العلمانية هي الحل 2
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 12 يوماً
السبت 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 06:54 م

السؤال المهم :

 هل هنالك نص ديني واضح يبين آليات وأدوات واسآسيات الدولة الدينية ؟

هذا السؤال موجه لرافعي شعار ( الإسلام هو الحل ) وإدعائهم بأن الدولة الدينية لها مرجعية واضحة ولا خلاف عليها، وهذا ما سنحاول إثبات عدم حقيقته لأنه ومن خلال استعراض القرآن والسنة النبوية الموثقة أعتقد أنه يصعب الحديث عن نسق فكري يحدد ماهية السلطة أو ماهية الحكم الإسلامي الديني بالمعنى السياسي وهو ما يذكر بأدبياتهم بـدولة ( الخلافة ).

هناك من يقول أن الرسول حين خرج من مكة وتحالف مع أهل المدينة كانت تلك بذرة نشوء دولة إسلامية، ويحق لنا أن نتساءل، هل إن هذه الوثيقة ( وثيقة المدينة ) والتحالف تعكس وعياً أو مفهوماً يمكن إخراجه إخراجاً تاماً من سياق الحياة العربية (التحالفات القبلية والأحلاف) إلى مفهوم الدولة بمعناها الحقيقي ؟ ألا تعكس هذه الوثيقة تحالفاً بين الجماعة المسلمة وبين سكان المدينة سواء كانوا يهوداً أو مشركين على ضرورة الاتفاق على حماية المدينة التي يعيشون فيها؟ من الممكن القول إن الأمر اتفاق سياسي ومن الصعوبة والخطورة الزعم بأن الأمر اتفاق سياسي بالمعنى العاصر، فلابد أن نضع الأمر في إطاره التاريخي. ويمكن القول إن النبي مارس دوراً له دلالات سياسية، دور رئيس المجتمع وقائده، ومارس صلاحيات ذات طابع سياسي. ولكن هل كان في ضمير النبي ووعيه وأقواله ما يمكن أن يقال إنه ينشئ دولة بالمعنى الحديث؟ هذا سؤال مفتوح .

عشية وفاة النبي وقبل دفن جثمانه دار حوار في اجتماع سقيفة بني ساعدة. يقول الطبري كانت هناك ثلاثة معسكرات - ويتحدث والرواية منسوبة إلى عمر بن الخطاب - علي ابن أبي طالب والمهاجرين وأهل المدينة، وبينما كان علي مشغولاً بدفن جثمان النبي، اجتمع أهل المدينة وخشي عمر أن يحاول أهل المدينة أن يجتثوا المهاجرين من الأمر، والحوار الذي دار بين المهاجرين والأنصار لا يعكس مفهوماً للحكم وللدولة ولا يعكس أي منظور دين، إن المهاجرين كانوا يرون أن لهم الحق في أن يكونوا من ذوي السلطة في هذا المجتمع الجديد لأنه وبدون الهجرة كانت التجربة الإسلامية يمكن أن تتعرض لمصير آخر، وقالوا إن العرب لن تقبل إلا أن يكون هذا الأمر في قريش، والحديث هنا جرى عن تقاليد راسخة وإمكانيات القبول العربي من عدمه، بينما الأنصار رأوا أنهم أحق بالخلافة لأنهم نصروا النبي وساندوه وقويت شكوته بهم، وهذا الشيء أيضا لا يقع ضمن الإطار العام للدولة بقدر ما هي رغبة بدائية في تبادل الحكم كنوع من أنواع رد الجميل ولا شيء آخر غيره،

وعند الحديث عن خلافة أبي بكر، لا نجد إلا في المراجع المتأخرة كلاماً عن أن النبي نص أن تكون الخلافة في قريش، بينما في الروايات المبكرة يدور الحوار حول ماذا يقبل العرب؟، هل يقبل العرب أن يكون هذا الأمر في قريش أم في غير قريش؟ الأمر هنا ومن خلال هذا السياق كان بحثا عن سلطة لم يسعوا فيها لطرح فكر سياسي ديني .

