انضمام علي محسن الأحمر ... الفوائد والأضرار
بقلم/ مجدي منصور
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و يومين
الخميس 08 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:26 م

هل كان انضمام قائد الفرقة الأولى مدرع والشخصيات الكبيرة الأخرى إلى الثورة مفيد أم مضر؟ هذا التساؤل يبدو منطقيا، ولكن عند تتبع أحداث الثورة اليمنية بدقة، نجد أن الإجابة على هذا السؤال سهل للغاية، وليست هناك حاجة للحيرة!

لقد ارتكب النظام في الأسابيع الأولى للثورة الشبابية، وقبل عمليات الانضمام الكبرى للثورة في 21 مارس 2011، العديد من الجرائم بحق شباب الساحات، وكانت دول الخليج في صمت! والولايات المتحدة أيضا!

جاءت جمعة الكرامة، وارتكب النظام فيها مجزرة من أبشع الجرائم، 53 شهيد في صلاة الجمعة! ودول الخليج مستمرة في الصمت! والولايات المتحدة مستمرة أيضا! ولا نريد أن نسيء الظن، ولكن بدا الأمر وكأن هناك ضوءا أخضرا إلى نظام صالح لإخماد الثورة!

كان النظام يستعد لارتكاب مجزرة أخرى في ساحة التغيير، مباشرة بعد جريمة الكرامة نفسها! فالبلاطجة بسياراتهم "المعكسة" كانوا يحيطون في المكان! وهنا يتضح بأن نظام صالح قد فسر الصمت الإقليمي والدولي حينها على أنه رسالة ليمضي قدما إلى مجزرة كرامة أخرى، ليحقق فيها ما فشل في الأولى، وكان لسان حال النظام يقول: لقد ارتكبنا في جمعة الكرامة جريمة كبرى ودون نتيجة، فلنرتكب جريمة أكبر تخرجنا " إلى طريق"، ألا وهو فض الاعتصام نهائيا في العاصمة!

ولكن أثناء ذلك و في 21 مارس 2011، أي بعد ثلاثة أيام من جمعة الكرامة، أعلن علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع انضمامه لثورة الشباب وكذا مشائخ كبار في البلاد ومجموعة كبيرة أخرى من الانضمامات سبقته ولحقته! فجأة تغير الموقف الخليجي "الصامت" بصورة مذهلة في الأيام اللاحقة لذلك، لنجد مبادرة تنص على تنحي صالح، ودون مقدمات "لا إدانة للجرائم، ولا مطالبة صالح بإصلاحات، ولا تهديد بالعقوبات" هكذا مبادرة للتنحي مرة واحدة! في الوقت الذي نجد أنه إلى اليوم لم يطلب مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية من بشار الأسد أن يتنحى، وإنما قدموا مبادرة تطالبه "بإدخال لجنة رقابة" وبإصلاحات سياسية، وأصبحت مواقف الجامعة العربية تحتاج إلى براميل من دماء الثوار السوريين كي تتحرك بضع خطوات إلى الأمام!!!!!

الفائدة الأولى من الانضمام:

وهكذا نجد، بأن انضمام الفرقة الأولى مدرع، وتلك الشخصيات اليمنية القبلية وغيرها بعد جمعة الكرامة، دفعت في وقت مبكر بالثورة اليمنية مراحل إلى الأمام، حيث تحدث الخليج بعد ذلك عن "التنحي" لأول مرة ودون مقدمات! بعد أن كان هذا الخليج صامتا عن كل جرائم النظام بحق شباب الثورة، بما فيها جريمة جمعة الكرامة! والفضل يعود لله أولا، وثانيا لدماء الشباب في جمعة الكرامة التي غيرت المواقف الداخلية "عسكريا وقبليا"، فتغير تبعا لها المواقف الخارجية، التي أدركت أن إعطاء صالح مزيدا من الحرية في قمع الثورة أصبحت لها عواقب وخيمة بعد انضمام جيش الفرقة!

ولكن الثورة وبعد أن تقدمت تلك المسافات الهائلة في غضون أيام معدودات، توقفت، وظلت تنتظر استحقاقات النصر التي أصبحت بمعية "دول الخليج"، التي قدمت نفسها كراعية لعملية تنحي صالح!

