركة السياسية طالب الكاتب الانتقال الواسع إلى الديمقراطية وعلى اعتبار ان النظام الديمقراطي هو أكفاء الأنظمة في تحقيق الدمج الاجتماعي المقصود وسد العجز في الحرية وتحقيق المواطنة المتساوية وفتح المجال أمام الأفراد والجماعات للعمل على تحقيق ذواتهم في إطار من الالتزام بالثوابت وأهمها الولاء غير المشروط للمجتمع السياسي.

كما اقترح الكاتب أيضا بان يتم العمل ولفترة محددة على إعطاء الجنوبيين نسبة معينة من المواقع العامة في الدولة. وانطلق الكاتب في ذلك من مبدأ التمييز الإيجابي في المواطنة. وإذا كان الأصل في الأشياء هو "المواطنة المتساوية" وتكافوء الفرص فان الكاتب قد طالب بالتمييز الإيجابي المؤقت للجنوبيين بهدف سد فجوة التمثيل السياسي وفجوة المشاركة الاقتصادية التي نتجت كليا أو جزئيا عن سياسات التهميش والإقصاء والاستئثار بالسلطة والثروة والتي مورست في السنوات التالية لحرب عام 1994.

توزيع السكان

تحسس الكثير من المعقبين من مطالبة الكاتب بعملية الدمج الاجتماعي لسكان الجنوب. وبالتغاضي عن تهم النازية والفاشية التي وجهت للكاتب فان سياسات الدمج الاجتماعي التي طالب بها خلال الأجل القصير قد كانت واضحة. وركزت تلك السياسات على حدوث تفاعل بين أبناء البلد الواحد كان يتم إرسال بعض شباب الجنوب للدراسة في جامعات الشمال والعكس أو تنظيم الرحلات السياحية الداخلية أو المعسكرات الصيفية المشتركة. وبحسب معلومات الكاتب فان لغة ودين وثقافة الجنوبيين والشماليين واحدة ولا يوجد ما يمكن لسياسات الدمج الاجتماعي المقترحة ان تغيره...لكن تلك السياسات والبرامج يمكن ان تكون كفيلة بإزالة الوحشة بين أبناء البلد الواحد وبإزالة الكثير من المفاهيم الخاطئة وفي مقدمة تلك المفاهيم الاعتقاد ان كل شمالي قد أصبح إقطاعي بفضل الوحدة أو تحول إلى صاحب حسابات في بنوك أوروبا وأمريكا بفضل نفط الجنوب.          

كما تحسس معظم المعقبين وبشكل اكبر للاقتراح الذي تقدم به الكاتب والخاص بإعادة توزيع السكان في الأجل الطويل وبما يتوافق مع توزيع الموارد وتعزيز قدرة البلاد على تحقيق التنمية الاقتصادية. وأصر بعض المعقبين ولأسباب لا يعلمها الإ الله على تصوير الجنوبيين على أنهم سكان "تتارستان" والكاتب على انه "ستالين." وتم تماما تجاهل حقيقة الإختلالات القائمة في توزيع السكان بالنسبة للموارد والفرص الاقتصادية وبالنسبة لمقتضيات الحفاظ على أمن الدولة ومواطنيها.

ويعرف الجميع بان الوحدة قامت بين دولتين: الدولة الشمالية وكان يبلغ عدد سكانها أربعة أضعاف سكان الدولة الجنوبية على الأقل؛ والدولة الجنوبية، وكانت مساحتها تبلغ ضعفي مساحة الدولة الشمالية على الأقل. وقد أدى ذلك إلى ظهور اختلالات عميقة في توزيع السكان بالنسبة للموارد، والفرص الاقتصادية، والمساحة. ففي الوقت الذي يتركز فيه سكان البلاد في المرتفعات الجبلية فان موار البلاد والفرص الاقتصادية المستقبلية تتركز على السواحل وليس على قمم الجبال.      

ورغم ان كل الدراسات تقريبا تشير إلى ان مستقبل الاقتصاد اليمني سيعتمد بشكل كبير على قطاعات السياحة، صيد الأسماك، وخدمات الموانئ البحرية الإ ان السياسات السكانية، ان وجدت، لم تظهر أي ادراك للوضع. وإذا كان اختيار عدن كعاصمة اقتصادية عند قيام الوحدة قد عبر عن ادراك نظري على الأقل للتحولات المطلوبة فان ما حدث على صعيد التطبيق هو أن صنعاء العاصمة والواقعة على قمم الجبال قد ظلت تنمو بشكل مضطرد برغم تحذيرات البنك الدولي المتكررة من ان تصبح صنعاء أول عاصمة في العالم بدون ماء. وفي الوقت الذي تحتم فيه قوى العولمة على اليمن وهي تلتحق بالاقتصاد الدولي ان تعمل على إعادة توزيع سكانها بطريقة تعظم من قدرتها على المنافسة في السوق الكوني فان الممارسات المتبعة قد ظلت تكرس الإختلالات القائمة وتعمل على تعميقها.

