آخر الاخبار
ليلة الغدر .. وزغاريد الوهم
بقلم/ عبد السلام الكبسي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 14 يونيو-حزيران 2011 05:23 م

كل الليالي كانت متشابهة باستثناء ليلة واحدة لا نظير لها على الإطلاق، كان الغدر بأمن وسكينة الناس عنوانها البارز..

فمنذ اندلعت شرارة التغيير في اليمن والناس يعيشون أجواء ليالي كالحة السواد، لا يفقهون فيها كثيراً من تجاذبات الحوار بين خديجة بن قنه وجمال ريان في حصاد اليوم على قناة الجزيرة ضد تخرصات عبده الجندي، وسفسطة ياسر اليماني، وذلك في الليالي التي يرى الناس فيها النور مع عودة الكهرباء جزئيا..

باستثناء ليلة واحدة.. لن ينسى اليمنيون أحداثها ما بقيت لهم حياة، فهي ليلة حملت استثناء في كل شيء .. وبلغ الإسفاف فيها حداً لم يصل إليه من وقر في قلوبهم حب الرئيس لا قبل تلك الليلة ولا بعدها .. وأصاب الناس فيها من الخوف مالم يعرفوا له مثيل من قبل، إلا الذين علموا أبعاد تلك المسرحية، وأيقن العقلاء في اليمن أن هناك حالة من الجنون الجماعي المفتعل، التزم به الحالمين بعودة " علي عبدالله صالح " إلى دار الرئاسة من جديد..

وبدا الأمر كأنه حالة إطلاق رصاصات وأعيرة نارية متفاوتة، كما ألفه الناس في الليالي السابقة لتلك الليلة..

ولكن المشهد اختلف تماما.. وكانت الساعة العاشرة من مساء الأربعاء الماضي، مؤذنة بحدث رهيب يحث العقل على إيجاد تساؤلات منطقية لمقدار العبث الهائل في منظومة الأخلاق والقيم لدى كل من أطلق ولو رصاصة واحدة في تلك الليلة، ووراء تلك التساؤلات ارتسم المشهد بغتة في سماء أكثر من ست محافظات يمنية على أضواء الرصاص الكاشف وزغاريد الوهم من نساء مخدوعات، ابتهاجا بما لم يدرك حقيقته أحد، وسقطت الحقيقة بكل ثقلها على قلوب الناس فكانت الدهشة جزءاً من الرعب الشديد الذي عايشه اليمنيون في تلك الليلة المشؤومة، وأصيب المواطنون في منازلهم بحالة من العقم الفكري، وتسلسلت الأفكار في أذهان الناس بصورة لا منطقية تشي بحدوث لخبطة عارمة، أصيب الناس بها في تلك اللحظات التي شقت المقذوفات النارية فيها سكون الليل بأصواتها التصادمية المرعبة..

وتزامن ذلك السيناريو مع انقطاع كبير للكهرباء في معظم الأحياء في صنعاء وانقطاع كامل في مختلف المحافظات، وكان ذلك الفعل الهمجي الممنهج قد أدخل الناس في ظلمات ثلاث، ظلمة انقطاع الكهرباء، وظلمة الخوف والرعب على أيدي البلاطجة ومن بقي من أزلام النظام، وظلمة القلق والشوق لمعرفة حقيقة ما يحدث.

وشيئاً فشيئا بدءا المشهد الأكثر سواداً يتضح وأخذت المرارة مكانها في قلوب الناس إذ علموا ان ما حدث لم يكن سوى مسرحية هزلية بالغة الإشمئزاز، شديدة الإرجاف، سخيفة الأهداف، بطلها شخص يرقد على سرير متحرك في مستشفى عسكري على بعد أكثر من ألفي كيلو متر عن صنعاء، وبقية أفراد المسرحية مجموعة ضخمة من " الكومبارس " المتمرس على أفعال لا إرادية تحت مقولة " تمام يا فندم ".

ثمة مقولة عظيمة تجسدت بقوة في تلك الليلة وهي " أن العسكري إذا تجاوز صلاحياته تحول إلى قاطع طريق "..

إن ما حدث تحت سمع وبصر الشعب اليمني ما هو إلا ترجمة حرفية لتلك المقولة، فمعظم من شارك في إرسال الخوف إلى قلوب الناس في تلك الليلة هم من العسكريين المعنيين بأمن وسلامة البلاد، فمن داخل الدشم المتناثرة، والحواجز الترابية، وأماكن الحراسة المختلفة، شاركت معظم الوحدات العسكرية الموالية للنظام، ابتداءً بأقسام الشرطة، وانتهاء بالمعسكرات ومقرات الألوية، في إثراء جو من الرهبة في سماء اليمن بغية تحقيق أهداف غامضة رديئة، تختلف تماما مع الخبر العاجل الظاهر على قنوات النظام المبتهجة بنجاح عملية جراحية لصاحب الفخامة رئيس الجمهورية!! وصاحب كل ذلك نشر مجاميع مسلحة من البلاطجة والحراس الليليين ومن ألهبه الحماس لاقتراف تلك الخطيئة، في الأزقة والحارات وعلى أسطح العمارات الكبيرة، وكان الجميع قد برعوا في الزج بكل فئات المجتمع اليمني في أتون احتفال صاخب في ليلة سوداء كالحة مثل وجوه أولئك التواقين لنشر ثقافة الموت قسراً، ولسان حالهم "نحن أولوا قوة وبأس شديد"..

وهي لحظة تاريخية لن يمحو اثرها تصريح عابر لمصدر لا مسؤول تحت مانشيت عريض في صحيفة الثورة يتحدث فيه عن نجاح الاستفتاء الشعبي تحت وابل من الرصاص والقذائف المتنوعة والألعاب النارية، تأكيداً للوفاء للقائد الذي يقوده اطباء ماهرون في إخفاء حقيقة وضعه الصحي المتعثر.

وفي مقابل كل تلك الأعيرة النارية التي سرقت النوم من قلوب الأطفال وأجهضت معها عشرات الحوامل، كانت هناك أعيرة من نوع آخر لم يتسن لأولئك المحتفلين بالوهم سماعها، إذ رفع الناس أكف الضراعة وبسطوا افئدة الرجاء وقال أبسطهم حالاً " إني مغلوبٌ فانتصر " ولقد قال الله عز وجل عن دعوة المظلوم " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " ولقد ظُلم أبناء اليمن في تلك الليلة، من قبل من هم معنيون بأمنهم .. فهل ما بقي لهم من السعادة تكفي لسداد فاتورة " الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " ، فلو حاول البعض من أولئك المهتمين بفقدان مساحات الحب في قلوبهم تقديم الاعتذار لجموع الخائفين، فعليه قبل ذلك الجزم بعدد خراطيش البارود التي تم إطلاقها في تلك الليلة حتى يتسنى له العودة إلى منظومة الأخلاق مجدداً.