أربعة أسماء في الحرب السادسة
بقلم/ كاتب/علي الغليسي
نشر منذ: 15 سنة و يوم واحد
الثلاثاء 15 ديسمبر-كانون الأول 2009 06:47 م

الناطقون باسم الحوثي والجيش والحكومة والمشترك.. مقارنة ليس إلا!!

تصدَّرت اليمن خلال الأربعة الأشهر الماضية أخبار الصحف والفضائيات، وكلما اشتدت ضراوة الحرب في صعدة وازداد الحراك في الجنوب، كانت الأولوية في وسائل الإعلام لليمن قبل العراق وأفغانستان والصومال، وذلك الأمر لا شك أنه يتيح المجال لظهور عدد من الأسماء التي يجري استقطابها والتواصل معها للتحليل والاستفسار عن مواقف سياسية معينة، وهنا يجري استثمار أزمات البلاد من قبل البعض للبروز الإعلامي والظفر بأي منبر لتسديد أكثر من هدف ضد الخصوم السياسيين.

الحرب السادسة في صعدة باعتبارها الحدث الحاضر ساهمت في بروز أسماء أربع شخصيات كانت محط أنظار الرأي العام بالرغم من كثرة المحللين وضيوف القنوات الفضائية، وقد جاء الاهتمام بالأربعة؛ نتيجة تسنٌّم كل منهم منصب (ناطق) وهو الأمر الذي فرض عليهم البقاء في واجهة الأحداث، وبالرغم من اختلاف مستويات الأداء وتباين وجهات النظر تبعاً لمواقف الجهات التي يُمثِّلونها وهي (الحكومة، الجيش، الحوثي، المشترك) لا يزال الناطق باسم الحوثي أكثر الأسماء التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية نظرا لغموض الشخصية وقوة الأداء، وسنتناول ذلك بشكل أوسع في ثنايا هذه التناولة التي تُسلِّط الضوء على الناطقين الأربعة وإلى أي مدى وصلت أصواتهم في هذه الحرب التي لا تسمح ظروفها سوى بارتفاع أصوات الرصاص.

*ناطق الحوثي .. جبهة حوثية مجهولة

يحتفظ محمد عبدالسلام الناطق باسم الحوثي بكونه الوحيد من بين الناطقين الذين لا تعرف وسائل الإعلام صورته ولا اسمه الحقيقي، وهو الأمر الذي يُضاعف علامات الاستفهام مع تزايد التساؤلات الرامية إلى معرفة من يقف خلف ذلك الصوت، ومن تكون تلك الشخصية الغامضة التي نجحت في فتح جبهة إعلامية توازي قوتها وتأثيرها ما يدور من قتال ومواجهات في مختلف الجبهات الميدانية.

