الغش في الامتحانات
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر
الخميس 21 يونيو-حزيران 2007 07:57 ص

الكمبيوتر والمحمول والحبر السِّرِّي وأشياء أخرى كثيرة هي الوسائل الجديدة في عالم الغش في الامتحانات الذي يحمل الكثير كل عام.

وقد لا نكون مبالغين إذا تحدثنا عن ظاهرة الغش في الامتحانات، فآخر دراسة علمية ناقشت الظاهرة كانت للباحثة حنان عبدالله لنيل درجة الماجستير من كلية البنات جامعة عين شمس تحت عنوان "العوامل المعرفية وغير المعرفية المرتبطة بسلوك الغش في الامتحان لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية" كان من نتائجها أن 9 0% من التلاميذ والمعلمين قد أكدوا على انتشار ظاهرة الغش في مدارسهم، وأن الأسباب تعود لانخفاض مستوى التحصيل الدراسي للتلميذ، والرغبة في النجاح بأية وسيلة، والرغبة في الحصول على درجات مرتفعة، وعدم التركيز أثناء الشرح والاتِّكاليَّة والتكاسل وتقليد الزملاء، وعدم الاستعداد الجيد للامتحان والتهاون في تطبيق عقوبة الغش وتقارب المقاعد في لجان الامتحان.

أما شكل الامتحان نفسه وتأثيره على ظاهرة الغش فقد كان موضوع رسالة ماجستير حديثة أيضًا للباحث كمال فودة مطاوع بكلية التربية جامعة المنصورة، في مدارس المرحلة الثانوية، وكان من أهم نتائجها أن الغالبية العظمى من الامتحانات بهذه المرحلة تقيس المستويات المعرفية البسيطة مثل التذكر والفهم، وتتجاهل المستويات العليا للتفكير كالتحليل والتركيب والتمييز والتقويم، وأن الامتحانات وصفها الحالي لها انعكاسات سلبية على العملية التعليمية بأكملها؛ لأنها ترفع روح التنافس وتُشَجِّع الطلاب على الغش بدلاً من روح التعاون والبحث نظرًا لاعتمادها على الكتاب المقرر فقط، وتؤثر سلبًا على المعلم أيضًا لأنه يهمل قياس المهارات الأخرى للطالب وتنميتها.. مثل: الملاحظة وسرعة البديهة.

* الغش الجماعي:

مهما حاولنا أو حاول المسئولون في وزارات التربية والتعليم أن يُنْفُوا وجود ظاهرة تسمى الغش الجماعي فالدراسات تثبت أنها موجودة، وأن لها سنوات تظهر فيها وسنوات أخرى تختفي فيها، فالظاهرة كانت موجودة بشكل كبير في مدارس مصر في أواخر الثمانينيات، لكنها - وإن بدأت تقل لأسباب كثيرة – ما زالت موجودة، وما يُضْبَط منها قليل جدًا خاصة في الأماكن النائية والمدن البعيدة عن العاصمة التي تحكمها ضغوط كثيرة.. وسوف نعتمد هنا على دراسة عن الغش الجماعي قام بها فريق بحثي من أساتذة المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية تحت إشراف الدكتور محمد السيد حسونة في عدد كبير من مدارس القاهرة ومحافظة الشرقية، وكان من نتائجها أن 75% من المبعوثين - مدرسين - ووكلاء مدارس ومديري مدارس وموجهين ومديري إدارات تعليمية - قد أكدوا أن ظاهرة الغش الجماعي مستمرة في المرحلة الابتدائية، و60% منهم أكدوا أنها مستمرة في المرحلة الإعدادية والثانوية، وكان من بين الأسباب التي ذكروها ضعف الوازع الديني باعتبار أن الغش نوع من السرقة، والرغبة في النجاح بدرجات مرتفعة دون مجهود ووجود قصور في الضوابط الرادعة للغش، وعدم توافر الإجراءات الأمنية الجادة داخل وخارج اللجان، وقد أكدوا أن من يتعوّد الغش تتكون لديه عادة الغش والتزييف في كثير من جوانب حياتهم العملية بعد التخرج.

وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن من بين أسباب انتشار الغش الجماعي تواطؤ بعض المسئولين عن تأمين لجان الامتحانات لاعتبارات شخصية أو نتيجة لضغوط أولياء الأمور، وقد تكون الضغوط عن طريق تسهيل إقامتهم وإكرامهم في المدينة باعتبارهم أغرابًا أيام الامتحانات خاصة الشهادات العامة – حيث يقضي القانون بألا يقوم بالمراقبة في لجان الامتحان مدرسون من نفس المدينة – مما يجعل المدرسين والمديرين في حرج مع الأهالي، وكان الأفضل أن تهيئ الوزارة مع الإدارات التعليمية تسهيل إقامة ومعيشة جميع الأفراد المسئولين عن حسن سير الامتحانات حتى لا يتعرضوا لمثل هذه الضغوط، بالإضافة إلى رغبة البعض في الحصول على نسب مرتفعة للنجاح لمدارسهم أو إدارتهم للتباهي بها.

أما أغرب ما في الدراسة فهو طريقة الغش الجماعي نفسها التي أكَّد أغلب من أُجْرِيَ عليهم البحث (74%) أن إملاء الإجابة على الطلاب هو الطريق الأكثر انتشارًا، وبالطبع المعلمون أنفسهم هم من يقومون بالتملية، تليها إذاعة الإجابات من مكبرات الصوت ثم كتابة الإجابة على السبورة، بينما لم يذكر سوى 25% فقط طريقة تصوير الإجابة وتوزيعها على التلاميذ، وذلك لأنها تحتاج لأجهزة تصوير وورق من نوع معين وإمكانيات قد لا تتوافر بسهولة خاصة في القرى وسوف تكون إجابات التلاميذ صورة واحدة مكررة، وقد ينسى بعض التلاميذ صور الإجابة داخل أوراق الإجابة مما يسبب مشاكل إدارية كثيرة لأنها تعتبر في هذا الوقت جسمًا للجريمة، أما مكبرات الصوت فقد لا يتابع جميع التلاميذ كل ما يقال أو لا يستوعبونها أو يكتبونها بشكل خاطئ.

* جريمة الغش والقانون:

وحين سؤال الدكتور حسن غلاب رئيس جامعة عين شمس: لماذا لم نَعُد نرى أن الغش في الامتحانات جريمة ؟

يجيب: الغش منصوص عليه في لوائح الجامعات ولوائح التعليم قبل الجامعي في كل دول العالم، ومن المفروض أن يحال الطالب الذي يضبط وهو يغش إلى مجلس تأديبي يكاد يشبه المحكمة، ويعاقب بأكثر من طريقة تبدأ من إلغاء درجة تلك المادة التي حاول فيها الغش، أو الحرمان من باقي الامتحانات لأكثر من عام، وفي هذا المجلس يحق للطالب طلب الاستئناف ويكون له مجلس آخر.. فالغش إذن بهذه الصورة جريمة يُعاقَب عليها الطالب، والغش تُجَرِّمُه كل الأنظمة التربوية في العالم، وهناك حادث معروف جدًا في بنغلادش حدث منذ عدة سنوات قليلة للغش الجماعي وقررت الدولة على إثره إلغاء الامتحانات في جميع مراحل التعليم.

لكن ورغم وجود كل هذه العقوبات فمحاولات الغش لا تنتهي، وأحيانًا لا يضبط منها غير القليل.. فهل يعني ذلك أن العقوبات غير كافية؟!