فعلى الجانب السني نجد أن الشورى التي هي مبدأ أساسي من المبادئ الإسلامية العامة تتسع لتشمل الجانب السياسي في الدولة بحيث يجب على الحاكم العمل بها استنادا إلى الآية الكريمة «وشاورهم في الأمر» وهذه الآلية تتبلور في مبايعة أهل الحل والعقد له، وهذا الأمر يبدو عقلانيا، ولكن المعضلة تكمن في تحديد مواصفات أهل الحل والعقد وعددهم وطريقة حسم الأمور عند الاختلاف, لذا نجد التباين واضحا في آراء الفقهاء السنة في هذه الأمور وبشكل خاص في تحديد عدد أهل الحل والعقد، فمنهم من ذهب إلي اشتراط خمسة أشخاص على الأقل استنادا إلى بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة إذ اتفق خمسة من الصحابة ثم تابعهم الناس على ذلك، وبعضهم اكتفى بثلاثة من أهل الحل والعقد يعقدون الخلافة لأحدهم ويشهد الاثنان الآخران على هذه البيعة، في حين أن رأيا ثالثا يقول بكفاية بيعة شخص واحد لتحقق الإمامة للحاكم ويستدل من قال بهذا الرأي بعمل العباس بن عبد المطلب الذي قال لعلي بن أبي طالب: أمدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان, كما أننا نعلم أن آلية انتقال الحكم من أبو بكر إلى عمر تختلف عنها من عمر إلى عثمان إلى علي أبن أبى طالب، لكن المتتبع لمنطلقات هذه الآراء يكتشف إنها تمثل تصحيحا لحوادث تاريخية أكثر منها تأسيسا لآلية حكم محكمة .

لقد تم إنتاج ما يسمى بالرأسمال الرمزي الشيعي على أساس العلاقة بين علي والنبي وفي مواجهة ذلك أنشأ الأمويون رأسمالهم الرمزي السني. ونجد في كتاب الأشعري وقبله عند الشافعي هذا الدفاع عن قريش وعن الإجماع وتبرير الواقع التاريخي الذي حدث، وبدأت الصياغة اللاهوتية تنحو هذا المنحى - في نظرية أهل السنة - تبريراً لما حدث في التاريخ. فنجد الإشارة إلى وجود فتنة في اختيار أبي بكر وقى المسلمين شرها كما يقول عمر بن الخطاب، وجرى اختيار عمر بن الخطاب عن طريق تشاور أبي بكر مع بعض الصحابة، كما جرى اختيار عثمان عن طريق لجنة شكلها عمر بن الخطاب وراعى فيها العلاقات القبلية، أي تمثيل

"القوى السياسية" الموجودة آنذاك،

بمعنى انه لم يستند إلى نص تأسيسي (ديني ) للافتقار الواضح لهذه النصوص كي تؤطر مثل هذه الأمور .

لقد كان هناك نزوع لوضع التجربة التاريخية جزءاً من النص الديني، وقد أصبحت تلك كذلك فيما بعد وأطلق عليها اسم الإجماع، فمادام الناس قد أجمعوا على اختيار أبي بكر وعمر فإن هذا الاختيار صائب وصحيح، وسنجد أن هذه الفكرة تتنامى لتخرج من هذا النسق السياسي الضيق لتتحول إلى نسق سياسي أوسع ومثال على ذلك حين سٌمّي العام الذي تنازل فيه الحسن لمعاوية في الخلافة (عام الجماعة) وانتقل عام الجماعة من معناه السياسي الضيق إلى معناه الفقهي، وأصبح الإجماع مبدءاً فقهياً بينما هو في الأصل معالجة طارئة لوضع سياسي متأزم وبالتالي أصبحت نظرية الإمامة كلها تناقش من منظور الإجماع الفقهي،وهذه دلالة على أنه لا يوجد نص واضح وإلا لما كانت تلك الأزمات السياسية ذات لون فاقع في فجر الإسلام ونستشف هذا من خلال السرد التاريخي الذي يوضح كيفية وضع الخليفة أو الأمام ، فكل ما حدث هو معالجات ضرورية لسد ثغرة ليس إلا.