المتداول في الأوساط الإعلامية والسياسية أن (محمد عبدالسلام) هو اسم مستعار لشخصية من أسرة ذات ثقل شعبي في صعدة، وقد اختار التخفي وراء ذلك الاسم كي يُجنِّب أسرته أية مضايقات من قبل السلطة؛ لإدراكه حجم التبعات التي قد تنتج عن وجوده في منصب (ناطق) لأثره البالغ ودوره المتعاظم في مثل تلك الحروب، مع أن هناك عدد من التناولات الصحفية حاولت فك شفرة الغموض التي تحيط بناطق الحوثيين إلا أنها لم تصل إلى أي نتيجة من شأنها الكشف عن هوية ذلك الشخص، ولم تكن تلك التحليلات سوى زيادة في التخبط، حيث ذهبت إلى القول بأنه صوت ليس غريباً على الوسط الإعلامي وإنه لشخص من صعدة كان يعمل في إحدى الصحف بصنعاء مع أن أسماء الصحفيين من صعدة محدودة جداً، وتارة تقول: إنه لشخصية موجودة في صنعاء، أو أنه أحد خريجي سوريا من أبناء صعدة، وأحياناً يتم إيراد اسم (عبدالسلام صلاح فليته)، وهنا ينبغي ألا ننشغل بالاسم أكثر من الأداء حيث إن محمد عبدالسلام بالرغم من حداثة انضمامه للحوثيين نهاية الحرب الخامسة -بحسب معلومات مؤكدة- ومع استلامه مهمته في الإعلام الحربي للحوثي في الحرب السادسة وهي فترة زمنية متقاربة فقد استطاع أن يكسب ثقة زعيم الحوثيين بسرعة بالغة، وقد كان فعلاً عند حجم الثقة حيث إنه لم يستسلم لحالة الحظر المفروضة حكومياً على جبهات القتال، فمقاطع الفيديو التي كان يتخلل معظمها صوته لم ينقطع وصولها إلى (إيميلات) الصحفيين والتي لولاها ما استطاع أحد أن يشاهد بالصوت والصورة ما يدور في صعدة وصوته كان حاضراً باستمرار في القنوات الفضائية متجاوزاً غياب الاتصالات عن صعدة، وما أثار إعجاب الرأي العام هي الحجة القوية التي كان يُقارع بها ممثلي السلطة والجيش والتي كانت ترمي –دوماً- إلى تصوير أن الحوثيين في جهة الصواب وفي مواطن الحق، يضاف إلى ذلك سلامة لغته أثناء التصريحات واسترساله في الطرح دون تكلُّف أو تناقض ببلاغة عجيبة وثقافة واسعة تبحث عن القواسم المشتركة مع الشعب وتبتعد عن التجريح والشخصنة التي يُفرط بها يحيى الحوثي كواحد ممن يصبون الزيت على النار ويزيدون من حالة السخط الشعبي على جماعة الحوثيين، وقد كان أحد أسباب نجاح محمد عبدالسلام ابتعاده عن الأخطاء التي يغرق فيها إعلام الخصم، واستفادته من تجارب الآخرين الناجحة، وتجاوزه سلبيات الإعلام الحزبي خلال الحروب الخمس السابقة وإذا كانت رحى الحرب السادسة تدور الآن في جبهات حرف سفيان والملاحيظ وجبل الدخان فإن هناك جبهة أخرى بدون مواجهات أو رصاص أو دمار تستحق أن نطلق عليها (جبهة محمد عبدالسلام).

*ناطق الجيش.. الحرب في صعدة والدوام في العربية

ما إن يحضر (محمد عبدالسلام) حتى يكون الحضور المقابل من نصيب العقيد/ (عسكر زعيل) الناطق الرسمي باسم الجيش؛ نظراً لارتباطهما بميدان الحرب والمواجهات في صعدة، ومع أن (ناطق الجيش) منصب تم استحداثه في الحرب الأخيرة، إلا أن اختيار (زعيل) لتلك المهمة كان ناتجاً عن ارتباطه بصعدة طيلة خمسة عشر عاماً، بالإضافة إلى وقوفه ضد الحوثيين فكرياً وعسكرياً خلال السنوات الماضية.

يظهر (عسكر زعيل) ببزته العسكرية وأحياناً ببدلة أفرنجية لا تسلم من خلل في ربطة العنق نعيب التركيز عليها في لحظات قراءة حالة الثقة التي لا تخلو من التكلف ومتابعة الحديث عن نتائج المواجهات المصحوبة بمبالغة مكشوفة، يتفنن الخطيب السابق والقائد العسكري الحالي في تقديمها للرأي العام على أنها حقائق تؤكد اقتراب ساعة الحسم.

عند المقارنة بين أداء ناطق الحوثيين وناطق الجيش نجد الأول يتعب نفسه في التواصل مع وسائل الإعلام ويسعى جاهداً للحصول على تغطية تقف إلى جانبهم، بينما الأخير ينتظر تواصل الصحفيين معه، مستفيداً من حرص الصحف على اجتناب تناول قضية صعدة من جانب واحد ومستثمراً علاقاته الشخصية مع عدد من وسائل الإعلام، غير أن الرأي العام يحمل تصريحات ناطق الحوثيين القادمة بين أزيز الطائرات ولعلعة الرصاص على محمل الصدق مع درجات التفاوت وهي التي قد لا تصل أحاديث ناطق الجيش إلى أدناها لوجوده في صنعاء وظهوره المتكرر في قناة العربية التي لا يثق المشاهدون بها كثيراً خصوصاً بعد دخول السعودية على خط المواجهات، يُضاف إلى ذلك التناقض الواضح في التصريحات التي تؤكد السيطرة حيناً وتشير إلى مواجهات في المناطق التي تم إعلان السيطرة عليها أحايين أخرى مع غياب الدقة في الأرقام والإحصائيات –ربما- لضعف التواصل بين الإعلام العسكري ومواقع القتال وهنا لا نستطيع أن نمنح (زعيل) درجة مُعيَّنة تحدد نسبة النجاح مقارنة بمحمد عبدالسلام، غير أنه يعد الأول – إلى حد ما- في سباق التصريحات.

