ما بعد مذبحة حوطة شبام
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 10 سنوات و 4 أشهر و 17 يوماً
الإثنين 11 أغسطس-آب 2014 11:19 ص

يعرف علماء الحيوان أن أكثر الكائنات الحيوانية وحشية لا تقتل بني جنسها فالفهود والأسود والنمور والضباع والصقور والنسور لا تصطاد فرائسها إلا من غير بني جنسها، وهي إنما تصطاد لتشبع غريزة الجوع، ولا تقتل لمجرد الرغبة في القتل، لكن ما فعله أدعياء "أهل السنة" بأبناء جنسهم يوم أمس في منطقة الحوطة شبام بوادي حضرموت، لا يمكن أن يتصوره عقل ولا أن تقبل به فطرة بشرية سوية، حتى عند أولائك البشر الذين لا دين لهم، أو من عبدة الأوثان والأشجار والأنهار وسواها، ناهيك عن أتباع الإسلام الحنيف الذي قال كتابه الكريم إن "من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" (المائدة 32)، والذي أوصى نبيه الكريم بالرفق بالحيوان، وعدم التعرض للحيوانات والأشجار في الحروب مع الأعداء.

إدانة الجريمة البشعة أمر بديهي، ولو بحثنا في كل قواميس اللغة فإن كل مفردات اللغة العربية لا تتسع لوصف الهول والبشاعة الذين اتصفت بهما الجريمة، ولا شك أن من أقدموا على هذه الجريمة قد خرجوا عن طور الكائنات البشرية إلى مستويات من الوحشية غدا فيها تشبيههم بالوحوش فيه الكثير من الإساءة إلى الوحوش نفسها.

ليس هذا هو المهم، فالجريمة قد تمت ومداواتها لم تعد ممكنة، ولم يبق إلا الدعاء لضحايا هذه الجريمة أن يتقبلهم الله في فسيح جناته وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، لكن المهم والضروري هو الغوص في أسئلة ما بعد المذبحة.

لقد تكررت الجرائم المستهدفة لأفراد وقيادات المؤسسة العسكرية والأمنية، سواء تلك التي تستهدف أناس بصورة فردية أو تلك التي ترتكب بصورة جماعية ونخشى أن لا تكون مذبحة حوطة شبام هي الأخيرة، لكن هناك الكثير من الأسئلة تطرحها هذه الحادثة ـ الجريمة وما شابهها من الجرائم أهمها: هل الجيش اليمني والأجهزة الاستخبارية والأمنية اليمنية تخوض حربا بكفاءة وقدرة تؤهلها للقيام بوظائفها ومواجهة أعدائها أم إنها تشتغل بالقطعة أو بالبركة، أوعلى طريقة رد الفعل وكفى؟ كيف تسنى لمجموعة من المجرمين أن يسرحوا ويمرحوا ويقيموا النقاط العسكرية ويقطعوا الطريق ويفتكوا بالعسكريين، دون علم أو دراية الأجهزة الاستخباراتية التي ترصد كل حركة من حركات المثقفين والصحفيين والمعارضين السياسيين وتحصي أنفاسهم وترصد كل أفعالهم؟ كيف تتخلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عن حماية طريق استراتيجي تمر به مئات القوافل يوميا دون أن توفر له الأمن الذي يحمي الأرواح والعتاد والممتلكات؟ كيف تجرى هذه الحاثة البشعة على بعد عشرات الكيلومترات من مواقع تمركز قوات قيادة المنطقة العسكرية الأولى ومعسكرات الأمن المنتشرة في معظم مدن الوادي والصحراء؟ ثم كيف تمر قوافل النفط الخام والمكرر الحكومي والمسروق في هذه المناطق دون أن يتعرض لها أحد بينما يقتنص جماعة الذبح جنودا بسطاء لا ناقة لهم ولا جمل بصراعات المراكز العسكرية والسياسية في العاصمة ويذبحونهم ذبح الأغنام دون أن يسأل عن ذلك المسؤولون عن أمن البلد والمفوضون بحماية الأرض وصيانة أرواح وأعراض ودماء المواطنين وأموالهم؟ والسؤال الأهم مَن مِن الطرفين يخترق الآخر، الجماعات الإرهابية تخترق الأجهزة الأمنية والدفاعية وتتلقى منها سبل ووسائل تنفيذ جرائمها أم إن أجهزة الأمن والدفاع هي من يخترق تلك الجماعات،؟ وإذا كانت الفرضية الأخيرة هي الصحيحة فإين نتيجة هذا الاختراق، وماذا استفادت تلك الأجهزة من هذه الفرضية، وهي التي تخترق الكثير من الأحزاب والمكونات المجتمعية والفصائل السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتتحكم في صناعة مواقفها وسياساتها وردود أفعالها تجاه مختلف القضايا والتفاعلات السياسية على الساحة؟

لست من محبي كيل الاتهامات على عواهنها، لكنني لو كنت مكان الرئيس عبد ربه منصور هادي لشكلت لجنة تقصي حقائق من خبراء نزيهين محترفين ومحايدين، تبحث في الكيفية التي تسنى بها لهذه المجموعة الإرهابية تنفيذ فعلتها دون مواجهة مع الأجهزة الأمنية والاستخبارية والعسكرية التي يتجاوز عدد أسمائها عدد أصابع اليدين؟ ولكان أول من يجب مساءلته هم، وزير الدفاع، وزير الداخلية، رئيس جهاز الأمن القومي، رئيس جهاز الأمن السياسي، رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية، وغيرهم من المعنيين بالملف الأمني والاستخباري والدفاعي بطبيعة الحال، لأنه من غير المفهوم أن تترك منطقة مهمة وطريق استراتيجي تدور فيه معركة شرسة مع العناصر الإرهابية بدون تأمين بينما تمتلئ المعسكرات بآلاف الضباط والخبراء الذين لم يجدوا شيئا يفعلونه من كثر ما يعانون من البطالة، أو إنهم يتجسسون على الشخصيات السياسية والثقافية والفكرية ويتركون الإرهابيين والمجرمين والقتلة واللصوص يسرحون ويمرحون كما يحلو لهم دون أن يعترضهم معترض أو يعيقهم معيق.

برقيات:

*  حادثة حوطة شبام، لو جرت في بلد يحترم فيه الإنسان وتقدر قيمته لأعلن الحداد على أرواح الضحايا ونكست الأعلام وأعلنت حالة الطوارئ في البلد، أما في اليمن فقد ظل التلفيزيون الرسمي يقدم الأغاني والمسلسلات والاحتفالات البهيجة وكأن من قتل هو قطة أو قطيع من الأغنام وليسوا شبابا من القوات المسلحة، أو حتى من المواطنين العاديين خسرتهم البلد بسبب سوء أداء من يديرونها.

*  يقول شاعر القطرين خليل مطران:

تَاللهِ مَا غَلَبُونَا حَـــيْثُ بَاسِلُنَا     قَضَى قَتِيلاً وَنَالُوا مِنْ نَوَاصِينَا

لَكِنَّهُمْ غَلَـــبُونَا حِينَ مَلَّكَهُمْ      أَزِمَّةَ الأَمْرِ شَادِيــــــنَا وَرَاضِينَا

فَمَا هُمُ بِأَعَادِيـــــنَا، خَلائِقُنَا     هِيَ الَّتِي أَصْــبَحَتْ أَعْدَى أَعَادِينَا