المؤتمر بين انقلابين
بقلم/ دكتور/محمد القاهري
نشر منذ: 17 سنة و 10 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 15 يناير-كانون الثاني 2007 11:13 ص

مأرب برس – خاص

في افتتاحيتها بتاريخ 26/12 تحت عنوان :" في ظل الديمقراطية لامكان للانقلابات الا في عقول الواهمين" سخرت صحيفة المؤتمر الالكترونية من حديث الواهمين في المعارضة عن الانقلابات والتوريث، مؤكدة أن اليمن دخلت عهد الديمقراطية كأسلوب للحكم وتداول السلطة وان لا مكان للحديث عن انقلابات أو عن توريث. افتتاحيات المؤتمر نت فيها ركاكة لغوية وسياسية صارخة وتؤدي رسائل معاكسة لغرضها، وهو حال الافتتاحية المشار إليها أعلاه، فعكس رسالتها هناك ملامح انقلابين أحدهما داخلي والثاني خارجي.

فالحديث في نفس الافتتاحية عن التوريث والانقلابات يدل على وجود مشكلة في حزب المؤتمر قد يكون سببها احتمال التوريث ومن أعراضها وجود بذور انقلاب داخلي تعبر عنها العناصر التي ترى نفسها خاسرة في التوريث وقد تكون من الحرس القديم أو ممن سيكون كبش فداء. هذه العناصر كما يقال على رأسها بطحاء وقد بدأت تتحسسها خاصة وأن تجربة سوريا ماثلة للعيان، حيث قام التوريث هناك على التضحية بعناصر من الحرس القديم وعلى تقديم العناصر التي انقلب حظها إلى السوء ككبش فداء ومن ذلك رواية انتحار الزعبي.

تناقض التصريحات الأخيرة بشأن التشكيل الحكومي ملمح من ملامح الانقلاب الداخلي. فالمؤتمر، ورغم العراقة التي يدعيها بيان نفي التشكيل الوزاري، يبدو كحزب شكلي يفتقر للخبرة العملية والانضباط التنظيمي وينفرد رئيسه، رغم رمزية المنصب، بالقرارات بمعزل عن هيئاته. والأقرب إلى الواقع في قصة تناقض التصريحات الأخيرة هو أنه بينما كان رئيس المؤتمر معتكفاً في عدن يراجع حساباته وخطواته القادمة بمعزل عن أجنحته الشكلية فقد دخلت هذه الأجنحة في حالة بلبلة وراح بعضها ينقلب على الحكومة باستعجال تغييرها بينما البعض الآخر أبطل الانقلاب وأراد التغطية عليه باتهام "الإسلام المشترك" بالتسريبات. كما أن المؤتمر عموماً بين حتى الآن فشلاً في تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس بعد 4 أشهر من إعادة انتخابه، وهذا الفشل سيتأكد لأنه عادة ما تنفذ المقترحات القابلة فعلاً للتنفيذ في فترة شهور العسل وهي الستة الأشهر التالية للانتخاب. لكن شيئاً لم ينفذ حتى الآن والشهران المتبقيان لن يكفيا لتنفيذ أشياء مهمة. وبالتالي يأتي التناقض في مسألة التشكيل الحكومي كأحد أعراض الإحباط المصاحب لفشل كهذا.

جذور الفشل تمتد إلى فترة تحضير البرنامج الانتخابي للرئيس، فهذا الحزب افتقد الرؤيا والمعرفة السياسية ومن ثم القدرة العملية. فهو أولاً صاغ برنامجاً إنشائيا لم يرتكز على أولويات قابلة للتنفيذ وبالتالي من الطبيعي أن يجد نفسه بعد الفوز يتحدث في الفراغ. وثانياً، أبقى على نفس الحكومة بذريعة التحضير لتطبيق البرنامج، وفي هذا الخيار عدم مهارة سياسية لأنه لا يصلح عملياً أن تتول الحكومة الحالية التحضير لعمل لاحقتها. والنتيجة المنطقية لخيار كهذا هي أن تستمر نفس الحكومة حتى لو جرى تعديل بعض الحقائب، وقد يكون ذلك سبب تناقض مع من يفكر بحكومة كلها جديدة. على كل، حتى لو تم البت في الأمر خلال أيام أو شهور وتشكلت حكومة جديدة فإنها ستحتاج لشهور لتحضير برنامج عملها ولن تبدأ مشوارها إلا بعد فوات شهور العسل التي ذكرنا أعلاه. في نفس الوقت المشاكل، مثل قفزات الأسعار، تواصل ضغوطها بدون وسيلة ناجحة لمواجهتها، لذلك فإنها تخلق تناقض الأجنحة حول من يتحمل مسئولية الفشل.

من ناحية أخرى مات برنامج الرئيس بالانقلاب عليه من الخارج. فبدلاً من تنفيذه راح المؤتمر يرقب ما سيقرره لليمن مؤتمر المانحين أو مؤتمر تحديد فرص الاستثمار. لكن لو صدق ما تناقلته بعض الصحف فإن الأخير قد تأجل كشرط أو ضغط خليجي من أجل تغيير حكومي وإصلاحات إدارية مما يعني أن البرنامج لم ير ولم يقم بهذه الخطوات، وبالتالي فإن اقتراحها من الخارج يعد انقلاباً عليه، وهو عملياً انقلاب على من صاغه ومارس الدعاية له. الوحيد إذاً باجمال من يبدو أكثر انسجاماً مع نفسه عندما يعبر عن ضجره من الظغوط الخليجية ومن الماضي الاستعماري البريطاني. بل أن باجمال حسب القسمة الداخلية يجلس على آبار النفط وبقاءه في رئاسة الحكومة ولو لأيام أو شهور إضافية فيه تحد وسخرية من الانقلابين الداخلي والخارجي. البديل عن باجمال إذا لم تتغير هذه القسمة هو حضرمي آخر مالم مجور إذا كان نفط شبوة كاف في المعادلة. في كل الأحوال الحسابات والخطوات هنا تخص رئيس المؤتمر أما أجنحته التي تدعي العراقة فلا ناقة لها في الأمر ولا جمل. 

عموماً الانقلاب من الخارج فيه تقليل من شأن اليمن والمؤتمر من باب أن حكومته قد فشلت منذ 95 في التنسيق مع المنظمات الغربية ممثلة بالبنك الدولي من أجل الحصول على تمويل نظير إصلاحات كافية فما كان من النظام العالمي راعي هذه المنظمات إلا أن نظر إلى الحكومة كرجل مريض تخلى عنه ليوكل مهمة التعامل اليومي معه إلى النظام الإقليمي ممثلاً بالخليجيين. وفي الأمر نوع من الانقلاب وتحويل سلطة المؤتمر إلى كرة في ملعب الخارجيين. الخليجيون لديهم أسباب سياسية لدعم اليمن كما أن فوائض عائدات النفط تغرق خزائنهم ويمكن أن يمنحوا بسخاء، لكن كل سخاء قد يصاحبه إذلال. وعليه فقط لو كان المؤتمر عريقاً كما يدعي وتجنب الانقلابات فسوف يعثر على توازن في الأمر.

malqahiri@videotron.ca