«عاصفة الحزم» في مجلس الأمن
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و 7 أيام
الخميس 16 إبريل-نيسان 2015 11:10 ص

جاء قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي صدر بأغلبية 14 عضوا في المجلس مقابل امتناع روسيا عن التصويت، والذي تقدمت به المجموعة العربية، ممثلة بالأردن، بخصوص الأوضاع في اليمن، جاء فارقاً على المستويين الداخلي والخارجي.

في البدء عرضت الدول العربية الخليجية مشروع القرار على الروس، الذين حاولوا نزع أنيابه، وتفريغه من محتواه كشرط للموافقة عليه أو عدم تقويضه.

طلب الروس منع توريد السلاح للأطراف جميعها، سواء ما هو سلطة شرعية، أو ميليشيا متمردة. كما حاولوا إبعاد اسمي نجل صالح وزعيم الحوثيين من قائمة العقوبات الدولية، وطلبوا عدم الإشارة إلى الفصل السابع، كما نص مشروع القرار العربي.

استمر الروس يتفاوضون مع مقدمي مشروع القرار أياماً في محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن محاولاتهم لم تُجد ِإزاء التصميم الذي أبدته الدبلوماسية العربية في أروقة المنظمة الدولية.

لجأ الروس لعرقلة مشروع القرار العربي، بمحاولاتهم تقديم مشروع قرار آخر ينص على بعض ما جاء في مشروع القرار العربي، مع التركيز على وقف العمليات العسكرية، لإتاحة الفرصة لإرسال معونات إنسانية، حسب ظاهر مشروع القرار الروسي. كان الروس يعرفون أن مشروع قرارهم هذا غير مقبول عربياً، لأنه يهدف إلى مجرد التشويش على مشروع القرار العربي، فيما كانوا يحاولون التملص من تبعات استعمال حق النقض ضده.

عاد الروس وطلبوا مهلة لدراسة مشروع القرار العربي، قدموا تعديلات عليه، رفضها العرب، لأن التعديلات تنسف أساس القرار العربي.

صمم العرب على التقدم بمشروع القرار وعرضه على أعضاء المجلس للتصويت عليه، مهما يكن القرار الروسي. أحس الروس أن رفضهم للقرار لن يغير من مجريات العمليات العسكرية ضمن «عاصفة الحزم»، فامتنعوا عن التصويت.

اتضح لاحقاً أن الروس يبحثون عن ثمن لامتناعهم عن التصويت، بعد أن كانوا بالفعل يريدون عرقلة مشروع القرار.

لا نعرف على وجه التحديد ما هو الثمن الذي قبضه الروس، أو وعدوا به مقابل عدم عرقلة مشروع القرار، لكن الوضع الاقتصادي لروسيا التي يعاني اقتصادها من وطأة العقوبات الغربية، ومن تدهور أسعار النفط، يلقي بعض الضوء على طبيعة الثمن الذي من المفترض أن موسكو باعت به حلفاءها وحلفاء إيران في اليمن. يؤكد ذلك تصريحات نسبت قبل يومين لمسؤولين سعوديين عن استعداد الرياض لمراجعة الموقف من أسعار النفط العالمية، كما تشير إلى ذلك إجابة المندوب السعودي لدى المنظمة الدولية، الذي أجاب عن سؤال حول كيف استطاع العرب إقناع الروس بعدم عرقلة مشروع القرار بقوله مبتسما: تحدثنا إليهم. وقد وشت طبيعة الابتسامة الماكرة عن طبيعة «الحديث الدسم» الذي أجراه الخليجيون مع الروس، الذين يعملون حالياً كتاجر يتلافى مزيداً من الخسائر ببيع المزيد من الأصول.

يسجل القرار في الواقع نجاحاً كبيرا للدبلوماسية العربية، ويقدم للعرب درساً بليغاً يتمثل في أن المنظمات الدولية، والأمم المتحدة، تحديدا،ً تتأثر في قراراتها بالمعطيات على الأرض. فعندما وجدت القوى العظمى أن العرب مصممون على إنجاز المهمة في اليمن، حتى ولو لم يجز مجلس الأمن مشروع قرارهم، عندها جاء القرار ملبياً رغبات من تقدم به، ورضخت موسكو لسياسة الأمر الواقع.

شعر العرب بشيء من الثقة التي أحدثها تلازم المسارين العسكري والدبلوماسي في ما يخص الملف اليمني، إذ كان، في تصوري، من الصعب إنفاذ القرار دون تصميم «عاصفة الحزم» على الاستمرار حتى النهاية، وهو الأمر الذي حتم على أعضاء المجلس، وخاصة، روسيا، أخذه في الإعتبار.

وفيما يخص تأثير القرار على الوضع الداخلي في اليمن، فلا شك أن القرار شكل صدمة كبيرة لحلفاء إيران، وطموحاتهم في اليمن.

استهداف نجل صالح بالعقوبات سيجفف الكثير من الموارد المالية لتمويل حروبهم الداخلية، مع الأخذ في الإعتبار أن موارد أخرى لأشخاص آخرين – يمكن أن يستمروا في التمويل- لم تمس بعد، ثم أن حظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين سيؤثر بالتأكيد على وضعهم الميداني، مع استمرار نزف مخزون الأسلحة التي نهبوها من مخازن الجيش اليمن، بفعل الضربات الجوية والاستهداف من قبل القوات الموالية للشرعية.

كذلك أن صدور القرار تحت الفصل السابع ربما تكون له تداعيات سلبية حال لم يلتزم الحوثيون وحلفاؤهم بما جاء فيه، وخاصة البنود التي تنص على الإنسحاب من المدن التي دخلوها بقوة السلاح، والإنسحاب من مؤسسات الدولة، وتسليم الأسلحة التي نهبت من المعسكرات.

وقد بدت بوادر التأثر بالقرار الدولي تظهر على شكل انشقاقات في الجيش الموالي لصالح والحوثي، حيث أعلن الكثير من القادة العسكريين تأييدهم للشرعية بعد ساعات من صدور القرار، كما تحدثت تقارير عن فرار وانشقاق عدد من كبار رجال صالح، ناهيك عن ترنح التحالف النفعي التكتيكي بين صالح والحوثيين.

وعلى ذكر التحاف بين صالح والحوثيين، فإن فك هذا التحالف ربما كان الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام صالح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على المستوى الشخصي والأسر، وعلى مستوى قطاعات الجيش التي لا تزال على ولائها له. كما أن فك التحالف هو أيسر الطرق التي يمكن أن تقصر أمد هذه الحرب، وتسرع من وتيرة الحل السياسي والالتئام على طاولة الحوار الذي دعت إليه الرياض.

وبالمجمل، إذا كانت عاصفة الحزم» ضد الانقلابيين الحوثيين في اليمن ستؤسس – في نظري – لواحدة من أهم الانعطافات الفارقة في تاريخ المنطقة، فإن قرار مجلس الأمن الدولي 2216 ربما شكل أهم ارتدادات هذه العاصفة، حتى الآن.

لمزيد من التفاصيل تابعوا صفحتنا على الفيس بوك   هنــــــــــــا