*ناطق الحكومة.. الثلاثاء موعد الحسم والتجريح

مضت فترة طويلة على إعلان تعيين نصر طه مصطفى رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية 0سبأ) ناطقاً رسمياً باسم الحكومة، لكنه لم يمارس مهامه كناطق، حتى قررت الحكومة قبل أشهر تعيين وزير الإعلام/ حسن اللوزي ناطقاً رسمياً للحكومة، ليقوم بتحديد يوم الثلاثاء من كل أسبوع عقب لقاء مجلس الوزراء- موعداً لمؤتمره الصحفي الذي تبثه قنوات وزارة الإعلام الأربع بشكل شبه كامل، فيما يغيب الاهتمام به من قبل القنوات الفضائية العربية والعالمية إلا في بعض الحالات النادرة.

خلف مجموعة قليلة من (الميكرفونات)، يظهر (اللوزي) ببدلة أفرنجية وبكرفتة يُغيِّرها كل أسبوع مع نظَّارة بحجم كبير لا تضفي جديداً على جماليات المظهر، يتحدث معتمداً على فطرته الشعرية التي يبحث من خلالها على عدد من المصطلحات والمفردات للإجابة عن أسئلة الصحفيين الذين يتجرعون مرارة (الوقوف) حتى نهاية المؤتمر مع الاحتفاظ بالروح الرياضية إزاء التعليقات الساخرة التي لا تخلو منها إجابات (اللوزي) للتغطية على حالة الارتباك التي تعتريه عند توجيه بعض الأسئلة المحرجة التي لها علاقة بقضية حرب صعدة ونشاط القاعدة والأداء الحكومي.

يحرص (اللوزي) على أن يظهر أمام الصحفيين في المؤتمر الصحفي بمظهر الخبير في كل شيء والمُطَّلع على كافة الأشياء لكن شحة المعلومات وضعف المصداقية في الأرقام تتسبب في خذلان ناطق الحكومة، لذا تجده يضطر للبحث عن أي مبررات تقوده للهجوم على أي جهة كوسيلة مُثلى للدفاع والخروج من مأزق الإحراج.

خلال الفترة التي مضت من زمن الحرب السادسة، يحضر اللوزي عسكرياً أكثر من العسكر، فتارة يدمر أوكار ومدافع لمن يصفهم بعصابة الإرهاب والتخريب لم يشر إليها ناطق الجيش، وتارة أخرى يحسم المواجهات في بعض الجبهات مع أنها لا تزال أكثر اشتعالاً، ولو تتبعنا مفردة (الحسم) الواردة في تصريحات اللوزي ستجد أنها تفوق عدد الغارات الجوية التي استهدفت الحوثيين منذ بداية الحرب.

مشكلة (ناطق الثلاثاء) إنه لا يجيد استخدام (الدبلوماسية)، حيث تجده يُفرط في مهاجمة الحوثيين ويحاول في ذلك السياق استخدام كل وسائل التجريح وحشر مجموعة من الألفاظ والمصطلحات التي لا فائدة منها، بالإضافة إلى كيل الاتهامات وتوجيهها للقوى السياسية الوطنية وبالذات (أحزاب اللقاء المشترك) وقد يتبادر إلى الرأي العام من خلال متابعة مؤتمرات (اللوزي) وإصراره على ذلك الأسلوب غير الجيد ناتج عن إخفاق عسكري في الميدان وفشل حكومي في التوصل إلى إصلاحات سياسية واقتصادية يحاول ناطق الحكومة تغطيتها بتلك التصريحات الإعلامية.

