أسلمة الخطاب الثوري بين الترسيخ والانحدار
بقلم/ محمد الثالث المهدي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 08 يونيو-حزيران 2011 03:15 م

المتأمل في مسيرة الثورات التي ضربت المنطقة وفي مسيرة الثورة اليمنية تحديداً بحكم اقترابنا منها بعين المستبصر المتفحص في مطالبها ومضامينها المطروحة وفي الشعارات المرفوعة والظاهرة أمام الرأي العام يجدها مطالب شريفة وحقيقية ويستوجب تحقيقها والإيمان بنصرتها هذا كمطالب عامة مكفولة لكل إنسان أين كانت طريقته أو دينه أو مذهبه لكن تأملوا معي في هذه المطالب التي استطيع اختصارها بمطالب تشمل :

( الحرية – العيش باستقرار – تحقيق الأمن بكل صوره – نقض الاستبداد والظلم وما أشبه ذلك من المطالب )

تجد بكل اختصار أن هذه المطالب المنشودة هي من صميم شرعتنا الإسلامية ومن مطالب الخطاب الإسلامي ومن الحقوق التي رسخها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وعلى هذا فتكون المطالبة بتحكيم شريعة الله هو مطلب أساسياً يضمن كل هذه المطالب ويكفل كل هذه الحقوق , لا يعني مطالبتي بتنصيب هذا المطلب الكبير على ناصية تلك المطالب هو إلغاء للحديث عن هذه الحقوق لكني أجد ها قد رسخت وتر سخت عن طريق عدة وسائل بحيث كانت هي المسيطرة على الخطاب الثوري العام وجزء من الخطاب الثوري الإسلامي والسلفي كذلك , فكثير من الخطابات والبيانات والمقالات والتعليقات التي كان يسطر بها إسلاميي وسلفيي الثورة مطالبهم لم تتجاوز ذلك النسيج المعروف وتلك المفردات التي رددها الثوار العلمانيين وغيرهم من المعتقدات التي تقدم السياسة على الدين , حتى أن بعض الإسلاميين لم يتوقف ترويجه لتلك المناهج من خلال تبني خطابهم والتبرير لبعض الصور التي غيب بها الخطاب الإسلامي بل أنهم رفعوا صور لقادة غربيين كان لهم دور في ثورات قديمة كجيفارا , لا أنكر بأن جيفارا كانت له مطالب شريفة لكن أليس القيادات الإسلامية الثورية أحق بالترويج لها من جيفارا , هذه إحدى الصور التي رأيناها وكان شكلها مقززاً ولم نتقبلها كشباب مسلم تربينا على تعظيم الدين وإجلال القيادات الإسلامية أكثر من غيرها.

ياسلفيي الثورة ... بل يا إسلاميي الثورة أين كان انتمائكم؟

جميل أن تتحرك ضمائركم وان تستجيب لها أصواتكم وأقلامكم لنصرة مطالب الشعب ولإعادة الحرية المسلوبة لكن اليس من الضروري أن يتميز الخطاب الإسلامي بجعل تحكيم الشريعة مطلباً أساسياً فهو يكفل كل هذه المطالب وهي من صميم ديننا فلماذا استبدل البعض لغة الدين الذي يحفظ هذا بلغة سياسية بحته محشوة بالأرقام؟ بينما تحرج من ترسيخ المنهج الإسلامي في معرض حديثه .. ليس مطلبي هنا إلغاء هذا النوع من الخطاب ولكن امتزاجه بالخطاب الإسلامي سيشكل دلالة قوية وحجة متينة لتصحيح المسار .. أعتقد أننا قد نختلف في قضايا كثيرة لكن هذه الفته لن نختلف فيها.

• كم أنا فخور بالدكتور الراحل / فريد الأنصاري رحمة الله عليه حينما دعا لترشيد الخطاب السياسي الإسلامي من خلال كتابه الرائع (البيان الدعوي) وأنها لوجبة دسمة تستمعون بها حينما انقل لكم جزء من مضامين ما طرح منه : أن العمل السياسي، والإصلاح الدستوري والقانوني, ليس أصلا من أصول العمل الدعوي، وإنما هو فرع من فروعه. وليس مقدمة من مقدماته وإنما هو نتيجة من نتائجه! ولا هو عمل مفتاحي في المشروع الإسلامي الشامل، وإنما هو وسيلة تبعية من وسائله.( البيان الدعوي ص197)

• ويقول في كتابه كذلك : العمل الإسلامي التجديدي: إنما هو عمل للدين قبل الدولة، وطلب للقرآن قبل السلطان.(البيان الدعوي ص 196)

• ويقول : من تلبيس إبليس على بعض الدعاة المنتمين إلى جماعات منظمة هو أنهم صاروا ـ من حيث يدرون أو لا يدرون ـ يدعون إلى الانخراط في عملهم التنظيمي على أنه دعوة إلى (الله)! مما أدى إلى انحصار العمل الإسلامي ـ من حيث أرادوا توسعته ـ في دائرة الذين لديهم استعداد تنظيمي من الناس، وقليل ما هم.(البيان الدعوي ص177)

ومنه وهو مانخشى منه : عندما يصبح (الموقف السياسي) ـ وإنما هو اجتهاد محض كما قررناه ـ هو المقياس الذي عليه يصنف مستوى التدين، لدى هذه الحركة الإسلامية أو تلك؛ يكون ذلك دالا بالقطع على (الانحراف) عن المعنى الإسلامي للدين والتدين!صفحة رقم (133)

ويقول : الإيمان الذي نحن في أمس الحاجة إليه؛ إنما هو إيمان الشعور بـ(الإسلامية)، أي الوعي بخصوصية (الهوية) الدينية السلوكية للمجتمع المسلم، على المستوى الفردي والمؤسسي. إننا في حاجة جديدة إلى إعادة وضع السؤال، الذي وضعه الأستاذ فتحي يكن، عنوانا لكتابه المشهور في الأدبيات الدعوية: (ماذا يعني انتمائي للإسلام؟)

إن (ماذا يعني انتمائي للإسلام؟) يجب أن يطرح اليوم بمفهوم أوسع، ومضمون أعمق. يقوم أساسا على بعث شعور ديني شامل؛ وإحساس بالرغبة الاجتماعية التلقائية في التدين، من غير تقييد بالضرورة بإطار تنظيمي ضيق!...... (صفحة 160)

ولعل هذه الطائف المنبثقة من خبرة علمية وحنكة سياسية تتكلم عن الخطاب الإسلامي بشكل عام إلا أنها إجمالا ستشمل الخطاب الثوري الإسلامي الذي بداء ينحدر وينحصر ,ونحن ندعوا لتعميقه وترسيخه , أنني حينما أنقد الإسلاميين في استخدام مشاريع الآخرين ليس تحاملاً على المشاريع الأخرى أو إلغاء وإقصاء لها ولكنه تألم على المشروع الإسلامي ونجاح المخططات التي تحاول تغييبه , وإذا ما تحدثنا عن المشروع السلفي بحكم اقترابي منه فستجد شمول يبهرك , ومثل تنصر قضيتك ومبادئ تعيد الحق وترد المظالم , أن هذه المشاريع هي التي يجب الافتخار بها والاعتزاز بترسيخها , وأن الحيدة بقصد أو بدون قصد لهو قلة توفيق ومحض انزلاق قد يؤدي لتحول لايحمد عقباه , أقول لسلفيي الثورة لا يكن صعود المنصات سبباً ينسينا استغلال هذه المواقف في ترسيخ هذه القيم فالخطاب الذي يروى في هذه المنصات خطاب سياسي محض فمادام وقد وفقتم في صعود هذه المنابر فاستغلوها .

أخيراً أقف إجلالاً لمشائخنا الإجلاء الذين نبهوا كذلك على هذا المفهوم لاسيما ماطرحه الوالد الدكتور / محمد المهدي في معرض حديثه عن الأحداث من خلال الحوار الأخير الذي أجري معه بعد الائتلاف السلفي اليمني فقد نبه لهذا المطلب ودعى لترسيخه .

وكلمة شكر أخرى لفضيلة الشيخ / عبد المجيد الريمي الذي تحدث عن هذا المطلب في معرض تنبيهه على بعض البيانات الصادرة وان كنا نختلف مع مشائخنا الإجلاء في بعض المواقف الذي توصلوا لها ونحترم أرائهم ولكن دعوتهم لهذا المفهوم تظل بصمة ظاهرة تبقى لهم .

ولعلي أقف في أخر هذه اللفته وكالعادة في أطروحاتي إلى كتابة بعض التوصيات التي قد تكون سبباً في نجاح إبراز هذا المطلب من خلال هذه المقترحات :

- دعوة لقيادات الحركات والرابطات الموجودة في الساحات إلى إعادة النظر في الأمر .

- .دعوة للنشر والترويج لهذا المطلب فقد يقبر المنهج الديني بين براثن السياسة .

- دعوة لشباب النت والفيسبوك والمواقع الاجتماعية إلى نشر مثل هذه المفاهيم لتصبح على ناصية المطالب الشعبية .

- لأصحاب الأقلام ورجال الفكر ودعاة الحرية التفتوا إلى هذا الأمر فمقومات نجاحكم في هذا المطلب .

- إعلاميي الحركة السلفية والإسلامية على عاتقكم هم نشر هذه الثقافة وعلى أقلامكم حمل يجب أن تنزلوه للناس بصبغة صحفية تبني هذا الكيان المهم .

- الشباب في المعتصمات كم هو فخر أن نجدكم تبادرون لتأصيل مطلب الإسلام الذي يضمن لكم مطالبكم وزيادة وكم سعدت بالخيمة السلفية بساحة خليج الحرية في محافظة إب حينما كتبوا عليها مايتضمنه هذا المطلب .

ختاماً : أن أي طرح يبرر لتغييب هذا المطلب أين كانت قوته وطريقة صياغته وبأي طرح يقنع لهو مردود لأنه لا يرقى لمستوى رد مثل هذا المطلب وان من برروا وقالوا في هذه المرحلة نبتعد عن الخطاب الإسلامي ثم نعود له في حينه بحسبهم ..

لهو التواء على عنق النصوص الشرعية ولهو ابتعاد عن الاعتزاز بهذا المنهج ومثلما استطاعت الحركات العلمانية فرض مشروعها المزيف على الشارع فمن باب أولى أن تستطيع الحركات الإسلامية فرض مشروعها كذلك وانه لامشروع يقف أمام شبح المشاريع الزائغة إلا هذا المشروع وأن التنازلات بحجة تقديم المصلحة اوغيرها لهو الانحدار الذي تكلمنا عنه , لا امانع من تقدير المصلحة والمفسدة فهذه قاعدة فقهية ثابتة ولكن العيار الذي استخدم عند البعض لتقديرها تجاوز حدوده وأصبح مضروباً فبالتالي وجب إصلاحه .

أخيراً : أكرر القول أن ماذكرته هنا لايشمل كل الإسلاميين الموجودين في هذه الميادين وانه قد وجد منهم كثيرون يدعوا هذا المبدأ وان حديثي هنا عن بعض الصور التي لم يرتضيها أبناء الحركات الإسلامية.