الزواج العرفي في اليمن
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 5 أيام
السبت 28 مارس - آذار 2009 09:15 ص

لم يدر في ذهن أحد منا إن الزواج العرفي سيصبح يوماً ما حديث العامة، باعتبار إن هذا النوع من الزواج غير مقبول في المجتمع اليمني الموسوم دوماً بالمحافظ، ولذا من السهل كشف أي حالات اقتران تسير وفق هذا الزواج.

لكن مايدفعنا إلى تناول هذا الموضوع هو إن البيئة اليمنية خصبة اضافة إلى أن الشعب اليمني في غالبيته غير«فضولي» أو بالمعنى الشعبي«حدّه حد نفسه» وكل يسير دونما تدخل في شئون الآخرين!!

لكن الأسئلة التي تطرح نفسها ونحاول الاجابة عليها هي: هل الزواج العرفي موجود في اليمن؟ وهل يمكن وصفه بالظاهرة؟ وماهي الوسائل التي بموجبها نستطيع اكتشاف حالات زواج عرفي؟؟

الموروث والعادات

تعد العادات والتقاليد سلاحاً ذا حدين ومع التزام الجميع بما توارثه بل ويجعله من المسلمات مثل اجبار الفتاة على الزواج بأحد من أقاربها، الطبقات الاجتماعية، غلاء المهور كل تلك عوامل توارثناها ورغم أن منها مابدأ يزول إلا أن هناك من لايزال يحافظ على هذه العادات التي أضحت اسلاكاً شائكة تواجهها فئة الشباب الذين تولدت لديهم رؤى جديدة نتيجة تعاملهم مع الفضائيات والثقافة الوافدة والتكنولوجيا، الأمر الذي ولد نوعاً من الصراع بين جيل يمتلك الزمام، يرتبط بالحفاظ على الموروث وبين جيل منفتح يرى الأمور من منظور حضاري تقدمي.

أول الخيط غياب عن الدراسة

كانت أولى الحالات التي اكتشفناها عن الزواج العرفي في اليمن في احدى مدارس صنعاء حيث اتصلت مديرة احدى المدارس ببيت أحد أولياء الأمور لتسألهم عن غياب ابنتهم ليصبح الأمر صاعقة عندما اكتُشف لاحقاً إن الفتاة متزوجة عرفياً ولتظهر بعدها العديد من الحالات.

الحذر المطلوب

من الصعب بمكان أن تجد شخصاً أو امرأة يقر لك بأنه متزوج عرفياً لأن هذا الزواج لايزال في بلادنا محظوراً لكنه ونتيجة لتفشي البطالة وتنامي العلاقات المشبوهة وغلاء المهور والتفكك الأسري جعل الكثير من الفتيات يلجأن إلى الزواج العرفي من أشخاص يتوهمن الحب معهم، وإذا كانت المدارس تقوم بمتابعة مستمرة للطالبات الغائبات والذي يعد اسلوباً جيداً للحيلولة دون تحول الزواج العرفي إلى ظاهرة إلا أن بعض المدارس تتساهل في عملية الحضور والغياب وهو مايحصل في الجامعات خاصة تلك التي لا تولي عملية حضور وغياب الطالبات بالذات اهتماماً أكبر ومتابعة ذلك مع أولياء الأمور وهنا لابد من أن نهمس في اذان القائمين على شئون الطلاب بالجامعات أياً كان نوعها أن يكونوا على تواصل دائم مع أسر الطلاب وبل وعلى أولياء الأمور أن يكونوا على علم بنوعية المحاضرات ووقتها كي تكون هناك ضوابط لعملية الخروج والعودة للطالبة وهذا لايعني التقييد للحرية أوالتشكيك بقدر ماندعو إلى توخي الحيطة والحذر لأن الرقابة هذه بشكليتها ستكون رادعاً للفتاة من الوقوع في المحظورات خاصة إذا ماعلمنا إن هناك ذئاباً بشرية لايهمهم العار وتدمير الأخلاق وحرمة شرف المجتمع بقدر مايهمهم المتعة المستترة تحت وهم الزواج السري.

الزمالة في العمل

تتيح الزمالة في العمل المجال للزواج العرفي خاصة لدى الرجال الذين يفتقدون السعادة في بيوتهم أو أولئك الذين لايكفي دخلهم المادي لتكوين أسرة قائمة على منزل وايجار و.. و..إلخ لذا تكون زميلة العمل الأكثر معرفة بالظروف وقد يقع الاثنان فريسة لنزوة واعجاب الأمر الذي يقودهم إلى هذا الزواج وهنا لانتهم أحداً ولانشير بأصبعنا صوب شخص ما إنما ندلل على البؤر الممكنة فقط.

