من خسر أسلحة أكثر.. روسيا في سوريا أم أميركا في أفغانستان؟ كشف بخسائر تفوق الوصف والخيال تصريح جديد للرئيس أردوغان يغيض المحور الإيراني ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقود تحركا مع العراق لبحث التداعيات في سوريا عاجل تكريم شرطة حراسة المنشآت في عدد من المكاتب والمؤسسات بمأرب احتفاء بيوم الشرطة العربي مجلس الأمن الدولي بإجماع كافة أعضائه الـ15 يتبنى قرارا بخصوص سوريا تحركان عسكريان أحدهما ينتظر الحوثيين في اليمن وسيلحق بهم عواقب وخيمة وطهران لن تستمر في دعمهم منتخب اليمن يخوض خليجي 26 بآمال جديدة تحت قيادة جديدة اليمن تشارك في مؤتمر احياء الذكرى السبعين للمساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية المجلس الرئاسي في اليمن ينتظر دعما دوليا دعما لخطة الانقاذ وبشكل عاجل دراسة تكشف عن المحافظة اليمنية التي ستكون منطلقا لإقتلاع المليشيات الحوثية من اليمن
لقد لفت انتباهي قبل قليل في "المكلا اليوم" عنوان مقال للأستاذ القدير عبدالله عمر باوزير رئيس لجنة الخدمات بمحلي حضرموت حيث كان العنوان "نريدها مصارحة ولا نريدها مناطحة" فتوقعت حينها ان المقال يتحدث عن الحوار الوطني والمناطحات العسكرية الميدانية التي انهكت الوطن.
ولكن بعد استعراضي السريع للمقال والمقالات المرتبطة به وجدت الأمر مختلفاً، حيث وجدته يتعلق بحالة التوتر غير المبررة بين علمين من أعلام حضرموت لهم من الثقل الاجتماعي والمكانة الرفيعة وهو ما جعل مداخلات القراء الكرام على مقالات التوتر المنشورة من الطرفين تتجه نحو ضرورة إصلاح هذه الحالة امتثالاً لقوله تعالى "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" الحجرات: 10، ورغم العادات غير السوية التي سادت مجتمعنا؛ كمثل ردع الأذى بالأذى ورد الشتم والتحقير بالشتم والتحقير، إلا إن دعاة الخير - من رواد هذا الموقع الخير والعارفين لنوايا الطرفين الخيرة وقلوبهم البيضاء وحبهم وولائهم الأكيد لوطنهم وأمتهم - قد جعلهم يخشون أن تؤثر هذه الرسائل سلباً على علاقات الأخوة بين من يشكلون رموز وقدوة لمجتمعنا منطلقين من حديث رسول الله (ص) الذي رواه أبو هريرة "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره", فملاحظتي اليوم لهاجس تفكير القارئ الكريم بالمصارحة والمناطحة جعلتني أجدها مناسبة لأن ندردش ونتساءل قليلا هذا اليوم حول ثقافة المصارحة والمناطحة الوطنية ودلالاتها.
لماذا حوارات المصارحة لا جدل المناطحة؟
ان نموذج حالة المناطحة التي تعيشها اليمن في صعده وفي عدد من المحافظات الجنوبية اليوم والتي ألقت بظلالها على الوطن كاملا قد وصف علاجها كل خبراء العلاقات الإنسانية في العالم – خلال مؤتمر لندن الأخير- بأنه يكمن في الحوار الصريح الصادق، منطلقين من اعتبار الحوار وسيلة التفاهم بين البشر المتحضر، مستنكرين ان يغيب هذا السلوك الحضاري لدى شعب عرف التحضر قبل العالم، واعتبرهم رسول الله (ص) أهل الحكمة والإيمان في الحديث الصحيح "الإيمان يمان والحكمة يمانية".
