تفاصيل مروعة عن جريمة قتل فتاة في صنعاء 18شهيدا بغزة والاحتلال ينسف منازل بشمال القطاع وجنوبه ندوة حقوقية في مأرب تسلط الضوء على أوضاع المرأة اليمنية بعد انقلاب الحوثيين تحقيق 42 ألف مستفيد من خدمات الوحدة الصحية في القطاع العاشر بمخيم الجفينة تفاصيل حصيلة 3 أيام من الحرب و الاشتباكات في سوريا الكشف عن أكبر منجم جديد للذهب في العالم قد يقلب الموازين ويغير التاريخ عاجل: المليشيات الحوثية وتهدد بإعتقال مشائخ ووجهاء محافظة إب المعتصمين بدار سلم وتفرض حصارا بالاطقم المسلحة على مخيمات المعتصمين الباحث اليمني نجيب الشايع يحصل على درجة الدكتوراه بامتياز في مجال جراحة المخ والأعصاب الرئيس العليمي يصل الإمارات مليشيات الحوثي تواصل إرهاب الأهالي بمحافظة إب وتلجأ الى فرض الجبايات بالقوة والاكراه ومن يرفض يتم الاعتداء عليه
هل مشكلة برنامج «حماس» أنه يرفض الاعتراف بمنظمة التحرير، أم لأنه يرفض الاعتراف بإسرائيل؟
هذا السؤال الموجه طرحه على الجميع زميلنا الأستاذ عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة «القدس» اللندنية، في تعليقه على قرار اللجنة التنفيذية للمنظمة رفض برنامج الحركة، الذي استندت فيه إلى أن «حماس»، التي ليست عضوا في منظمة التحرير، لم تعترف بها، وهو القرار الذي جاء كاشفا لمدى الكيد الذي تمارسه عناصر السلطة وقيادات فتح لتقويض تجربة «حماس» في الحكم، الأمر الذي يقدم اكبر خدمة لإسرائيل، ويقطع الطريق على أي أمل لتصحيح مسار التعامل مع «القضية ».
لقد اختصر الأستاذ عطوان الطريق، ولفت الانتباه إلى الحقيقة التي يلف حولها كثيرون، المتمثلة في أن «حماس» ارتكبت «جريمة» ينبغي أن تعاقب عليها، بحيث تصبح أمثولة لكل من تسول له نفسه أن يفتح ملف العناصر الحقيقية للقضية، وأن يوقف مسلسل التنازلات الفلسطينية التي أدمنتها إسرائيل ورحب بها كل المتواطئين في الخارج والمهزومين في الداخل .
« الجريمة» الحقيقية التي ارتكبتها «حماس» واستحقت عليها العقاب هي أنها طالبت قبل الاعتراف بإسرائيل أن تعترف الدولة العبرية أولا بالدولة الفلسطينية الخالية من المستوطنات. طالبت أيضا بالقدس عاصمة للدولة، وبعودة اللاجئين وإطلاق المعتقلين، وبإزالة السور الذي يراد به خنق المجتمع الفلسطيني وإذلاله، فضلا عن نهب الأرض وتشريد عشرات الآلاف من سكانها. طالبت «حماس» كذلك بتغيير أسلوب التفاوض مع إسرائيل، بحيث لا يكون الأصل فيه هو الإملاء من طرفها والانصياع حظ الفلسطينيين، وإنما يصبح هناك شرط فلسطيني مقابل كل شرط إسرائيلي .
وأن قادة «حماس» وهم يطرحون أفكارهم تلك عبروا عن مرونة شديدة ورغبة في التعامل مع كل ما هو قائم في اتفاقات أو التزامات بواقعية خالية من أي تطرف أو تشنج، وتمسكوا بشيء واحد هو الالتزام بالمصالح الفلسطينية العليا، وأعلنوا صراحة أنهم سيلتزمون بكل ما يخدم هذه المصالح، وسيعارضون كل ما يضربها أو يهددها .
