حماس مشروع أمة فكيف نحافظ عليه؟
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 3 أيام
الأحد 26 أغسطس-آب 2007 06:09 م

مأرب برس - خاص

حماس، بارقة أمل، ومشروع إسلامي كبير وعملاق في المقاومة والنصر، والتحدي والتحرر والثبات على المبدأ، انفردت حماس بالإباء والشموخ والعزة، في عصر النكسات والهزائم، فليس هناك حركة ولا حزب سياسي عربي ولا حتى نظام عربي استطاع أن يواجه الدولة العبرية الدموية مواجهة شاملة، وأن يسبب للكيان الصهيوني الغاصب هزائم مختلفة، وقلقاً يصل حد الهستيريا والجنون، وسبب خسائر مادية وعسكرية واقتصادية وسياسية، للكيان الصهيوني، كما فعلت حركات المقاومة الإسلامية عموماً وحماس خصوصاً .

 ولذا فلا إشكال لدى أي عربي أو مسلم أصيل أن تكون حركة المقاومة الإسلامية حماس تمثل بحق بالنسبة له مشروع أمة.

وبالتالي فالدفاع عن هذا المشروع إنما هو دفاع عن الأمة، ودفاع عن الأقصى والأرض المباركة، ودفاع عن العرب والمسلمين، والحضارة الإسلامية في مواجهة المشروع الصهيوني، والصلف الأميركي وأذنابه وأذياله.

ويأخذ الدفاع عن حماس نفس الحكم الشرعي في الدفاع عن الأقصى وفلسطين، والدفاع عن منجزات الأمة الإسلامية ومشروعها الحضاري في الحرية والسلام والمقاومة، لأنه ليس هناك في الساحة الإسلامية من يحمل راية الأقصى وفلسطين، بصدق وتجرد وإخلاص، سوى حركة المقاومة الإسلامية حماس، وأخواتها الأبرار ممن يسيرون معها في قافلة: نصر أو استشهاد، لا سيما الآن بعد انكشاف كثير من سوءات العملاء والنفعيين على حساب القضية الفلسطينية .

لكن يبقى القول إن المشاعر الإسلامية الفياضة في حب فلسطين وحركات المقاومة الفلسطينية وحماس ومشروعها لا يكفي، بل لا بد من برامج عملية وسياسات رسمية وشعبية، تؤازر هذا المشروع بحجمه ومستواه، وإذا كان الحال كذلك، بمعنى أن المقاومة الفلسطينية ليست مشروعاً فلسطينيا فحسب، بل مشروع أمة عربية وإسلامية بأسرها، فالواجب إزاء هذا المشروع ما يأتي:

أولاً على المستوى الفلسطيني:

1) 
السعي بكل الطرق الممكنة أن يُبقي الشعب الفلسطيني على ما تبقى من أسباب لوحدته، وألا يستجيب لدعوات التمزيق والتشتيت والتجزئة، التي يبثها اليهود وطابورهم الخامس من ورثة دحلان الشرعيين وتلاميذه غير النجباء، كما أنّ على الشعب الفلسطيني أن يعلم جيداً أن من يسعى لتمزيق وحدته وخلخلة صفوفه تحت أي مسمى من المسميات، إنما هو داخل دخولاً أولياً ضمن المشروع الصهيوأمريكي رضي أم أبى.

2) 
يجب على الشعب الفلسطيني الصبر والمصابرة، فهذا هو قدر الشعوب الحرة الأبيّة التي ترنوا إلى الاستقلال والحرية والسلام، ولقد قدّم الشعب الجزائري في سبيل دينه وحريته واستقلاله، مليون شهيد، وقدّم الشعب الأفغاني قريبا من المليون أو يزيد، للتحرر من الاستعمار الشيوعي الغاشم، وهكذا فخيار الصبر والمصابرة خيار لا بديل عنه، لدى الشعوب التحررية، والتراجع عن هذا الخيار الأوحد يعد فراراً من الزحف .

