شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم
مأرب برس - خاص
رغم التسليم بالقول بتفرد التجربة الإسلامية التركية، وأنها تجربة غير قابلة للاستنساخ و التكرار في البلدان العربية والإسلامية الأخرى، لاختلاف الأوضاع الدستورية والقانونية فيها، ورغم أيضاً ما يكتنف تجربة العدالة والتنمية من سلبيات وتجاوزات في نظر المراقب البعيد أو الناظر المتفرج .
بيد أن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي جعل أكثر المنظمات والجماعات والأحزاب الإسلامية أمام محك صعب وكبير للغاية، ذلك أن فوز هذا التنظيم رغم أنه في قلب العلمانية، وفي بلدها الأم، ورغم هذا إلا أن العدالة والتنمية استطاع كسب أصوات الجماهير، دون أن تهراق قطرة دم واحدة، فيما تقام الانتخابات في البلدان العربية والإسلامية وتسكب الدماء أنهاراً، دون نتيجة تذكر،إلا اللهم ربما شيء من ذرّ الرماد في العيون، أو بعض الانجازات الشعبية والدعوية والإعلامية في أحسن الأحوال .
لنقف على الموضوع، ولنكن أكثر صراحة وموضوعية مع أنفسنا، لتصحيح المسار وتقييم الذات، إن ثمة مميزات امتاز بها العدالة والتنمية التركي عن باقي الأحزاب الإسلامية، من أهمهما:
1) الانتقال من معارك الأقوال والتنظير، والحروب الكلامية إلى ميدان الإنجاز، والتنمية، والخدمات، وتبني هموم الناس، وحل مشكلاتهم المعيشية، والامتياز والكفاءة الإدارية، وهو ما تفتقده بعض الأحزاب الإسلامية، التي منذ عقود وهي تخوض حرب الأفكار، ومعارك العقائد والمصطلحات، فيما تغط بدورها في التخلف الإداري، وتأسرها وتخنقها ثقافة البيئة والمجتمع، ولا تجد فرقا كبيراً يذكر بين هذه الأحزاب وبيئاتها، بل بعضها تكاد تكون نسخا مكررة منها، ولا خلاف إلا اللهم في الشعارات والأفكار، فيما الجميع مجتمعات وأحزاب يرفس في التخلف والأمية بمختلف جوانبها .
2) امتاز حزب العدالة والتنمية بتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع التركي، عرفنا هذا وتأكد لنا ذلك من خلال منح أكثر من عشرة ملايين صوت للعدالة والتنمية، ومفهوم العدالة مفهوم واسع وشامل، يشمل العدالة الاقتصادية والتعليمية والسياسية والاجتماعية ..وفي تقديري أن الأحزاب الإسلامية أخفقت إلى حد ما في هذا الجانب، وكثير منها لم تحقق هذا المبدأ كما يجب وينبغي، على المستوى الاجتماعي، وبعضها عاجزة عن تحقيق العدالة حتى في صفوفها، ودوائرها الداخلية، وبعضها الآخر صورة مكررة من المجتمع الذي يمارس التخلف والفوضى الفكرية والإدارية، أو العصبية بصورة أو بأخرى، فيما يبقى مبدأ العدالة والمساواة شعاراً فضفاضا نتحدث عن قصصه في غابر التاريخ، فيما لا تجد في صفوف بعض الإسلاميين عدالة عمر، ولا زهد أبي ذر، ولا تواضع سلمان، ولا فقه ابن مسعود، ولا حكمة ابن عباس، ولا قضاء علي، ولا بطولة خالد، ولا كرم أبي بكر ...لا قريبا من ذلك ولا حتى حوله غير بعيد منه، إلا في النادر القليل، صحيح أن عدالة حزب العدالة والتنمية ربما تقترب من النظم الغربية في الحقوق والواجبات، وفي احترام حقوق الإنسان على الطريقة الغربية العلمانية، غير أنا لا نعتقد أن هذه العدالة على الطريقة الغربية بعيدة عن الإسلام كل البعد، في تقرير كثير من الحقوق والحريات عدا الجوانب الأخلاقية والسلوكية والعقائدية بالطبع، بل الإسلام هو من سبق في تقرير هذه الحقوق، سواء فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكرامته، أو فيما يتعلق بمبدأ العدالة في توزيع المال والثروة، أو المساواة أمام القانون، أو غيرها من الحريات والحقوق، لعلّ هذا أبرز العوامل التي جعلت حزب العدالة والتنمية يختلف عن باقي الحركات الإسلامية في البلدان العربية على وجه الخصوص .