وعلي عبد الرزاق المفكر الإسلامي خريج جامعة الأزهر يقول حول الخلافة أو السلطة الدينية : هي خطط دنيوية صرفه، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهي عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إحكام ( العقل ) وتجارب الأمم وقواعد السياسة ، كما يؤكد أن أمر الخلافة لم يرد لها ذكر في القرآن ولا في سنة الرسول، ويضيف أن الرسول لم يعين قبل موته خليفة ملزم للمسلمين ولم يحدد نظاما للشورى أو البيعة ، وكل الذين تزعموا المسلمين من بعده بما فيهم الخلفاء الراشدين ، كانت زعامتهم مدنية أو سياسية وليست دينية على الإطلاق كما أن أبوبكر هو أول من أطلق على نفسه خليفة للمسلمين وأن بيعته كانت بيعة سياسية ملكية، وبالتالي فأن النظام الذي حكم به هو اجتهاد دنيوي لا علاقة له بالدين .
ويقول ألأمدي في القرن السادس الهجري : إن قضية الإمامة ليست قضية دينية، وإنه يستحسن على المسلم أن يتجاهل هذه القضية لأنه حتى إذا أحسن البحث فيها فهو في خطأ، ولكنه يعود فيقول بما أن المتكلمين يبحثون قضية الإمامة فليس أمامنا إلا أن نبحث هذه القضية. وهكذا أصبحت الإمامة جزءاً من بنية التفكير الديني وجزءاً من بنية النسق الديني

قد تكون بدأت شوريه ثم اختفت الشورى وأصبحت في ترشيح يزيد ( إما السيف وإما يزيد)، وعليه لا يمكن أن نطلق على هذا النظام بدولة الخلافة حسب المفهوم المعاصر فلم تكن هذه الدولة دولة دينية بالمعنى الدقيق أو بالمعنى الذي يسعى إليه البعض في إنشاء دولة دينية . إن التجربة التاريخية تقول بأن الخلفاء والسلاطين مارسوا الحكم في ظل إمبراطورية وتركوا المجال للسلطات المحلية حرية تطبيق القانون .

من المعلوم أن أهم شيء في التجمعات السياسية هي استخدام ( فن الممكن ) قدر المستطاع ، فالأحزاب القومية تلهب المشاعر بالعروبة ، والأحزاب القطرية تتحدث عن الوطنية والمستقبل والأحزاب العلمانية تتحدث عن العدالة وكذا الأشتراكيه، وهي كلها أمور دنيوية وأهداف معينة يسعى كل تنظيم أن يصل إليها من خلال وسائله المشروعة والمعقولة ، وهي تندرج تحت الفكر الإيديولوجي والذي نستطيع أن نعرفه بأن الإيديولوجية هي عبارة عن تنظيم لدية مجموعة من الأهداف التي يريد أن يحققها عبر طرق يملك آليتها هو فقط دون غيره ولا يتحقق ذاك الهدف بدونها، فهل الدين أيديولوجية حتى يحتكرها البعض ويحدد آليتها في الدنيا وتتجاوز ذلك بتحريك المخيلة نحو الآخرة.

الإسلام السياسي هو إخضاع الدين للسياسة أو استغلال الدين للوصول إلى الحكم وجعلها مطيه يزايد بها على باقي الأحزاب حيث انه يملك شعارات خيالية تعطي الحلول السريعة في الدنيا وتؤمن له مكان في الآخرة، وذلك نتيجة حالة الانكسار التي تعاني منها الأمة وحالة الضعف التي تجعل من العامة يرجعون تلقائيا إلى تراثهم فتتلقفهم تلك الجماعات وتجندهم لأهدافها تحت شعار الدين.

  والإسلام السياسي يعني في السياق هو ذاك النهج المتشدد الميال إلى التطرف، بعـكس تعبير ( الإسلامي ) والذي يحمل عكس دلالة التطرف وهو الاعتدال .

