يوم انتهى الجنرال
بقلم/ وليد البكس
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 22 فبراير-شباط 2012 05:25 م

alboox@gmail.com

كان الحاكم العربي من القصر إلي القبر،و أصبح الآن بين الاثنين مسافة ساحة فاصلة.وميدان حرية مترامي الأطراف؛منتصب كوحش كاسر. يباعد بينهم وبين امانييهم إلي ما لا نهاية.

علي عبدالله صالح كان واحد من هذا الفريق الطامح بهذه النهايات،وها هو ينالها بعناية فائقة.

ما أصعب ان كان(صالح) يتناول فطوره في بهو القصر؛ثم لم يلبث ان يبحث له عن مأوى مع حلول مساء اليوم.وفي هذا المساء أيضا سيختفي حراسه المجهولين والمكشوفين.يتفرق شمل الجنود ولا مرافقين له في هذه العواصف المحدقة.من أخبار التلفزة التي ستصعقه وهي تتناقل خبر النتيجة المعلنة "فاز عبد ربه منصور هادي برئاسة اليمن"و يجب ان تدرس هذه الثورة؛ للأجيال القادمة في المدارس والجامعات.

ولا يهم ان تخرج مسيرة الثورة؛برئيس توافقي،مرشح واحد لمنصب الرئاسة،الأهم هو إزاحة علي عبدالله صالح عن الكرسي؛وتغييبه من المشهد،ليصبح خارج القصر إلي الأبد. ما أقسها من نهاية مدوية،نصبت رئيسا جديدا للبلاد.سيستيقظ اليمنيين من نومهم غدا على صورة أخرى لرئيس أخر،يستقبل التهاني في الممر الداخلي لصالة الضيوف في القصر،و تنتشر صورته الزاهية في كل الواجهات وشاشات التلفزيونات وأروقة المؤسسات.بما فيها فصول الدراسة و حتى مكاتب أجهزة المخابرات وعنابر العسكر.بالمناسبة لن يتوانى قادة الألوية العسكرية وأفراد الجيش من إلصاقها على زجاج السيارات، و جدران أسوار المواقع العسكرية الداخلية والخارجية،وأيضا في الممرات.لا يعد هذا الفعل نكران للجميل،او تنكر لنعمة او (مذلة)النظام السابق.على القدر الذي يشرفهم ان يقوموا بعمل متاح.أكثر كفاءة وخلاص.ولن نعده تمجيدا للصورة مقابل انتصار للثورة وقصد نبلها.الم ينظم اغلبهم إلي مسيرات الساحات،ورفت قلوبهم لثورة بيضاء خالصة من الدم والقتولات التي كانوا يساقون إليها.هاهم هم يرتدون بزتهم العسكرية وسط الساحة بين إخوانهم،كم يصفقون للفعل الثوري الذي أعاد إليهم إنسانيتهم،و ذكرهم بشرف القسم العسكري. أنهم حماة الوطن لا قصابين ليل. 

في الحقيقة يوم وصول هادي إلي كرسي الرئاسة،سيعد يوما مشهودا لكل اليمنيين؛سيكتب ما يكتب فيه ويقال ما يقول،لكن لن تكن هذه الكتابة والصيحات نوع من الانتقام.إنها تدشين لسقوط عهد،والدخول في زمن مشرق.و يحق لنا ان نطلق عليه عهد ما بعد صالح.كما رددها ( مدوية )من قبلنا إخواننا دول الثورة العربية .انها نتيجة مكتملة،مميزة للربيع العربي المشترك في سنة فرح التأريخ و زهوه. 

يكفي ان تكون افتتاحية هذا العهد:إنهاء فصول من الدم،وفاتحة لتجفيف ما تدفق من الشقاء والضيم بكل ألوانه الغامقة؛ابتداء بالأحمر ومرورا بالأسود و غزارة الدموع.طالت - طيلة عقود- هذا الشعب المحكوم بالحديد والنار والفاقة.

و وحده علي عبد الله صالح يردد هذه الافتتاحية،كأنشودة للرحيل،يحاول ان يفعل متغاضيا عن لحظات التاريخ وهو يقتلع دكتاتورية نظامه المتشبث حتى أخر لحظه.

مرة يقول "سنتصدى لكل الإرهابيين والمخربين،ووحده يعلم أين يختبئون؟ وبمن يستظلون؟ وأخرى : يوجه بنزع صورته من كل المواقع"لم يعد ذلك يجدي في لحظة كان اليمن وناسه أحوج إليها منذ عقود.ولم ننال سوى نصيبنا الوافر من نار الكذب؛تلفح قلوبنا قبل حياتنا اليومية،لم نوفر من نظامك أكثر من مخططات للانفصال،وحرائق تشعلها (قواعد) أجهزتك في الحاضر و طريق المستقبل،كما ان جماعات مستمرة تحيك الدسائس والمؤامرات.في الجنوب والوسط وشمال الشمال.منذرة الولاء الخادع،لنهاية العهد المشئوم.

