السلفيون والعمل السياسي: جدلية العلاقة بين المركز والأطراف وصورة المستقبل 3-3
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر
الأحد 16 أغسطس-آب 2009 09:25 م

بعد أن تحدث الكاتب في الحلقة الأولى عن خارطة الاتجاهات السلفية، وفي الحلقة الثانية عن صور المستقبل السياسي للاتجاه التقليدي الماضوي وعلاقة أطرافه بالمركز يتناول في الجزء الثالث والأخير الاتجاهين: الجديد والقتالي وذلك على النحو التالي:

الاتجاه الثاني: السلفية الجديدة :

أمّا فيما يتصل بالسلفية الجديدة فإن تعاطيها مع العمل السياسي يتمثل في مواقفها السياسية التي لا يمكن وصفها جملة واحدة، ذلك أن بعضها اتسم بالثبات، فيما اتسم بعضها الآخر بالتذبذب، بل التحوّل إلى مربع الاتجاه الأول بالجملة. ولا يمكن هنا الفصل في العلاقة التي تربط على نحو مقصود تارة، وغير مقصود تارة أخرى بين السلفية الجديدة في المركز وبين المجموعات التابعة لها – على نحو أو آخر – في الأطراف. فإذا جئنا إلى بعض رموز الثبات العام في الموقف السياسي في المركز؛ فإننا نجدها تتمثل في شخصيات مثل: سفر الحوالي، وسلمان العودة، وسعيد آل زعير، وعبد الوهاب الطريري، مع الإشارة إلى أن المقصود بالثبات هنا -فيما يتصل بموقف المركز على وجه التحديد بخلاف موقف الأطراف فإن السياق هو المحدّد الموضوعي لمعيار السلب والإيجاب- هو ذلك الثبات الإيجابي النسبي العام– وليس التفصيلي المطلق- الذي قد يختلف من شخص إلى آخر في إطار الاتجاه الواحد، إذ لا مجال للتفصيل والإطلاق في عالم الفكر والسياسة، وفي عالم تسوده جملة مركّبة من المتغيرات الهائلة، بل الثورات العلمية والتكنولوجية والفكرية والسياسية والتعليمية والاجتماعية، التي تنعكس على نحو مباشر أو غير مباشر على المواقف العملية لكل من يتفاعل سلباً أو إيجاباً مع هذا الحراك السياسي في عالم اليوم.