وبناء على ما ذكر فأن خروج جماعة تدعي ألأسلمه وتزايد عليه في مجتمع هو في الأساس مسلم بينما لو كانت تلك الجماعات خرجت في مجتمعات نصرانية مثلا لتقبلنا تلك التسمية لأنها هنا تريد أن تميز نفسها عن الغير ولكن خروجها وسط مجتمعات هي بالأصل إسلامية يضع أمامها أكثر من علامة استفهام ؟؟

وإدراكا لما تطرحه التسمية من التباسات وصعوبات، لجأ البعض إلى وضع تصنيف ميز فيه ثلاث مستويات أو بالأصح بيًن تسميات يحيل كل منها على نوع معين من الممارسة للإسلام :

أولا : الإسلام الشعبي ويرتبط بآليات التدين التقليدي .

ثانيا : الإسلام الرسمي الذي يرتبط بالمؤسسة الفقهية والتي تكون عادة جهازا أيديولوجيا تابعا للدولة

ثالثا : الإسلام السياسي ويحيل إلى الحركات " الإسلامية " ودعاة شعار ألأسلمه للدولة

  وهناك داخل الإسلام السياسي فوارق جوهرية فمنهم تيار معتدل كالإخوان برغم تطرف سيد قطب الواضح وهناك تيار متشدد كالجهادي والتكفير والهجرة وأخيرا قاعدة بن لادن ولكل منهما خطابة السياسي ، ويقول الراحل نصر حامد أبو زيد أن الخلاف بين الاعتدال والتطرف هو في واقع الأمر خلاف بين تطبيق المبدأ وليس بين المبدأ ذاته .

وبعد أن بينا أنه لا تشريع حقيقي أو نص تأسيسي واضح يبين آلية الحكم وكيفية طرقها وأنها وعبر كل مراحل التاريخ كانت تخضع للظروف السياسة والاجتماعية، يحق لنا أن نضع هذه الأسئلة الآن وهي عن كيفية حكم الوالي أو السلطان أو الخليفة ، ومن هم أهل الحل والعقد، وكم عددهم، ومن يختارهم، وكيفية يتم تداول السلطة من حاكم إلى آخر ، وكم هي مدة الحاكم في الحكم ، كلها أمور مبهمة عجز الخطاب السياسي الديني أن يفصح أو يعطي أجوبة مقنعة عنها لأن ذلك يلزمه بمرجعية نصوصية لكل ما سيتحدث عنه وهو يعلم أن النص غير موجود ولا يمكن خلقه من العدم، لذا تظل حالة الإبهام والغموض والتخفي خلف شعارات كبيرة دون التعرض للتفاصيل هي ديدن ذلك الفكر.

وتظل أهم نقطة في تاريخنا كله وهي معركة رفع المصاحف وواقعة الجمل وهي أكبر دليل على أن السياسة تندرج تحت بند ( أنتم أعلم بأمور ديناكم ) وإلا لكان لنا أن نضطر مرغمين لتكفير أحد الجماعات المتقاتلة على اعتبار أن الدين هو الحكم وهو القائد في الدولة المفترضة، وفي الدين أن لم تكن معي فأنت حتما في الجهة المقابلة الأخرى المظلمة، ولكن تم استبعاد الدين عن السياسة و اعتبرت تلك المعارك من أجل القيادة والزعامة لا أقل ولا أكثر .