ومع كل ذلك ها أنت تفارق الكرسي،ويتشتت صواب نظامك البالي المهترء،في لحظة يستجمع الوطن،كل طاقات شعبه العظيم؛ليدفن مرحلة مرهقة تنتمي لمخلفات عنادك،يستشرف أبناء اليمن الواحد الحوار الحقيقي لحلحلة العقد تحت راية اليمن،يحاولون ان يلملموا ما استطاعوا من جراحاتهم الغائرة،يتسامون بها وبوطنهم فوق كل القلوب المخدوشة،و الضمائر الملطخة.سيفعلون ذلك،حتى لا يمكنوا دعاة مشاريع التفرقة؛يمرون بنزعاتهم المناطقية والطائفية و المذهبية إلي حيث تطمحون .سيفعل الشرفاء الأحرار من اجل الوطن على حساب كل ما يمتلكون،حتى لو كلفهم ذلك ان يدفعوا حياتهم ثمنا للثورة وأهدافها المجيدة.لقد جربوا فعل النضال،استسهلوه واستبسلوا،حتى أصبح جزء من حياتهم،لا بل وزادهم اليومي.

قوة شكيمة في مواجهة البرد القارس وجلد وتصبر تحت قيض الصيف الطافح.عرفوا كيف يتكيفون مع مشيئة اللحظات الحارقة،استعداد للتضحية لم يكن متدني،كان باهض بما تعنيه (الثورة) من معنى،ولم يكن ذلك سوى امتدادا لمواجهة الصعاب لكل عهود القهر والاستبداد؛التي مرت عليهم طوال(33)؛سنين عجاف متعاقبة من تسلط و فوضى الجنرال.

الم يضربوا أروع الأمثلة للعالم وهم يناضلون في الساحات منذ مايزيد عن سنة،آمنوا بفكرتهم الخلاقة؛ان يتغيروا،ولم ينتظروا ان يستجدون التغيير من احد،ها هم اليوم يمارسونه،كانعكاس لطبيعة المرحلة التي تجتازها البلاد.

وفي ظلهم وحضورهم الطاغي؛لن ينجح زعماء الصدفة هؤلاء،ولن يستطيعون الاستمرار في التشويش على ذاكرة جموعنا الفذة،لن يتمكنوا من تغذية وطن بأكمله بدس سموم التفرقة و الانقسام والتقاتل في عقولهم، بتمرير تسمياتهم المهينة للكرامة الوطنية،بديلاً "للمواطنة الجلية"التي ظلت دائماً مصدر وحدة وانتصارات اليمنيين.

لكننا نقول لهم انه نجاح،شبيه بكذبة نيسان!إن لم تكن هي بعينها.سيسقط مع تقادم الزمن،وما هذا النظام الراحل إلا خير دليل على فشل كل سنين التآمر،بتدفق المال القذر،وتسطيح القضايا المطلبية،والتشويه والتقتيل وزرع الفتن بين الأخوة في البيت اليمني. 

ان الشرفاء ينادون إلي استنهاض جماهيري يحسم خيارات كل القوى ويحاصرها بما ينبغي ان تكون عليه كل هذه القوى وفي مثل هذا اليوم(الفارق 21 فبراير)وليس بما كانت او يطمح البعض إلي الإبقاء عليه من نزعات ضيق أفق سياسي ضئيل،ونداءات كريهة تهدف إلي تفكك وشائج المجتمع،عبر استهداف التوافق والوفاق وتدمر قيم الوطن و المواطنة الحرة.التي خلقتها الثورة في الساحات.و بعد ان أقدم النظام بعبقريته التدميرية الخبيثة و بكل أساليبه وطرقه المنحطة على تشويه كل شئ جميل في البلد.لتأتي الثورة و معها نستعيد ولو الشئ البسيط من سمعتنا العريقة.تطالب بشطب الفاسدين وفي مقدمتهم رأس النظام.

صحيح ان علي عبدالله صالح لم يكن كرئيس يرغب بالانفصال و بالطلاق الباين عن حياة الكرسي الرئاسي الممل والموجع؛كما كان يردد دوما: إننا تقبلنا الجلوس على هذا الكرسي في وقت لم يرغب غيرنا بالجلوس عليه،وتحملنا متاعبه"وتذهب تشبيهات صالح إلي" الحكم في اليمن كمن يمارس الرقص على رؤوس الثعابين"كم يبدو من خلال ذلك مرغما و مكرها لا مختارا ومغرما بالبقاء بصحبة الكرسي.لكأن عقود من الرخاء والثراء فوق الكرسي و بسببه،كان يدفعك إلي الشعب دفعا،او انه كان ينمو بالمكائد والشجارات ومؤخرا حاولا ان يداعبك بالمظاهرات والمطاردات والانتزاع المباغت.

ليحدث كل الذي حدث،و لم تنفصل بهدوء عن قصر كان ينعم بك و بالسكينة؛كان يرغب بمواصلة حكاياته معك كا توم الروح؛لكنه فجأة جلب كل هذا الفقر والعوز والقهر و الخراب لليمن.ومن ثم آثر ان يركل تأريخك إلي الخلف.