وسط تكتم شديد.. مصادر تكشف عن استهداف الطائرات الأمريكية ''فيلا'' وسط صنعاء مرجحةً سقوط قيادات من الصف الأول الحكومة الشرعية في اليمن تعلن عن أول تواصل واتصال مع الإدارة الجديدة في سوريا غارات هي الأعنف على صنعاء وغارة استهدفت جبل بالحديدة طقس جاف شديدة البرودة على هذه المحافظات خلال الساعات القادمة ضربة قوية تهز الهلال.. 6 نجوم على أعتاب الرحيل اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق جيش السودان يسيطر على أكبر قاعدة عسكرية 8 قيادات بارزة ضمن قائمة بأهداف إسرائيلية في اليمن.. وقيادات حوثية تفر إلى صعدة فتح كافة المنافذ الحدودية بين السعودية واليمن هكذا تعمق المليشيات معاناة المرضى بمستشفى الثورة بصنعاء
اختفت الدولة ورغم ذلك ما يزال هناك رجل يتحدث عنها في الظلام، ولدينا أيضاً سياسيون في الحكم والمعارضة، يجيدون إنتاج اليأس والطرق المسدودة، التي لا تبني دولة، ولا تحافظ على خيال الدولة الذي كان إلى وقت قريب موجوداً، ولو على شكل شبح.
لكن لم يعد مهما الآن البحث عن ذلك الشبح، أو التفرغ للإجابة عن سؤال مفاده: كيف وصلنا إلى اكتشاف أن علينا القيام بثورة؟ وكيف أن هذه الثورة لم تكن مجرد حالة نزق مؤقت، أو تقليد ساذج للتونسيين، كما كان الرئيس يعتقد في خطابات السبعين، وكما يلمح عبده الجندي في مؤتمراته الصحفية، التي يستحضر فيها بعض الفكاهة، والعبارات التي تليق بناطق رسمي خبير في كشف المؤامرات.
في هذه اللحظة، وبإزاء اختفاء الدولة ومؤتمرات الجندي تحديداً، يكفي لأن تتمسك بحالة العناد الثوري، أن ترى شخصا لديه مواصفات الجندي، وقد أصبح اسمه في نشرات الأخبار يتصل بالحديث عن مستقبل تود أن يكون مختلفاً. فيما تصريحات الجندي تظل معنية برئيس من الماضي، وبتفاصيل تقاوم كل ما يتعلق بالمستقبل. كأن يخبرك ما إذا كانت الحرب قد توقفت في الحصبة، أو أنها لم تبدأ بعد، وما إذا كان على الأطفال والنساء البحث عن ملاجئ والتفكير في النزوح إلى القرى، بحثاً عن الأمان وتجنباً للشضايا.
ليس في الأمر هنا تعريض بشخص الجندي لذاته، بقدر ما أعني إنه لأمر محير ومزعج أن تختفي الدولة فجأة، فتنقطع الكهرباء وينعدم البترول واسطوانات الغاز. وكنوع من العقاب الإضافي لشعب يريد فقط تغيير الرئيس الذي يحكمه، يتفاجأ هذا الشعب بشبه انهيار للدولة، ولا فرق بين أن يكون انهياراً متعمداً أم حقيقياً، لكنه انهيار مشهود، بحيث يجعلك لا تشعر بأن دولة من أي نوع كانت موجودة وتحكم هذا البلد. وفي مقابل ذلك – وهذا ما يحز في النفس - يبقى التعبير الوحيد الذي يشير إلى وجود تلك الدولة، متمثلاً في عبده الجندي، وعساكر الأمن المركزي في بعض الجولات.
صحيح أن الرجل يبتسم أحياناً أثناء ظهوره في التليفزيون، وصحيح أنه في مرات عديدة لا يجعلك تضعه في الخانة التي تضم أسماء من يحرضون على قتل الشباب المعتصمين. كما انه يستخدم عبارات من الصنف الذي يوحي بأنك تستمع إلى موظف يسعفه الارتجال في إتقان دوره، بل يمكنه من خلال الارتجال أن يبدو مخلصاً أكثر من غيره. لكن ما لا يقدر على إخفائه في ملامحه وفي نبرة صوته، هو أن لحظات الشرود الخاطفة حين تتخلل حديثه، تكشف عن قلق موظف يجتهد مع نظام في آخر أيامه. هو يعرف أنه يؤدي دور الصحاف، وزير إعلام صدام قبل اجتياح بغداد. ولكن ما من علوج هنا ليسخر منهم عبده الصحاف، وما من جنود احتلال على الأبواب. هناك فقط مخيمات اعتصام وصلوات وهتافات مسالمين، وتلك المخيمات نصبها شباب، ظلت السلطة التي يتحدث باسمها الجندي تعاملهم وكأنهم أكراد.
ومع ذلك لا مانع في أن يستمر صاحبنا في رفع المجرور ونصب المرفوع. ذلك يجعله متسقاً مع أخطاء النظام، وحتى مع أخطاء الرئيس، الذي كان يجيد تدمير الواقع وتعطيل السياسة، بالكفاءة ذاتها التي يجيد بها تدمير اللغة وتفتيت شعور اليمنيين بالإنتماء إلى بلد يوصف بأنه أصل العرب. غير أن من الجيد أن بوسع اليمني الإشارة مبدأياً إلى عهد الأخطاء ذاك مسبوقاً بكان.
هو يؤكد بأن الرئيس يتماثل للشفاء، وهذا خبر جيد ويجلب السعادة لأفراد عائلة أي رجل جريح، لكنه يقول أيضا بأن الرجل الجريح سيعود من جديد، وهذا خبر سيئ وقد يجلب الدمار والتعاسة لوطن بأكمله ولعائلات شهداء وجرحى بالمئات. ثم لم يعد هناك ما يدل على وجود نظام يمكنه على الأقل توفير الطاقة الكهربائية، ليتمكن الناس من مشاهدة التليفزيون ونشرات الأخبار، والمؤتمرات الصحفية التي يعقدها عبده الجندي. أو الرجل الذي يتحدث في الظلام.
لكن ولأن الوضع مازال غائماً، ما تزال الحاجة إلى رجل الظلام ملحة في هذا الظرف. ثم إن على أحدهم أن يظل يؤدي دور الممثل الأخير على الخشبة لتسلية الجمهور. لكن أحاديث نائب وزير الإعلام لا تكفي لإقناع أحد بأن الأمور طبيعية، كما لا يجد أحدنا في تلك المؤتمرات الصحفية ما يساعد على تخفيف الأضرار النفسية التي أحدثتها وسائل الإعلام التابعة لوزارة الجندي. بل إن أحاديثه لا تفلح أبداً حتى في جعل جنود الأمن المركزي في جولة كنتاكي لا ينظرون إلينا بتوجس وأصابعهم على الزناد.