3) 
يجب على الشعب الفلسطيني الالتفاف حول قيادته الشرعية التي اختارها بمحض إرادته، وألا يفرط فيها، لأن التفريط فيها تفريط في الإرادة الشعبية، وتفريط في الحرية والاستقلال، وألا يستجيب للغوغاء من فتح في الخروج على قيادتهم وأمنهم وحكومتهم الشرعية المنتخبة .

4) 
على فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس تفعيل دورها الإعلامي في أوساط الشعب الفلسطيني، والاستعانة بأولي الرأي والإتباع في الأمة، وأن تستند إليهم في خطابها الجماهيري التعبوي، وأن توضح أن مشروعها إنما هو مشروع الأمة بكل فصائلها وجماهيرها وقياداتها، ونخبها الفكرية والسياسية من المحيط إلى المحيط، ويمكن أن يقوم بهذا الدور الإعلامي والسياسي ممثلوا الحركة في الدول العربية والإسلامية وملاحقها الإعلامية، ووسائل إعلامها المختلفة .

5) 
يجب تذكير الأمة في خضم هذه الأحداث الجسام أن الأرزاق بيد الله، لا بيد أمريكا وإسرائيل، ولا بيد عباس وفياض، وأن الطريق لذلك يبدأ بتحقيق الإيمان الحق والاستقامة والصبر، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ .. }الأعراف96، وأن الله جل جلاله الذي ساق أرزاق نحو من 500 فرد من قوات حماس على يد حكومة فياض – بالخطأ كما قيل- وهي كارهة، قادر أن يسوق أرزاق الباقين من أبناء الشعب الفلسطيني، ولو كره المجرمون، وأن الله الذي ساق إلى البشرية كلها الطعام من بين فرث ودم، قادر أيضاً أن يرزق أنصار دينه وأتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، ولو من عدوهم، إذا ما حققوا الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه، قال تعالى: ]
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} .

ثانياً على المستوى العربي والإسلامي:

1) 
لا يجوز أن تطلق الأنظمة العربية لنفسها العنان في الأماني والأحلام الوردية في السلام والتعايش العربي الإسرائيلي، لأن العدو الصهيوني لا يؤمن إلا بالدم والقوة، ولا يستهدف الأرض الفلسطينية ولا الشعب الفلسطيني وحده، بل يستهدف الجميع ليقيم دولته الكبرى من الفرات إلى النيل كما تمليه عليه عقائده التوراتية والتلمودية، على أنقاض الحكومات والممالك العربية، وعلى أكوام الجماجم والرؤوس العربية والإسلامية، وبالتالي فهو لا يمكن أن يقبل بالتعايش، ولو في أي صورة من صوره، ومن هنا فالواجب على الأنظمة العربية إيقاف كل صور اللقاءات والمبادرات والمؤتمرات، حيث لا جدوى منها، على الحقيقة والواقع، لأن العدو لا يريد منها إلا كسب الوقت، لتحسين خططه واستراتيجياته العسكرية والأمنية، أو يريد مزيداً من إذلال الأمة وتمزيقها وخلخلتها، وجعلها أضحوكة ومسخرة للعالم اللاهي المتفرج .

2) 
لا يجوز شرعاً ولا قانوناً ولا عرفاً حتى في عالم الغاب وقطعان الوحوش الضارية أن يُمنع عن الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها من المدن الفلسطينية الغذاء والدواء والكساء، وضرورات الحياة المختلفة، كما أنّ من يساهم في شيء من هذا الإجرام إنما يقدم شهادة على نفسه بالخيانة العظمى للأمة ودينها وقضاياه العادلة، ويقدم شهادة أخرى أنه في صفوف العمالة لليهود والأمريكان، وبالتالي فيجب على الدول العربية ولا سيما دول الطوق أن تتولى مهمة إيصال المواد الإغاثية والدوائية للشعب الفلسطيني، وبكل الوسائل والطرق، عبر معبر رفح وغيره من المعابر والمنافذ، ، وأنه في حال استمرار هذا الحصار على الشعب الفلسطيني فللشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة الحق الشرعي في اتخاذ ما يرون ويقررون في سبيل إيصال الطعام والماء والدواء إلى المحاصرين .

