اليمن بين الجغرافيا والتهديد
بقلم/ حياة الحويك عطية
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 23 يوماً
الأحد 23 أغسطس-آب 2009 11:32 م

في العام 1989 كان عليان، علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض يجلسان جنبا الى جنب في آخر مؤتمر قمة عربية عقد في بغداد . وفي خطابه أمام المؤتمر حيا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هذه الثنائية الوحدوية طالبا الى سائر العرب الاقتداء بهما . كان المؤتمر يناقش طلب أميركيا موجها الى العراق بتخفيض قواته المسلحة وإجراء تحولات هيكلية أخرى على سياسته ، وكان العراق يطالب الكويت ودول الخليج بالتوقف عن التضييق عليه بمسالة الديون والنفط . ويومها رأى المتابعون شيئا من المبالغة والرومانسية في خطاب الملك الحسين عندما استشهد بالبيت الشعري المعروف : أضاعوني وأي فتى أضاعوا . بعدها بسنتين كانت رحلة الضياع الفعلي تبدأ بحدة ، تنجح في الكثير من مفاصلها وتفشل في الكثير : ضاع العراق ، ضاعت فلسطين من جديد ، ضاع الصمود العربي أمام إسرائيل ، ضاعت سيادة الخليج العربي على نفطه وأرضه وبحاره ، ضاع رفيق الحريري ليكون ضياعه الفردي ، الذي لا يستحق أن يذكر مع ضياع أوطان ، مدخلا لإضاعة لبنان وسوريا وما تبقى من قوى المقاومة الفلسطينية . ضاع الكثير وها نحن نشهد أخيرا خطر ضياع اليمن . اليمن الذي قدم يومها نموذجا لوحدة ديمقراطية ، وتطور بعد الوحدة الى التعددية الحزبية انزلق بعدها منزلقين خطيرين : الأول هو الحيف والغبن الذي أوصل البعض حد العودة الى الانقسام ، وأوصل البعض الأخر حد الفرض العسكري الوحشي ، الذي شهدنا خلاله ( وقد شهدته شخصيا ) ممارسات لا يمكن أن يمارسها محتل مع شعب عدو . والثاني هو التحول من التعددية الى حكم الحزب الواحد ، ففي بداية التسعينيات بدأ أن اليمن تسلك الطريق الحقيقي نحو التحول الديمقراطي ، عندما أطلقت حرية تشكيل الأحزاب السياسية ، التي تجاوز عددها العشرين ( وقد أعددت يومها ملفا عنها من 13 حلقة ) تبينت خلال العمل عليه أن جدلا فكريا وسياسيا حقيقيا ينطلق في الفضاء العام ، مما يؤدي - على المدى البعيد الى تشكيل وعي سياسي واجتماعي ، وخيار مبني عليه يؤسسان لنشوء رأي عام . صحيح ان الواقع القبلي الذي يشكل اليمن كان معروفا ومستعصيا على التغيير المنظور ، لكن التطوير البطيء كان ممكنا .

رغم انه لم يكن من الصعب على من يزور الشيخ عبدالله الأحمر ان يدرك ان قبيلة حاشد أقوى من الدولة ، ( لتأتي بعدها القبائل الأخرى : عايد وبعض الأطراف الصغيرة التي لا قيمة كبرى لها ) .

لكن التعددية كانت موجودة ، تعددية لم تلبث ان كانت أول ضحايا حرب الوحدة . منذها - منذ حرب ما سمي بالوحدة - لم يكن لأي ممن شهدوا ما لحق بالجنوب من دمار وقمع وغبن وقهر ان يصدق ان هذه الوحدة ستدوم .

ولم يكن لأي ممن عرفوا دواخل الفساد الإداري والسياسي الا وان يتوقع انفجارات هنا وهناك ، ولم يكن لأي مطل على الظروف الإقليمية الا وان يتوقع ان تلجأ القوى الخليجية ، والعربية الأخرى ، والإقليمية الى مد أصابعها داخل الجسم اليمني المنهك والمتوتر . وداخل تلك البلاد التي أطلق عليها ادونيس بحق اسم :"المهد"والتي تكتسي فيما يتعدى الشعر أهمية جيوبوليتيكية وجيو اقتصادية استثنائية بالنسبة للخليج العربي ، لأفريقيا ، ولآسيا .ويكفيك ان تنظر الى الخريطة لترى كيف تشكل هذه البلاد وبحارها مفتاحا أساسيا لكل تحرك عسكري وسياسي واقتصادي في هذه المنطقة . اما اذا عبرت الى التاريخ واكتشفت اية شبكة طرق قوافل كانت تحكمها اليمن بريا ، وشبكة أخرى كانت تحكمها بحريا ، لأدركت لماذا لا يمكن للغرب ان يتركها وحالها ، هي التي تتمتع بأطول وأغنى شواطىء بحرية عربية ، وأغنى معابر الى منافذ إقليمية ليس اقلها مضيق هرمز .

صحيح ان اليمن السعيد لم يعرف السعادة منذ امد طويل . ولكن كل ما عاناه قد يكون كله قليلا أمام ما ينتظره . فليس التصريح الذي سمعناه قبل فترة من ان اليمن قد تحل محل أفغانستان بالنسبة الى نشاط القاعدة ، الا إنذارا لا يجوز اخذه الا على محمل الجد . وليس تبرير ها التوقع بالتشابه الكبير بين اليمن وأفغانستان من حيث الطبيعة الجغرافية والقبلية والمذهبية ، وعلاقته الخاصة بالعربية السعودية الا جزءا من الحقيقة .

من هنا لا يجوز النظر الى التمرد الحوثي كمجرد تمرد يكفي تدخل الطائرات السعودية لإخماده .كما انه لا يكفي الهجوم الإعلامي على الدعاوى التي يسوقها علي سالم البيض لضمان المستقبل . الحل الوحيد لبلاد المهد هذه يكمن في اقتناع الجميع وعلى رأسهم الحكم بالعودة الى ما شكل الحل في بداية التسعينيات ، المصالحة والديمقراطية التعددية وقد سمعنا اصواتا عديدة لعل من أهمها صوت حميد عبدالله الأحمر تدعو الى ذلك .

* عن الدستور الأردنية