لامحظورات في الزواج العرفي

يُعاب على هذا النوع من الزواج غياب المحظور فيه فينتشر لدى من يمارسه حالات الاجهاض للزوجة خشية اكتشاف علاقتها غير المشروعة مع الشاب دون علم الأهل اضافة إلى أنه يتيح للمرأة المتزوجة عُرفاً أن تتزوج مرتين أوثلاث دفعة واحدة مادامت عملية الالتقاء بالزوج تتم على أوقات أو فترات نسبية ومحددة كذلك يساهم انتشار الزواج العرفي في تنامي دور الدعارة وتفشي ظاهرة انتاج الأفلام الخلاعية خاصة إذا ماوقعت الفتاة بين أحضان شخص دنيء حقير أو له علاقة حب وبعدها دمار ليلجأ العديد منهم إلى تصوير أفلام ومن ثم بيعها وتساعده على تشكيل ضغط على الفتاة للصمت والرضا بهذه الهمجية أو كشف أمرها لتواجه الأسوأ فالأسوأ.

غياب الزوج وانعدام الرقابة

نظراً لما يمثله غلاء المعيشة من تردي الأوضاع وظهور حالات الفقر فإن غياب الأزواج وخاصة في الاغتراب يعد عاملاً مسبباً لحدوث الزواج العرفي وهنا ليس للتعميم بل أن هناك من نساء المغتربين من تلجأ إلى الزواج العرفي مستغلة الغياب الطويل للزوج ومن أجل اشباع رغبتها وهنا يبرز دور الام في كثير من الحالات تبين إن الأم عامل مسبب أيضاً لانتشار الزواج العرفي حيث تتستر الكثير من الامهات على بناتهن المتزوجات مستغلات انشغال الزوج أوغيابه هذا إن لم تتزوج هي الأخرى ونود الاشارة إلى أن هناك مايتداول في أوساط المجتمع من وجود نساء متزوجات عرفاً بمغتربين والذين يلجأون إلى هذا النوع مخافة أن تعلم أم الأولاد وتتسبب في انهيار كيانه الأسري ويعتقد الكثيرون منهم أن زواجهم شرعي دونما ادراك أنهم دخلوا في أخطر أنواع الفساد في الزواج حيث يقوم الأزواج بكتابة ميثاق سر في ورقة تبقى في يد المرأة التي تعتبرها وثيقة شرعية وهو الغباء بعينه.

وراء كل مصيبة تخزينة

لم يبتل شعب بمثل ما ابتلي به الشعب اليمني ألا وهو آفة القات الذي أضحى له موالعة من الرجال والنساء وهناك من النسوة من لايستطعن الاستغناء عنه ليوم واحد ليصبح الزواج العرفي وسيلتهن لضمان الحصول على حق القات مقابل متعة عابرة في ليلة حمراء في أوقات من الشهر أوالاسبوع.

التحذيرات تتوالى

ومطلع العام الجاري أقيمت حلقة نقاشية في مدينة إب طالبت التربويين والاعلاميين والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وعقال الحارات وخطباء الجوامع بضرورة ايجاد برنامج عمل توعية لفئات المجتمع وتعريف الشباب بأضرار هذا النوع من الزواج، كما دعت الحلقة إلى زيادة اهتمام الأسرة والمدرسة بالشباب والمتابعة الجادة لهم وبما يجنبهم الوقوع في مثل هذه المنزلقات الضارة.

وجهة نظر الشرع

من العلوم إن الزواج العرفي مسموح في دول مثل مصر ومحرم في دول أخرى لكن الرؤية الاسلامية تختلف في مشروعيته من عدمها ، فالباحث الاسلامي بجامعة الأزهر عبدالرؤوف عون يدعو إلى تشجيع هذا النوع من الزواج بين طلاب الجامعات معتبراً إن من ينكر الزواج العرفي قد يكون كافراً مرتداً لأنه ينكر معلوماً من الدين حسب رأيه واستشهد الباحث عون بحديث الرسول«الأيم» أحق بنفسها من وليها والايم هي المرأة البالغة العاقلة التي لازوج لها ويؤكد أنه الأصل في الاسلام وأن زيجات النبي والصحابة كانت عُرفية.

منوهاً إلى أن من فضائل الزواج العرفي«العصمة» تكون في يد المرأة بشكل طبيعي ويجوز لها أن تطلق نفسها هذه الآراء عارضها الدكتور/محمد رأفت عثمان ـ عضو المجلس الأعلى للشئون الاسلامية ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا والذي رأى بأن العلاقات التي تحدث بين الشباب في الجامعات أوالمدارس هي أقرب للزنا تحت ستار الزواج العرفي لأنهم يتزوجون دون ولي وهو أحد أركان الزواج عند كل الفقهاء فيما عدا رأي أبي حنيفة، مضيفاً: إن هذا يصادم حديثاً صحيحاً للرسول يؤكد ضرورة وجود الولي مشيراً إلى أن حديث الرسول واضح حول حكم الزواج دون ولي في قوله «ايما امرأة نكحت نفسها دون اذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل».

