صرخات الجياع تصنع عصر الديمقراطية
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 06 إبريل-نيسان 2011 05:25 م
 

قبل ثلاثة أعوام أو يزيد كتبت مقالاً تحت عنوان ( أيها المشير هذه رسالتي ) – بإمكان الجميع الاطلاع عليه من خلال موقعي الفرعي في مأرب برس – وكان من ضمن ذلك المقال " أيها المشير مادامت سنحان تغدوا آمنة وتروح آمنة ودماء الأبرياء لا تجد من ينصفها من القتلة فثق أن عرش السلطة الذي تتربع عليه لن يدوم طويلاً, وان الشعب إذا ثار فانه بركان سيدمر كل شيء في طريقة" ومن ضمن مقتطفات المقال " يافخامة الرئيس الشعب يريد أن ينقض على أسرتك انقضاض النار على الهشيم, والمعارضة تترصد لأخطائك, ورب العالمين منتظر قدومك عليه ليسألك عن واحد وعشرين مليون وليت أمرهم أو يزيد, فبماذا ستجيبه غدا " وبدلاً من الإصغاء لهذه النصيحة كانت المكافأة التي حصلت عليها من وراء هذا المقال هو الاعتقال لبضع ساعات من قبل عناصر الأمن القومي .

يقول احد الكتاب العرب البارزين لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر، فالجوع أبو الكفر، ولكن لحسن الحظ أن أحداً من الزعماء الأجلاء لم يفهم ولم يقرأ هذه العبارة ، وإن قرأها لم يع ما قيمتها وما مغزاها، وما هو مفعولها، على ترسانات القهر، والنهب، والتجويع والإفقار والإذلال الممنهج. فمع هذه الحال أصبح الجوع أيضاً أبو الثوار, واستمد الجياع شرعية ثورتهم من حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي يقول فيه " عجبت ممن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهراً سيفه ".

أمعنت أنظمة القهر والتجويع في سلب الشعوب، وإفقار الناس وعلى مبدأ أن الجائع لا يفكر ولا يتكلم وستنعدم لديه القدرة على الحركة، وتتعطل آليات التفكير وإيجاد سبل الخلاص، وأن لا قيمة للفقير والمهمش والمحروم والبائس، لكن، وعلى العكس من كل هذه التصورات الخاطئة، فالطاقة الروحية الهائلة، وطبقاً لقوانين الفيزياء الاجتماعية والسياسية، وسايكولوجية الشعوب التي لا يعيها وزراء حكومات الدول النامية، التي تتولد عن أي تراكم كمي، سيكون لها القدرة على جرف أعتى الجدران الفولاذية وأصلبها. فقوة البخار الناجم عن الغليان والتي اكتشفها الاسكتلندي جيمس واط (1736 – 1819م)، كان بإمكانها تحريك القاطرات الفولاذية ودفعها بسرعة، الأمر الذي غير وجه التاريخ.

من كان يفكر أن لهذا البخار "الهواء" المتطاير كل تلك القدرة على تحريك الحديد والفولاذ؟ ومن كان يحسب حساباً لـهذا "البخار" الاجتماعي الذي كان يتطاير ويتجمع على مدى عقود من الزمان ليحدث هذا الطوفان والبركان؟ وفي المقابل من كان يفكر أن تخرج الشعوب العربية بعد عقود من التجويع وسياسات الإفقار في بوزيد التونسية, ومدينة القاهرة المصرية, ومدن أخرى في اليمن وليبيا, لتقتلع وبدون سابق إنذار نظامي بن علي ومبارك؟ ويبدو أن البقية في الطريق.

فلقد كانت تتجمع وعبر عقود طويلة من الاستبداد وسياسات التجويع والإفقار أعمدة وأركان النظام العربي الرسمي الذي يتداعي اليوم أمام ناظريكم كبيوت من قش وورق، وكل هذه الطاقات وكوامن الغضب التي جرفت في طريقها كتسونامي سياسي هادر، ثلاثة من أعتى وأشقى طغاة العرب وأنظمتهم البوليسية الفاشية حتى الآن التي لم تستطيع آلاتهم القمعية من الصمود أمام صرخات الفقراء والمحرومين والجياع..

لقد وصلت شعوب المنطقة إلى حافة اليأس ومشارف الموت والهلاك وجدران الانسداد، ولم تعد تملك شيئاً لتخسره، سوى أعمارها التي بدا أنها لا تستحق بأن تعاش، وبعد أن خسرت كل شيء آمالها، وأحلامها، وكرامتها، ولقمة عيشها، في ظل فراغ قانوني قاتل، وسكون حدائي ممل، وانهيار قيمي وأخلاقي شنيع، وحتى الحياة نفسها صارت "توهب" من قبل فخامتهم، ودخلت في حسابهم، وأستغفر الله، واحتكرتها لوحدها أنظمة الدمار الشامل وصارت تهب الرزق والحياة لمن تشاء بغير حساب، ، ولم تعد تلك الجموع الهائلة المهمشة تجد أي قيمة أو معنى أو حس بأهمية هذه الحياة أو شيئا كي تعيش من أجله، فخرجت، من "قبورها الجماعية"، وأحزمة بؤسها، ومن على عربات خضارها، وعلى الطريقة البوعزيزية لتحرق نفسها على الملأ، أو تموت في الشوارع برصاص الزعيم الجماهيري المحبوب جداً من شعبه كما أشاع، ويشيعون، وأستغفر الله، لي ولكم.

والحقيقة تقول من لا يملك شيئاً لا يخاف على أي شيء. وفي إحدى حلقات الاتجاه المعاكس قال مثقف عربي " أعطوا هذا الشاب العربي راتباً خمسمائة دولار، وزوجوه، وامنحوه بيتاً، وأنا أتكفل لكم بأنهم لن ينغصوا عيشكم ولن يخرجوا عن إطار طاعتكم".

لقد تبين ومن خلال كل ثورات التاريخ أن "الطاقة الروحية" الهائلة التي تحرك الجماهير، والتي يستجمعها الفقر والقهر والجوع والعبودية والظلم كانت أقوى من كل الترسانات التي تشاد لحماية ذات اللصوص، والقتلة، ومجوعي الشعوب. وقد كان الجوع والفقر إحدى محركات التاريخ الكبرى، بل ربما محركاته الأوحد. ولكي يخاف الإنسان ويصبح "داجناً وديعاً مطيعاً" دعه يملك شيئاً يخاف عليه. وقديماً قالوا "اطعم الفم تستح العين"، فلا يعقل أن يسلب من الإنسان كل شيء، حتى كرامته، وان يحارب في وظيفته, وان يهمش من قبل مرؤسيه, وان يتمتع غيره بالامتيازات والفوارق والصرفيات والنثريات, ومن ثم يطلب منه الصمت والسكوت والسكون, ولا أدري من هو صاحب هذه النظرية الحمقاء؟ وها هو الدليل أمامكم ثورات الجياع تعم الشارع منذرة بزوال النظام الرسمي العربي التقليدي كما عرفناه عبر دهر مرير وقاهر.

فمن يجوع يستسهل الموت، فما بعد الجوع سوى الموت، وسيصرخ ولن يصمت، وما أقواها صرخة الجوع؟