اغتيال الرئيس الحمدي- أسرار لم تكشف حقيقتها حتى الآن
بقلم/ د: حسين عبدالقادر هرهره
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 12 يوماً
الأحد 09 أكتوبر-تشرين الأول 2011 11:27 م

كنت أعيش حينها في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وفي بداية المرحلة الثانوية، حينما زار الرئيس ابرهيم الحمدي السعودية، وقد كانت زيارته رسمية ولكنه استقبل استقبالا فاترا وبعد يومين من الزيارة غادر إلى دولة مجاورة اعتقد أنها سوريا ومكث فيها يومين ثم عاد إلى المملكة العربية السعودية وفجأة شاهدنا استقبالا واهتماما غير عاديين عكس تغيرا جذريا لدى الحكومة السعودية تجاه الرجل لم نستطع حينها تفسيره، ولكننا كمواطنين يمنيين (جنوبيين و شماليين) كان لدينا إحساس بأن الرجل قدم للتفاوض مع السعودية حول الأراضي اليمنية التي تضمنتها اتفاقية الطائف بين اليمن والسعودية منذ حكم الأئمة في شمال الوطن، وكانت مدة الاتفاقية 30 عاما وقد انتهت هذه المدة غير أن عبدالله الحجري رئيس مجلس الوزراء خلال حكم القاضي عبدالرحمن الارياني قام بتجديد الاتفاقية مع المملكة العربية السعودية عام 1973م واعتبر الكثيرون ان الرجل قد ارتكب خيانة في حق اليمن كدولة واليمنيين كشعب، لذلك تم اغتياله في لندن ومعه زوجته واشيع حينها ان النظام الشيوعي في الجنوب هو من ارتكب هذه الجريمة انتقاما من الحجري بسبب توقيعه الاتفاقية.

لقد كانت نظرتنا كيمنيين عاصرنا مرحلة حكم الرئيس الحمدي ان الرجل كان يحمل مشروعا مدنيا واصلاحيا كبيرا وقد بدأت ملامح سياسته في كثير من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسة في شمال اليمن، كما انه كان يضع نصب عينيه ان امامه تحديات كبيرة عليه ان يتجاوزها وكانت العلاقة مع الشطر الجنوبي هي احد تلك الهموم التي يحملها على عاتقه، ولكنه بالتاكيد كان حذرا اشد الحذر من اظهار نواياه في قضية توحيد اليمن خصوصا أن هناك اتجاها مضادا قويا في الشطر الشمالي وخصوصا مشايخ القبائل وكثير من القيادات العسكرية التي كانت لها ارتباطات مع رجال القبائل المدعومين من جهات إقليمية، لذا كنا كمغتربين ننظر الى الرجل انه يسير في نفق مليء بالثعابين لا يدري من أين تأتيه اللدغة السامة، كما أن كثير من المحللين اعتبر أن الرجل لم يكن سياسيا بسبب تربيته العسكرية وقد كانت هذه نقطة ضعفة، لذلك استعجل عملية التغيير والإصلاح وخصوصا في قضايا خطيرة مثل قضية الوحدة التي كانت جهات فاعلة في المجتمع اليمني لا توافق عليها بسبب تطرف الفكر الاشتراكي في الشطر الجنوبي ومعاداته للدين الإسلامي صراحة وبكل وضوح وهذا جزء من غباء حكومة الشطر الجنوبي التي حاولت تطبيق النهج الاشتراكي بحذافيره ونافست بذلك كوبا وألمانيا الشرقية وحتى الاتحاد السوفيتي الذي كان يعارض عملية التحول السريعة والمتهورة للقيادة الجنوبية في فرض المذهب الاشتراكي في مجتمع مثل اليمن، كما أن جهات إقليمية محيطة تناصب الشطر الجنوبي العداء السافر إلى حد الصدامات العسكرية والتعبئة الإعلامية، وقد حاول الرئيس ألحمدي اعتماد سياسة حرق المراحل للوصول إلى هدفه، وكان عليه اصلاح الاوضاع الداخلية اولا ونشر الثقافة بين افراد الشعب وبعد فترة ليست بالقصيرة كان يمكنه ان يحقق اهدافه الكبرى بتوحيد الدولة اليمنية بعد ان يكون قد اسس ثقافة جديدة بين المحيطين به، ومن وجهة نظر الكثيرين ان الحمدي حتى لو نجح في توقيع الوحدة مع الجنوب فان الحرب الاهلية كانت سوف تشتعل وسوف تتدخل اطراف اقليمية في مواجهته ودعم المعارضين له وهم كثيرين.

لقد كان يوم اغتيال الرئيس الحمدي هو يوم اغتيال الحلم اليمني بالتطور والانعتاق من العقلية القبلية التي تتحكم باليمنيين والدخول في ظل الدولة اليمنية دولة القانون والنظام والعدل والمساواة، وقد تعمد اللذين قاموا باغتياله وأد الحلم اليمني وبقاء العقلية المتخلفة تتحكم في اليمن حتى اليوم، لذلك لا يستغرب الكثير من المراقبين انتشار الفساد الاداري والمالي والمحسوبيات وفساد القضاء وضباط الامن في اليمن حتى بعد الوحدة بعد ان تم تدمير كل الاتفاقيات الموقعة بين الشطرين عام 1994 بحجة ان الدولة انتصرت على الانفصال واصبحت في حل من كل ما التزمت به في هذه الاتفاقية مع ان حقيقة الامر اننا كجنوبيين حينها وقفنا بكل قوة ضد الانفصال وكان للعسكريين الجنوبيين دورا كبيرا في انتصار الدولة على الانفصال، الا ان الرئيس صالح اعتبر ان الساحة خلت له من اي معارضة وانه اصبح في حل من كل ما وقع عليه في وثائق الوحدة .