لقد كانت راية الاستسلام التي رفعها صالح "باسم المبادرة الخليجية" بعد الانشقاقات الكبرى في نظامه، خدعة استكان بعدها الثوار، واجتهد هو بمساعدة خليجية في إعادة بناء نفسه، لمواجهة الحالة الجديدة للثورة!

 وهذا هو ما أخر الثورة! إنه ارتكان الثوار إلى المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها الثورة بعد الانشقاقات التي قسمت ظهر النظام، وانتظارهم من الزياني أن يتوج نصرهم بعملية سياسية!

فصرفت كثير من قوة الثورة النظر حينها عن الحسم الثوري، لسببين، الأول: حقنا لدماء اللحظات الأخيرة في الزحف، والثاني حبا في أن تكون الثورة سلمية مائة في المائة، خاصة وأن انتصار الثورة المصرية السلمية كان حينها هو المشهد الحاضر وليس الثورة الليبية التي انتصرت عسكريا في وقت لاحق، ولا أحد يلوم قوى الثورة اليمنية تلك الحسابات!

فائدة أخرى:

بعد انضمام الفرقة والوزراء والسفراء والمشائخ، لم ينسحب الثوار، كما يروج النظام، بل العكس تماما لقد تم بعدها ببضعة أسابيع نقل صلاة الجمعة من ساحة الجامعة إلى ميدان الستين الواسع لأول مرة، وذلك لأن الأعداد فاضت!

وبلغ المصليين في صلوات الجمعة بعد عمليات الانضمام الكبرى إلى أكبر عدد حيث وصلوا في إحدى تلك الجمع إلى جولة عصر!!!! في حشد غير مسبوق في تاريخ اليمن! وذلك لأن كثيرا من الفئة الصامتة الذين كانوا يتخوفون من الذهاب إلى ساحة التغيير، لعلمهم بمدى بلطجة وبطش وإجرام النظام، تشجعوا بعد أن أصبحت الساحة تحت حماية "الفرقة الأولى مدرع"، إضافة لعدد آخر من الذين انضموا بسبب هول الجريمة!

كيف تعامل النظام مع الثورة بعد هذه الحشود الهائلة، وبعد الانضمامات الكبيرة العسكرية والقبلية وغيرها؟

لقد أدرك النظام خطورة عمليات الانضمام إلى الثورة، وأعتبر أن معركته مع الثورة، مرهونة بقدرته على الإساءة لعمليات الانضمام، عن طريق الإساءة لكبار المنضمين إليها! لتحويلها إلى نقطة ضعف بدلا من نقطة قوة "في الأذهان"، ولذا بث بعض مندسيه في ساحات الثورة، ليتصرفوا كقوة طاردة "للمنضمين"! تحت حجج عديدة، خصوصا بعد أن بلغت حشود الستين أعدادا تاريخية غير مسبوقة!

لقد كادت هذه الانضمامات أن تطيح به في وقت مبكر بعد جمعة الكرامة، ومن هنا نتفهم حقد النظام على هذه الانضمامات وعلى كل المنضمين!! ولذا سعى جاهدا ليلا ونهارا في كل وسائل إعلامه، وفي كل أبواقه المجتمعية المتمثلة في المخبرين المتواجدين في كل جلسة ومقيل، وفي كل عرس وتفرطة، وفي كل مؤسسة ووزارة، إلى الإساءة والتشويه من تلك العملية، كي لا تتحول إلى عملية بطولية قد تجذب إليها مزيدا ممن تبقوا معه، أو على الأقل كي يبقى من يستنكرون جرائمه في حالة صمت بدلا من الانضمام!

كل هذا كان يحدث، والثوار مبتهجون ويترقبون النصر القريب، الذي رسمت ملامحه تلك الانضمامات والانشقاقات عن النظام! حتى طال انتظار النصر، وتوغل الهجوم الإعلامي للنظام في صفوف الفئات الصامتة وبعض الثوار!