ويقول الدكتور حسن في ذلك: "الغش مرض تربوي يجب مقاومته بالقوانين المنظمة، لكن الأهم هو السعي الجاد لتعديل المنظومة التربوية، الطلاب يحاولون الغش للحصول على مجموع كبير أو تقدير كبير؛

ذلك لأن الامتحان هو الفيصل في القبول أو الرفض في مؤسسات التعليم، فلو قمنا بفك الاشتباك بين الحصول على الشهادة والقبول بمراحل التعليم لانتهى الغش وقضينا على جزء كبير منه، بمعنى التركيز على التعليم، ففي الثانوية العامة هناك نظام معمول به في كثير من الدول يجعل الثانوية العامة شهادة منتهية، أما الالتحاق بالجامعة فله امتحان آخر، يصعب معه الغش لأنه يقيس قدرات عالية، وهناك نظام آخر يقضي بأن يحصل الطالب على دورات (كورسات) معينة لدخول كلية بعينها دون امتحان، ومن ناحية أخرى فإن تدني مستوى الامتحان يساعد على الغش، وليست هذه دعوة لتحويل الامتحانات إلى ألغاز، لكن أن نجعله يقيس قدرات معرفية للتفكير والاستنتاج، فهذا لن يحارب فقط الغش بل والدروس الخصوصية أيضًا.

ويلتقط الحديث سيد أبو زيد المحامي قائلاً: الغش عمومًا جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، لكن لا يوجد في هذا القانون نص مباشر يعاقب الطالب الذي حاول الغش سواء باستخدام ورق خاص أو بالنقل من زميله، لكن في حالة بيع الامتحان وتسربه قبل موعده يعاقب القانون البائع لأنه تربَّحَ من منصبه حسب المادة (115) من قانون العقوبات المصري، التي تنص على أن كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه أو لغيره بدون وجه حق على ربح أو منفعة على عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.

ويضيف: لا يعاقب الطالب الذي اشترى امتحانًا أو حاول الغش بأية طريقة إلا إذا ضبط ومعه أداة الجريمة.. ورقة من كتاب.. أو كتابة على المسطرة، أو ما يسميه الطلاب "برشامًا" (وهو قصاصات صغيرة من الأوراق مكتوب عليها الكثير من المعلومات بخط صغير ليسهل خروج الإجابة من بينها وقت الامتحان)، معنى هذا أنه لو اشترى الطالب امتحانًا وحفظ إجابات الأسئلة فلا تثبت عليه جريمة الغش التي تعاقب عليها قوانين التربية والتعليم في المدارس والجامعات بالحرمان من الامتحان أو إلغاء امتحان العام كله.

ويكمل: والغريب أن قانون العقوبات يعاقب من قام ببيع الامتحان أو تسريبه من المعلمين المفروض فيهم صيانة الأمانة التي بين أيديهم وحفظها، ولا يُعاقَب الطلاب الذين اشتروا هذا الامتحان أو أولياء أمورهم ويعتبرهم مجرد شهود في القضية، وهي ثغرة خطيرة في القانون؛ لأن الغش في الامتحان جريمة ضد المجتمع، ويؤدي إلى تخريب ضمير أجيال قادمة بأكملها.

* من يطبق القانون:

ويرى الدكتور أنور رسلان أستاذ القانون بجامعة القاهرة أن القانون لا يعاقب إلا على الاعتداء على الأرواح أو الأموال؛ ولهذا يخضع من قام ببيع الامتحان للعقوبة، أما الطالب فيعاقب بوصفه كطالب، وهذا عقاب كافٍ، لكن القضية هي من ينفذ القانون داخل المدارس والجامعات؟! هل نحن نضبط كل حالات الغش التي نراها داخل قاعات الامتحانات في المدارس والجامعات؟، بمعنى هل نُصَعِّد كل محاولة للغش إلى مجلس تأديب؟، ما يحدث أنه في ظل غياب القيم والأخلاقيات والتساهل الشديد في غير موضعه وسيطرة سطوة الأموال والمصالح تساهم في انتشار هذه الجريمة وازديادها، فبعض المعلمين يصبحون مصدرًا للغش، والغريب أن يحدث هذا تطوعًا داخل اللجان، ويخيل للمراقب أنه يقوم بعمل وطني أو واجب إنساني، ويفسر هذا بأن الطلاب لم يتلقوا التعليم الكافي، وأنهم حتى لو تخرجوا فلن يضمنوا وظيفة، أو بماذا سنستفيد لو أعادوا السنة أو رسبوا.. وغيرها من المبررات، وأولياء الأمور يسهلون لأبنائهم الغش عن طريق الحرام ويضربون لهم المثل السيئ في الحصول على الأشياء وهم لا يدركون أنهم وأبناءهم أول الخاسرين حتى لو لم يضبط الابن بالغش، فقد حصل على شهادة لا يستحقها وهذا مبدأ خطير، والطريق السليم للحَدِّ من هذه الظاهرة هو تطبيق القانون على الجميع وعلى كل الحالات، وعدم التستر أو التهاون مع أي طالب أو معلم؛ ولذلك تراجعت ظاهرة الغش الجماعي التي سادت منذ عدة سنوات وبدأت تعود مرة أخرى الآن.