وبالعودة الى موت الحلم في اليمن باغتيال الحمدي فان المعلومات التي رشحت عن عملية الاغتيال تقول ان الرجل كانت له اجتماعات سرية مع القيادات الجنوبية برئاسة سالم ربيع علي وان هذه الاجتماعات بلغ عددها تقريبا ثلاثون اجتماعا وانه قد تم التوقيع بالاحرف الاولى على اتفاقيات الوحدة بين الدولتين اليمنيتين وكان مقررا ان يسافر الرئيس الحمدي الى الجنوب لحضور احتفالات الاستقلال للدولة الجنوبية بتاريخ 14 اكتوبر وخلال الزيارة يتم التوقيع النهائي على اتفاقيات الوحدة ويرفع علم جديد في هذه الاحتفالات هو علم الدولة الجديدة الذي تم الاتفاق عليه، كما ان هذه الاجتماعات لم يكن يحضرها من الجانب الشمالي مع الرئيس الحمدي سوى احمد حسين الغشمي الذي كان يتولى رئاسة هيئة الاركان في القوات المسلحة والذي اتهم بتسريب هذه المعلومات الى جهات غير معروفة وقامت هذه الجهات بترتيب عملية الاغتيال وبتكليف شخصية عسكرية كبيرة بتنفيذ العملية، وقد ظهرت اشاعة تسريب المعلومات خلال تشييع جنازة الرئيس الحمدي وبعد تكليف الغشمي بالرئاسة حيث قام الجمهور برمي الاحذية على الرئيس احمد الغشمي واتهم بالخيانة والتسبب في اغتيال الرئيس الحمدي.

ان عملية اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي اصبحت معروفة للجميع ولكن من الاسرار التي لايعلمها الكثير ان الذين نفذوا العملية قاموا برمي جثة الشهيد الحمدي واخيه عبدالله قائد قوات العمالقة في شقة مع فتاتين فرنسيتين تم قتلهما وتعريتهما من ملابسهما وظهرا في الاعلام اليمني مع الشهيدين وملابسهما الداخلية ظاهرة في الصورة على السرير، وقد كان هدف العصابة الاجرامية التي اغتالتهما اظهار العملية بانها جريمة اخلاقية وتشير من طرف خفي ان العملية تمت انتقاما بسبب هذا الانحراف الاخلاقي.

ولكن من هما هاتين الفتاتين اللواتي ضاعت قصتهما في زحام الاحداث؟ اوضح هذه القضية احد الاطباء اليمنيين الذي كان يكمل دراسته في فرنسا وقال انه حضر احتفال السفارة اليمنية بمناسبة عيد الثورة اليمنية 26 سبتمبر، وقامت السفارة بدعوة الكثير من الشخصيات العربية والفرنسية الى هذا الاحتفال كما حضر الطلبة اليمنيين الدارسين في فرنسا، وقال الطبيب انه كان ضمن فقرات الاحتفال عرض صور عن اليمن في صالة خاصة بالسفارة وقد شاهد بعينيه فتاتان فرنسيتان جميلتان تعربان للسفير عن اعجابهما الشديد بجمال المناظر الطبيعية في اليمن وانهما يتمنيان ان يزورا اليمن في يوم من الايام للاستمتاع بجمال الطبيعة اليمنية، وقد اهتم السفير بهذا الامر لان الفتاتين هما ابنتا دبلوماسيين فرنسيين لهما مركزين مهمين في الدولة الفرنسية وقدم لهما طلبين قاما بتعبئتها يقول الطبيب لقد رايتهما مع السفير تتحدثان وهما مسرورتان لان السفير وعدهما ان يقوم بالاتصال بهما لاحقا لتحقيق امنيتهما، وقام السفير بابلاغ الخارجية اليمنية بضرورة الاهتمام باستضافة الفتاتين على نفقة الدولة اليمنية لان ذلك سوف يساعد على تحسين العلاقات مع الخارجية الفرنسية وسوف تكون لهذه الاستضافة نتائج ايجابية من قبل الحكومة الفرنسية التي كانت تقدما دعما سخيا لليمن خلال تلك الفترة وقد وافقت الخارجية اليمنية وتمت الاستضافة وحضرت الفتاتان الى اليمن.

تصوروا معي مستوى الاجرام الذي تم خلال عملية اغتيال الرئيس الحمدي حيث تم قتل الفتاتين ورمي جثتهما مع جثتي الحمدي واخيه، ولكن يبقى السؤال المريع قائما بدون اجابة وهو من هو المجرم الجبان الذي قام بهذه الجريمة النكراء؟

الشيخ سنان ابو لحوم رحمه الله في حواره لجريد الخليج الاماراتية والذي حاوره خلالها صادق ناشر كشف ان قاتل الحمدي معروف وقال بالنص(رواية اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي شبه واضحة، لكن الله لا يحب الجهر بالسر، وقد رحل الحمدي ولن يرجع، والكشف اليوم عن رواية اغتياله قبل أكثر من ثلاثين سنة لن يفيد بشيء) إذا فقاتل ألحمدي موجود بيننا اليوم ولابد من فتح هذا الملف مهما كلف الأمر ومحاكمة الجناة، ولعلي اشير الى قضية في غاية الخطورة وهي لماذا لم يتم التحقيق في عملية اغتيال الحمدي؟ ومن له مصلحة في تغييب الحقيقة؟ وهل اللذين يهمهم اهالة التراب على هذه الكارثة شركاء في الجريمة؟

اسئلة لابد من الاجابة عليها ولاشك انها سوف تكون من القضايا التي تهتم بها الدولة اليمنية القادمة لان اليمن لا يمكن له ان يتعافى الا بتقديم كل المجرمين الى العدالة . .