هذه هي «الجريمة» التي لم ولن تغتفر لـ«حماس»، والتي بسببها تكال لها مختلف الاتهامات من التطرف والإرهاب، إلى عدم الاعتراف بشرعية منظمة التحرير، والتهمة الأولى مفهومة من جانب إسرائيل، لكن التهمة الثانية تعد فضيحة سياسية بكل المقاييس لسببين رئيسيين هما :
* ليس صحيحا أن «حماس» رفضت مرجعية أو مظلة منظمة التحرير، لكنها وقعت في القاهرة على بيان في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، اتفقت عليه 12 منظمة وفصيلا فلسطينيا، دعا إلى «تفعيل وتطوير منظمة التحرير... وفق أسس يتم التراضي عليها، بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية، بصفة المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ».
وهو كلام صريح في القبول من حيث المبدأ بمرجعية المنظمة، وبكونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وإن دعا إلى تطوير المنظمة وفق أسس يتم التراضي عليها .
أنك إذا سألت بعد ذلك الطرف الذي تبنى موقف تجميد المنظمة والحيلولة دون تطويرها، فستفاجأ بأنها السلطة الفلسطينية وليس غيرها، وهو ما أشار إليه صراحة الأستاذ بلال الحسن في مقالته التي نشرت على هذه الصفحة قبل أيام (في 26/3)، وقال فيها إن المؤشرات التي تعاقبت خلال السنوات الماضية دلت على أن ثمة توجها حثيثا نحو إلغاء منظمة التحرير لحساب السلطة الفلسطينية في الوقت ذاته برز خلال السنوات الأخيرة جهد دولي مواز لتحقيق ذات الهدف، حيث تم حصر الحديث في الموضوع الفلسطيني في نطاق الضفة الغربية وغزة، حتى لا تعود هناك منظمة تمثل الشعب الفلسطيني كله، وتتحدث عن حق اللاجئين في العودة وفي سياق سعي السلطة إلى إلغاء ما تبقى من مؤسسات ترمز إلى منظمة التحرير ـ أضاف بلال الحسن ـ فان مسؤولية السفارات الفلسطينية نقلت من الدائرة السياسية في المنظمة التي يرأسها فاروق قدومي إلى وزارة خارجية السلطة التي يرأسها ناصر القدوة، كما برز التوجه لإنهاء مسؤوليات الصندوق القومي الفلسطيني وتحويلها إلى وزارة مالية السلطة. إلى غير ذلك من الشواهد التي تكشف عن أن الذي سعى إلى تهميش منظمة التحرير وإلغاء دورها هو السلطة ذاتها، الأمر الذي يضعنا أمام مفارقة عبثية خلاصتها أن السلطة التي ضمت قيادات فتح هي من عمل على تهميش منظمة التحرير وإلغاء دورها، في حين أن «حماس» هي التي تمسكت بأحياء دور المنظمة وإعادة بنائها على أسس قوية تضمن تمثيل كل شرائح المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج . وتبلغ المفارقة ذروتها حين تتهم «حماس» مؤخرا من قبل عناصر اللجنة التنفيذية بأنها لا تعترف بالمنظمة، وتبنى على ذلك قرارها بوقف برنامج حكومتها وتشكيلتها الوزارية .
* الوجه الآخر للفضيحة أن اللجنة التنفيذية التي رفضت البرنامج فاقدة للشرعية، كما قال عبد الباري عطوان بحق، لأنها معينة في حين أن حكومة «حماس» منتخبة، وليس هناك عرف أو عقل أو منطق في عالم السياسة يخول المعين سلطة أو ولاية على المنتخب، حيث شرعية الأخير أثبت وأقوى بمراحل من الأول، ثم أن نصف أعضاء اللجنة (18 عضوا ) أما توفاهم الله أو أنهم مرضى لا يتمكنون من حضور الاجتماعات وأحدهم رهن الاعتقال .