المراجع:

*الإسلام السياسي والحداثة تأليف إبراهيم عراب

*السياسة بين الحلال والحرام تأليف تركي الحمد

* السياسة والعرب أين الخلل تأليف محمد جابر الأنصاري

* الاستغلال الديني في الصراع السياسي تأليف محمد السماك

*نقد الخطاب الديني تأليف نصر حامد أبو زيد

*الفكر العربي وصراع الأضداد تأليف محمد جابر الأنصاري

*نقد الخطاب العربي تأليف محمد عابد الجابري

*الإسلام واصول الحكم علي عبد الرزاق

يني واضح يبين آليات وأدوات واسآسيات الدولة الدينية ؟

هذا السؤال موجه لرافعي شعار ( الإسلام هو الحل ) وإدعائهم بأن الدولة الدينية لها مرجعية واضحة ولا خلاف عليها، وهذا ما سنحاول إثبات عدم حقيقته لأنه ومن خلال استعراض القرآن والسنة النبوية الموثقة أعتقد أنه يصعب الحديث عن نسق فكري يحدد ماهية السلطة أو ماهية الحكم الإسلامي الديني بالمعنى السياسي وهو ما يذكر بأدبياتهم بـدولة ( الخلافة ).

هناك من يقول أن الرسول حين خرج من مكة وتحالف مع أهل المدينة كانت تلك بذرة نشوء دولة إسلامية، ويحق لنا أن نتساءل، هل إن هذه الوثيقة ( وثيقة المدينة ) والتحالف تعكس وعياً أو مفهوماً يمكن إخراجه إخراجاً تاماً من سياق الحياة العربية (التحالفات القبلية والأحلاف) إلى مفهوم الدولة بمعناها الحقيقي ؟ ألا تعكس هذه الوثيقة تحالفاً بين الجماعة المسلمة وبين سكان المدينة سواء كانوا يهوداً أو مشركين على ضرورة الاتفاق على حماية المدينة التي يعيشون فيها؟ من الممكن القول إن الأمر اتفاق سياسي ومن الصعوبة والخطورة الزعم بأن الأمر اتفاق سياسي بالمعنى العاصر، فلابد أن نضع الأمر في إطاره التاريخي. ويمكن القول إن النبي مارس دوراً له دلالات سياسية، دور رئيس المجتمع وقائده، ومارس صلاحيات ذات طابع سياسي. ولكن هل كان في ضمير النبي ووعيه وأقواله ما يمكن أن يقال إنه ينشئ دولة بالمعنى الحديث؟ هذا سؤال مفتوح .

عشية وفاة النبي وقبل دفن جثمانه دار حوار في اجتماع سقيفة بني ساعدة. يقول الطبري كانت هناك ثلاثة معسكرات - ويتحدث والرواية منسوبة إلى عمر بن الخطاب - علي ابن أبي طالب والمهاجرين وأهل المدينة، وبينما كان علي مشغولاً بدفن جثمان النبي، اجتمع أهل المدينة وخشي عمر أن يحاول أهل المدينة أن يجتثوا المهاجرين من الأمر، والحوار الذي دار بين المهاجرين والأنصار لا يعكس مفهوماً للحكم وللدولة ولا يعكس أي منظور دين، إن المهاجرين كانوا يرون أن لهم الحق في أن يكونوا من ذوي السلطة في هذا المجتمع الجديد لأنه وبدون الهجرة كانت التجربة الإسلامية يمكن أن تتعرض لمصير آخر، وقالوا إن العرب لن تقبل إلا أن يكون هذا الأمر في قريش، والحديث هنا جرى عن تقاليد راسخة وإمكانيات القبول العربي من عدمه، بينما الأنصار رأوا أنهم أحق بالخلافة لأنهم نصروا النبي وساندوه وقويت شكوته بهم، وهذا الشيء أيضا لا يقع ضمن الإطار العام للدولة بقدر ما هي رغبة بدائية في تبادل الحكم كنوع من أنواع رد الجميل ولا شيء آخر غيره،

وعند الحديث عن خلافة أبي بكر، لا نجد إلا في المراجع المتأخرة كلاماً عن أن النبي نص أن تكون الخلافة في قريش، بينما في الروايات المبكرة يدور الحوار حول ماذا يقبل العرب؟، هل يقبل العرب أن يكون هذا الأمر في قريش أم في غير قريش؟ الأمر هنا ومن خلال هذا السياق كان بحثا عن سلطة لم يسعوا فيها لطرح فكر سياسي ديني .

