اليمن بعد الإنتخابات الرئاسية .. رؤية مستقبلية
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و يومين
الجمعة 24 فبراير-شباط 2012 09:58 م

ومرت الانتخابات بأحداثها المثيرة وغرائبها وعجائبها التي لا يتصورها عقل بشر , وأتت الصدفة التاريخية لتجعل من عبدربه منصور هادي رئيسا انتقاليا ولمدة عامين , في مرحلة حساسة وفارقة من تأريخ اليمن المعاصر , وما سنسرده هنا ليس على سبيل المبالغة بل قراءة مفصلية ومستوحاة من وحي الواقع وأحداثه وتداعياته المثيرة , تفرضه التطورات والتغيرات السياسية والشعبية المصاحبة للعملية الانتقالية من جميع جوانبها الثورية والشبابية والشعبية والسياسية والتنظيمية لمختلف التوجهات والحركات الموجوده في اليمن وخارجة دون استثناء , وبعد ان رمى القدر بهادي في مرمى الأحداث وتشابكاتها وتعقيداتها المستمرة , نتطلع الآن إلى يمن الغد وماهي الصورة المرتقبة لليمن الكبير, وكيف ستكون الأوضاع عليه في ظل السياسات الجديدة القائمة , وعن مدى تأثير المحاور الداخلية والخارجية على مسيرة السلم الاجتماعي والوطني , وعن مدى ما ستحققه الانتخابات والمسيرة الحالية للوطن التي يراد لها ان توصف بالديموقراطية عنوة , في وطن تشتعل الأحداث فيه بلا تردد ولا ممانعة او رفض وباستطراد شديد, ولن نسرد هنا عن مدى مصداقية الانتخابات او -النصر الديموقراطي والثوري- كما يحلو للبعض ان يسميه .

 داخليا هناك ثورة شبابية شعبية مستمرة ورافضة للانتخابات والمبادرة الخليجية وما نتج عنها من إفرازات وحكومات وانتخابات رئاسية , ممثلة من خمسة أقطاب وقوى فاعلة ومؤثرة لا يمكن تحييدها او إقصائها بأي حال من الأحوال,

 1-الشباب المستقل والقوى الشعبية مع بعض شباب الأحزاب الرافضين كليا للانتخابات

2- وهناك الحراك الجنوبي في الساحات وكقوة معارضة منذ زمن بعيد .

3- وهناك التيار الحوثي وجماعاته التي لم ينته ثأرها بعد مع النظام السابق عبر سنوات حكمة المريرة , ومانتج عن تلك الحروب الست من ضحايا ودمار وخراب , وتسويات سياسة لم تتم او تدم في ظل قدوم الثورة الشعبية معلنة انتهاء شرعية النظام السابق.

4-وهناك مكون ومقوم وعنصر أساسي متواجد ثوريا سواء في الساحات او مغيب سياسيا في المنازل وهو أسر الشهدآء والضحايا وأولياء الدم المطالبين بإحقاق العدالة ,وكان الأغلب رافضا لمبدأ الانتخابات كليا , ويومها عبروا عن رفضهم القاطع بزيارة شهداءهم في المقابر .

5- وهناك عنصر هام ورئيسي ولعب دورا مؤثرا و كبيرا خلال الثورة الشبابية وما قبلها وهو نسيج مركب مهاجر متكون من جميع الأطياف المعارضه المختلفة بالداخل , ويعكس الصورة الداخلية تماما , وله وزنة الاستراتيجي والهام والمؤثر في الرأي العالمي , وهو معارضة الخارج , التي اجتهدت خاصة في السنوات الأخيرة بصورة ملموسه وحيُة ونتج عنها مكونات وتنظيمات بصورة أحزاب او هيئات او حركات منظمة ومعارضة, تضم في تياراتها المختلفه ومكوناتها العديد من رجالات السياسة والفكر والأدب والثقافه ولها وزن لا يستهان به خارجيا , وتعتبر من نتائج سياسة التهميش والإقصاء والتهجير التى انتهجها النظام السابق , وكانت في الأغلب رافضة كليا للانتخابات بصورتها المطروحة .