وبين البعض في الجنوب الذي يرفض معالجة الإختلالات السكانية وينظر إلى الجنوب على انه ما زال أما دولة ذات سيادة أو مشروع لقيام دولة ذات سيادة، والبعض في الشمال الذي يظن ان بقائه في السلطة مرهون بحشر السكان على مرمى بندقيته يحتار المرء في المستقبل الذي يريده اليمنيون لبلادهم. فما قيمة الوحدة إذا لم تتحول إلى شراكة في السلطة وفي الأرض وفي الموارد والى أحلام بحجم البلاد وأفاق لا نهاية لها؟

الفدرالية

تعكس التعقيبات المختلفة والملاحظات الميدانية للكاتب وجود توجهين في أوساط الجنوبيين. التوجه الأول يرى في إعادة الانفصال حلا للمسألة الجنوبية. ولذلك فهو يحاول في الظرف الحالي خلق وتعميق هوية جنوبية متميزة عن الهوية الشمالية حتى يتمكن بعد ذلك من توظيف الهوية التي خلقها في خوض معركة استقلال "اليمن" عن "اليمن." فالصراع العنيف الذي شهده الجنوب قبل الوحدة والذي يفوق في حدته ودمويته الصراع الذي شهده الشمال يتم الآن التغطية عليه بمؤتمرات المصالحة بين الجنوبيين والتي تتخذ طابع إنكار الماضي في مواجهة "العدو" الذي يتم إسقاط كل مساوئ الذات عليه.  

أما التوجه الثاني، ويبدو أكثر واقعية من الأول، فيدرك ان المشكلة اليمنية واحدة وان هتافات "برع..برع يا زيود...علي سالم بايعود" لن تمنع عودة هتافات عام 1986 "برع برع يا ضالع ويا يافع ..ياجعود..علي ناصر بايعود" والتي أشار إليها الأستاذ سالم صالح محمد في مقابلته مع صحيفة الناس في عدد الأسبوع الماضي. وكما ان الوحدة لم تمنع قيام حرب عام 1994 وحروب صعدة فان الانفصال لن يمنع تكرار حروب 1972، 1979، 1986 وغيرها من الحروب. كما يدرك أيضا التداخلات الإقليمية والدولية التي تجعل الرياح تأتي غالبا بما لا تشتهي السفن.  

ويطالب أنصار التوجه الثاني، ربما انطلاقا من ذلك الفهم، صراحة أو ضمنا، بالفدرالية كحل للقضية "الجنوبية." والخوف هو ان تكون المطالبة بالفدرالية عبارة عن محاولة للهروب من مشاكل اليمن الكبير وخصوصا إذا ساءت النوايا... فإذا كانت المشاكل التي يراد حلها تتمثل في غياب الحريات وغياب الشراكة في السلطة والثروة فان كل ما ستفعله الفدرالية، وفي ظل استمرار الإختلالات المركزية القائمة، هو أنها ستزيد من تعقيد الوضع ومن حدة الصراع.

ثم ماذا؟

من الواضح انه لا الحالمين بالانفصال ولا الحالمين بالبقاء في السلطة والاستمرار في الاستئثار بها، ولو على حساب تمزيق البلاد، سينالون ما يريدون. وكل ما يستطيع أمثال هؤلاء وأولئك ان يفعلوه هو تحقيق الخراب والدمار للشمال والجنوب على السواء. ولن يكون هناك احد في مأمن. وإذا كان هناك من اليمنيين أو من جيران اليمن من يعتقد انه يمكن ان يكون في مأمن من التطورات غير المحسوبة فان عليه ان يفكر مرة أخرى.  

والحل الصعب لمشاكل اليمن بالطبع هو ان يناضل الجميع في الشمال والجنوب من اجل بناء الدولة الوطنية التي تقوم على المواطنة المتساوية بدون تمييز، وعلى سيادة القانون، وتحكم بنظام ديمقراطي حقيقي يمكن اليمنيين من تجاوز الوضع المزري الذي يرزحون تحته.

هامش

يتقدم الكاتب بالأصالة عن نفسه ونيابة عن شقيقه المهندس عبد القوي بالشكر الجزيل للجراج الأوزبكي الماهر البروفسوراكبر محمدوف ولطبيب التخدير المتميز الدكتور علي السماوي والى إدارة مستشفى المجد التخصصي على ما بذلوه من جهود في معالجة شقيقتهم وجزاهم الله خير الجزء على ما أبدوه من اهتمام وما بذلوه من جهود.

* الوسط