* الغش بالكمبيوتر والحبر السري:

 

الكثير من الطلاب يقضون الأسبوع الأخير قبل بداية الامتحان في الاستعداد لإعداد أدوات الغش الذي أصبح شبه روتين سنوي، ومنها كتابة المنهج في أوراق وتصغيرها بواسطة آلات التصوير لتأخذ مساحة أقل ويمكن إخفاؤها في أكمام القمصان أو بين طيات أوراق الإجابة!!

ويقول عبدالخالق عبدالحليم وكيل مدرسة: أحيانًا يقوم المعلمون الخصوصيون أنفسهم بصنع أدوات الغش هذه حتى لا يرهقوا الطلاب، بالطبع تحت دعوى صنع مذكرة للمراجعة النهائية وتكتب بواسطة الكمبيوتر بخط صغير يشبه النشرة الطبية التي توضع داخل علب الدواء، وهكذا يتحول المنهج إلى قصاصات صغيرة خاصة في المواد النظرية، ويمكن مشاهدة هذه القصاصات عند مكتبات التصوير، وفي قاعات الامتحانات بعد انصراف الطلاب.. بكل سهولة.

ويتابع: وهناك أيضًا الكتابة على الجسم – الأيدي، السيقان، الأذرع، وكذلك على المقاعد وإن كانت قد أصبحت موضة قديمة، فهناك الآن الساعات المحشوة بأوراق والساعات التي تحتوي على كمبيوتر صغير، وأحيانًا اللاسلكي الذي ضبطت به طالبة وهي تستعمله في إحدى لجان الثانوية العامة العام الماضي.

وهناك أيضًا الكتابة على الأوراق الهندسية كالمساطر والمثلثات البلاستيكية الشفافة التي لا تظهر الكتابة عليها إلا إذا وضعت على الورق الأبيض بطريقة تشبه الحبر السري، فهي إذا لم توضع على الورق تبدو شفافة، ولا يظهر عليها أي شيء غريب، وقد يستخدم الهاتف الجوال بأكثر من طريقة عن طريق إخفائه في الملابس وتوصيله بسماعة وقت الحاجة وتحويل رنينه إلى طريقة الاهتزاز حتى لا يسمع الرنين أحد، رغم أن جميع لجان الامتحانات قد أعلنت عن منع الدخول بالهاتف الجوال داخل اللجان، لكن لا شيء يستعصي على أصحاب الأفكار الجديدة.

العُمَّال والفراشون أيضًا وسيلة لتوصيل إجابات الأسئلة من المعلمين أو الطلاب أو من هم بالخارج في بعض اللجان المجاورة أو من خارج المدرسة مع المشروبات، وهي بالطبع ليست خدمة مجانية.

أما دورات المياه فهي أءمن مكان لتخبئة الكتب والمذكرات للجوء إليها إذا تعذر استخدام الوسائل الأخرى، فما أسهل أن يذهب الطالب لدورة المياه أثناء الامتحان بمصاحبة معلم، ويطلع على بعض الإجابات بالداخل ويعود للجنة، لكنها على أي الأحوال وسيلة ضئيلة الاستخدام، فالمعلمون – للأسف - يساعدون الطلاب على الغش لأسباب كثيرة ليست كلها من أجل الدروس الخصوصية والمصالح فقط، لكن أحيانًا خوفًا من بطش الطلاب بهم في الخارج، أو يطبق بعضهم قاعدة المساواة في الظلم عدل لأنه يعلم أن بقية اللجان يحدث بها قدر من الغش أو التهاون.

عن الخيمة