ويذكر في هذا السياق ذلك الثبات الذي اتسم به موقف تلك الشخصيات في المركز( العربية السعودية)، إبّان أزمة الخليج الثانية، عام 1990-1991م، إذ صدّرت أرقى مواقف الصمود تجاه الموقف الذي اتخذه النظام الرسمي هناك من الأزمة، حتى إن بعضها قضى مدداً طويلة نسبياً في المعتقل( سفر الحوالي وسلمان العودة) على الخلفية ذاتها، غير أن بعضها الآخر لم يظل على موقفه من حيث الصلابة، وذلك بعد فترة من أحداث الخليج، ولعل أبرز مثال على ذلك هو انقلاب موقف الشيخ عبد المحسن العبيكان رأساً على عقب، إذ تحوّل بالمطلق إلى مربع الاتجاه الأول( السلفية التقليدية)، وراح يشرعن للموقف الرسمي كل مواقفه أياً اتسمت بالشذوذ والابتعاد عن الموقف الشرعي الذي يعدّ من البدهيات في عرف جمهور علماء الأمة من مختلف المذاهب والمدارس. ويمكن الاستشهاد هنا بموقف الشيخ العبيكان، من مقاومة الأمريكان في العراق – وهو الموقف الرسمي ذاته للنظام السعودي- إذ يجرّم المقاومة العراقية ومن يقف معها، ويعدّ ذلك خروجاً على الحاكم الشرعي الذي نصّبه الأمريكان، ويعدّ كل سلوك يخالف الموقف المتخذ من الحكومة العراقية في ذلك الحين (حكومة إيّاد علاوي)، التي نصّبتها قوات الاحتلال الأمريكي خروجاً على الشرعية هناك!! هذا ناهيك عن تجميل كل مسلك يثير الجدل ويبعث على الاختلاف يقع فيه نظام بلاده. كما أن مواقف الشيخ عائض القرني باتت هي الأخرى تصب- في جملتها- في قالب (التكفير) عن (خطيئة) مواقفه السابقة وأبرزها الموقف الذي اتخذه الرجل في حرب الخليج الثانية، وأضحى من أبرز ما يميز موقفه: الحرص على إضفاء الشرعية على ممارسات النظام السياسي في بلاده، حتى وإن تعارضت كليّة مع المواقف السابقة للشيخ. ومما يمكن الاستشهاد به في هذا السياق تبريره للحملة الظالمة التي شنّتها الولايات المتحدة على المؤسسات الخيرية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، فقامت الأنظمة العربية- بأقدار متفاوتة- في مشايعة تلك الحملة، وتسابق بعضها – وفي مقدّمتها العربية السعودية- لإثبات شهادة جدارة في مكافحة تلك الجمعيات أمام الإدارة الأمريكية، والموقف الجاهز عند رجال السلطة الدينية هناك الذين انضم إليهم القرني – مع الأسف- هو المباركة والتأييد، بوصف ذلك هو المصلحة الشرعية التي رجحت لولي الأمر، حتى إن مذيع الجزيرة الشهير (أحمد منصور) قد تعقب الشيخ في ذات حوار كان استضافه فيه في برنامجه ( بلا حدود) قائلاً -بما فحواه - : حتى وإن كان ولي الأمر الحقيقي الذي أمر بذلك هو الإدارة الأمريكية؟!! فبُهت الشيخ ولم يحر جواباً. كما أن موقفه مما يسمّى بـمؤتمر (حوار الأديان) الذي انعقد في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في شهر تشرين ثان /نوفمبر 2008م اتسم بالتأييد والمباركة، عبر بعض الكتابات الصحافية التي دبّجها بهذه المناسبة، رغم ما أعلنه لاحقاً مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية المكلف بالشرق الأوسط، ويليم بيرنز أن الملك عبد الله تحادث مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، على هامش المؤتمر، وقد صرّح بذلك بيرنز في ندوة "المتغيرات الدولية ومستقبل العلاقات السعودية الأمريكية "التي عقدت بواشنطن في 27 إبريل 2009م.  ولا شك أن ذلك المؤتمر أتى مختلفاً عن مؤتمرات الحوار بين الأديان السابقة، تلك التي كانت تضم شخصيات فكرية وعلمية ونحوها، بعيداً عن السياقات السياسية (الفاقعة)، وبهذا المستوى، إذ جاء هذا الأخير في سياق محاولة تطبيع العلاقات الصهيونية مع النظام الرسمي العربي، وفي مقدّمته العربية السعودية، من حيث التركيز على الشخصيتين الرئيستين الرمزيتين في المؤتمر، فقد تم بمشاركة رئيس الكيان الصهيوني: شيمون بيريز، إلى جانب العاهل السعودي: عبد الله بن عبد العزيز، بما يرمز إليه ذلك الحضور من الطرفين من دلالات تطبيعية جليّة، بين الكيان الصهيوني والعالم العربي والإسلامي، حيث خاطب الأول الأخير :" ليت خطابكم يا جلالة الملك هو الذي يسود في المنطقة" ، رغم ما في ذلك من استفزاز صارخ لمشاعر الأمة بصورة عامة وأبناء فلسطين بوجه أخص، ناهيك عن كونه انقلاباً في ذهنية المدرسة السلفية التقليدية، حيث كانت وصمة عار تشنّ في السابق على المفكرين الأحرار أمثال: الدكتور يوسف القرضاوي ومن على دربه في مدرسة الوسطية الإسلامية، الذين كانوا بنخرطون مع بعض رجال الدين المسيحي في حوار حرّ مفتوح عن بعض القضايا المشتركة بين المسيحية والإسلام (ولاحظوا الفرق بين رجال دين مسيحي قد لا يكون لهم أو لبعضهم صلة بنظام سياسي ما، في حين أنه هنا يتم برعاية أمريكية خالصة، مع رأس النظام الصهيوني (اليهودي) الإرهابي الأكبر: شيمون بيريز، وبحضور أكبر رمز ديني رسمي في العالم الإسلامي: عاهل السعودية) !!