جميع هذه الأقطاب والقوى ستلعب الدور المؤثر والبارز مستقبلا في رسم السياسات اليمنية المعارضة , وستصنع بثقلها السياسي والشعبي والحركى نقطة فارقة في التأريخ اليمني المعاصر, اذا لم يتم الاستجابة الفعليه والكلية لمطالبها وأهدافها وإشراكها في العمل السياسي , او تحقيق مطالبها التي تتعلق غالبا بسقوف مرتفعه من المطالبه بمحاكمة الجناة وتجميد الأرصدة ومحاكمة ناهبي المال العام والحفاظ على استقلال وسيادة الوطن ورفعته وعظمته بعيدا عن التدخلات الإقليمية والدولية , وسياسة الإملاء من الخارج وفرض نظام الوصاية والتبعية والاستفراد بالسلطة ومقاليد الحكم , هذه القوى مجتمعة هي الضامن الوحيد والأكيد لاستمرار الثورة وإعادة الروح إليها , والسير بها قدما الى تحقيق أهدافها , بعد ان تخلفت أكثر القوى الشعبيه والسياسية وتساقطت مع مرور الوقت تباعا في طريق المسيرة الإصلاحية الوطنية والثورية , وانسحابها من العمل الثوري او وجودها بشكل صوري , إما بسبب تحقيق إطماعها ومكاسبها السياسيه وغاياتها , وإما بعد ان أصابها اليأس والإجهاد بعد عام كامل من الثورة المضنية , وإما بسبب الأوضاع الكارثية وسياسة العقاب الجماعي المفروضة على الوطن ككل .

إذن إن تجاهل اي عامل من تلك العوامل الاساسيه والشعبيه يعتبر إنذارا مبكرا لولادة ثورة وثورات أخرى وليدة , وربما بصور جديدة وقادمة , ويوحي بان جذوة الثوره مازالت مشتعله وممكن ان تتحول بركانا يوما ما , وتصحو من تحت الرماد , وتعصف بكل الأوراق السياسيه والترتيبات القائمه وتقلب الطاولة على كل المتلاعبين في أروقة صنع القرار ,اذا لم يتم معالجة كافة القضايا العالقة على أرضية وطنية قوية ملبية كامل الأهداف والشروط لتحقيقها , ستدفع حكومة الوفاق وخلال الفترة الانتقالية الى المزيد من التأزم والفشل السياسي والنظامي , وما لوحظ جليا خلال العملية الانتخابية من تهميش الكادر الشبابي الحر , ورفض رايه وسلوكياته الثورية الرافضه للانتخابات والمبادرة الخليجية , صنع فجوة كبيره وحدة خلاف بين الأطياف الثورية والساحات وهذا ما بدا جليا خلال يوم الاقتراع والتصويت , وما نتج عنه من صدامات بنيوية وتحتية قوية جدا , كانت واضحة بصورة أكثر في المحافظات الجنوبية والشرقية , من صدامات وسقوط العديد من الضحايا والقتلى والجرحى , بغض النظر عن المسببات والدوافع , ومن ورآء تلك الأعمال والفوضى وما نتج عنها من قتل وسقوط ضحايا , إنما هو مؤشر قوي لوجود موجة رفض شعبي عارم للانتخابات في تلك المحافظات , وهذا ما عمقته الانتخابات الصوريه في نفوس أكثر الجنوبيين من الانفصال والمناداه الى فك الإرتباط , وبنفس السياسات المتبعة زمن الرئيس السابق وعلى نفس المنوال من التهميش والإقصاء والإنكار وعدم سماع المطالب وإحقاق الحقوق المشروعة وإيجاد الحلول , في إطار سلسلة طويلة من انتهاك الحريات ومصادرة الحقوق وفرض القوة العسكرية والأمنية على تلك البؤر المتقدة بنار النقمة ورفض مبدأ القوة وفرض السيطرة عنوة ونهب الأراضي والتحكم في مدخرات الجنوب لمنافع شخصية , وإستشرآء الفساد المالي والإداري بصورة كبيرة , وهذا ما يجعل طرح أية خيارات مستقبلية في إطار أية تسويات سياسية او خطط مستقبلية دون النظر الى مطالب الاخوة في الجنوب المشروعة , يعد ضربا من الجنون السياسي والاندفاع الى الهاويه والانهيار الحتمي , ربما لا تجدي معه تباعا الكونفيدرالية في ظل فشل الفيدرالية والوحدة الاندماجية مستقبلا في أسوأ الحالات , وسيكون شبح الانفصال قائما وربما تتوارثه الأجيال بالشعور بالغبن والظلم القائم , وهذا ما نراه واضحا في تلك الأصوات المنادية والثائرة في وقتنا الحاضر أكثرها أجيال شابه من جيل الوحدة , وفي رسالة واضحة بعد التلاعب والتهميش انسحبت أكثر المكونات الجنوبيه من ساحات التغيير شمالا لتقابل بالورود والحفاوة جنوبا , هذا الملف يمثل بحد ذاته ركنا أساسيا وهاما في اية مصالحات وتسويات مستقبلية وقائمة , وغض النظر عنه سيولد الانفصال الحتمى كما حدث في جنوب السودان .

اما بالنسبة لأسر الشهدآء فوجودهم في العملية الوطنية التغييرية دافعا قويا وعاملا رئيسيا وهاما لإسقاط النظام كليا , وضمان استمرار الثورة , ومحاكمة القتلة والجناة وتحقيق العدالة , وهذه الشروط والمطالب لن تتحقق كليا في ظل وجود الجناة في قمة الهرم السياسي والسلطوي , يتمتعون بحصانه وعدالة انتقالية مفروضة , لم تراع ادني مقومات الانسانية في طرحها وصيغة بنودها ونصوصها , ان الأعداد المهولة للقتلي والجرحى التي نتجت فقط خلال عام من الثورة تركت ورآءها أولياء دم وطالبي حق , لن تجدي معهم التسويات السياسية نفعا , ولن تغريهم الأموال والمبادرات المطروحه من العدالة الانتقالية وبنودها وغيرها , ولن تشفع لدمآء ضحاياهم الوساطات والتهدأة , والمماطلة و تسويف الأمور والحلول الوسطية , هناك ثورة شهيد صغيرة تشتعل في بيوت الآلف الضحايا والأسر , مع الايام ربما تصنع في مجملها ثورة كلية عارمة وتكوُن نواة متجددة لثورات جديدة تسمى ثورة الشهدآء , ان إغفال المبادرة الخليجية والحكومة وبرامج التسويات والتحالفات القائمة لهذه المسألة على وجة الخصوص تحديدا , ولُد الرفض الشعبي العارم للانتخابات , و خيار التمترس ورآء الثورة واستمرارها والمطالبة بمحاكمة الجناة , ورفض المتاجرة بدمآء الشهدآء والمزايدة بها في أتون السياسة وإنفاقها المظلمة المتشعبة, لذا اذا لم تتحقق العدالة الإلهية بالقصاص العادل سنتوقع المزيد من الثأرات وعمليات الانتقام والبحث عن الجناه في جنح الظلام والثأر , وتسود حالة من الفوضى الإجتماعية , بما تؤثر سلبا على الأمن والسلم الاجتماعي والوطني , وتضع وطنا باكمله على شفا جرف هار من الانهيار والتهاوي.