مضافا إلى ذلك أن صلاحيتهم في حكم المنتهية، لان المجلس الوطني الذي يختار أعضاءها لم ينعقد منذ عشرة أعوام، وحين انعقد فقد خصص اجتماعه لتعديل الميثاق وحذف الفقرات التي تتمسك بإطار تحرير الأرض المغتصبة، وهي الفقرات التي استلهمها وأنبنى عليها برنامج حركة «حماس». إضافة إلى ذلك فإن اللجنة المذكورة تعكس واقعا سياسيا وفصائليا كان مهيمنا على الساحة الفلسطينية قبل ثلاثين عاما، حين كانت المقاومة تنطلق من الخارج إلى الداخل، وفي ظل ذلك الواقع جرى توزيع المقاعد في مؤسسات المنظمة (المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية)، وبعض الفصائل الممثلة في اللجنة التنفيذية انقرضت من الحياة السياسية الفلسطينية، والبعض الآخر لم يعد له أي حضور على الأرض، ولم يفز بمقعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة .
خلال العقود الثلاثة المشار إليها تغيرت خرائط الواقع الفلسطيني والمحيط العربي، ودخلت القضية مرحلة التآكل والتفكيك، الأمر الذي افرز واقعا مختلفا تماما، أحدث استجابات فلسطينية جديدة تشكلت كلها خارج الأبنية التقليدية القائمة في الساحة الفلسطينية، ولا يعقل أن يحاكم كل الوضع الجديد ويتحدد مصيره من خلال الكيانات البالية التي تجاوزها الزمن والتي كان رئيس السلطة الفلسطينية السيد أبو مازن، يتجاهلها ويمتنع عن حضور اجتماعاتها .
لا أتردد في القول بأن انتخابات «حماس» كان بمثابة انتفاضة فلسطينية ثالثة، بطلها الحقيقي هو الشعب الفلسطيني الذي صوت أغلبيته ضد نهج التنازل والانصياع، ولصالح نهج التصحيح المقاوم، لذلك فإن مسلسل الحصار والكيد والإصرار على إفشال مشروع «حماس»، لا يسعى لتعويض حكومة «حماس» بقدر ما أنه يستهدف إجهاض تلك الانتفاضة، وأيا كانت الذرائع التي تساق من جانب عناصر السلطة وقيادات فتح فالقدر الثابت أن مكائدها هذه تصب مباشرة في صالح إسرائيل، وتلبي أشواق المحافظين المتهيمنين المهيمنين على القرار الأميركي .
الشواهد المختلفة تدل أيضا على أن مسلسل المكائد لن يتوقف عند حد، وأن رموز السلطة وقيادات فتح ومن لف لفهم جعلوا «قضيتهم المركزية» هي إجهاض الانتفاضة الجديدة بكل السبل، وقد رأينا كيف جرت الألاعيب التي منعت «حماس» من المشاركة في القمة العربية، وكيف مورست الضغوط لمنع الفصائل الفلسطينية الأخرى في المشاركة في الحكومة الجديدة، وكيف نجحت تلك الضغوط في رفع الوزير المسيحي المرشح الذي نجح بأصوات «حماس» إلى الاعتذار عن عدم قبول منصب وزير السياحة بعد الإعلان عن التشكيلة الوزارية الجديدة، وكيف يستعان بالمنظمات الأهلية الفلسطينية لإنجاح مخطط الإفشال المنشود، كما ليست غائبة عن الأذهان فضيحة المراسيم التي أصدرها المجلس التشريعي المنتهية ولايته، والتي استهدفت إحكام الحصار من حول «حماس» وشل حركة حكومتها .
من العار أن تكون هذه هي القضية التي تنشغل بها عناصر السلطة وقيادات فتح في المرحلة الراهنة، غير مبالية لا بمصير القضية ولا بهموم المجتمع الفلسطيني، ولا بالهجوم السياسي الإسرائيلي الشرس، الذي اهتبل فرصة ذلك الصراع البائس لتكريس التوسع ومصادرة غور الأردن ورسم الحدود وفرض المزيد من الحواجز ومن ثم أحكام الإمساك بخناق الشعب الفلسطيني .
وقد تنجح مساعي الكيد التي تملأ الساحة الفلسطينية الآن، والله وحده يعلم النتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك، لكن التاريخ لن يرحم الذين يقدرون ويحركون تلك المساعي، سواء من وراء ستار أو من فوق مقاعد السلطة .