وهكذا الشأن بالنسبة لنموذجي جمعيتي الحكمة والإحسان في اليمن فنجد أن موقفيهما متباينان في التعاطي مع العمل السياسي، فعلى حين غدا خطاب جمعية الحكمة أكثر مرونة إزاء القضايا التي كانت قبل نحو عقدين مصنّفة في إطار الخطوط الحمراء التي لا يجوز الاقتراب منها؛ نجد أن موقف جمعية الإحسان على خلاف ذلك -كما سيشير الكاتب لاحقاً-. ويلخّص كاتب هذه السطور موقف جمعية الحكمة في ذلك من خلال دراسة سابقة له نشرها بهذا الخصوص (أحمد محمّد الدغشي، السلفيون في اليمن : قراءة في تحوّلات الفكر والسياسة، نشر جانب منها على موقع إسلام أون لاين،وموقع مأرب بريس نقلاً عنه، ونشرت كاملة على صفحات الأهالي اليمنية ابتداء من العدد (43) وتاريخ 8\5\1429هـ - 13\5\2008م وانتهاء بالعدد(54) بتاريخ 26 رجب 1429هـ- 29\7\2008م)، حيث توصّل إلى أنها – بحسب تصريح أبرز قياداتها المثبتة أسماؤها في تلك الدراسة- لم تعد ترى تثريباً في الاقتراب من السلطة وعقد التحالفات معها، على حساب الابتعاد أكثر عن المعارضة، كما تجلّت أبرز شواهد ذلك في الوقوف الصريح المعلن لها مع مرشّح الحزب الحاكم للانتخابات الرئاسية التي جرت في 2006م، في وجه مرشّح المعارضة، وكذا الموقف من الديمقراطية ومستلزماتها من انتخابات وتداول سلمي للسلطة نحوها؛ فإنها أضحت شأناً اجتهادياً، لا تثريب على من يرى رأياً إيجابياُ فيه. وهنا لا بأس من تخصيص الإشارة إلى الموقف من التعدّدية السياسية، إذ بات كذلك غير متصلّب واشترط –فقط- أن تكون التعدّدية غير معادية للفكر الإسلامي أو خارجة على الثوابت الشرعية، وأمّا الموقف من إعلان حزب سياسي يمثل هذا الفصيل؛ فإن الأمر متوقّف على مدى ملائمة الظرف الزمني، حيث لا ضرورة حالياً لذلك !! أي أنّه من غير المفاجئ أن يتقدّم بعض رجالات جمعية الحكمة في أي ظرف قريب أو متوسّط بطلب الترخيص إلى الجهات ذات العلاقة بشئون الأحزاب في الحكومة لتكوين حزب سياسي. 

يظل التأكيد جديراً في هذا السياق على أن تبعية جمعية الحكمة اليمانية في جملة اجتهاداتها -على نحو شبه مؤسسي- جمعية إحياء التراث بالكويت، وبرغم كل التطوّرات التي لحقت بقيادة الجمعية- كما أسلفنا- فإنه لا ينبغي التقليل من حجم التأثير الفكري والسياسي الذي تركه المؤسس الأول للجمعية الشيخ : عبد الرحمن عبد الخالق، وهو الذي فجّر منذ أكثر من ثلاثة عقود قنبلة مدوّية في الوسط السلفي العام، حين خرج بكتابه (المسلمون والعمل السياسي) الذي دعا فيه الإسلاميين السلفيين – بوجه خاص- إلى المشاركة في العمل السياسي بكل مجالاته وشئونه، دونما تردّد أو استحياء !! 

