الثورة كأس لابد للجميع أن يشرب منه
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر
الإثنين 27 فبراير-شباط 2012 06:04 م

1

الدول الدينية والإيديولوجية، وتلك التي تسيطر على مفاصل الحكم فيها النخب السياسية المغلقة، والتي لا تسمح للدماء الجديدة من خارج مؤسسة الحكم التقليدية، التي تحتكر السلطة والثروة، وتمارس الاستبداد والإقصاء والإلغاء والتهميش، وتعتمد معايير متناقضة ومتباينة لحقوق الإنسان، وتسيطر على وسائل الإعلام وأدوات التعبير، وتقمع الحريات العامة والخاصة، وتحتكر العنف وأدواته.

دول الإقليم النفطية التي أعاقت التغيير وهي مصابة بالتكلس وممانعة رياح التغيير، وترفض القيام بعمليات إصلاح جذرية، وتفضل بدلاً الاكتفاء بإجراء عمليات التجميل والإصلاحات السطحية والشكلية، لاعتقادها أن اتكاءها على مخزونها النفطي وعلاقاتها مع دول الغرب وامتلاكها لأدوات القمع، أمور كفيلة بمنع وصول رياح التغيير وتسونامي الحرية إليها.

2

حين حاولت تلك الانظمة إعاقة عجلة التغيير في بعض دول الربيع العربي كانت في الاساس تدافع عن بقائها، وتكررت عملية الدفاع نفسها مرة أخرى عن طريق محاولة الهجوم باتجاه إسقاط نظام بعث الأسد في سوريا، عبر بوابة العنف بواسطة تزويد ثوار سوريا بالسلاح، بغض النظر عن كلفة تلك العملية، في ظل وجود نظام عسكري قمعي لا يقيم وزناً للدماء التي تسفك، كان ذلك تعبيراً واضحاً عن عدم امتلاك تلك الأنظمة لرؤية سياسية خارج دوامة العنف التي هي جزء أصيل من أدوات تفكيرها وحكمها.

3

المزيد من الدماء والعنف والفوضى غير المسيطر عليها، والتركيز على إبراز الوجه المسلح للثورات العربية في ليببا واليمن وسوريا، والانهيار الاقتصادي والأمني كما في مصر، تقف خلفها قناعات تلك الانظمة، من أجل إرهاب وتخويف شعوب تلك الدول، المتعطشة للحرية والعدالة والمساواة والخلاص من حكم تلك النخب، والتركيز على أن المعادل الموضوعي للثورة هو الخراب والقتل والدمار.

ذلك جزء ناقص من الصورة الكاملة لا وجه الثورة المتعددة، وذلك الجزء هو الذي يستهدف الشعوب الاخرى، لتصبح النتيجة النهائية هي الاستكانة والقبول ببقاء تلك الأنظمة محتكرة للسلطة والثروة، مع وعود غير جدية بإصلاحات طويلة الأجل، غير واضحة المعالم.

4

المملكة السعودية التي تلعب الى جانب قطر أحيانا وتتقاطع معها في المواقف والسياسات أحيانا أخرى أكثر، هي الدولة الاكثر قبولاً لانتقال فكرة الثورة، بسبب طبيعة نظام الحكم فيها، وأداء المؤسسة الدينية المتحالف مع الاسرة الحاكمة، وسياستها الخارجية والداخلية المصابة بالضبابية، وعدم وضوح الرؤية إزاء المتغيرات السياسية الدولية والاقليمية، وتحاول لعب دور شرطي المنطقة لصالح الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، هروباً من مشاكلها الداخلية الخانقة.

5

تحاول المملكة الهروب من الاستحقاقات الداخلية، بتقديم المزيد من التنازلات للخارج، من أجل الهروب أيضا من المخطط الامريكي الذي اعلن عنه عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م وعرف بخارطة الشرق الاوسط الجديد، الذي كانت من خلاله المملكة هي المستهدف الأول والأبرز فيه، كون غالبية منفذي هجوم سبتمبر من حاملي الجنسية السعودية، الى جانب أن القاعدة كفكرة ولدت من رحم الفكر الوهابي والسلفية الجهادية.

هو تحالف مرحلي سينتهي بانتهاء مبرراته.

6

المملكة مبشرة بانقسامها لثلاثة أقاليم على الأقل بحسب المؤشرات السياسية والديموغرافية وهو ايضا مايتناسب وحجم مساحة المملكة الكبيرة، بالإضافة للتنوع المذهبي والتعدد القبلي.