فعلى الجانب السني نجد أن الشورى التي هي مبدأ أساسي من المبادئ الإسلامية العامة تتسع لتشمل الجانب السياسي في الدولة بحيث يجب على الحاكم العمل بها استنادا إلى الآية الكريمة «وشاورهم في الأمر» وهذه الآلية تتبلور في مبايعة أهل الحل والعقد له، وهذا الأمر يبدو عقلانيا، ولكن المعضلة تكمن في تحديد مواصفات أهل الحل والعقد وعددهم وطريقة حسم الأمور عند الاختلاف, لذا نجد التباين واضحا في آراء الفقهاء السنة في هذه الأمور وبشكل خاص في تحديد عدد أهل الحل والعقد، فمنهم من ذهب إلي اشتراط خمسة أشخاص على الأقل استنادا إلى بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة إذ اتفق خمسة من الصحابة ثم تابعهم الناس على ذلك، وبعضهم اكتفى بثلاثة من أهل الحل والعقد يعقدون الخلافة لأحدهم ويشهد الاثنان الآخران على هذه البيعة، في حين أن رأيا ثالثا يقول بكفاية بيعة شخص واحد لتحقق الإمامة للحاكم ويستدل من قال بهذا الرأي بعمل العباس بن عبد المطلب الذي قال لعلي بن أبي طالب: أمدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان, كما أننا نعلم أن آلية انتقال الحكم من أبو بكر إلى عمر تختلف عنها من عمر إلى عثمان إلى علي أبن أبى طالب، لكن المتتبع لمنطلقات هذه الآراء يكتشف إنها تمثل تصحيحا لحوادث تاريخية أكثر منها تأسيسا لآلية حكم محكمة .

لقد تم إنتاج ما يسمى بالرأسمال الرمزي الشيعي على أساس العلاقة بين علي والنبي وفي مواجهة ذلك أنشأ الأمويون رأسمالهم الرمزي السني. ونجد في كتاب الأشعري وقبله عند الشافعي هذا الدفاع عن قريش وعن الإجماع وتبرير الواقع التاريخي الذي حدث، وبدأت الصياغة اللاهوتية تنحو هذا المنحى - في نظرية أهل السنة - تبريراً لما حدث في التاريخ. فنجد الإشارة إلى وجود فتنة في اختيار أبي بكر وقى المسلمين شرها كما يقول عمر بن الخطاب، وجرى اختيار عمر بن الخطاب عن طريق تشاور أبي بكر مع بعض الصحابة، كما جرى اختيار عثمان عن طريق لجنة شكلها عمر بن الخطاب وراعى فيها العلاقات القبلية، أي تمثيل

"القوى السياسية" الموجودة آنذاك،

بمعنى انه لم يستند إلى نص تأسيسي (ديني ) للافتقار الواضح لهذه النصوص كي تؤطر مثل هذه الأمور .

لقد كان هناك نزوع لوضع التجربة التاريخية جزءاً من النص الديني، وقد أصبحت تلك كذلك فيما بعد وأطلق عليها اسم الإجماع، فمادام الناس قد أجمعوا على اختيار أبي بكر وعمر فإن هذا الاختيار صائب وصحيح، وسنجد أن هذه الفكرة تتنامى لتخرج من هذا النسق السياسي الضيق لتتحول إلى نسق سياسي أوسع ومثال على ذلك حين سٌمّي العام الذي تنازل فيه الحسن لمعاوية في الخلافة (عام الجماعة) وانتقل عام الجماعة من معناه السياسي الضيق إلى معناه الفقهي، وأصبح الإجماع مبدءاً فقهياً بينما هو في الأصل معالجة طارئة لوضع سياسي متأزم وبالتالي أصبحت نظرية الإمامة كلها تناقش من منظور الإجماع الفقهي،وهذه دلالة على أنه لا يوجد نص واضح وإلا لما كانت تلك الأزمات السياسية ذات لون فاقع في فجر الإسلام ونستشف هذا من خلال السرد التاريخي الذي يوضح كيفية وضع الخليفة أو الأمام ، فكل ما حدث هو معالجات ضرورية لسد ثغرة ليس إلا.