ويبقى السؤال عن موقف جمعية الإحسان الخيرية من جملة تلك القضايا، ولأن المصادر جدّ شحيحة في ذلك؛ فليس لدى كاتب هذه السطور سوى التتبع المباشر من خلال مجمل اهتمامه ومتابعاته وقراءاته الذاتية للمشهد السلفي اليمني إزاء العمل السياسي. وفي ضوء ذلك بوسع الكاتب أن يلخّص الموقف الإحساني من العمل السياسي بالاحتفاظ بجملة مواقفه السابقة التي عرف بها منذ تأسيس كيانه عام 1423هـ- 1992م، حيث لايزال الموقف من السلطة بعيداً عن أي اقتراب (خاص) يذكر، كما أن الموقف من الديمقراطية ومستلزماتها من انتخابات وتعدّدية وتداول سلمي للسلطة ونحو ذلك على حاله السابق، من حيث الرفض لكل ذلك، وإن تفاوتت تقديرات الرفض بعد ذلك في إطار الجمعية بين الإطلاق والنسبية. ومؤخراً أصدر أحد أبرز الوجوه في قيادة الجمعية( الشيخ عبد المجيد الهتاري الريمي) كتاباً مكوّناً من جزأين وسمه بـ( نظرات في مسيرة الحركة الإسلامية في اليمن)،رصد في الجزء الأول منه (التعددية السياسية : دراسة وتقويم) فيما خصّص الثاني لـ(موقف الحركة الإسلامية من الديمقراطية: دراسة وتقويم) ورصد فيهما ما عدّه تحولاً سلبياً من قبل قيادات التجمع اليمني للإصلاح في الاتجاه نحو قبول كل ذلك، بعد أن سجّل عليهم موقفاً مغايراً في وقت سابق!

ولا يبدو في الأفق تحوّل جوهري على المدى القريب في موقف جمعية الإحسان من جملة القضايا السابقة، ولعل ذلك يرجع إلى تغذية ذلك الموقف عبر المقررات التربوية والفكرية والأنشطة الداخلية بهذا الصدد تلك التي تعتمد الموقف القُطبي( نسبة إلى موقف المفكّر الشهيد سيّد قطب) وفق قراءة خاصة لها، من حيث وصم المجتمع الذي يتحاكم إلى الديمقراطية بالجاهلي، من غير تمييز عندها بين فلسفة الديمقراطية وآلياتها ، كما يعمد إلى ذلك من يرى التعاطي معها خارج هذا الإطار، ورفض ما يعدّه سيّد قطب تلفيقاً وأنصاف حلول، حين القبول بالتحاكم إلى الديمقراطية أو الانخراط في المشاركة العملية في لوازمها، بل إن بعضهم قد يعدّ ذلك وقوعاً في شِرْك الحاكمية، تبعاً لقراءتهم في الأدبيات القطبية كذلك !

الاتجاه الثالث: السلفية القتالية(الجهادية) :

أما بالنسبة لاتجاه السلفية القتالية (الجهادية) فإن عملها السياسي ذو طابع خاص، فهي وإن اعتقدت كغيرها أن السياسة ركن أساس وجزء لا يتجزأ من الدين، بيد أنها لا تعترف لأي نظام سياسي قائم بأية مشروعية، بل بلغ الأمر بها حدّ تكفير كل الأنظمة السياسية في المنطقة،وفي ذلك وردت رسالة الزعيم (الجهادي) الأردني، ذي الأصل الفلسطيني أبي محمّد المقدسي( الديمقراطية دين)، بعد أن كان يروى -في وقت سابق- عن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تورّعه عن إدراج بعضها في قائمة هذا التصنيف، ومنها اليمن، لكنه بعد مقتل أبي علي الحارثي زعيم تنظيم القاعدة- في ذلك الحين- في صحراء مأرب عام 2002م بطائرة أمريكية بدون طيّار، ، مؤيدة من الجانب اليمني؛ رفع ذلك الغطاء النسبي في التهدئة النسبية مع النظام الرسمي اليمني، من حيث التورّع عن إدراجه في قائمة الأنظمة الخارجة عن الملّة!