ان التسلسل في سياسة التهميش والإمعان في ركوب موجة الثورة , ونسب إليها أية عمليات سياسيه ومكاسب حزبية انتصارا لها , لهو مدعاة للأسف والحسرة , فلا نظام سقط كليا , ولا محاكمة عادلة تحققت , ولا أموال أعيدت للشعب او جمدت , كلما في الأمر ان الصورة الكلية تغيرت إعلاميا فحسب , وعاد النظام بحلة سياسية جديدة ولباس وطني جديد وبحصانة كاملة , لم تحدث إطلاقا في تأريخ الثورات العالمية وعلى مدى التاريخ البشري ,و حتى في أدبيات تأريخ ثورات الربيع العربي المعاصر , ان ثورة تنتصر ليخرج منها الحاكم الظالم منتصرا بكامل الصلاحيات وتقدم له الحصانة المطلقه على طبق من ذهب , ومثال حي على ذلك في الثورة المصريه , فحتى الآن إخواننا في مصر لم يعترفوا بكمال ثورتهم في ظل الحكم العسكري القائم , رغم وجود الرئيس السابق في قفص الاتهام ومحاكمته ومحاكمة أركان نظامه , لكن هذه الاجرآءات لم تشبع الشبق الثوري الحر المتطلع للحرية , وحينما نقل الرئيس المصري السابق صلاحياته لنائبة انتفضت مصر عن بكرة أبيها رافضة رموز النظام السابق وطالبت بإسقاطه كليا وتحقيق العدالة الثورية وأهدافها , وفي اليمن نعتبره نصرا ثوريا محققا , توُج ومن سخرية الأقدار وعجائب الأزمان بجمعة وانتصر الشعب.

 من جهه أخرى رفض التيار الحوثي وتخوينه وتهميشه وعدم الاعتراف به سيجر بالوطن الى مرحلة جديدة من الانقسام والتمزق في ظل عزوف أكثر الساسة في طرح هذه القضيه كموضوع وطني مهم يجب مناقشته بعقل وروية وطرح الأسباب والمسببات والمشاكل والبحث عن الحلول الجذرية المجدية والنافعة ,ان التعبئة الخاطئة التي انتهجها النظام البائد لبث روح الفرقه بين أبناء الوطن الواحد , عادت جلية وواضحة في سياسات النظام الجديد , اذا لم ينظر اليها بعين العقل والمحاسبة والمحاكمة وإتباع أسلوب الثواب والعقاب , وفتح ملف الحوثيين على مدى ستة أعوام وستة حروب كاملة ومعالجة قضاياها , سيجر الوطن مستقبلا إلى نفق مظلم خطير ونهاية مسدودة , سيؤثر بشكل سلبي على محافظات شمال الشمال , وقد تولد صراعات وحروب طائفية وفتن مذهبية ورفض لأية حكومات مستقبلية , وستكون منطقة ملتهبة بالأحداث والتغييرات التي لا يحمد عقباها , لذا يجب عدم الاستهانة بهذا المكون الذي له قوته وقاعدته الشعبية وانصاره , واثبت فعليا على مدى عام من الثورة وحتى الآن حسن النوايا والالتحاق بالركب الجماهيري ,وانتصاره للإرادة الشعبية ضمن هويته اليمنية.

أما ما يخص معارضة الخارج اذا لم تكن هناك نظرة جادة ودفعة قوية الى حوار وطني شامل وتسويات سياسية مرتقبة قائمة فقط على إسقاط النظام السابق بكل رموزه ومكوناته , و تحقيق مطالب معارضة الخارج والبحث عن الأسباب والحلول الجذرية الجدية , برؤيه منصفة وصادقة وعادلة , وبروح وطنية عالية متسامحة , وفتح صفحة جديدة للمُ الشمل اليمني بكل مكوناته مؤيديه ومعارضيه لبناء يمن الغد , لن تتحقق كليا إلا بتحقيق أهداف الثورة السلمية , وتطلعات الشعب اليمني العظيم , وفي حالة طرح خيارات أخرى وبديلة ومهدئات وقتية ومسكنات زمنية غير مجدية , واذا لم يتم اقتلاع النظام من جذوره كليا , سنتوقع المزيد والمزيد من الثورات والانتفاضات والمعارضة الشديدة والمستقبل المجهول , في التسلسل الزمني للأحداث في الجمهورية اليمنية , لربما لن تتوقف عند حدود معينة وقد تجر الوطن الى كوارث وخيمة ونتائج لا تحمد عقباها