وعلي عبد الرزاق المفكر الإسلامي خريج جامعة الأزهر يقول حول الخلافة أو السلطة الدينية : هي خطط دنيوية صرفه، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهي عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إحكام ( العقل ) وتجارب الأمم وقواعد السياسة ، كما يؤكد أن أمر الخلافة لم يرد لها ذكر في القرآن ولا في سنة الرسول، ويضيف أن الرسول لم يعين قبل موته خليفة ملزم للمسلمين ولم يحدد نظاما للشورى أو البيعة ، وكل الذين تزعموا المسلمين من بعده بما فيهم الخلفاء الراشدين ، كانت زعامتهم مدنية أو سياسية وليست دينية على الإطلاق كما أن أبوبكر هو أول من أطلق على نفسه خليفة للمسلمين وأن بيعته كانت بيعة سياسية ملكية، وبالتالي فأن النظام الذي حكم به هو اجتهاد دنيوي لا علاقة له بالدين .
ويقول ألأمدي في القرن السادس الهجري : إن قضية الإمامة ليست قضية دينية، وإنه يستحسن على المسلم أن يتجاهل هذه القضية لأنه حتى إذا أحسن البحث فيها فهو في خطأ، ولكنه يعود فيقول بما أن المتكلمين يبحثون قضية الإمامة فليس أمامنا إلا أن نبحث هذه القضية. وهكذا أصبحت الإمامة جزءاً من بنية التفكير الديني وجزءاً من بنية النسق الديني .


قد تكون بدأت شوريه ثم اختفت الشورى وأصبحت في ترشيح يزيد ( إما السيف وإما يزيد)، وعليه لا يمكن أن نطلق على هذا النظام بدولة الخلافة حسب المفهوم المعاصر فلم تكن هذه الدولة دولة دينية بالمعنى الدقيق أو بالمعنى الذي يسعى إليه البعض في إنشاء دولة دينية . إن التجربة التاريخية تقول بأن الخلفاء والسلاطين مارسوا الحكم في ظل إمبراطورية وتركوا المجال للسلطات المحلية حرية تطبيق القانون .

من المعلوم أن أهم شيء في التجمعات السياسية هي استخدام ( فن الممكن ) قدر المستطاع ، فالأحزاب القومية تلهب المشاعر بالعروبة ، والأحزاب القطرية تتحدث عن الوطنية والمستقبل والأحزاب العلمانية تتحدث عن العدالة وكذا الأشتراكيه، وهي كلها أمور دنيوية وأهداف معينة يسعى كل تنظيم أن يصل إليها من خلال وسائله المشروعة والمعقولة ، وهي تندرج تحت الفكر الإيديولوجي والذي نستطيع أن نعرفه بأن الإيديولوجية هي عبارة عن تنظيم لدية مجموعة من الأهداف التي يريد أن يحققها عبر طرق يملك آليتها هو فقط دون غيره ولا يتحقق ذاك الهدف بدونها، فهل الدين أيديولوجية حتى يحتكرها البعض ويحدد آليتها في الدنيا وتتجاوز ذلك بتحريك المخيلة نحو الآخرة.

الإسلام السياسي هو إخضاع الدين للسياسة أو استغلال الدين للوصول إلى الحكم وجعلها مطيه يزايد بها على باقي الأحزاب حيث انه يملك شعارات خيالية تعطي الحلول السريعة في الدنيا وتؤمن له مكان في الآخرة، وذلك نتيجة حالة الانكسار التي تعاني منها الأمة وحالة الضعف التي تجعل من العامة يرجعون تلقائيا إلى تراثهم فتتلقفهم تلك الجماعات وتجندهم لأهدافها تحت شعار الدين.

  والإسلام السياسي يعني في السياق هو ذاك النهج المتشدد الميال إلى التطرف، بعـكس تعبير ( الإسلامي ) والذي يحمل عكس دلالة التطرف وهو الاعتدال .

وبناء على ما ذكر فأن خروج جماعة تدعي ألأسلمه وتزايد عليه في مجتمع هو في الأساس مسلم بينما لو كانت تلك الجماعات خرجت في مجتمعات نصرانية مثلا لتقبلنا تلك التسمية لأنها هنا تريد أن تميز نفسها عن الغير ولكن خروجها وسط مجتمعات هي بالأصل إسلامية يضع أمامها أكثر من علامة استفهام ؟؟

وإدراكا لما تطرحه التسمية من التباسات وصعوبات، لجأ البعض إلى وضع تصنيف ميز فيه ثلاث مستويات أو بالأصح بيًن تسميات يحيل كل منها على نوع معين من الممارسة للإسلام :

أولا : الإسلام الشعبي ويرتبط بآليات التدين التقليدي .

ثانيا : الإسلام الرسمي الذي يرتبط بالمؤسسة الفقهية والتي تكون عادة جهازا أيديولوجيا تابعا للدولة

ثالثا : الإسلام السياسي ويحيل إلى الحركات " الإسلامية " ودعاة شعار ألأسلمه للدولة

  وهناك داخل الإسلام السياسي فوارق جوهرية فمنهم تيار معتدل كالإخوان برغم تطرف سيد قطب الواضح وهناك تيار متشدد كالجهادي والتكفير والهجرة وأخيرا قاعدة بن لادن ولكل منهما خطابة السياسي ، ويقول الراحل نصر حامد أبو زيد أن الخلاف بين الاعتدال والتطرف هو في واقع الأمر خلاف بين تطبيق المبدأ وليس بين المبدأ ذاته .

وبعد أن بينا أنه لا تشريع حقيقي أو نص تأسيسي واضح يبين آلية الحكم وكيفية طرقها وأنها وعبر كل مراحل التاريخ كانت تخضع للظروف السياسة والاجتماعية، يحق لنا أن نضع هذه الأسئلة الآن وهي عن كيفية حكم الوالي أو السلطان أو الخليفة ، ومن هم أهل الحل والعقد، وكم عددهم، ومن يختارهم، وكيفية يتم تداول السلطة من حاكم إلى آخر ، وكم هي مدة الحاكم في الحكم ، كلها أمور مبهمة عجز الخطاب السياسي الديني أن يفصح أو يعطي أجوبة مقنعة عنها لأن ذلك يلزمه بمرجعية نصوصية لكل ما سيتحدث عنه وهو يعلم أن النص غير موجود ولا يمكن خلقه من العدم، لذا تظل حالة الإبهام والغموض والتخفي خلف شعارات كبيرة دون التعرض للتفاصيل هي ديدن ذلك الفكر.

وتظل أهم نقطة في تاريخنا كله وهي معركة رفع المصاحف وواقعة الجمل وهي أكبر دليل على أن السياسة تندرج تحت بند ( أنتم أعلم بأمور ديناكم ) وإلا لكان لنا أن نضطر مرغمين لتكفير أحد الجماعات المتقاتلة على اعتبار أن الدين هو الحكم وهو القائد في الدولة المفترضة، وفي الدين أن لم تكن معي فأنت حتما في الجهة المقابلة الأخرى المظلمة، ولكن تم استبعاد الدين عن السياسة و اعتبرت تلك المعارك من أجل القيادة والزعامة لا أقل ولا أكثر .

المراجع:

*الإسلام السياسي والحداثة تأليف إبراهيم عراب

*السياسة بين الحلال والحرام تأليف تركي الحمد

* السياسة والعرب أين الخلل تأليف محمد جابر الأنصاري

* الاستغلال الديني في الصراع السياسي تأليف محمد السماك

*نقد الخطاب الديني تأليف نصر حامد أبو زيد

*الفكر العربي وصراع الأضداد تأليف محمد جابر الأنصاري

*نقد الخطاب العربي تأليف محمد عابد الجابري

*الإسلام واصول الحكم علي عبد الرزاق