إخفاق المسار الانتقالي ونهاية دور الرئيس
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 10 سنوات و شهر و 20 يوماً
الأربعاء 05 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 12:09 م

التهديد الحوثي باتجاه الرئيس عبد ربه منصور هادي هو أحد وجهي المشكلة القائمة وليس وجهها الحصري الوحيد.

ولكي نرى الصورة بجميع ابعادها دعونا نحاول استقرائها من زاوية قراءة أبعاد فشل الرئيس ونهاية دوره ومن ثم حالة الفراغ الذي خلقه هدا الإخفاق سواءاً مجزءاً ومتدرجاً في محطات عديدة خلال الثلاثة أعوام الماضية ، أو في محطته الواضحة والمؤكدة في الصدمة الكبرى التي تسارعت مع الجرعة والتحرك الحوثي المسلح الذي توج بالسيطرة على العاصمة وتقديم الحركة نفسها كبديل للدولة بقوة الامر الواقع ،

*إخفاق المسار الانتقالي

و نهاية الإطار الناظم لشرعيته " المبادرة واليتها "

مشكلة عبد ربه انه لم يدرك حتى الان أنه انتهى ، ولم يستوعب ان المسار السياسي الانتقالي الذي جاء به الى الرئاسة وكان الأساس في شرعية الاستفتاء عليه قد فشل وانتهى ايظا ، واقصد المبادرة الخليجية واليتها المزمنة.

هو لم يأتي الى الرئاسة لانه الأقوى داخل مؤسسات الدولة التي كانت قائمة ؛ ولكن لانه الأقرب الى صيغة الحل الوسط التوافقي الذي نتج عن المبادرة الخليجية ، بوجوده نائبا صورياً للرئيس المثور عليه والذي قامت الاعتصامات والاحتجاجات في الثورة الشعبية للمطالبة برحيله وإسقاط نظامه ، وللقبول النسبي لشخصه من الاطراف السياسية التي تمترست على ضفتي الحراك الشعبي والنظام القائم آنذاك.

 كما أن الفرصة الوحيدة التي كانت ستؤهله للاستمرارية في الرئاسة بعد المرحلة الانتقالية قد فرط فيها ؛ وأعني بها استعادة دور الدولة ومؤسساتها ونفوذها وهيبتها ، والتي مثلت مهمته الرئيسية في بداية رئاسته ؛

وبدلاً من أن يستعيد ما ضاع من هذه الهيبة أضاع الدولة بكلها ، وبدلا من أن يعيد للمؤسستين العسكرية والامنية تماسكهما وفق هيكل جديد ينتظم في خدمة المجتمع ويحفظ للدولة والمجتمع مقومات الأمن والاستقرار والتماسك ، إذا به يفرط بهما ويصل بهما الى حالة من الانتكاس والهزيمة الذاتية هي أقرب الى حالة الانهيار ؛ فقدان للعقيدة الوطنية وغياب تام للقيادة السياسية والعسكرية الناظمة لهما وتواطؤات وتآمرات أهانت الجنود والضباط وأباحت حياتهم للجماعات الارهابية والميليشيات والاغتيالات ؛

 وإجمالا وصلت البلد الى حالة اللادولة في ظل رئيس ضعيف ومرتبك وبلا فريق عمل وبلا رجال دولة يعوضون افتقاده للكفاءة القيادية ؛ وفوق ذلك كله الطّامة الكبرى التي قصمت ظهر المرحلة والدولة والمتمثلة في اعتماده للتكتيكات والصراعات الإقليمية ودخوله في الحالات الاستقطابية ؛ مضحياً بالثوابت الاساسية المفترض ان تكون معيار سياساته وتوجهاته ، واقصد بها الدولة ومؤسسيها الامنية والعسكرية والسلم الاجتماعي وأمن المجتمع واستقراره . 

