يمن ما بعد النهدين
بقلم/ د. هشام المعلم
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 24 يوماً
الأربعاء 27 يوليو-تموز 2011 03:29 م

لقد أربكت حادثة جامع الرئاسة الجميع بلا استثناء و خلطت الكثير من الأوراق وفقدت الأطراف المتنازعة السيطرة والإلمام بكل ما يجري فاختلت الموازيين ودخل العديد في دوامة الريبة و الشك والحيرة المبررة فتراجع الكثير عن مواقفهم كمؤيدين أو كمناهضين للثورة وألجمت الدهشة الكثير من الأفواه و أسكتت مئات الأقلام في انتظار ما ستنقشع عنه غيوم الأيام من مفاجأت وباتت الحالة العامة في توهان وتربص لما ستسفر عنه التحقيقات والإستطلاعات وما ستعلنه الأجهزة الرسمية من حقائق حول حالة المصابين و ماهية و كيفية الحادث و من كان خلفه.

وما ستؤول إليه النتائج في ذات الوقت الذي تتدهور فيه معيشة الناس بصورة متسارعة وتزداد متاعبهم و يكسر ظهرهم سوط العقاب الجماعي المستمر والمتمثل في انعدام الخدمات الأساسية كالنفط ومشتقاته والماء وضرورياته والكهرباء وتبعاتها وتوقف المواصلات حتى أصبح من الصعب على المرضى الذهاب إلى الإستطباب ومتابعة حالاتهم الصحية والتوقف الموجع لعجلة الحياة وفواصل الدم والدخان المرعبة ولنجد أنفسنا طيلة شهر ونصف غارقين وسط تصريحات وسائل الإعلام وأخبار الصحف المتراكمة والمنحصرة في متابعة حادث مسجد النهدين وصحة الرئيس من عدمها وحياته من وفاته ودرجة الإصابة وإمكانية عودته من عدمها مع العلم أن الرئيس صالح شخصيا من ناحية إنسانية شفاه الله وأعاده لأهله ومحبيه لم يكن ولن يكون قضية الثورة ولا لبنتها الأساسية فالثورة قضية واحدة هي الوطن الذي سلب منه كل شئ ولم يتبقى له إلا ركام كهشيم المحتضر, والثورة حين قامت كان الرئيس في صحته وأفضل من الآن فيفترض ألا تكون قضية صحته من عدمها ما يستحق أن تقف عنده طموحات شعب يتمنى أن يصل إلى واقع أرضى و وطن حقيقي.

ومع ذلك فالثورة لم تبارح مكانها ولم يحدث أي تصعيد يستحق الذكر إن لم تكن عادت إلى الوراء و أصبحت المظاهر المسلحة هي الأساس في الكثير من المدن في محاولة لذبح سلمية الثورة في تعز وأبين و نهم و أرحب تلك المظاهر التي رفضتها الثورة منذ بدايتها , و فيما عدا ما أُعلن أخيرا من قبل ائتلاف اللجنة التحضيرية في الساحات من إنشاء مجلس انتقالي لازال ينتظر من يعترف به في داخل الوطن فما بالك بخارجه, فلا شئ جديد يستحق الذكر.

أما على المستوى السياسي فالمعارضة لم تبارح مكانها في انتظار ما سيلقى إليها من فتات التسوية السياسية التي تتفضل بها علينا أمريكا و السعودية و اللتان أصبح معلومٌ لدى الجميع أنهما لم و لن يقفا في صف الشعب الثائر و لن يواصلا سعيهما إلا في سبيل تحقيق مصالحهما دون مراعاة لأي شيء آخر.

والنائب عبدربه منصور هادي، هادئ جداً, أضاع فرصته التاريخية وأثبت للجميع أنه ليس رجل المرحلة ولم يأبه للذكر الخالد واكتفى بأن يبقى محله في الظل يؤدي دوره المطلوب منه من قبل الرئيس صالح و أركان نظامه الأساسيين في اللعبة.

وعلى الجانب العسكري لم نعد نسمع للجيش المناصر للثورة أي حس ولا دور وهو الذي أصدرَ بيانين لم يزيدا على أن جعلا منه شيء هامشي في نظر المواطن الذي كان يأمل فيه الشيء الكثير, كما أن الصراع مع العصابات الإرهابية المنتسبة للقاعدة عُميَ على الناس فيما إذا كان من يقف في وجهها هم أنصار الثورة من الجيش أم الجيش النظامي أم أن أمريكا لوحدها هي من تتصدى لهم.

وعلى الجانب الآخر لازالت مقاليد الحكومة في يد القيادات الأمنية المتمثلة في أقارب الرئيس و هم وحدهم الممسكين بزمام الأمور و المسيرين لشئون الدولة.

وفي ظل كل ما سبق لم نعد نجد ما يثير الاستغراب في حدوث أي شيء يسيء إلى واقعنا أكثر مما هو سيئ في ظل بقايا دولة اللاقانون , فما أسهل أن يشهر أحدٌ سلاحه ويصوبه إلى الآخر لأتفه الأسباب وما أشيع أن تثقب رأسك رصاصة راجعة من السماء أو صاعدة من الأرض و لا يُعلم لك غريم و ما أبسط ان يصطحبك مجموعة من الغرباء على سيارتهم إلى حيث لا تدري و دون سابق إنذار لتخضع لفحص طويل من الأسئلة وقد تعود و قد لا تعود.

ففي مدننا أصبح عدد المسلحين يساوي إن لم يفق عدد العزل وعدد قطع السلاح المخزنة في المنازل وفي الثكنات والمخازن يفوق بعشرات المرات عدد السكان، فلا يمضي يوم دون أن نرى أو نسمع عن حوادث أصبحنا بحكم العادة لا نلتفت إليها و لا إلى تبعاتها, ففي الأمس القريب على سبيل المثال لا الحصر كانت حادثة ميدان التحرير- باب السباح خير شاهد على مدى تردي الأوضاع الأمنية التي وصل إليها حالنا فمقتل أربعة من المارة و إصابة العشرات إثر مشاجرة بين أنصار النظام المسلحين المتواجدين في ميدان التحرير منذ قرابة خمسة أشهر (في قلب العاصمة) وبين بعض الباعة المتواجدين في باب السباح شيء يندى له جبين من لا يزال في وجهه قطرة حياء و يدمى له قلب من لا يزال يمتلك ذرة إنسانية, مع العلم أنه سبق ذلك بيومين فقط مشاجرة بين بعض المعتصمين أنفسهم بالعصي والأسلحة البيضاء أدت إلى وقوع الكثير من الإصابات التي وصلت إلى المستشفيات ولم تحرك الدولة ساكناً حيال ذلك فكان أن حدث بعدها مقتلة باب السباح إذ لا رادع و لا توجيه و لا سلوك.

وما أكثر الأماكن والثكنات التي يتواجد فيها أنصار النظام داخل العاصمة (الحضارية) مدججين بالأسلحة النارية والبيضاء والعصي في انتظار معركة يكون فيها الوطن هو الخاسر الأوحد و الفيد هو سياسة المنتصر .

خاتمة :

و ماذا بعد أيتُها الحبيبة ؟؟

ماذا بعد يا أنتِ القابعة في غياهبِ كابوسك الكهفي ترضعينَ هواجسَ الخوف؟

أما آن ليقضتكِ أنْ تُعانقَ نهاارَ الألق.