وبحسب الباحث السياسي المصري معتز سلامة في دراسة لمركز الاهرام العربي فإن دول مجلس التعاون أقرب إلى أن لا تشهد “ثورات وطنية” على غرار الثورتين المصرية والتونسية، ويرى أن الإصلاح -وليس الثورة - هو الخيار الأكثر أماناً لدول المجلس، ليس لأن هذه الدول لا تتوافر بها شروط وأسباب الثورات، ولكن لأن الآليات التي تقوم عليها الثورات ودينامياتها التي تصل بها إلى تحقيق غاياتها غير متوافرة بها، فضلا عن أن المنتج النهائي للثورات في هذه الدول لن يحتفظ بالدولة الخليجية على صيغتها الراهنة، ولكنه سيفرز تكوينات وأشكالا طائفية ومناطقية وقبلية منقسمة ومتصارعة.. ويؤكد سلامة أن فكرة الدولة والهوية الوطنية ليست راسخة في أغلب هذه الدول، ولم تملأ الفراغات القائمة بين الحكم والمجتمع قوى وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني قوية. لذلك إذا قامت ثورات في منطقة الخليج فإنها لن تكون «ثورات وطنية»، وإنما جيوب ثورية قبلية أو طائفية أو مناطقية، وبؤر للخروج على الدولة، تنتهي بإدخال دول الخليج القائمة في نفق مظلم من الصراع الداخلي والحروب الأهلية.

7

دول مثل الإمارات وقطر والبحرين ستشهد تحولات مماثلة، ستكون بوابتها الاختلال الديموغرافي للسكان، بسبب ميلان كفة التوازن البشري والثقافي لصالح الجاليات الاجنبية، الذين يمثلون اكثر من 85 بالمائة من السكان، ومن القوة الانتاجية في تلك الدول، خاصة مع إقبال العديد من السكان الاصليين للزواج من اجنبيات، وتغلغل الجاليات الاجنبية في مفاصل تلك الدول، بسبب انتهاج عدد من تلك الدول لسياسة التوطين للكوادر الأجنبية، وتدريجيا ستواجه تلك الدول مطالب بالمشاركة السياسية للمستوطنين الجدد، الذين قد يكونوا هم اداة التحول، عبر المطالبة بتمثيلهم في البرلمانات والمجالس البلدية والنقابات العمالية، وتمثيل في برلمانات ومجالس البلدية وغيرها.

وبحسب دراسة للباحث اليمني شكري الزعيتري فإن (من شأن توطين الاجانب أن يولد خطر سهولة تدويل أي أزمة محلية واستصدار قرارات من مجلس الأمن أو حتى إضفاء الشرعية الدولية علي أي محاولات من قبل تلك العمالة الأجنبية للسيطرة علي مقاليد الأمور في موقع ما في أحد دول أو كل الخليج العربي تشكل فيه أغلبية كون المعنيين ينتمون لعدة أوطان (بلدان) لأن بعض أنظمة بلدان العمالة الأجنبية تعطي الحق بامتلاك أكثر من جنسية لرعاياها، كما أن من شأن وصول العمالة الأجنبية إلى الوعي السياسي الكافي الذي يؤدي إلي السعي نحو تنظيم جهودها الذي يمكنها ممارسة تضامن احتجاجي ضد الحكومة في أي دولة خليجية وفي حالة يتم تحركات عمالية منظمة للأجانب المتواجدين بدول الخليج سيؤدي إلى استقطاب اهتمام متزايد من جانب منظمات حقوق الإنسان (دوليا ) وهذا بحد ذاته سيمثل ضغوطاً قد تمارس على حكومات دول الخليج وتجعلها عاجزة أمام الأخذ بزمام أي مبادرة لمعالج أي معضلة عمالية داخلية حيث سيكون الحلول ليس بيدها وحدها وستواجه تدخلات خارجية لفرض وإملاء ما تراه من حلول وبالتالي يكون التدخل في شئون داخلية لدول الخليج رغما عن حكوماتها).

8

إيران تواجه خطر الثورة ايضاً، وهي مؤهلة لانتقال أكثر سلاسة بسبب وجود حركة معارضة داخلية قوية منظمة، ولديها رؤية سياسية مسنودة بحركة مجتمعية ونقابات عمالية قوية، ونخب سياسية معارضة عريقة منبثقة من قلب مؤسسة الحكم ، سيحدث تحول يخرج إيران من سيطرة المحافظين وسطوة المؤسسة الدينية، وبرزت ملامح الثورة في إيران قبل الربيع العربي، وظهرت بشكل واضح عقب الانتخابات الرئاسية الاخيرة في 2009م.

alzorqa11@hotmail.com