إن اللغة السياسية التي يحسنها هذا الاتجاه في تعاطيه مع السياسة هي لغة البندقية، والصوت الانتخابي عنده الذي يضمن له تحقيق أجندته هو صوت أزيز الرصاص، ودوي التفجير، وصراخ الخصوم، عقب ذلك، والعلاقة مع الأطراف السياسية، سواء الإسلامية منها أو غير الإسلامية، ليست علاقة ندّية أو حوار ثنائي، أو نحو ذلك، بل علاقة إذعان ورضوخ وتبعية مطلقة لأفكار الجماعات المقاتلة( الجهادية) على اختلاف أطيافها وانتماءاتها، وليس أدل على ذلك من أن جهاد حركة حماس – على سبيل المثال- وبلاءها المشهود لا يشفع لها عند هذه التنظيمات المسلّحة، أو يؤهلها للقب (المجاهدين) ذلك أنها تتعاطى العمل السياسي السلمي مع أبناء شعبها، رغم أن مشكلتها مع قوى الاستكبار وأذيالها، أنها تراهن على الجهاد والمقاومة، وتعلن صباح مساء أن لا خيار سياسياً، يغلب خيار المقاومة للعدو المحتل، بحيث يمكن القبول به، أو التعاطي معه!

بطبيعة الحال هذا هو المسلك العملي الذي يتم على الأرض بالنسبة للتنظيمات السلفية المسلّحة، أما على صعيد التنظير الفكري فإن ثمّة انقلاباً هائلاً مبدؤه منذ العام 1997م في مصر، حيث أجرت الجماعة الإسلامية( وهي جماعة سلفية نشأة وتكويناً وأهدافا) مراجعات فكرية جذرية، لإيقاف دوامة العنف، أصدرتها من سجونها، في سلسلة كتب شهيرة عنوانها سلسلة ( تصحيح المفاهيم)، وقد أعلنت فيها خطأها في التعاطي السابق مع النظام السياسي في مصر، كما أعلنت إيمانها بالعمل السياسي السلمي، وشدّدت على حرمة الخروج على الحاكم، وقد بارك ذلك التوجّه كلار رجال الجماعة ووضعوا أسماءهم على أغلفة تلك السلسلة في المراجعة، ثم باركها الشيخ عمر عبد الرحمن زعيم الجماعة، من سجنه في الولايات المتحدة، ثم تلتها مبادرة جماعة الجهاد الإسلامي في مصر (وهي جماعة سلفية كذلك من حيث النشأة والتكوين والهدف)، وأعلن أبرز رموزها الأخوان: طارق وعبّود الزمر تأييدهم لذلك، ثم جاءت أكبر مراجعة فكرية على مستوى جماعة الجهاد في مصر وتنظيم القاعدة في العالم بإعلان الدكتور سيّد إمام عبد العزيز الشريف أو الدكتور (فضل) المنظر الأول لها، وزميل نائب زعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري وهو زعيم تنظيم الجهاد في مصر حتى 1993م، تخليه عن أفكاره السابقة التي سجّلها في المصدر الأول للقاعدة - حسب إقرار أسامة بن لادن ذلك في تسجيل صوتي بهذا الخصوص- وهو كتابه ( العمدة في إعداد العدّة للجهاد في سبيل الله)، لينقض جوهر فكره السابق بما لا مزيد عليه، حين أعلن ما سمّاها بـ( وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم) يوم 18\11\2007م، انقلابه على (الجهاديين) وفكرهم، متحدياً في ذلك زعيم تنظيم القاعدة، وأيمن الظواهري وغيرهم! 

وليس من الواضح تماماً إلى أين سينتهي الأمر بهذه الجماعات؟ غير أن من المؤكّد أن ما يعطيها زخماً وقوة وحضوراً مستمراً، بل مشروعية لدى قطاعات عديدة من الشعوب، هو هذا الوضع غير الطبيعي الذي تعيشه الحكومات والأنظمة العربية والمسلمة، من حيث غلبة القهر والغُشم وسيادة الفساد على كل صعيد، وعلاقة التبعية المطلقة حيناً و شبه المطلقة حيناً أخر لأنظمة الاستكبار والطغيان في العالم وفي مقدّمتها: الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك فإن أيّ تحوّل إيجابي في موقفها من التعاطي مع العمل السياسي السلمي رهن بالتغيّر الإيجابي على مستوى الأوضاع السياسية الداخلية، كما هو رهن بتغيّر السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية.