الكذب الرسمي
بقلم/ د.عبدالله حسن كرش
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و 20 يوماً
السبت 03 يناير-كانون الثاني 2015 07:59 ص

  تعودت بعض الأنظمة على أن تترك لبعض الأجهزة مطلق الحرية في أن تكذب وتنشر غسيلها على المشاهد أو المستمع بدون أي حرج، وكأن تلك الأجهزة تعوض عن شعورها بالفشل أو كنوع من النفاق السياسي وتأكيد الذات، لكن هل فعلاً يحقق الكذب النتائج المطلوبة، سنتعرض هنا لبعض الجوانب كإطار عام باعتبار انه لا يتسع للبحث والتفصيل.

   وردت 220 آية في القرآن تعتبر الكذب إثما قبيحاً ومن الكبائر وتتوعد الكاذبين، ومنها قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾   صدق الله العظيم. وهذا تأكيد للحديث الشريف حينما سئل رسول الله (صلعم) أيكون المؤمن جباناً ؟ قال : ( نعم ) ، ثم سُئل: أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : ( نعم ) ، ثم سُئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال : ( لا ) ، وللمقارنة فأن هناك جرائم أخرى مثل الزنا والسرقة لم تتجاوز الآيات التي تتحدث عنها 3   أو  4  آيات.

   يشير البعض إلى أن الكذب سياسة، كنقل تحيات الرئيسً ويُسمي ذلك عرف دبلوماسي، وهذا في الواقع ليس له أي جدوى، فالجميع يعرفون بأنه كذب وبإمكانهم الدخول في الموضوع بدون تلك المقدمة، ثم أن السياسة تتهذب وترتقي كل يوم فالقائمون على النظام هم الذين يرسمونها ويحددوا معالمها وليس العكس، وبعبارة أخرى ليست إلا انعكاس لثقافة وفهم القائمين على إدارة النظام، وواجهة لشخصياتهم.

   حينما تكذب وسائل الإعلام تفقد ثقة المشاهد، وبضغطة زر قد ينصرف عنها في ظل كثرة الوسائل وحدة التنافس على تقديم الخدمة التي ترضيه وتكسب ثقته، وفي هذه الحالة تصبح تكلفة تلك الوسائل وجهودها مجرد خسارة ضائعة في الهواء.

   قد يتجرع البعض لأي ظرف كان سماع تلك الأخبار الكاذبة لكن ما ستتركه من اثر لن يكون إلا عكسياً متمثل في الازدراء واعتبار ذلك إضافة حقيقية إلى المهازل والضحك على الذقون، وتتشكل من خلالها الصورة الهزيلة والمستهترة لتلك الأجهزة.

   يؤكد البعض على أن للكذب أضرار صحية كثيرة "جسدية ونفسية" تتمثل بعضها بما يفرزه الجسم من هرمونات أثناء الحالة العامة للشخص كالفرح والخوف، إلى جانب الحصار الذي يفرضه على نفسه في الإطار الذي وضعه واستهلاك معظم الوقت في تغطية الثغرات التي قد ينكشف فيها أمره، بدلا من التفكير بالانجاز.

   تعرض كلينتون لمحاكمة وسخط شعبي عام في حادثة مونيكا وكان دفاعه بأن هذا الموضوع يخصه هو وزوجته وابنته، أما الشعب الأمريكي فما يعنيه منه هو انه لم يكذب، ولم يتلف دليل ولم يخفي شئ.

   الصدق شجاعة وصحة والكذب مرض وجزء من الفساد فمتى تدرك وسائل الإعلام والأجهزة المعنية بمكافحة الفساد في تلك الأنظمة بأن مكافحة الكذب في مقدمة مهامهما وجزء من مسمياتها ومصطلحاتها "الشفافية" بدلاً من سرد الانجازات، لكي يُحترم فهم وإدراك المشاهد ولا يستفز. وتتصدع ثقته بأجهزة القطاع العام.