يحيي الشعب الفلسطيني، وأحرار العالم،  يوم غد، الذكرى الخامسة والستين للنكبة الفلسطينية، وبالرغم من أن عام 1948 يعتبر الركن الأساس ومحطة مركزية في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضالاته ومآسيه، إلا أن النكبة، وبشكل فعلي، قد بدأت قبل هذا العام بسنوات، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.

ومع مرور الوقت، تزداد إسقاطات وتداعيات ونتائج النكبة، ويزداد تعقيد وصعوبة وضع المسألة الفلسطينية، فالمتأمل بالوضع الفلسطيني الراهن يلحظ، بسهولة، مأساويته، وذلك، نظراً إلى ضعف واستقطاب المؤسسات الفلسطينية، وانقسامها ونتيجة غياب قيادة سياسية موحدة للمجتمع الفلسطيني، ووجود أزمة تمثيل وطني وغياب المرجعيات الوطنية الواضحة والرؤى المستقبلية المتفق عليها. فالحركة الصهيونية (وبمساهمة فلسطينية)، كما يقول ميرون بنبتسي، استطاعت تقسيم وتجزيء الشعب الفلسطيني إلى خمس مجموعات لها مطالبها ورؤاها وواقعها: فلسطينيي القدس، فلسطينيي الداخل، الفلسطينيين في الضفة الغربية، الفلسطينيين في غزة والفلسطينيين في الشتات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الدولي، (بالرغم من الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة)، قد تخلى عن لعب دور مركزي في كل القصية الفلسطينية، وأمريكا بشكل خاص، قد أعلنت، من خلال زيارة اوباما الأخيرة لإسرائيل، دعمها الكامل لسياسات إسرائيل، مطالبة العرب بالتطبيع والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مشيدة بالجهود التي يقوم بها نتنياهو من أجل التقدم بالسلام، ومطالبة محمود عباس بالتخلي عن الشروط المسبقة، ومن ضمنها وقف الاستيطان للشروع بالمفاوضات ومطالبة بمزيد من التنازلات. وزيارات كيري، وزير الخارجية الأمريكية للمنطقة، تسعى، من منطلق فهم بأن العرب ضعفاء ومشتتون، إلى خلق معسكر عربي معتدل، يتعاون مع إسرائيل وأمريكا لمواجهة إيران، وبذلك تطمين نتنياهو وبالمحصلة تكريس الضعف العربي. ومن هذا المنطلق يحاول كيري استعمال أوراق عربية وإقليمية للضغط على الجانب الفلسطيني من أجل دفعه لتقديم المزيد من التنازلات.

أما على مستوى الجانب العربي الرسمي، فإنه لمن أشكال الغباء السياسي وانعدام الانتماء الوطني والبعد القومي، وقلة الالتزام بالمسألة الفلسطينية إعادة إحياء وتعديل المبادرة العربية، التي في أساسها، ومنذ بدايتها مخطوءة المنطق والمرمى والأسلوب، وخصوصاً أن الجانب الإسرائيلي قد رفضها منذ شارون حتى نتنياهو، كما أنه سفّهها وأستهتر بمضمونها وبمبادريها.

ومن جانب آخر فإن كل دولة من الدول العربية، سواء تلك التي شهدت ثورات، أو تلك التي تعاني من أزمات داخلية، مشغولة بقضاياها الداخلية وبأزماتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، مما يجعل القضية الفلسطينية في مكان متردٍ في سلّم أولوياتها. كما أن اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في سوريا ولبنان ومصر والأردن، يعيشون أسوأ مراحل تهجيرهم وتشتّتهم نتيجة لعدم الاستقرار الداخلي، ومحاولة إقحامهم في القضايا الداخلية والصراعات الحزبية والطائفية.

وعلى صعيد آخر، تتعرض القدس لعمليات تهويد والأقصى لعمليات اقتحام واعتداء وسكان القدس يُطردون إلى الضفة والفلسطينيون في إسرائيل يعانون من ازدياد حالات العنصرية الرسمية والشعبية والتنكيل وقطاع غزة يشهد حصاراً سياسياً واقتصادياً ويشهد انفصالاً عميقاً وتهديداً مصيرياً، والضفة الغربية تشهد استمراراً لعمليات المصادرة والاستيطان والاعتداء من قبل الجيش والمستوطنين.

الآن، وبعد عشرين عاماً على اتفاق أوسلو، الذي فاقم الأزمات وعقد الوضع الفلسطيني، ونتيجة لقلة إمكانية تحقق حل الدولتين، وفشل خيار الفصل نتيجة للسياسات الإسرائيلية المتواصلة، ومن ضمنها تكريس الاستيطان، تهويد القدس وعدم الاستعداد عن التنازل عن القدس الشرقية، وعدم وجود حدود واضحة للدولتين، وعدم قدرة إسرائيل، مستقبلاً، على إخلاء المستوطنين، ومطالبتها بالاعتراف بها كدولة يهودية، ورفضها لحق العودة. وعلى الجانب الفلسطيني، كما ذكرنا سابقاً، لا يوجد قيادة جماعية، وعدم الاتفاق على تصور واستراتيجية واحدة وغياب مؤسسات جماعية.

ولذلك، وتكريماً لذكرى النكبة، ومساهمة في تخفيف ما يترتب عنها من معاناة مستمرة ومتواصلة، على الجانب الفلسطيني العمل على توحيد الشعب الفلسطيني وخلق قيادة جماعية ومؤسسات جماعية تمثل عن ضمير هذا الشعب في كل أماكن تواجده، وأن يبادر لرفض خيار الفصل وتأكيد خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية لما يضمنه هذا الحل من أبعاد إنسانية وأخلاقية وسياسية لأبناء الشعبين، وكرؤية تضمن حل الصراع.