أبناء الشغالات الجدد..الأخدام الجدد!
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و 4 أيام
الإثنين 03 ديسمبر-كانون الأول 2007 10:25 م

مأرب برس- خاص

في الماضي القريب جدّاً خرج أحدُهم مغاضباً ، يقذف أصدقاءه وندماءه السابقين بأحجار جديدة تشبه تلك الأحجار البيضاء التي وجدها الرحّالة اليمنييون في " وادي فيصل بن شملان " يوماً ما في الزمن التالف. وبينما هو كذلك – كما تقول الروايات – إذ أذن الله من جديد بلم شمل الجماعة الكريمة وعادت الخيول إلى جواريها وكفى الله الثوّار الجدد شر النضال. ففي ساعة المغادرة، قبل حفلة لم الشمل في عشاء عدن الأخير، كتب العواضي عن جماعة المضطهدين في الأرض، وهو منهم بحسب عويله ، وأسماهم أبناء الشغالات، ونسي أن يشير إلى "سي السيد" في حين استغرقت مقالته المنشورة في صحيفة الوسط اليمنية في تأصيل التسمية وإرجاعها إلى أصولها التاريخية الفنّيّة، وقدم ملاحظات رمزية مخلخلة لا تدل إلى شيء. وعلى أية حال فهي لفظة مستعارة من ثقافة اجتماعية مفارقة إلى حد كبير لثقافة ومعادلات المجتمع اليمنية التحتانية ، لذلك افتقدت إلى دقة التوصيف وعلّته. ولم نتمكن نحنُ أبناء الشغالات الأبديين – إذا قبلنا تداول المصطلح - من التعاطف معه، لإيماننا أن الشغالات درجات، وأن الله يعطي كل شغّالة على قدر وزن سيّدها، وهكذا دواليب.

تمنّيت ، وما كل ما يتمنى اليمني يدركه ، أن يصف العواضي طائفة المطرودين من الكعكة ، بتوصيف أبو أحمد اليماني في مقالته وأبو كهلان اليماني في قصيدته ، بالأخدام الجُدد. فعلى الأقل كان سيكسب تعاطفاً معاتباً من قبل كثيرين سيقولون له "ءالآن وقد كنت من قبل من ... الوحشِيييين" وربما اقترب في حزنه الطارئ من الكآبة الاجتماعية العامة التي حاول زميله ابن الشغالة الآخر" القاضي" أن يقترب منها عندما التقى بمجموعة من الطلبة في القاهرة وقرأ عليهم "فضائح النظام وجرائمه" بتوصيفه ، من خلال عرض أصول الاتفاقات اليمنية – الدولية المتعلقة بالغاز والنفط واحتيالات جماعات السلب والنهب، بتعبيره أيضاً ، على المستقبل اليمني. كان يستعرض وثائق ونصوصاً محفوظة على كمبيوتره المحمول، وسط دهشة وبرود من الموجودين. ويبدو أن حماسه خذله للمرة الثانية عندما تحدّث إلى الحكيمي حديثاً نضاليّاً مشحوناً بالهم الوطني الجديد، ومنعجناً بأسى اصطناعي على مستقبل العالم الصغير المركون في جنوب الجزيرة العربيّة. فبعد خطبة فارعة الطول عبر الهاتف باغته الحكيمي بسؤال : أين أنت الآن يا صديقي. فرد عليه القاضي : أنا في فندق فور سيزونس. عند هذه اللحظة أوقف الحكيمي المتتالية النضالية الجديدة بعبارة واحدة : عليك أن تدرك أن النضال الحقيقي لا يخرج من فنادق السبعة نجوم!.

بالعودة إلى العواضي ، مؤلف موسيقى الشغالات. فقد تدرّب لفترة طويلة في مدرسة الجماعة الحاكمة ، وأتقن أساليب الووشو والشاولين من فنون الكاتا السياسية اليمنية ( وسائل قتال يابانية) وأبعد من ذلك .. فهو تحوّل بفعل الزمن إلى حجرة سوداء في معبد الجماعة الحاكمة لها ذات الخواص الحجريّة تماماً. أقول هذه الحقيقة استناداً إلى تعريفات علم النفس لفكرة الجماعة. فعلم النفس الاجتماعي يقرر أنه لا يمكنك أن تكون عنصراً في جماعة ما لم تفقد خواصك المميّزة، إذا كنت تنتمي إلى درجة ذهنية أو أخلاقية أعلى من الجماعة ، أو تكتسب خواصاً جديدة إذا كانت درجتك أدنى من مستوى الجماعة ، لتعطي الفرصة لعملية الذوبان كي تنطلق بسلاسة؛ حيث سيتم في الأخير نسف الذات الفردية لمصلحة الذات الجماعية. وإذا فالمهاجرون الجدد ، بعد الفتح النضالي في اليمن، ليسو السليك بن السلكة ولا تأبط شرّاً.. ولا يمكن أن ننتظر أحدهم ليكتب على الجدار اليمني: هوامش على جدار النكسة، بتعبر قبّاني، ولا حتى "أوزّع جسمي في جسومٍ كثيرةٍ" كما أذاع الصعلوك العظيم عروة بن الورد.

فمثلاً : عندما علم المغيرة بن شعبة بأن معاوية يفكّر في طرده من ولاية الكوفه ، تحزّم وانطلق إلى دمشق. وهناك فقأ قلب العالم الإسلامي إلى اليوم باقتراح لم يخطر على بال ابن أبي سفيان البتّة. قال المغيرة لمعاوية: اطلب البيعة لابنك يزيد ، فإنكم أحق الناس بها وأهلها. وهكذا، فعندما عاد إلى الكوفة فإنه لم يكن قد ربح ولايتها وحسب ، من جديد، بل ربح قلب الخليفة وقلوب أهل بيته وحاشيته الذين لم تكن خبرتهم في إدارة الدولة تتجاوز استغلال المصادفة التي أفرزتها معركة صفّين ثم عام الجماعة. وكانت أقصى أمانيهم أن لا يموت معاوية مقتولاً ، ثم ليتدبر المسلمون أمر واليهم بعد ذلك بكيفما اتفق.

وهكذا، فإن العواضي – كمناضل بدرجة شيخ له سجنه الخاص (وفقاً للبركاني) وقانونه الخاص أيضاً – استبق " أغنية الكعكة الحجريّة " بتسريب أمانيه عبر صحيفة الناس عن حكم رشيد قادم يديره نجل الرئيس ، الرشيد أيضاً. وتعالت أمانيه أن يسلمنا الله من رشيد إلى آخر، وهي أمانٍ مكفولة على كل حال، ولها وسائلها وأدواتها التعبيرية منذ أيّااااام المغيرة بن شعبة ، الله يحرقه!

وبدا لي، وهو ظن غير حسن ، أن جماعة المغيرة كانوا أكثر وفاءً من جماعة العواضي. فبحسب علمي لم يخرج معاوية بن أبي سفيان على قناة الجزيرة ، بالرغم من أنه معاوية خليجي في الأساس وقناة الجزيرة خليجية ، ليتّهم المغيرة بالذاتية والأنانية والنفعيّة.

وكالعادة، تعيد الجماعة الحاكمة ترتيب مقاعدها من جديد باتباع أساليب الكر والفر مع ذوي المطالب العالية، أو تلك التي تأتي في غير وقتها – وهو ما يفسّر الانشقاق المؤقت لبعض أحجار النظام الراهن. ولم تكن مفاجأة ، إذن ، حين تتسمّر كاميرا التلفزيون اليمني على وجه القاضي في الاحتفالية قبل الأخيرة للجماعة الحاكمة في عدن. كانت الصورة تقول : وعاد الزماان، وعادت عدن. والأصدقاء في كل مكان يتساءلون عن تكلفة هذا الترتيب الجديد، بينما يتطوّع البعض ، من الذين يقعدون من النظام مقاعد للسمع ، للقول : التعديلات الدستورية الجديدة هي المهر الذي دفعه أولئك الذين لا ينبغي أن نتحدث عنهم! فبمقتضى هذه التعديلات سيظل الرئيس صالح حاكماً لعشر سنوات قادمة ، ستكون كافية بالطبع لتخطيط مستقبل الجماعة الحاكمة من جديد ضمن التغيرات الداخلية والإقليمية ، والكونية إجمالاً؛ في تلك الساعة من زمن التيه اليمني سيكون عمر الرئيس الحالي يناهز ال79 ، قل ثمانين ، مثلاً، وسيمنحه الزمان خواصاً جديدة بجانب الحكمة والفروسية والعبقرية والدهاء والصلاح. ربما سيغدو حينها : الحاج الصالح، وهي اليافطة التي سيسترخي تحتها المتشاكسون الذين في الأعالي. وبناءً عليه ، فلا داعيَ للاختصام الآن، دعوا الأمور في أعنّتها، وعند الصباح البعيد يمتدَحُ القومُ السّرى.

وفي كل ما كان وما سيكون ، ليس مهمّاً ما ينبغي أن تكون عليه اليمن، طز في ستين أم اليمن .. وإلا أنا غلطان يا عيال الشغالات؟

 لا بأس أيها الأصدقاء، اعتدنا على أن نكون أبناء شغالات وأخدام، منذ سيل العرم. لا شيء جديد علينا نحن اليمانين. متعووووة، ديييماً ! سأدعو لكم بالعودة إلى أحضان السيد من جديد، لأن " قلبي يعوّرني" عندما أرى ابن شغالة يجيد الإنجليزية، ولا يفترض أن يكون كذلك. وفقكم الله وسدد خطاكم وجنّبكم مكروهات الزعل مرّة ثانية.

 بس عندي سؤال زغير : عندما يتحدث الرئيس عن بلده ويصفها بأنها " كعكة " ويشير إلى أناس بعينهم لم ينالوا حظهم منها ، ويبطن إشارة إلى آخرين، على علم بهم، فازوا بها .. بس ، انتهى السؤال!

بمناسبة الإشارة إلى " أغنية الكعكة الحجرية" وهي عنوان نص بديع للشاعر أمل دنقل، يجري مفتتحه هكذا:

أيُّها الواقفون على حافة المذبحه

أَشْهِروا الأسلحه

سقطَ الموتُ، وانفرط القلبُ كالمسبحه

والدّمُ انساب فوق الوشاحْ!

المنازلُ أضرحةٌ،

والزنازن أضرحةٌ،

والمدى.. أضرحه

فارفعوا الأسلحه

واتبعوني!

أنا ندمُ الغدِ والبارحه

رايتي: عظمتان.. وجمجمةٌ،

وشعاري: الصباحْ!.

* كاتب وشاعر