من خسر أسلحة أكثر.. روسيا في سوريا أم أميركا في أفغانستان؟ كشف بخسائر تفوق الوصف والخيال تصريح جديد للرئيس أردوغان يغيض المحور الإيراني ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يقود تحركا مع العراق لبحث التداعيات في سوريا عاجل تكريم شرطة حراسة المنشآت في عدد من المكاتب والمؤسسات بمأرب احتفاء بيوم الشرطة العربي مجلس الأمن الدولي بإجماع كافة أعضائه الـ15 يتبنى قرارا بخصوص سوريا تحركان عسكريان أحدهما ينتظر الحوثيين في اليمن وسيلحق بهم عواقب وخيمة وطهران لن تستمر في دعمهم منتخب اليمن يخوض خليجي 26 بآمال جديدة تحت قيادة جديدة اليمن تشارك في مؤتمر احياء الذكرى السبعين للمساعدات الإنمائية الرسمية اليابانية المجلس الرئاسي في اليمن ينتظر دعما دوليا دعما لخطة الانقاذ وبشكل عاجل دراسة تكشف عن المحافظة اليمنية التي ستكون منطلقا لإقتلاع المليشيات الحوثية من اليمن
يبدو أن البعض تعرف عن طريق الصدفة على مصطلح الحياد، وشكلت هذه اللحظة المعرفية التاريخية نقطة تحول في حياته، ومن يومها وهو يملأ الدنيا ضجيجا بهذه العبارة، يجب على الإعلام أن يكون محايدا في تناول القضايا، وأن لا يكون منحازا، وأمام هذه المهنية العالية والموضوعية المفرطة لا تملك إلا احترام هذا الرأي، واحترامه لا يعني قبوله، أو العمل به، لكنك لا تملك إلا تقدير الآراء والإقرار لصاحبها بحق الإيمان بها والتعبير عنها، مع محاولة إصلاح أي خلل أو اعوجاج تنطوي عليه هذه الآراء، عبر النقاش وعرض الحجج وغير ذلك، لكن البعض لا يدفعك بهذا الاتجاه، فهو يتبنى التشهير والصراخ والهجوم والشتائم، وهذه لا تكون بالضرورة عبر الكلمات النابية، هناك ما هو أقسى من البذاءة في اللفظ أحيانا.
كأحد العاملين في مؤسسات الإعلام الصحافي، تواجهني هذه القضية دائما في النقاشات العامة، وتجد أن مفهوم الحياد يتم استخدامه بابتذال كبير في جدالنا، يستخدم كتهمة أحيانا بادعاء عدم الحيادية، أو كسمة مميزة للتناول الصحافي المثالي للقضايا، وهذا ما يحتاج إلى توقف وتدقيق ونقاش مطول، حتى لا يتم التضليل باستخدام هذه المفردات الفخمة بغير الغرض الذي تؤدي له، ودعونا نتساءل الآن: هل نحن محايدون في حياتنا اليومية تجاه كل ما يحدث أمامنا؟ هل نلتزم الحياد في النزاعات البسيطة التي تشهدها منازلنا وأعمالنا وشوارعنا؟ أم نتخذ موقفا منها وإن لم يكن بالضرورة عمليا ومؤثرا في النزاع.
لماذا أصبح الإعلام الحر شرطا أساسيا في الحكم الديمقراطي، ولماذا يمنح الإعلام مكانة السلطة الرابعة في هذا النظام، وما معنى الحرية على وجه التحديد؟ حين نطرح هذه الأسئلة نستطيع أن نصل لمقاربات دقيقة حول مفهوم الحياد الإعلامي، إن حرية الإعلام تعني استقلاليته التامة عن كل سلطة أخرى، استقلاليته في التمويل والإدارة والرقابة وغير ذلك، وذلك حتى يشكل سلطة رابعة حقيقية تملك كل أدواتها، والسلطات الثلاث التي يكملها الإعلام، هي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في كل دولة، وما وضع الإعلام في موقع السلطة المستقلة إلا لممارسة دور ما بعيد عن السلطات الثلاث الأخرى، والركيزة الأساسية لهذا الدور تقوم على «النقد»، وهي الكلمة المفتاحية في عمل الإعلام الصحافي الجاد والرصين، إن الإعلام الصحافي في هذه الحالة يعبر عن المجتمع في كل المهام التي يقوم بها، يقدم له الحقائق الغائبة، يتابع الكيفية التي تؤدي بها السلطات الأساسية مهامها، ويكشف أمام المجتمع كل أوجه الخلل في الأداء العام، ولا يعني هذا أنه في موقع الخصومة الدائمة مع السلطات الأخرى، بل تجده يلعب دورا توعويا في قضايا كثيرة، هو الوسيلة التي تنتقل عبرها التعليمات والقرارات والتوجيهات من مختلف أجهزة الدولة إلى الجمهور.
إن كون مؤسسات الإعلام الصحافي تشكل سلطة حقيقية في المجتمعات الحية، يدفعها هذا الأمر إلى ضرورة اتخاذ المواقف وعدم الحياد، هذه الوسائل تمثل الناس وهمومهم وقضاياهم وتطلعاتهم، ولا يمكن أن تقف على الحياد بين وزارة الصحة على سبيل المثال في بلد ما، وبين الجمهور الذي يتعرض لخدماتها السيئة أو إهمالها أو عدم كفايتها، والحياد يكون موقفا بل وجريمة بين أجهزة الأمن في بلد ما وجمهور المواطنين، حين تقوم هذه الأجهزة بتجاوز صلاحياتها الممنوحة لها، والإمعان في القمع والتنكيل بالناس وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، وقطعا يكون الحياد موقفا خسيسا حين تختطف مؤسسة عسكرية ما إدارة البلد وتحرف مسار التحول الديمقراطي فيه، وقس على ذلك كل القضايا، من التربية والتعليم والصحة وإدارة الأموال والثروات والتنمية الاجتماعية وغير ذلك. إن أكثر من %90 من وسائل إعلامنا العربية منحازة، وللسلطة على وجه التحديد، وفي كل ما تقوم به، ومهما بلغ مدى سوءه، وحين تنحاز البقية الباقية من وسائل الإعلام للناس وهمومهم وتطلعاتهم، تكون الجريمة الكبرى، ويكون الانحياز جريمة وعار!
يا سيدي، إن ما انحزت له أنت، هو العار الوحيد في هذا الزمن.