ويؤكد الداعية المعروف عمرو خالد أن هناك آثاراً مترتبة على الزواج العرفي هي دخول الفتاة في أزمة مصارحة مع أهلها بحدوث زواجها العرفي، اضافة إلى قضايا انكار النسب عندما يترتب على الزواج العرفي منع انكار الزوج للعلاقة وحذّر عمرو خالد الفتيات بقوله«احذري كلام الحب المعسول والوعود البراقة ويجب أن تعلم كل فتاة أن 99% من الزواج العرفي ينتهي بالفشل ولتعلم كل فتاة أن أهم شروط الزواج وجود ولي للفتاة يزوجها بمن توافق عليه».

الزواج العرفي.. تهديد خطير لمؤسسة الأسرة

يقول الدكتور/منذر اسحاق ـ رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة تعز عن هذا الموضوع:

لعل الحديث عن الزواج العرفي يتضمن بداية الاشارة إلى إنه نوع من الزواج غير كامل الأركان سواءً كانت الشرعية منها أم الاجتماعية أم القانونية، الأمر الذي يجعله يتخذ طابع السرية في كثير من الاحيان.. بمعنى إنه يفتقد إلى شرعية من نوع معين.

ويضيف: من هذا المنطلق يبدو هذا الزواج غير مقبول اجتماعياً،، فأطرافه لايتمتعون بالقدرة على مواجهة الآخرين بوجود علاقة ما من هذا النوع، لذا لايمكن اعتباره ظاهرة اجتماعية، لأنه لم يصل إلى المستوى الذي يمكن معه القول بانتشار أوعمومية هذا الزواج.

مما يعني أن قضية الزواج العرفي، هي قضية محدودة، ولكن ذلك لاينفي امكانية اتساع نطاقها لتتحول بذلك إلى ظاهرة وربما مشكلة اجتماعية وهذا مايمكن أن يتحقق في حال عدم معالجة أو مواجهة العوامل التي قد تؤدي إلى الزواج العرفي.

ويستدرك الدكتور/منذر: لعل من أبرز هذه العوامل تلك المتمثلة بانخفاض مستوى الوعي بخطورة هذا النوع من الزواج ومساوئه على الفرد ذكراً كان أم انثى وخصوصاً الانثى، وذلك نتيجة ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع، وبنسب أعلى في صفوف الاناث، وكذا حالة التقليد الأعمى لما يتم بثه عبر وسائل الاعلام المرئي، وخصوصاً الفضائيات، التي أحدثت حالة انفتاح قسري على ثقافات تخص مجتمعات أخرى، قد لاتتشابه أو تتقارب مع ثقافة المجتمعات العربية ومنها مجتمعنا اليمني.

بالاضافة ـ أيضاً ـ إلى استمرار حالة الارتفاع في المهور، الذي يتناسب طردياً مع ارتفاع نسبة الاناث في المجتمع، كما تشير الاحصاءات، وما يلازم ذلك من انخفاض في نسب الشباب المنخرطين في سوق العمل، وتدني مستوى الدخل الفردي، الذي يجعل الفرد عاجزاً عن تلبية احتياجاته ومن ثم عاجزاً عن تحمل مسئولية أسرية أكبر.

كل ذلك، يصاحبه تراجع في مستوى الالتزام الديني في ظل غزو ثقافي كاسح يستهدف القيم الدينية الاسلامية للمجتمعات المحافظة أو المتدنية، من خلال المناداة بقيم جديدة هي أبعد ماتكون عن ديننا، وربما عن كونها قيماً حقيقية تستحق الأخذ بها.

ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، حيث نجد أن هذه الأوضاع المختلفة اجتماعية كانت أم اقتصادية، قد تزيد من معدلات تسرب الفتيات من التعليم، مما يجعلهن فرائس سهلة لهذا النوع من الزواج أو غيره من العلاقات التي تقوم على الاستغلال اللا أخلاقي للمرأة.

ويختتم رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة تعز وجهة نظره بالقول: إذن.. فمسألة أو قضية الزواج العرفي تستحق الوقوف أمامها باكراً حتى لا تتحول إلى مشكلة تهدد كيان هذا المجتمع واستقراره، من خلال الإخلال بالنواة الأساسية والخلية الأولى في أي مجتمع من المجتمعات وهي مؤسسة الأسرة، التي يعول عليها ديمومة المجتمعات.

فكيف يمكن لمؤسسة الأسرة أن تحقق الاستقرار في الوقت الذي تفتقد فيه لأبسط مقوماتها، وهو العلاقة الزوجية المتكاملة والسليمة في ظل شرعية دينية واجتماعية تسمح لها بالاستمرار، وفي ظل شرعية قانونية تحفظ لها الحقوق والواجبات.. وهذا مالا يمكن التيقن من حدوثه في ظل هذا النوع من الزواج الذي يسمى بالزواج العرفي.

* نقلا عن صحيفة الثقافية