3) 
يجب على الأنظمة العربية أن تقف مع الشعب الفلسطيني في محنته، وأن تسعى لرأب الصدأ عنه، وأن تؤازر بكل قوة مشاريع المقاومة الفلسطينية، كواجب شرعي ووطني، وأمني، على اعتبار أن الحماسيين وفصائل المقاومة الفلسطينية، هم خط الدفاع الأول لهذه الحكومات والأنظمة، ويجب أن تتبرأ هذه الأنظمة من تلك القيادات العميلة التي أرادت القضاء على مشروع الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، وتآمرت ضد الأنظمة العربية لصالح إسرائيل، كما أثبتته الوثائق المعلنة .

4) 
على الشعوب العربية والإسلامية والأحزاب والمنظمات الشعبية أن تتجه إلى حكوماتها بالمناصحة والمؤازرة، وأن تضغط على حكوماتها بكل الوسائل والطرق السلمية، للوقوف مع القضية الفلسطينية، وأن تتناسى الأمة بكل أحزابها وفئاتها، تبايناتها الداخلية وصراعاتها الحزبية وخلافاتها السياسية، نظراً للخطر الأكبر الذي يهدد الجميع، وبلا استثناء .

5) 
يبقى للعلماء والمصلحين والقوى الحيّة الشعبية دور أعظم وأهم في حشد الأمة، وتنظيم عواطفها القوية والعارمة نحو القضية الفلسطينية، ذلك أن ثمة حرجاً كبيرا وضغطاً شديداً تواجهه الأنظمة العربية، ذات المصالح مع هذا الطرف أو ذاك، والذي لا نقره ولا نرتضيه، إذ الواجب أن تكون هذه الأنظمة تمثل إرادة شعوبها ومصالحه وقضاياه، لكن هذا هو الواقع المرير وللأسف، والذي يمثل صفحة سوداء قاتمة ومزرية لهذه الأنظمة، وبالتالي يأتي هنا دور الخط الثاني وهو دور العلماء والحركات والأحزاب السياسية الحية في القيام بالواجب الشرعي، وبالتالي فإن أي تقاعس منهم يعد كارثة على الأمة وعلى قضاياها، وعلى مصداقية هذه التيارات والأحزاب الإسلامية والوطنية، لن ينساه التاريخ، على أن الملحوظ بحق وصدق أن هذا الخط من العلماء والمصلحين هم رأس الحربة في القضية الفلسطينية، لكن نطمع إلى مزيد من الحراك السياسي والفكري على كل الصعد الرسمية والشعبية.

6) 
ينبغي للحكومة الفلسطينية المنتخبة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها أن تفعّل من أدائها السياسي الخارجي على المستوى العالمي وبالأخص تلك الدول المعروفة بمواقفها المبدئية أو المصلحية تجاه القضية الفلسطينية، وذات الثقل الدولي، كروسيا والصين والسعودية وماليزيا والسودان واليمن وإيران وبعض دول الخليج، وسوريا، وغيرها من الدول، وأن تعزز من وتيرة هذه العلاقات، لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .

 يبقى أهم عامل في القضية برمتها، مع ما سبقت الإشارة إليه، ألا وهو عامل الإيمان بالله الذي بيده مقاليد السموات والأرض وبيده ملكوت وخزائن كل شيء، علينا جميعا أن نعتمد عليه، وأن نلوذ ونلجأ إليه، وأن نقف

على عتبة بابه سائلين له متضرعين بين يديه، أن ينزّل علينا النصر والتأييد والتمكين، وأن يصلح فسادنا ويلم شعثنا ويجمع كلمتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه،، والحمد لله رب العالمين،،

والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.