وبإخفاقه في القيام بدوره في حده الأدنى الذي أوكل له باستعادة الدولة ونقل البلد من حالة اللاشرعية الدستورية الى حالة الشرعية الدستورية وفق محددات المبادرة واليتها المزمنة ؛ لا يكون فقط قد خسر مشروعية جلوسه على كرسي الرئاسة الذي مدد لعام ثالث دونما شرعية من اي نوع ؛ بل يكون قد خسر التأييد الشعبي الذي حظي به في بداية المرحلة تأسيسيا على السياق الانتقالي ونتيجة له ؛ وهو التأييد الشعبي الذي لم يخطر على باله أن يستند اليه أو يأخذه كأحد أهم عوامل قوته المفترضة كرئيس انتقالي للبلد في أخطر مرحلة مرت بها.

وفي نهاية المطاف لم يكن فقط قد خسر بالتدريج هذا التأييد الشعبي مع كل حالة إخفاق جديدة بل وصل الى مايشبه حالة الإجماع الشعبي ضده مع وصول البلد الى حالة اللادولة وسيطرة الميليشيا الحوثية على العاصمة وإستئثارها بمهام الدولة الأمنية وفرض رقابة أقرب الى السيطرة التامة على جهاز إداري بلا راعي مع حالة فراغ حكومي مستمرة منذ اكثر من شهر ؛ ومع اندفاع الحركة الحوثية الممتلئة بنشوة الانتصار الى استكمال سيطرتها على المحافظات واحدة تلو الاخرى عبر الاقتحامات المسلحة والتي لا تخلو من التنسيق والتفاهمات التي يوفرها تحالفها مع الرئيس السابق وحزب المؤتمر بما يحوزانه من خبرة وإمكانيات للتأثير في جهاز الدولة المفكك بشقية العسكري والأمني والإداري ، وكذلك بحضورهما المجتمعي في المحافظات ، في ظل مزاج شعبي يائس من الرئيس والسلطة الانتقالية ، وعلى أرضية اليأس يستوي الموقف ونقيضه أمام كثير من الشخصيات والقطاعات العسكرية والمجتمعية.

الدور الخارجي

في ظل هكذا معطيات فقد الدور الخارجي هيمنته على الحالة الانتقالية ، وبالأحرى كان قد فقد دوره كمساعد وراعي يساهم في نجاح عملية نقل السلطة في اللحظة التي تحول فيها على يد الرئيس عبد ربه من عامل تابع للعامل الداخلي الى أكبر وأهم منه بل وبديل له من خلال الإفراط في الاعتماد عليه من الرئيس ؛ الرئيس الذي أهدر كل عوامل قوته الحقيقية ، وتمسك برعاة المبادرة والسفراء الذي أضاف لهم سفيري روسيا والصين ، وتعامل معهم باعتبارهم " على كل شيء قدير ". ولم يكن لهم قدرة ليساعدو رئيساً لا يتصرف أصلا كرئيس دولة ، هذا اذا تجاهلنا السياسة والمصالح التي تعنى بها سياسات هذه الدول واعتبرناهم منتظمين في حركة خالصة لوجه الله تراعي مصالح اليمن اكثر من بنيه ورئيسه وقواه السياسية ونخبته

الان ومع وقوفه وحيدا ومعزولا من كل مصدر قوة ومن كل تأييد أو تحالفات ، يقف الرئيس في دار الرئاسة محاصرا حتى من الحركة ، ولم يتبقى له من الرهان على الخارج الى مزيد من الهروب الى الامام من خلال المراهنة على عقوبات غابت في وقت الحاجة اليها ، وراوغت حين كان بإمكانها أن تؤازر حالة داخلية لا زال فيها ماينبض بالحياة ويشي بالتماسك ، وتوارت حينما كان بإمكان القليل منها أن يفرمل مسيرة الميليشيا الجامحة ، ويخفض الى الحدود الدنيا فعالية صالح التقويضية ، وتلكز الرئيس ليكون رئيساً لا أن يكون سكرتيراً للسفراء ، وتساهم في خلق مناخات متعافية للدولة والمجتمع تمكن الرئيس التغلب على مراكز القوى وإزاحتها دون الذهاب الى المقامرة بالتحالف مع ميليشيا من خارج الدولة من أجل إزاحة مراكز قوى داخل الدولة ؛ وإقصاء قوى سياسية شريكة في المسار الانتقالي بدلاً من إجبارها على صيغ جديدة للعلاقات تحفظ للدولة مكانتها وللمؤسسة العسكرية والامنية هيبتها والبلد أمنه واستقراره والعملية السياسية عوامل نجاحها والبلد استقلالية قراره وسيادته.

لقد تنصل الخارج عن دعمه لليمن سواءاً بعدم تقديم الدول المانحة لتعهداتها والتزاماتها المادية والاقتصادية ، أو بالتنصت عن الدعم السياسي الكافي لمنع البلد من الانزلاق نحو حالة اللادولة ، وهو ماكان ممكنا طوال المرحلة الماضية.

أما الآن فيمثل استمرارية الدور الخارجي نوع من القفز الانتحاري الواعي الى هاوية أعمق من القاع الجحيمي الذي وصلنا اليه كبلد ومجتمع ودولة

ثم ماذا بعد ؟

استكمال سلطة الامر الواقع المفروضة بقوة السلاح لسيطرتها على الرئاسة مشكلة .. وبقاء الرئيس عبد ربه كخيال مآته مشكلة اكبر ..!

فالواضح تماماً ان عبد ربه لم يعد لديه ما يقدمه ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، بل والأرجح أن بالإمكان أسوء مما كان ، إذا بقي هكذا رئيساً بلا رئاسة ومعطلا لفعالية مركز الرئاسة أو معيقا لتخلق فرص لإعادته الى فعاليته.

بل ان بقاءه سيمثل ذريعة لانفتاح اليمن كساحة صراع عسكري مفتوح تدخل فيه القوى الإقليمية والدولية في صيغة تدخل مباشر يقوض الكيان الوطني اكثر مما يعيد له تماسكه ، ويفتح مضخات تمويل وتسليح للحرب الأهلية لا كما يتوهم المروجين له بمبرر انه سيستعيد الدولة من قبضة الميليشيا.

وأمام هكذا حال تنفتح الخيارات مابين ثلاثة :

- إما تبلور توافق مَا بين ماتبقى من مؤسسات الدولة وسلطاتها لبلورة رئيس إنقاذي من مجلس النواب أو مجلس رئاسة أو مجلس عسكري يتم التوافق حول هذا الخيار بين ما تبقى من المؤسسة العسكرية والامنية في العاصمة والمحافظات وكذلك السلطة النيابية ومجلس الشورى والمجالس المحلية ، وإذا أمكن الأحزاب والجماعات والقوى السياسية

- أو تستكمل الحركة الحوثية سيطرتها على الرئاسة والمحافظات الجنوبية كسلطة امر واقع ؛ ومن ثم تتبلور حركة وطنية شعبية وسياسية في مواجهتها كهيمنة وسلطة أمر واقع

- أو يقوم الرئيس عبد ربه بنفسه ، أو يحيد نفسه ويفسح المجال لرئيس الحكومة المنتظرة خالد بحاح لكي تقوم حكومته المنتظرة بإعداد البلد للانتخابات الرئاسية والنيابية خلال فترة الثلاثة أشهر المتبقية من السنة الإضافية استنادا الى الدستور النافذ ، وتأجيل الدستور الجديد الى مابعد انتخابات ، نظرا لضيق الفترة التي لم تعد كافية لإنجازه والاستفتاء عليه

وفي كل ذلك يكون الدافع هو تلافي الأسوأ من خلال تجنب التجزئة والانفصال وإعادة الدولة ومؤسساتها الى الفعالية بأي صيغة ، وغلق بؤر الإحتراب الأهلي التي انفتحت في اكثر من محافظة

أما الهروب الى مزيد من الارتهان للخارج وفتح اليمن بشكل واسع النطاق ل صراعاته العسكرية فذلك النهاية التي لا خطوط رجعة من جحيمها ، ولا أمل بتلافي أكلافها الباهضة من بلد لديه فائض الان من التشظيات والانهيارات الشغالة في نسيجه المجتمعي ودولته المحيدة ومؤسساته المعطلة ، بلد مستباح بكل ما تعنيه هذه الكلمة .