وإذا كان علاج أزماتنا كما يراها العالم تكمن في الحوار الصادق الحر الذي لاتقف أمامه حدود إلا حدود الشرع والقانون. بحيث يسوده الاحترام الشخصي المتبادل من قبل المتحاورين، فيعتمد المحاور الملاطفة التي تمنع ظهور العداء الشخصي أو تخفف من حدته باستخدام المرونة في الحوار وعدم التشنج، ومقابلة الفكرة بفكرة تصححها أو تكملها، وقبول الاختلاف، والصبر على فكرة المحاور حتى لو اعتقد خطأها منذ البداية، ليؤدي ذلك إلى التواضع وعدم الاستعلاء على الطرف الآخر وفكرته، والابتعاد عن لغو الكلام والإطناب الذي لا طائل منه، بحيث لايخوض المحاور فيما لا يثري المحاورة، قال تعالى: "والذين هم عن اللغو معرضون" (المؤمنون:3) وفي الحديث الشريف: "طوبى لمن أمسك الفضل من لسان" فالابتعاد عما لا يفيد في الحوار يحفظ هيبة المحاور، ويحفظ وقته، وأوقات الآخرين، فحسن الكلام في الحوار وتوضيح المضمون باستخدام ما يفهم من التعابير دون تقعّر أو تكلّف، يعد أساسا للحوار الناجح، ففي الحديث الصحيح: "هلك المتنطعون" وكذلك: "إن أبغضكم إليّ وأبعدكم عني مجلسًا الثرثارون والمتفيهقون والمتشدقون", كما ان السير بموضوعية في الحوار، بإتباع المنهج العلمي، والبحث عن الحجة الصحيحة، وقبول الرأي الآخر إذا كان مقنعًا، يضمن ان يكون التحاكم أساسه المنطق السليم.
فمن هذا يمكن ان نتساءل عن أسباب فشل الحوارات الوطنية اليمنية وهروب الأطراف من التحاور –الذي أدى إلى تأجيل مواعيد محاولات التحاور مرة تلو الأخرى- وتشاؤم الشعب لشعورهم بكثرة عوائق لقاءات الحوار وكثرة مايسودها من تعصب وإطناب في إظهار النفس مع عدم الرغبة في إظهار الحق. فالمتتبع لوسائل الإعلام الرسمية والمعارضة يلاحظ أخذها اتجاهاً من ألمراء المذموم واللجاجة في الجدل، ومحاولة الانتصار للنفس ولو على ذبح الحقيقة، او ذبح الوطن كاملا، واتخاذ الجدل شكلا من المناكفة بدلا من المحاججة بالتي هي أحسن قال تعالى: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن" النحل: 125، فحالة تفرغ وسائل الإعلام الحكومية والمعارضة للغو المجادلة بعيداً عن المناقشة العلمية الهادفة لقضايا الوطن الهامة يوحي بحالة من غياب الحكمة اليمانية والتخبط والضلال قال رسول الله (ص) "فما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" رواه الترمذي وصححه، كما ان الإصرار على الاستمرار في هذا ألمراء بصورة مبددة للوقت والجهد يعد عبثاً وطنيا منهي عنه قال صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك ألمراء وإن كان محقًا" رواه أبو داود بسند حسن. فهذا الوقت المهدور من عمر الأمة اليمنية في المنازعات والمشاحانات وافتعال الأزمات يذكرني بقول أبي محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني رحمه الله:
لا تفنِ عمرك في الجدال مخاصما إن الجـدال يـخـل بـالأديـان
واحذر مجادلـة الرجـال فإنهـا تدعو إلـى الشحنـاء والشنـــــآن
كما ان لجيج قناتي عدن والفاضئة اليمنية الذي لا أراه يعزز الحجج بل يزيد التناحر بقول والتدابر الوطني بقول الشافعي رحمه الله:
وإياك اللجوج ومن يرائي بأني قد غلبت ومن يفـاخـر
فإن الشر في جنبات هـذا يمنِّي بالتقـاطـع والـتدابـر
وعليه فان سؤالي الموجه للقارئ الكريم، متى سيكف حزبنا الحاكم عن هذا التعصب الأعمى ومحاولات الانتصار للذات ولو على ذبح الحقيقة؟ متى سيعترف حزبنا الحاكم بحالة الفساد المتفشية في البلاد التي تعد أساساً لكل المشاكل، وسيسعى لمواجهتها؟ ومتى سيحاسب مستغلي السلطة لتدمير ونهب البلاد والعباد؟ ومتى ستكف أحزابنا وتياراتها المعارضة عن هذا اللجيج الذي لايخدم تبيان الحقيقة ولا يقود إلى الحوار والمصارحة بل إلى المزيد من الجدل والمناطحة.