إن الحركات الإسلامية لا يمكن أن تحرز نصراً أو عزاً على خصومها، وهي تفتقر في وسطها إلى أبسط مبادئ الانسجام والحرية والمساواة والعدالة، إن الذي جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، أنهم لمسوا عدالة ومساواة الإسلام، وهو الأمر الذي جعل ذلك القبطي النصراني يقطع الفيافي والقفار من مصر إلى المدينة المنورة، لا لشيء إلا لأنه سمع عن عدل وإنصاف خليفة الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وحين يلمس الناس في الإسلاميين هذا المبدأ أقول لن يمنحوهم فقط أصواتهم، بل سيقطعون إليهم الفيافي والقفار وسيقدمون بين أيديهم كل غال ونفيس، والمهج والأرواح، لأن الدفاع عنهم دفاع عن آدمية الإنسان ودفاع عن العدالة والحرية والكرامة والمساواة والحق والفضيلة.
أيها السادة الكرام إحدى المؤسسات التعليمية المحسوبة على الإسلام، وسط شكاوى الطلاب وهيئة التدريس والإداريين فيها، قررت عمل استبيان شامل لكل العاملين في مرافقها، عن جوانب الخلل والقصور في سيرها وأدائها، ولكن حين شعرت رئاستها أن النتيجة لن تكون في صالحها، وخشيت أن يطلع الرأي العام على هذه النتيجة، غير المشرفة، أطلقت رصاصة الرحمة على الفكرة، وآثرت إلغاء هذا الاستفتاء!! وهي من هي في الشهرة والدعوة والأهداف الإسلامية الصافية، لولا ما يحيط بها من تخلف إداري وصراع فكري مرير .
إنه من النادر أن نجد مؤسسة إسلامية، تقيم فيها معايير العدالة والحق ولو على الطريقة الغربية، بمعنى حق الفرد فيها في مقاضاة أي فرد ولو كان هذا الفرد هو مدير أو رئيس المؤسسة، لدرجة أن مبدأ العدالة والمساواة يقلق بعض الإسلاميين ولا يقبلونه في أوساطهم، ويتوجعون منه كثيراً، ولذا بعضهم لا يقبل بأي رقابة عليه من أي جهة، ولو من اتحاد طلابي أو نقابي "إسلامي" 100%، وإن وجدت هذه الرقابة فهي صورية لا حقيقية، كما يجري في المجالس التشريعية والنيابية في البلدان العربية، عافاكم الله .
هذه الأزمة في أوساط بعض الإسلاميين أحسب أن حزب العدالة والتنمية تجاوزها، وإن كان على الطريقة الغربية، فيما يظن الآخرون، لكنها في الأصل إسلامية الأصل والمنشأ، كما ذكرنا.
إن الواجب على الإسلاميين إن أرادوا حقا ترسيخ مبادئ الحرية والسلام والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان أن يتمثلوها هم في مؤسساتهم وجامعاتهم وشركاتهم وفي صفوفهم ومناهجهم وممارساتهم وشؤونهم الخاصة والعامة، وحين ذاك ستجد لها في الأمة قبولا وأتباعاً، وستفرض نفسها على كل الميادين والساحات .
على أنه تجدر الإشارة هنا أنه ليس المطلوب أن تقيم الجماعة أو الحزب نظام الدولة، لأنه غير متاح ولا ممكن، بل عليها المجاهدة - قدر استطاعتها - لأن تقيم فيها مبادئ العدالة والمساواة والحرية وفق إمكاناتها كجماعة أو حزب لا أكثر ولا أقل .
على أننا هنا نشير إلى كلمة ذهبية تاريخية ذكرها المفكر الإسلامي/ علي جريشه، في بعض محاضراته القيمة في إطار حديثه عن الإسلاميين إذ قال: "الإسلاميون هم أحسن الموجودين" أي أنهم ليسو ملائكة بل هم بشر يصيبون ويخطئون، وبالتالي لهم أيضا جوانب قصور وفشل ونجاح بقدر مجاهدتهم في الامتثال للمنهج الرباني، وإن كنا أيضا نظنهم صفوة الأمة وخيرة أبنائها، لكن لا يعني هذا الإطلاق أو التقديس أو عدم مدارسة أسباب الفشل والنجاح، لأن الواجب أن تكون هذه الصفوة على قدر المسئولية والقدوة، لا سيما فيما يتعلق بحقوق العباد وحقوق الحريات والكرامات، التي لا أجد صعوبة في القول بأن الغرب سبق حتى الإسلاميين في تقريرها قانونيا ودستورياً، وإن كان أخطأ في ممارستها وتطبيقها في الجوانب العملية والتطبيقية، لا سيما في الشأن الخارجي .
3) فيما يتعلق بالتنمية وقدرة العدالة والتنمية التركي إنجاز ما يشبه المعجزة، حقيق أنه ألغى من العُملة الوطنية ستة أصفار، وقفز بالاقتصاد التركي قفزات عظيمة حيث لم يزدهر الاقتصاد التركي في تاريخه كما ازدهر الآن، ولسنا هنا بصدد سرد هذه النجاحات الاقتصادية الرائعة فهي معلومة لدى الجميع، غير أننا هنا نعرّج على هذه النقطة في سياق موضوعنا، فالإسلاميون أيضا لهم نجاحات مشكورة في هذا الجانب، وهم فيها أقل إخفاقا في تقديري من سابقتها، بيد أن هذه الظاهرة الاقتصادية الإسلامية، عليها جملة ملحوظات من أهمها:
1) لا مواكبة بين أعداد الجماهير الإسلامية الغفيرة، وأعداد المشروعات الإسلامية، إن أعداد أبناء الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، أعداد هائلة وكبيرة، بيد أن المشروعات التنموية الإسلامية قليلة جدا ولا تتواكب وأعداد هذه الجماهير، والجميع يعلق في تحقيق طموحاته الاقتصادية والتنموية على الدولة، صحيح أنها تتحمل جزءً من المسؤولية، لكن ما دورنا نحن في صناعة النجاح وزراعة الأمل، وبناء الحياة، وإعمار الأرض التي استخلفنا الله تعالى فيها .
2) تقف الأنظمة الاستبدادية أمام المشروعات الاقتصادية الإسلامية بالتآمر والكيد، وهذا سبب من أسباب ضعف ظهور المشاريع الإسلامية التي في الغالب تتخفى خلف شخصيات اجتماعية أو قبلية، لتوقي القمع أو الإلغاء أو التآمر، وهذا ما تجاوزه حزب العدالة والتنمية التركي، فمشروعاته تنموية اقتصادية أنعشت الاقتصاد التركي، لأنها لا تحمل أفكارا أيديولوجية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تفعله المؤسسات الاقتصادية الإسلامية في الوطن العربي، لأن الدستور والقانون في معظم الوطن العربي ينص على الإسلام عقيدة وشريعة، من خلال النص (الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) وهو ما جعل التجربة الإسلامية التركية ذات تفرد في هذا الجانب، وهو ما لا يجوز أن يتكرر في الحركات الإسلامية، لأنه يعد تراجعا عن الإسلام .
3) أحدثت الحركات الإسلامية ازدهاراً تنمويا واقتصاديا كبيرا، لا سيما في الجزيرة والخليج، فالبنوك الإسلامية أضحت في هذه البلدان قبلة التجار والاقتصاديين، وباتت بعض البنوك الربوية المنافسة على شفا جرف الإفلاس، الأمر الذي اضطرها لمحاكاة البنوك الإسلامية بفتح نوافذ للمرابحة الحلال، الأمر الذي جعل كثيرا من المراقبين يتوقعون أن المستقبل الاقتصادي والعصر القادم هو عصر البنوك الإسلامية، من خلال النجاحات الكبيرة التي أحرزها الإسلاميون في هذا الجانب .
نسأل الله الكريم أن يوفق المسلمين جميعاً لإقامة الدين، والصبر في سبيله، والمنافحة عنه، وأن يكتب لهم العز والنصر والتمكين، على أن هذه رؤية شخصية يعبر فيها الكاتب عن رأيه، كما أنه لا يقصد منها جهة أو جماعة إسلامية معينة، في إطار العمل الإسلامي الكبير والعريض، بقدر ما يحرص كاتب هذا البحث المتواضع على محاولة إصلاح الأوضاع العامة في الساحة الإسلامية ذات الألوان ولأطياف المتعددة، والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .