يحمل بصمات القاعدة
بقلم/ عبد الرزاق الجمل
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و يومين
الإثنين 16 أغسطس-آب 2010 09:11 م

العملية الوحيدة التي يمكن أن نقول بأنها تحمل بصمات القاعدة، هي العملية الانتحارية، أما ما عدا ذلك فيمكن محاكاته بسهولة، حتى لو سلمنا بأن لعمليات القاعدة بصمات خاصة، فلا يعني ذلك أن ننسب كل هجوم يحمل هذه البصمات إليها.. عملية خطف وقتل الأطباء الألمان نُسبتْ للقاعدة في بداية الأمر، ثم ظهر ما هو عكس ذلك، ولو لم تكن السلطة بحاجة إلى تجريم الحوثيين، لبقيت القاعدة متهمة حتى يومنا هذا..

يستطيع كل طرف من أطراف الصراع أن يقوم بعمليات تحمل بصمات القاعدة. السلطة الحاكمة، وجـماعة الحـوثي، والحراك، وتنظيم القاعدة أيضا، ويستطيع الجميع أن يصدروا بيانات باسم القاعدة تتبنى تلك العمليات..

كثرت حوادث استهداف الجنود مؤخرا في بعض المحافظات الجنوبية، وكـل هجوم يـوصف بأنه "يحمل بصمات القاعدة" والغريب أن تسارع القاعدة إلى تبني مثل تلك العمليات التي تتناقض مع تاريخها كما وكيفا، والأغرب أن تسـارع السلطـات إلى توجـيـه التهمة لـهذا التنظـيم، فالمعروف عن القاعدة أنها لا تستهدف الجنود ابتداءً، ولو كان هذا ضمن إستراتيجيتها لحفل تاريخها بكم هائل من هذه العلميات، في جنوب الوطن وفي شماله وشرقه وغربه، وليس في الجنوب فقط، فليس هناك ما هو أسهل من استهداف جنود آمنين في قارعة الشوارع..

لا أدري لماذا تسارع السلطات أيضا إلى استبعاد تورط الحراك في تلك العمليات، حتى قبل إجراء التحقيقات فيها..؟!!.. أما الحراك فيكتفي عادةً بإعلان التشفي من تلك العمليات ولا يكلف نفسه عناء نفي التهمة عنه، لأنها لم توجه إليه أصـلا، رغم أن معظم تلك العمليات يتطابق كثيرا مع مفرداته وشعاراته وأهدافه، حيث يرى في أفراد القوات المسلحة أدوات تابعة لنظام الاحتلال حسب تعبيره..

أيضا.. من خلال وصف تلك العمليات بأنها "تحمل بصمات القاعدة" لم تترك السلطة لغير هذا التنظيم أية قدرة على إبداع عمليات تحمل بصمات المهربين أو بصمات اللقاء المشترك أو بصمات الحراك، حتى لو بصم "بن لادن" بالعشر على عدم مسئولية تنظيمه عن معظم تلك الوقائع..

حالة الفلتان الأمني في بعض المحافظات الجـنوبية، لا تمثل فرصة للقاعدة كي تستهدف الجنـود، فاستهداف كـهذا لا يحتاج إلى تلك الحالة، لإمكانية القيام به في كل حال، إضافة إلى أن لفت الأنظار بهذا الشكل سيحرمها من استغلال حالة الفوضى لما هو أكـبر واهـم من ذلك، حيث يتركز اهتمامها، في مثل هذه المنـاطق، على التخطيط للعمليات وتصديرها فقط..

والعمليات التي تُـعِـد وتخطـط لها، تقتـصر على المصالح الأجنبية وما له علاقة بها. هذا ما أعرفه عنها وما يتطابق مع تاريخها وأدبياتها، فمن العمليات التي نفذتها وحملت بصماتها في الجنوب على سبيل المثــال .. استهـداف المدمرة الأمريكية "كول".. والناقلة الفرنسية "لمبورج".. إضافة إلى حوادث استهداف سياح غربيين قبل هاتين العمليتين..

خارج الجنوب، لم تقم القاعدة بعمل كهذا، وإذا عدنا إلى أقرب تواريخ عملياتها، سنجد أنها استهدفت سفارات أجنبية، وسفراء وسياح أجانب، في محافظة صنعاء ومحافظة مأرب وفي غيرهما من المحافظات اليمنية في الشمال.. وإذا استهدفت القاعدة مسئولا حكوميا، كالضابط بسام الشرجبي رئيس قسم التحريات بمباحث مأرب، فلأسباب أخرى لا علاقة لها بكونه مسئولا تابعا لنظام يتعقبها في كل مكان..

قبل سنة من الآن، أطلق عناصر من تنظيم القاعدة سراح سبعة جنود وقعوا في الأسر، بعد مواجهات عنيـفة دارت بين الطرفيـن في منـطقة آل شبوان بمحافظة مـأرب، ولم يقوموا بتصفيتهم جـسديا، ولا باستخدامهم كورقة للضغط على الحكومة، رغم اشتراكهم في القتال ضدهم.. وفي إصدار صدى الملاحم التالي لهذه الواقعة، علقتْ القاعدة على إطلاق سراح الأسرى من الجنود : "إن معركتنا ليستْ مع العسكر.. وتاريخ المجاهدين يشهد أنهم لم يتعرضوا إلا لمن وقف في طريقهم"..

إذن.. هناك من يهمه بقاء الوضع خارج السيطرة في بعض المحافظات الجنوبية، بل ويعمل لذلك، حتى يحمِّـل الفوضى كل ما يحدث، وحتى يستفيـد مما يحدث فيها أيضا، بل إن هذا هو الهدف الرئيس من خلقها وتوسيع دائرتها..

لم يعد الحراك مجرد جماهير غاضبة تخرج إلى الشوارع للمطالبة بحقوقها. لقد تحول إلى كيـانات لها تنظيمها وعملها السري الخـاص، وارتباطاتـها الخـاصة أيـضا.. وإذا عدنا إلى لغتـه، سنجد أن هناك تنافرا كبيرا بينها وبين الحديث عن النضال السلمي..

إنهم يتحـدثـون عن احتلال ومتـحل، وعن استقـلال وتحـرير، وكل مفردة من هـذه المفردات، تتطلب عملا مسلحا، في الثقافة الثورية، وليس نضالا سلميا.. هم بحاجة إذن، إلى رفع شعار النضال السلمي ظاهرا، وإلى ممارسة العمل المسلح باطنا.. بذلك الشكل.

شهر مبارك وكل عام والجميع بخير.