مبادرات السلام تصطدم بتعنت الحوثي واليمنيون يدفعون الضريبة
بقلم/ محمد الصالحي
نشر منذ: سنتين و 8 أشهر و 29 يوماً
الخميس 17 مارس - آذار 2022 07:41 م

اعتادت ميليشيا الحوثي الانقلابية، عرقلة وإفشال كل محاولات الحل السياسي للأزمة اليمنية، وهاهي مساعي مجلس التعاون الخليجي لإجراء مشاورات يمنية ـ يمنية في الرياض تصطدم بتعنت ورفض المليشيا وهو ذات الموقف الذي يتكرر مع كل مبادرات السلام.

وتشير تطورات الأزمة اليمنية منذ الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية، إلى تكرار تبني "الحوثيين" هذا النهج القائم على المراوغة والتسويف والتعنت والاشتراطات، بدأ من مؤتمر الحوار الوطني ومرورا باتفاق السلم والشراكة، ومفاوضات جنيف (يونيو 2015)، ومشاورات جنيف (ديسمبر 2015)، ومفاوضات سلطنة عُمان (2015 و2016)، ومحادثات الكويت (2016)، ومباحثات جنيف (سبتمبر 2018)، واتفاقيات السويد (ديسمبر 2018)، ومؤخرا المبادرة السعودية، وانتهاءا بالمساعي الخليجية الاخيرة.

وكما فوّت الحوثيون فرص عدة، يبدو انهم سيفوتون فرصة كبرى لإبداء التزامهم بالسلام وبتحقيق تقدم على صعيد التحركات الخليجية للحوار، رفض وتعنت سيمثل انتكاسة كبيرة لمفاوضات السلام في اليمن. وبناء على ذاكرة اليمن التي تحتفظ بالكثير من تفاصيل تفريط هذه الجماعة بالفرص للخلاص من المأزق، فالأقرب أنها لن تستجيب لأي دعوة تقلص من حلمها الجنوني للسيطرة وابتلاع البلاد.

ولن تتنازل قيد أنملة إذا كان مضمون الدعوات ينطوي على كبح طموحها للاستئثار بحكم البلاد ويزاحم انفرادها بتسيير شؤون اليمن والقبض على مصير أهله. ومنذ بداية الانقلاب على اليمن لم تترك الميليشيا لأي مفاوضات أن تقول كلمتها، حيث لم تقدم مراراً وتكراراً أي نية حسنة للسلام، اعتقاداً منها بأن هـذه المنهجية هي سبيلها في تحقيق أجنداتها التوسعية، ومواصلة مخططاتها الانقلابية، حيث تصر في كل مناسبة على عرقلة مسار الحوار بحجج واهية، لمواصلة إراقة الدماء وامتهان حياة المدنيين، والتدخل في الشؤون اليمنية، وزعزعة الاستقرار والأمن الإقليمي، إذ إنها حريصة على فض أي مبادرات للسلام تأخذ بعين الاعتبار الأسس الموضوعية لتحقيق سلام حقيقي.

وتعكس التحركات الخليجية الحرص الكبير والرغبة الصادقة لإنهاء الازمة اليمنية ولكي ينعم الشعب اليمني بكل اطيافه بالأمن والاستقرار بعد سنوات من الحرب نتيجة انقلاب مليشيات الحوثي علي الشرعية وكذلك استمرار التدخلات الإيرانية، ودعمها للمليشيات الحوثية، تلك الحرب لتي طالت مقدرات اليمن والشعب اليمني واستقراره.