ووصل الأمر بالبعض أن خانته الذاكرة، ففي الوقت الذي يتحدث عن الفرصة التي لم يستغلها الثوار بعد جمعة الكرامة، يردد في نفس الوقت ما يناقض ذلك ألا وهي اسطوانة النظام: " انضمام هذا أخر الثورة"، غير مدرك بأن الفرصة التي يتحدث عنها أصلا هي تلك الانضمامات إلى الثورة التي تساقط فيها النظام كأوراق الخريف بعد جمعة الكرامة، وليست الفرصة هي مجزرة الكرامة بذاتها! لأن بعد المجزرة مباشرة، كان الثوار مشغولين بحماية ساحتهم من عمليات اقتحام أخرى مرتقبة، وكانت المعركة حينها هي صمود الساحة في وجه الاعتداءات! وبعد 3 أيام تغيرت المعادلة! ولكن البعض يلتبس عليه الأمر، لأن الفارق بين الحدثين هو 3 أيام! 

كيف تعامل الثوار مع الهجمة الإعلامية للنظام على كل المنضمين؟:

 رغم كل الهجوم الإعلامي الرسمي على المنضمين، لم يعر الثوار ذلك الموضوع أي اهتمام، والسبب كان وجيها: وهو أن الثوار يجدون أن هناك فرقا بينهم وبين أنصار النظام، وهو أنهم لا يدافعوا عن أشخاص! وإنما قضيتهم تحقيق أهداف الثورة! وأبطالهم هم شهدائهم!

ولكن بسبب وجود هجوم كاسح من النظام على كل المنضمين في مقابل انعدام أي عملية دفاع عنهم، انتشرت أراجيف النظام في أوساط الفئة الصامتة بشكل كبير، وكانت كل تسديدات النظام تصيب المرمى لعدم وجود أي حارس!

وهنا نحن لا نعتب على الثوار أبدا، فهم في المسار الصحيح عندما يأنفون عن تمجيد أي شخص، ولكن كان لا بد من الدفاع عن عملية الانضمام نفسها، ليس عن شخص بعينه، لأن الدفاع عن عملية الانضمام، هي دفاع عن الثورة!ت

هل باشر النظام فورا هجوما إعلاميا على علي محسن؟

ولو عدنا إلى أول أيام انضمام الفرقة، سنجد بأن النظام كان يغازل علي محسن، وتابعنا ذلك جميعا في الإعلام الرسمي وفي خطابات صالح، وذلك بتفسير انضمام هذا الرجل إلى الثورة بالنحو التالي: أن حادثة الكرامة التي ارتكبها سكان الحي او أولئك... كانت حادثة مؤلمة، هزت وجدان ومشاعر علي محسن! وأنه انضم نتيجة مشاعر عاطفية انفعالية لحظية! وأنه سيعود إلى حضنه "النظام"، عندما يصحو من صدمة الحادثة!

ولكن بحمد الله، ثبتت الفرقة الأولى مدرع على موقفها، ويأس نظام صالح من استمالتها! حينها بدأ النظام بصب كل حقده وغضبه على قائد الفرقة، ومن العجائب، أنه بعد أن كانت لغة صالح ولغة الإعلام تروج أن علي محسن "وطني" لا يمكن أن ينضم إلى "الشباب المخربين في ساحة الجامعة في صنعاء"، أصبحت لغة النظام: يا شباب الجامعة أنتم وطنيون، ولكن لا تقبلوا هذا الفاسد المخرب في صفوفكم الذي يريد أن يسرق ثورتكم!

ولذا بعد أن كانت معركة صالح الأساسية هي مع شباب الساحات، "الذين يدارون من تل أبيب" بحسب تهجمه، أصبحت معركة النظام هي مع "الفرقة الأولى مدرع، والمنضمين الجدد"، ولذا قام النظام بتأجيل معركته مع الشباب جزئيا "المعركة الإعلامية" محاولا تحييد بعضهم، وأصبحوا فجأة الطاهرون " لولا انضمام هذا وذلك إليهم"! أملا في أن يتفرغ للخطر الأكبر على كرسيه "من وجهة نظره"، وهو كبار المنضمين! الذين أعطوا للثورة شوكة عسكرية، يفهمها النظام أكثر!

وهكذا نجد بأن أضرار انضمام قائد الفرقة الأولى ومدرع وكبار المشائخ على الثورة، هي في الحقيقة صنيعة إعلامية للنظام بكل أبعادها، وحرب إعلامية "نجحت نوعا ما"، بينما على الأرض يتضح أنها منحت الثورة قوة، وإلى هذه اللحظة!