فشل الإعلام الحكومي في تغطية أحداث صعدة والتعامل مع الحراك الجنوبي، يبرز للعيان في أنصع صوره عند متابعة مؤتمرات الثلاثاء الصحفية التي تنسفها أحياناً بشكل جزئي أو كلي بيانات (إلكترونية) مختصرة لمكتب الحوثي الإعلامي التي تصل بضغطة زر إلى (إيميلات) معظم الصحفيين والمواقع الإلكترونية، وإذا حاولنا إجراء مقارنة بين أداء ناطق الحوثيين وناطق الحكومة، نجد الأول نجح نوعاً في تسويق قضية لاعتماده على اللغة الحصيفة والتوازن في الطرح وعدم التهويل والمبالغة، بينما رافق الإخفاق أداء الأخير الذي يبتعد عن الواقع بأميال في مختلف القضايا الموجودة على الساحة مع المبالغة المفرطة في التجريح والاتهامات، مع عدم وجود أي اهتمام بالنجاح الإعلامي والتميز في الخطاب.

*ناطق المشترك.. قصور الأداء واقتناص الفرص

لو أن أحزاب المشترك خيَّرت الناشط السياسي/ حسن زيد في الفترة الزمنية التي يتولَّى فيها حزب الحق رئاسة مجلس المشترك الأعلى لما حالفه الحظ في الحصول على توقيت الرئاسة التي يتربعها حالياً، وذات الأمر ينطبق على حالة الناطق الرسمي للمشترك نايف القانص، عضو قيادة حزب البعث المنضم حديثاً لتكتل المعارضة.

المنصب المهم الذي كان من نصيب (القانص) جعله محط اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، بالرغم من حالة القصور والضعف التي تشوب أداءه الإعلامي والسياسي الناتجة –ربما- عن وجوده في منصب أمني وتحالف حزبه مع الحاكم خلال الفترة القريبة الماضية، غير أن كل ذلك لم ينقص من حجم الاهتمام والمتابعة والتواصل من قبل الجهات الإعلامية والتي أعتقد أنه لا يجهد نفسه كثيراً في الوصول إليها، بالإضافة إلى أن حادثة الاعتداء التي تعرَّض لها وضعت اسمه في قائمة المستهدفين من النظام الحاكم الذين يحظون بتبني قضاياهم من قبل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام.

الإشكالية التي بسببها استحق (القانص) إدراج اسمه في قائمة من يجب "إحالتهم إلى الصمت" أنه تسنَّم منصب ناطق المشترك في ظروف صعبة ومعقَّدة خذلته خبرته في التعاطي بإيجابية معها من خلال تصريحاته الإعلامية والاستضافات التي يحصل عليها لشرح رؤى المشترك حول العديد من القضايا الشائكة في الساحة الوطنية، أضف إلى ذلك أن الرأي العام كان يتطلَّع إليه كشخصية ستكون قريبة من النجاح؛ استناداً إلى نسبة التميز التي ظفر بها محمد قحطان ومحمد الصبري عندما استلما في يوم من الأيام منصب كهذا، لكن (القانص) حتى اللحظة فشل في أن يكون أفضل السيئين من بين جملة الناطقين . موقف المشترك من حرب صعدة وعدم وجوده في موقع المسئولية المباشرة، تقودنا إلى عدم جدوى إجراء مقارنة بين أداء ناطق المشترك والناطقين الثلاثة، غير أن كلا منهم قد أجاد دوره بالشكل الموكل إليه وتفنَّن في تسويق قضيته باستثناء الأول الذي لا يزال أداؤه يضفي حالة من الضبابية والغموض على موقف ورؤى المشترك التي أجهد نفسه كثيراً في التوافق عليها وفشل ناطقه في تقديمها للرأي العام مع اقتناصه اليومي لفرص التواجد على شاشات الفضائيات، وإذا كانت هناك من نصيحة نقدمها للناطقين الأربعة الذين أصمُّوا آذاننا يومياً بتصريحاتهم فهي الحكمة القائلة (إذا كان الكلام من فضة.. فالسكوت من ذهب).