ويثبت هذا الموقف المتعنت للجماعة بان المليشيات الحوثي، هي المسؤولة عن تفاقم معاناة الشعب اليمني عبر وضع العراقيل أمام حل هذه الأزمة، وانها مجرد وكيل لإيران يةتأتمر بأمرها ولا تعتبر بحال من الأحوال حركة وطنية أو مدفوعة بأهداف وطنية، لأنه لا يهمها تحقيق السلام أو وقف معاناة شعبها. كما ان أدبيات الجماعة وأحاديث المنتمين والمنظرين لها، وكذلك تراثها الثقافي وإرثها السياسي الذي تستند عليه، يثبت أنها لا يمكن أن تنصاع للسلام مطلقاً حتى في حالة هزيمتها، فإنها تتكلس وتتقوقع لتعيد إخراج نفسها في عباءة جديدة أكثر عنفاً، فيرفض الذهاب لأي مشاورات سلام لاعتقادهم وتوهمهم أن لهم الغلبة وأنهم قادرون على احتلال كامل الأراضي اليمنية، وبالتالي فما من مبرر من وجهة نظرهم لمشاورات السلام، لا لشيء إلا لأنهم لا يؤمنون بلغة السلام، ولا يضعون لحقوق الإنسان وما تشهده اليمن من مآسٍ ناجمة عن الحرب التي أشعلوها أي اعتبار. وبالاضافة الى الدعم الايراني للجماعة، حيث لا تأبه طهران بأرواح اليمنيين أو باستنزاف بلادهم، وتستخدم رفضهم لمبادرات السلام كورقة ضغط على واشنطن في مفاوضات الاتفاق النووي، التي تجرى خلال الفترة الحالية في فيينا، ولا يضير حكام طهران أن يطول أمد الحرب طالما بقي التعنت الحوثي مغروزا في خاصرة السعودية، ولن تسكت بنادق الحوثيين ما لم تصلهم الأوامر من طهران، فإن التراخي الدولي والأممي، منح المليشيا فرصا ذهبية لممارسة أعمالهم الإرهابية وتهديدهم استقرار المنطقة، وشجعهم على التعنت ورفض كل مبادرات السلام.

فمنذ حروب التمرد الـ6 على الدولة (2004-2009)، مرورا بالتمدد واجتياح صنعاء والانقلاب على السلطة الشرعية في سبتمبر/أيلول 2014 وحتى اليوم بعد امتلاك الحوثيين أسلحة إيرانية نوعية وتهديد مصالح العالم، لم يتخذ المجتمع الدولي موقفا حاسما لردع هذا العبث الذي يفتك بـ30 مليون إنسان وبلغ ضرره دول الجوار.

وهنا فإن المتضرر الوحيد من هذا التعنت هو الشعب اليمني الذي يدفع يومياً ضريبة رفض الحوثيين السلام، واصرارهم على إطالة أمد الحرب لأسباب لا علاقة لها بمصلحة الشعب اليمني وإنما لتحقيق مصالح إيران التي تستخدمهم كورقة في مفاوضاتها مع القوى الإقليمية والدولية.

ولا وجود لمعاناة اليمنيين في أولوياتها، حيث يعاني اليمنيين من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، من فقر وجوع وتنكيل، وعلى المجتمع الدولي حماية اليمن من أسوأ مصير ينتظره، بتفعيل القرارات الدولية ذات الشأن، وإجبار الحوثيين على الانصياع للسلام، وإلزامهم بتنفيذ متطلبات الحل السياسي.

وهنا أؤكد جازما بان ميليشيا الحوثي ستستمر في المراوغة بشأن أي مبادرات سياسية لحل الأزمة اليمنية، طالما أدركت غياب الضغوط الدولية الحقيقية عليها لإجبارها على قبول الحل السياسي وفقًا للمرجعيات الثلاث المعترف فيها، وهو ما يستدعي من الحكومة الشرعية اليمنية، وبدعم من التحالف العربي، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد الحوثيين ودفعهم إلى الالتزام بالقرارات الدولية وأهمها القرار 2216. وبموازات الضغوط الدولية التي يجب ممارستها، وكون الحوثيون لا يعرفون سوى لغة القوة، وفي كل مرة يؤكدون انهن غير مستعدين للسلام ولا يؤمنون بالحلول السلمية، لأن السلام يعني نهاية مشروعهم، فان الامر الوحيد الذي نراهن عليه والطريقة المثلى للقضاء على المشروع الإيراني وأداته الحوثية، هو أن يوحد اليمنيون وكل القوى اليمنية المناهضة للجماعة، صفوفهم وان يتعالوا على خلافاتهم ويحزموا أمرهم نحو معركة استعادة الكرامة واستعادة الدولة، وما لم يحدث ذلك، فاليمن تنتظره عقود من التقسيم والتمزيق والتشظي.